التسويق بالمحتوى في حملة ترامب الانتخابية: كيف تلهم وتُقنع وتؤثر وتفوز؟

4 دقيقة
التسويق بالمحتوى
shutterstock.com/Damien Che

في عالم يشهد تحولات متسارعة في جوانب الحياة كافة، تتزايد التحديات التي تواجه القادة والمؤسسات في مختلف القطاعات، وتصبح المنافسة ملمحاً ثابتاً للحراك الاجتماعي وكذلك الحراك الاقتصادي، وسمة مميزة من سمات مجال الأعمال. ويبين هذا الواقع أهمية أنشطة الاتصال التسويقي في إبراز العلامة التجارية، وتعزيز سمعتها، والتعبير عن قيمها، والتواصل بفعالية مع الجمهور المستهدف. وفي هذا الصدد، يشير الكثير من البحوث والدراسات إلى أن التسويق بالمحتوى من أنجح السبل وأنجع الوسائل وأكفأ الأدوات في بناء الهوية المؤسسية، وترسيخ الصورة الذهنية للعلامة التجارية، وكسب ثقة الجمهور بها. وتوضح دراسة أجراها معهد التسويق بالمحتوى أن 9 من أصل 10 مؤسسات تستخدم المحتوى حالياً في التسويق.

وتوضح مقالة منشورة في هارفارد بزنس ريفيو أن للتسويق بالمحتوى دوراً ملموساً في التأثير على قرارات المستهلكين، واستمالة مشاعرهم، وتوجيه سلوكهم. ولا يقتصر هذا على مجالات التسويق والأعمال فحسب، بل يشمل مختلف مناحي الحياة الأخرى، كالسياسة والاقتصاد وغيرهما. ويتجلى أحدث مثال على ذلك في الحملة الانتخابية الأخيرة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، التي وظّفت استراتيجيات مُحكمة للتسويق بالمحتوى، من شأنها أن تكون دليلاً عملياً تستفيد منه مؤسسات الأعمال في إعداد استراتيجياتها التسويقية.

  • تصميم رسائل موجّهة. أدركت حملة ترامب أهمية تخصيص الرسائل لتُناسب اهتمامات مختلف فئات الناخبين واحتياجاتهم. ففي الولايات المتأرجحة، مثل بنسلفانيا وويسكونسن، حيث كانت النتائج غير محسومة، ركزت الحملة على الرسائل المتعلقة بالوظائف والصناعات المحلية، مثل قطاعات الصلب والفحم، التي تُهمّ شريحة واسعة من الناخبين هناك. على سبيل المثال، أطلقت الحملة في بنسلفانيا إعلانات تُظهر ترامب وهو يزور مصانع الصلب ويتحدث إلى العمال عن سُبل إحياء هذه الصناعة وخلق فرص عمل جديدة، ما أسهم في كسب تأييد العمال وعائلاتهم. ولم تغفل الحملة استهداف "الفئات المنسية" من الناخبين برسائل مخصصة تركز على اهتماماتهم وتطلعاتهم، مثل المزارعين والأفراد ذوي الدخل المتوسط، إذ نشرت الحملة مقاطع فيديو تُظهر مزارعين يتحدثون عن الكيفية التي ساعدت بها سياسات ترامب التجارية خلال حقبة رئاسته السابقة على تحسين أوضاعهم.
  • الدرس المستفاد: من المهم تخصيص الرسائل وتوجيهها بما يتناسب مع اهتمامات كل فئة من الجمهور لضمان فاعلية المحتوى. وقد أوضحت البحوث والدراسات أهمية أن تدرك المؤسسات طبيعة الاحتياجات المختلفة لكل فئة من فئات عملائها، إذ أشارت آنا ريتا لوبيز وبياترز كاسايس في دراستهما بعنوان "التسويق بالمحتوى الرقمي: إطار مفاهيمي وإرشادات عملية"، إلى أن الشركات التي نجحت في تصميم رسائلها على نحو مخصص وموجّه، حققت مستويات أعلى من التأثير والإقناع في أنشطة التسويق بالمحتوى.
  • استخدام السرد القصصي. استخدمت حملة ترامب قوة السرد القصصي لبناء روابط عاطفية مع الناخبين. ومن خلال نشر "قصص النجاح" لأشخاص عاديين تأثروا إيجاباً بسياساته خلال حقبة رئاسته الأولى، خلقت الحملة شعوراً بالأمل والتغيير. على سبيل المثال، روّجت الحملة لمقاطع فيديو تُظهر عمال مصانع تحسّنت أوضاعهم بسبب سياسات ترامب التجارية، ومزارعين استفادوا من استراتيجياته الاقتصادية ذات الصلة. ولم تتم مشاركة هذه القصص على منصات التواصل الاجتماعي فحسب، بل ظهرت أيضاً في إعلانات تلفزيونية، ما ضاعف من تأثيرها ونطاق وصولها.
  • الدرس المستفاد: القصص من أقوى أدوات التواصل التي تخاطب الوجدان وتؤثر في التوجهات والمشاعر. وقد أشارت بحوث كثيرة إلى قدرة السرد القصصي في التسويق على إثارة بواعث التحفيز لدى العملاء وتعزيز ارتباطهم بالعلامة التجارية والمنتج. ويوضح رئيس مجلس إدارة مجموعة ماندالاي إنترتينمنت ورئيسها التنفيذي، بيتر غوبر، في مقابلة بعنوان "فن السرد القصصي الهادف" أن السرد القصصي يساعد الأفراد في التميّز وجذب الانتباه إلى علامتهم التجارية الشخصية، كما تسهم القصص في الإلهام والتعبير عن قيم الفرد وأفكاره وفاعلية تواصله مع الجمهور بما يعزز تأثيره في سلوك الجمهور وطرائق تفكيره.
  • استخدام المحتوى الجريء. لم تتردد حملة ترامب في استخدام المحتوى المثير للجدل لجذب الانتباه وخلق ضجة إعلامية. فقد درجَ ترامب على نشر تغريدات وتصريحات استفزازية بشأن مختلف القضايا، مثل الهجرة غير الشرعية والتجارة العالمية والعلاقات الدولية. وعلى الرغم من أن هذه الاستراتيجية كانت تثير انتقادات معارضيه، فإنها أسهمت في زيادة تفاعل الجمهور وإبقاء اسم ترامب متداولاً في الأخبار.
  • الدرس المستفاد: يمكن للمحتوى الجريء وغير المألوف أن يسهم في جذب الانتباه إلى العلامة التجارية وإثارة النقاش بشأنها وزيادة انتشارها. وهذا ما أوضحه الكاتب الأميركي جاي كونارد ليفنسون في كتابه الصادر عام 1984 بعنوان "تسويق الغوريلا"، الذي استحدث فيه التسمية لهذا الأسلوب التسويقي القائم على إنشاء موجة من الضوضاء وإثارة الانتباه التي تحثّ الزبون على اتخاذ قرار الشراء أو الحديث إيجاباً عن المنتج لزبائن محتملين.
  • إبراز شخصية القائد الملهم. ركز فريق الحملة الانتخابية على إبراز شخصية ترامب القوية والملهمة، وتصويره قائداً شجاعاً لا يخشى اتخاذ القرارات الصعبة. وظهر ذلك في الشعارات والعبارات التي كان يستخدمها، مثل: "سأُعيد أميركا إلى المسار الصحيح" و"أنا لن أستسلم أبداً".
  • الدرس المستفاد: إن القائد الذي يتمتع بشخصية ملهمة له تأثير بالغ في تحقيق أهداف الشركة ودفعها إلى النجاح. ويشكّل أسلوب القيادة الملهمة (Visionary Leadership) أحد الأنواع الستة لأساليب القيادة بحسب تصنيف عالم النفس الأميركي دانييل غولمان، المنشور في مقال بمجلة هارفارد بزنس ريفيو عام 2000. ويشير أسلوب القيادة الملهمة إلى قيادة الآخرين نحو الأهداف من خلال رسم صورة أفضل للمستقبل، ويعدّه غولمان الأسلوب الأكثر فعالية من بين أساليب القيادة الستة.
  • التعاون مع المؤثرين. أدركت حملة ترامب القوة الكبيرة للمؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي في نشر الرسائل والتأثير في الجمهور، فعملت على التعاون مع عدد من أبرز صانعي المحتوى ومقدّمي المدونات الصوتية، مثل جو روغان، ونجوم منصة يوتيوب، مثل نيلك بويز وجايك بول، فضلاً عن العديد من المشاهير في مختلف المجالات، مثل الملياردير إيلون ماسك والمغني جيسون ألدين. ونجحت الحملة من خلال إسهام هؤلاء المؤثرين في نشر محتوى الحملة والترويج لأفكارها وبرامجها، في مضاعفة انتشار رسائلها ووصولها إلى فئات جديدة من الجمهور.
  • الدرس المستفاد: يمكن للشركات أن تستفيد من التعاون مع المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي لتعزيز وصولها والتأثير في شرائح مختلفة من الجمهور والمتابعين. إذ تستخدم الشركات التسويق عبر المؤثرين للوصول بسرعة وبسهولة إلى عدد كبير من العملاء المحتملين والمستهدفين، كما يمكنها تحسين سمعتها وعلامتها التجارية وجودة منتجاتها، وترسيخ مصداقية العلامة التجارية، وبناء الثقة بالاستفادة من سمعة الشخصية المؤثرة واحترام جمهورها لها.

تقدّم لنا حملة ترامب الانتخابية دروساً قيّمة بشأن أنجح السُبل لتوظيف المحتوى بفعالية لتحقيق النجاح في مختلف المجالات، ولا سيما مجال الأعمال. وأثبتت هذه الحملة أن المحتوى أداة بالغة التأثير في بناء جسور التواصل الوثيق مع الجمهور، وكسب ثقته وتعزيزها، واستمالة مشاعره، والتأثير في سلوكه. ومن شأن تنويع جهود المحتوى وتخصيصها لتلبية احتياجات كل فئة من فئات الجمهور الإسهام بقوة في نجاح أي استراتيجية تسويقية وتحقيق أهدافها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي