3 عوامل توتر يجب على القادة معالجتها في مكان العمل الهجين

6 دقائق
ثقافات العمل الهجين
الرسم التوضيحي: جميل لو

ملخص: يشكل تطبيق السياسات والإجراءات المناسبة في ثقافات العمل الهجين صعوبة كبيرة حتى على القادة الملتزمين بالشمول في مؤسساتهم. وبدلاً من أن يبذل القادة جهداً كبيراً في محاولة فهم الوضع، يتعين عليهم معالجة 3 عوامل توتر: السماح للموظفين بالعمل في الأوقات والأماكن التي يريدونها مع مطالبتهم بأن يكونوا متاحين باستمرار، وشعور الموظفين بالعزلة مع شعورهم بأن العمل عن بعد ينتهك مساحاتهم الشخصية، وتحديد السياسات الممكنة في البيئة الهجينة في مقابل السياسات التي يُكافأ الموظفون على اتباعها. تقدم المؤلفتان نصائح حول التعامل مع كل عامل من عوامل التوتر هذه على نحو يمنح الأولوية للشمول.

 

مع تحول العمل الهجين من نهج إسعافي مؤقت في عصر الجائحة إلى نهج العمل الطبيعي، يتساءل كثير من القادة عن الطريقة التي يمكنهم اتباعها في بناء ثقافة هجينة تتسم بالشمول. كشفت الجائحة عن اللا مساواة في العمل في نواحي تقديم الرعاية والانتماء العرقي وحتى العمر، وفي حين أن الفرصة متاحة "لإعادة البناء على نحو أفضل"، فالطريق نحو "الأفضل" ليس واضحاً حتى بالنسبة للقادة الملتزمين بالشمول في مؤسساتهم. وأحد أهم الأسباب هو أن ترتيبات العمل لا تناسب جميع الموظفين بنفس الدرجة، ونفس السياسة أو "الامتياز" الذي يستفيد منه بعض الموظفين ويجعلهم يشعرون بالانتماء يجعل موظفين آخرين يشعرون وكأنهم لا ينتمون إلى العمل أو غير قادرين على النجاح فيه.

لذا، يتعين على المؤسسات والفرق معالجة 3 عوامل توتر رئيسية في تصميم ثقافة العمل الهجين؛

  • عامل التوتر الأول هو السماح للموظفين بالعمل في الأوقات والأماكن التي يريدونها مع مطالبتهم بأن يكونوا متاحين طوال الوقت.
  • عامل التوتر الثاني هو شعور الموظفين بالعزلة حين يعملون بعيداً عن المقر المكتبي مع شعورهم بأن تكنولوجيا التواصل تنتهك مساحاتهم الشخصية.
  • عامل التوتر الثالث والأخير هو السياسات الممكنة في مكان العمل الهجين في مقابل السياسات المفضلة التي يُكافأ الموظفون على اتباعها.

يعتمد التوازن المناسب في كل مؤسسة على الأولويات التنظيمية وعلى الموظفين واهتماماتهم، ولكن تحديد عوامل التوتر هذه وتسميتها سيمنح القادة نقطة انطلاق لوضع الاستراتيجية المناسبة.

عامل التوتر الأول: العمل في أي وقت في مقابل العمل طوال الوقت

عامل التوتر الأول الذي يتعين على المؤسسات وقادتها معالجته هو السماح للموظفين باختيار وقت العمل ومكانه مع فرض توقع متعمد أو غير متعمد بأن يكونوا متاحين طوال الوقت. أكدت الأبحاث أن "الموظف المثالي" مطالب بأن يكون متاحاً في أي وقت من أي يوم من العام طوال حياته المهنية بأكملها، وفي أثناء الجائحة وضعت توقعات الموظف المثالي هذه عبئاً ثقيلاً جداً على عاتق النساء اللاتي يعملن في وظائفهنّ إلى جانب حمل المسؤولية الأساسية عن تقديم الرعاية لأفراد أسرهنّ.

تتمثل إحدى الطرق لمواجهة توقعات الإتاحة الدائمة في منح فريقك المرونة لاختيار أوقات عملهم مع توضيح ضرورة تحديد أوقات لا يتصلون فيها بالإنترنت. ثمة أدلة قوية على أن قدرة الموظف على التحكم بجدول عمله تساعده في الحفاظ على اندماجه في العمل وحماية رفاهته. ولكن يجب أن تحرص المؤسسات عند إتاحة المرونة على عدم إرسال إشارات للموظفين بأن عليهم العمل أو البقاء متاحين طوال الوقت. وبالفعل، ازداد متوسط ساعات العمل في أثناء الجائحة وازدادت احتمالات أن يرسل الموظفون رسائل إلكترونية بعد ساعات العمل التقليدية. وبعيداً عن الجائحة، إذا لم يضع الموظف حدوداً بين العمل والحياة المنزلية ولم يتمكن من التوقف عن العمل فعلى الأرجح أنه سيعاني من الاحتراق الوظيفي.

إحدى السياسات التي اتبعتها بعض المؤسسات لمعالجة عامل التوتر هذا هي تقييد التواصل خارج أوقات العمل المعتادة. يمكن أن يشكل القادة مثالاً يحتذى به في ذلك عن طريق عدم إجراء مكالماتهم أو إرسال رسائلهم الإلكترونية في وقت متأخر ليلاً مثلاً وإضافتها إلى جدول أعمال يوم العمل التالي بدلاً من ذلك. كما بإمكان من لا يعملون وفق أوقات العمل المعتادة إضافة رسالة إلى توقيعهم على الرسائل الإلكترونية تقول شيئاً مثل: "قد لا تتطابق ساعات عملي مع ساعات عملك، لكن ذلك لا يستدعي منك الرد خارج أوقات عملك"، ما سيعزز القاعدة.

ثمة طريقة أخرى متمثلة في تحديد الأوقات التي يجب ألا يعمل فيها أحد على نطاق الشركة بأكملها. مثلاً، عندما طبقت شركة "بوسطن كونسلتينغ جروب" (Boston Consulting Group) آلية رسمية تفرض على الموظفين أخذ أيام وليالي إجازات مخطط لها مسبقاً أبلغ الموظفون عن ارتفاع مستوى رضاهم الوظيفي وازدياد احتمالات قضاء حياة مهنية طويلة في الشركة وارتفاع مستوى رضاهم عن التوازن بين الحياة الشخصية والعمل.

عامل التوتر الثاني: العزلة في مقابل انتهاك المساحة الشخصية

يتمثل عامل التوتر الثاني الذي يتعين على المؤسسات معالجته في شعور الموظفين بالعزلة مع شعورهم بأن تواصل العمل ينتهك مساحاتهم الشخصية في نفس الوقت. ذكّرتنا الجائحة بأن التواصل مع الآخرين هو أحد الأسباب التي تدفع الموظفين للحضور إلى المقر المكتبي، فالتفاعل مع الآخرين ولو كان وجيزاً يعزز شعوراً عميقاً بالانتماء إلى الفريق وإلى الهوية المؤسسية. ولكن مع سعي القادة لمنح الموظفين فرصة التواصل فيما بينهم افتراضياً، يجب أن يحذروا من شعور الموظفين بأن هذا التواصل ينتهك مساحاتهم الشخصية. مثلاً، شعر الكثير من الموظفين أصحاب البشرة السمراء في الولايات المتحدة أن العمل الافتراضي ينتهك مساحاتهم الشخصية بدرجة كبيرة؛ في حين أن المنزل كان فيما مضى مساحة خاصة لأشكال التعبير الثقافي الأصيل، فقد حولت الاجتماعات الافتراضية عبر اتصال الفيديو هذه المساحة التي كانت آمنة إلى نقاط تركيز تتوجه إليها أنظار الجميع.

من أجل التغلب على الشعور بالعزلة يمكن للمؤسسات أن تعيد تشكيل التواصل الاجتماعي عن طريق تقوية علاقات الصداقة. سمعنا عن شركات تفرض على موظفيها الالتزام بوقت اجتماعي أسبوعي، مثل تخصيص 20 دقيقة لمناقشة مواضيع مختلفة خفيفة ولكنها شخصية، كالتحدث عن الأفلام المفضلة أو أفضل ذكريات احتفالات أعياد الميلاد. وحتى التواصل السريع مع الزملاء قادر على تخفيف الإرهاق العاطفي الذي تسببه الوحدة والمساعدة في الوقاية من الاحتراق الوظيفي.

وكي لا تنتهك هذه المحادثات خصوصية موظفيك شجعهم على الاستفادة من حرية التصرف فيما يتعلق باختيار المعلومات التي يشاركونها عن أنفسهم وأخبرهم أنه لا بأس في الحفاظ على خصوصيتهم حين يحتاجون إلى ذلك أو يفضلونه. مثلاً، يمكن أن يدعو القادة موظفيهم إلى حضور اجتماعات معينة من دون فتح الكاميرا، وذلك سيعود بفائدة إضافية تتمثل في تخفيف إعياء الاجتماعات عبر اتصال الفيديو. أما بالنسبة للاجتماعات التي تحتاج إلى إجراء كثير من النقاشات وأشكال التفاعل وتكون رؤية المشاركين بعضهم لبعض فيها مهمة، يمكن أن تنشئ المؤسسة خلفيات لصورة الفيديو في اجتماعات منصة "زووم" تكون موحدة على نطاق الفريق أو المؤسسة كي تضمن المساواة بين الجميع. وتتمثل فائدة ذلك في تبني ثقافة الفريق أو المؤسسة بصورة فعلية وعدم السماح بتولّد شعور لدى الموظفين بأنهم يحاولون إخفاء المساحات داخل منازلهم.

عامل التوتر الثالث: الممكن في مقابل المفضّل

عامل التوتر الأخير الذي يتعين على المؤسسات معالجته هو الممكن والمفضّل. إحدى أعظم الفوائد التي يعد بها العمل الهجين هي قدرة الأفراد على العمل من المنزل، وبالفعل بينت عدة دراسات أن المرونة تتيح للموظفين ولا سيما الأمهات الاستمرار بالعمل بعد إنجاب الأطفال والبقاء في وظائف شاقة نسبياً وذات أجر جيد في الفترات التي تكون المتطلبات العائلية فيها كبيرة.

على الرغم من احتمال أن يتيح مكان العمل المستقبلي المرونة في ساعات العمل وأماكنه، فالأبحاث السابقة بينت أن الموظفين يتعرضون للعقوبة عندما يستفيدون من مرونة ترتيبات العمل أو الإجازات، لأن الأفضلية في العمل ما زالت تُمنح لبقاء الموظف متاحاً باستمرار وحضوره الشخصي إلى المقر المكتبي. وهذا يخلق تحيز المرونة؛ إذ يوضع الموظف الذي يختار العمل المرن ضمن إطار الصورة النمطية للموظف غير الملتزم الذي لا يستحق المكافآت. ولطالما كافأت المؤسسات الموظفين الذين يعملون لساعات طويلة بغض النظر عن الخيارات التي تتيحها لهم على الورق.

ثمة أحاديث دائرة تقول إن عامل التوتر هذا سيجعل ترتيبات العمل الهجين مؤذية للنساء بصورة خاصة. تخيل أن تتيح الشركة العمل من المنزل في بعض أيام الأسبوع، سيستفيد من يحملون مسؤوليات تقديم الرعاية من هذه الميزة لموازنة احتياجات الحياة الشخصية والعمل، في حين لن يستخدمها من لا يحمل مسؤوليات تقديم الرعاية. وبما أن توزيع المهام المنزلية على أفراد العائلة ليس عادلاً عادة، فمن المرجح أن تطالب النساء بتطبيق سياسات العمل من المنزل وتستفيد منها أكثر من الرجال، وسيؤدي ذلك إلى الإضرار بهنّ من ناحيتي إمكانية الظهور والإتاحة اللتين تسمحان لهنّ بتطوير الشبكات الاستراتيجية التي تؤدي بدورها إلى حصولهن على الترقيات.

ولهذه الأسباب سيكون من الضروري أن يستخدم المدراء وأصحاب الأداء العالي والموظفون الذين لا يحملون مسؤوليات تقديم الرعاية ترتيبات العمل المرن عند الإمكان وتوجيه من لا يستخدمونها وتشجيعهم على استخدامها. مثلاً، يتمتع الرجال عادة بمكانة أعلى في العمل وتزداد احتمالات وصولهم إلى المناصب القيادية، وبالتالي تقل احتمالات أن يتعرضوا للعقوبة بسبب الخروج عن عادات مكان العمل ويمكنهم تأسيس قواعد جديدة فيه.

سيكون القادة الذين يدركون أن عليهم معالجة عوامل التوتر في ثقافات العمل الهجين ضمن الأبعاد التي ناقشناها سبّاقين في بناء ثقافة هجينة شاملة مناسبة للمؤسسات وموظفيها على حدّ سواء. سيضطرون لإجراء بعض المقايضات بلا شك، ولذلك نشجع المؤسسات على اختبار سياسات مختلفة إلى أن يتمكن الموظفون من تقدير مساهمات زملائهم وتعاونهم حتى إن عملوا عبر الإنترنت وفي أوقات غير متزامنة، ويشعروا بأنهم مترابطون حتى إن لم يجتمعوا في مكان واحد، ويؤمنوا بقدرتهم على النجاح في مؤسساتهم حتى وإن كانت تتبع عدة طرق لتنظيم العمل. كشفت الجائحة والنقلة التي تسببت بها إلى العمل الهجين عن اللا مساواة في العمل، ولكن يمكن أن يولّد مستقبل العمل الهجين شعوراً بالانتماء لدى عدد أكبر من الموظفين ويساعدهم على النجاح في مؤسسات تتسم بالشمول بدرجة أكبر.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي