بناءً على ردود الفعل على مقالنا السابق حول المتطلبات المتزاحمة التي يواجهها القادة لإبداء التعاطف وتحقيق النتائج في آن معاً، ونظراً لعملنا الجاري وأبحاثنا في عدد من الشركات في العالم، توصلنا إلى أن مدراء الإدارة الوسطى هم من يعانون أشد درجات هذا الضغط، إذ يشعرون بالتشتت بين مطالبات الموظفين لهم من أجل زيادة التعاطف ومتطلبات الأداء التي تفرضها القيادة العليا.
خذ مثلاً ياسر (ليس اسمه الحقيقي) الذي يدير فريق علاقات الزبائن في شركة للتكنولوجيا المالية مدعومة بالأسهم الخاصة. عانى القطاع بأكمله تزايداً كبيراً في استنزاف الموظفين، ويجاهد ياسر للحفاظ على معنويات الموظفين واستبقاء أهم أصحاب المواهب، ويعمل موظفوه ساعات طويلة بصورة استثنائية لتلبية احتياجات الحسابات بعد استقالة مدير علاقات العملاء. ولكن يبدو أن كل موظف يواجه تحدياً خاصاً به في نفس الوقت، فأحدهم له ابن مراهق يعاني الإدمان والآخر يعالج أحد والديه في المستشفى، وتم إنهاء عقد إيجار منزل إحدى الموظفات في حين تضررت منازل عدد من الموظفين الآخرين بحرائق الغابات. وفي نفس الوقت، يواجه ياسر ضغوطاً شبه يومية من المسؤولين التنفيذيين الذين يرزحون بدورهم تحت ضغط من مجلس الإدارة، لأن معدلات رضا العملاء تنخفض بشدة في عدد من الحسابات الرئيسة.
المعضلة التي يواجهها ياسر نمطية، ومطالب كل من مدرائه وموظفيه متوقعة تماماً إن أخذنا في الاعتبار العوالم التي يعيشون فيها.
تتم غالبية التفاعلات المتكررة والبارزة التي يواجهها المسؤولون التنفيذيون مع أصحاب المصالح من مساهمين ومجالس إدارة ومحللي السوق وغيرهم ممن يحمّلون هؤلاء التنفيذيين المسؤولية عن أداء الشركة، والقاعدة العامة هي أن المساهمين وأعضاء مجالس الإدارة لا يطرحون أسئلة كافية بشأن أحوال الموظفين الذين يديرهم القائد، إلى جانب أن المسؤولين التنفيذيين معزولون عادة عن نطاق المشكلات التي يواجهها موظفوهم ومجالاتها، وحتى عندما يحاول كبار القادة طلب معلومات عنها يتظاهر معظم الموظفين بالشجاعة لأنهم يخافون من إظهار ضعفهم أو حساسيتهم. أما كبار القادة فتكبلهم سيكولوجيتهم الخاصة: تبين الأبحاث أن القوة تقلص المشاركة الوجدانية، ما يعني أنهم لا يتعاطفون مع موظفي الخطوط الأمامية وما يواجهونه من تحديات، ولا مع مدراء الإدارة الوسطى الذين يتعين عليهم التعامل مع هذه التحديات بصورة يومية. تتحد جميع هذه العوامل لتنتج مسؤولين تنفيذيين يركزون بشدة على تلبية أهداف الأداء ولا يدركون احتمال أن تكون متطلبات الأداء التي يلقونها على عاتق مدراء الإدارة الوسطى غير منطقية بالنظر إلى ما يحدث على صعيد الخطوط الأمامية.
وبذكر الخطوط الأمامية، فكر في عالَم موظفيها، فيما يتعلق بالحاجة إلى زيادة التعاطف حيث يواجه جميع الموظفين تحديات وعوامل ضغط (مثل الصحة النفسية والجسدية والديناميات الشخصية والالتزامات العائلية وما إلى ذلك)، ولكن تقل احتمالات امتلاكهم الموارد اللازمة لتخفيف بعض هذه الأعباء التي تشمل رعاية الأطفال أو المسنين أو تدريس الأبناء. أضف إلى ذلك أن بعض عوامل الضغط (مثل الأمن الوظيفي) تزداد بينهم، إلى جانب أنهم يعتبرون أن عملهم يركز على مهام محددة ولا يفهمون مدى تأثير أفعالهم على أداء الشركة. يعني كل ذلك أن موظفي الخطوط الأمامية يعانون عوامل ضغط أكثر، ويملكون موارد أقل للتعامل معها وفهماً أقل للضغط الذي يتعرض له مدراؤهم لتحقيق النتائج وأسبابه.
كيف يمكن لمدراء الإدارة الوسطى التعامل مع عوامل الضغط المتزاحمة هذه؟ ركز على مجموعتين من الإجراءات. أولاً، اعمل على زيادة التعاطف أو زيادة "القدرة على التعاطف" في المؤسسة؛ أي ساعد على إعداد كل من كبار المسؤولين التنفيذيين والموظفين لحمل جزء أكبر من مسؤولية التعاطف كي لا تقع بأكملها على عاتقك وحدك. ثانياً، اعمل مع كل من المسؤولين التنفيذيين والموظفين لتخفيض الضغط المدرَك الناجم عن متطلبات الأداء.
اعمل مع المسؤولين التنفيذيين لزيادة التعاطف وتغيير الحوار المتعلق بالأداء
وفقاً لخبرتنا، سيعزم معظم المسؤولين التنفيذيين على زيادة التعاطف بدرجة أكبر تجاه موظفيهم وتقديم دعم أفضل لهم إذا فهموا مشكلاتهم بصورة أوضح. لذا فأول خطوة يتخذها مدراء الإدارة الوسطى لدفع كبار القادة للمشاركة في حمل مسؤولية إنشاء قيادة متعاطفة تتمثل في تعليمهم عن طريق مشاركة البيانات ("إخبارهم" بالمشكلات) ودفعهم لمعايشة بعض المشكلات بصورة مباشرة (جعلهم "يرون" المشكلة).
يتعلق "إخبار" القادة بتصحيح مسار تدفق المعلومات عن طريق لفت انتباه كبار القادة إلى حجم المشكلة وما يمر به موظفو الخطوط الأمامية وتأثيره على مدراء الإدارة الوسطى. لاحظنا أن عرض بعض البيانات البسيطة جداً له أثر كبير، مثل توضيح عدد الموظفين الذين يواجهون صعوبات ونوع هذه الصعوبات وما يحتاجون إليه للتعامل معها، ودعماً لذلك يمكن لمدراء الإدارة الوسطى الاستعانة باستقصاء نبض الشركة من أجل فهم معدلات اندماج الموظفين ومخاوفهم ومستويات توترهم.
أما جعل القادة "يرون" المشكلة فهو اعتراف بعدم وجود بديل للتجربة الفعلية المباشرة، ولاحظنا أن قدرة القادة على زيادة التعاطف تزداد إذا رأوا وسمعوا بأنفسهم حاجة الموظفين للتعاطف. تتعارض هذه النصيحة مع غريزة بعض مدراء الإدارة الوسطى الذين يفضلون تفادي هذه المحادثات بين مرؤوسيهم المباشرين ومدرائهم كي يكون بإمكانهم التحكم بالرواية، في حين لا يرغب بعضهم الآخر في إزعاج قادتهم بهذا النوع من التفاصيل. ولكن إذا عملت على تيسير التواصل بين هذين المستويين وجمعت بين كبار القادة والموظفين، عن طريق محادثات غير رسمية مع تناول فنجان قهوة مثلاً، فسيكون لدى القادة قدرة أكبر على التعاطف مع الموظفين ثم المساعدة في إنشاء الحلول.
قبل الشروع بتنفيذ أي من هذه الأساليب، يجب أن تدرك أن الإطار الذي تستخدمه مهم جداً، وإذا لم تحسن إدارته فستبدو أنك تضع أعذاراً لعجزك عن تحقيق أهداف الأداء. احرص على توضيح أنك تدرك سذاجة التفكير في إمكانية أن تلغي الشركة ضغط الأداء (أو أن ترغب في ذلك)، وساعد كبار القادة على إعادة صياغة التعاطف على أنه من ضرورات الأداء إذ سيحسنه بدرجة كبيرة الآن وعلى المدى الطويل بصورة خاصة. إحدى الحيل البسيطة لتفادي صياغة التعاطف على أنه وضع أعذار هي عرض هذه التحديات قبل ظهور أي أثر سلبي على الأداء.
عزز الموظفين وتواصل معهم وحفزهم
صحيح أنه يجب عليك زيادة التعاطف تجاه موظفيك، لكن ليس عليك أن تصلح كل شيء بنفسك، بل أن تمنحهم الأدوات اللازمة ليساعدوا أنفسهم. توصلت أبحاث جديدة إلى أنه في بعض الأحيان تكون التحديات التي تستدعي التعاطف "عدواً خفياً"، إذ لا يدرك الموظفون ما يجري. مجدداً، تتمثل الخطوة الأولى من الحل في التعزيز بالبيانات. مثلاً، تستعين واحدة من شركات التأمين الكبيرة بأدوات تحليل البيانات التي تقيس أنشطة الموظفين على المنصات الرقمية مثل "مايكروسوفت تيمز"، ويتم عرض النتائج على لوحة المتابعة الخاصة بالموظف لمساعدته في فهمها وتصور ما يمكنه فعله بطريقة مختلفة من أجل إثراء مجتمعه أو تعزيز رفاهته الخاصة. مثلاً، تشير الإحصاءات إلى أن مشاركة أحد الموظفين في المنظومة الإلكترونية تراجعت، وبالتالي قد تحثه رسالة ناصحة قصيرة حول هذا الأمر على تسجيل الدخول إلى المنظومة ورؤية ما إن كان أحد أفرادها بحاجة إلى المساعدة أو طرح سؤال ما.
ولكن البيانات هي جزء من الحل ليس إلا. ثمة طريقة أخرى تتيح للمدراء مساعدة الموظفين تتمثل في مساعدتهم على بناء العلاقات مع الآخرين وبالتالي تحسين شبكة الدعم الخاصة بهم. تسببت السنتان الماضيتان بتقلص شبكات معارف الموظفين بدرجة كبيرة، إلى جانب أن كثيراً من الشركات التي نعمل معها شهد في أثناء هاتين السنتين زيادة بنسبة 30% في عدد الموظفين الصغار، ما يعني أن بعضهم لم يلتق بزملائه الموظفين شخصياً على الإطلاق. في حين أن ذلك بعيد كل البعد عن الوضع المثالي من منظور الدعم، فهو يعني من الجانب الإيجابي أن الاستثمارات التي أجرتها الشركات لمساعدة موظفي الخطوط الأمامية في التواصل فيما بينهم أصبحت أهم من أي وقت مضى. تتوفر موارد ممتازة حول الطرق المتبعة في بناء شبكات المعارف الصحية(وتيسيره)، ويشمل ذلك جزءاً مهماً يتمثل في مساعدة موظفيك على إدراك القيمة الكامنة في هذه الشبكات. تذكّر أن التكلفة الأولية لهذه الاستثمارات تعوضها الفوائد الطويلة الأجل، إذ تمنح شبكات المعارف الصحية الموظفين موارد أخرى يستفيدون منها في التعامل مع التحديات التي يواجهونها، ما يؤدي إلى تقليل المطالب المستقبلية التي توجه إلى مدراء الإدارة الوسطى.
خفف الضغط الذي تمارسه القيادة العليا بشأن الأداء
فيما يتعلق بالتعامل مع الضغط لتحقيق أداء جيد، تذكر أننا لا نقول إنه يجب على المؤسسات السعي لخفض مستوى الأداء، وإنما السؤال: كيف يمكن لكبار القادة حث الموظفين على تقديم أداء جيد بطرق تقلل الضغط وتزيد الحماس في العمل؟
أشرنا آنفاً إلى أن الكثير من موظفي الخطوط الأمامية لا يفهمون سوى ما يطلب منهم أداؤه دون فهم أسبابه، وبالتالي فمن المهم مساعدتهم على رؤية صورة أوضح عن عوامل الضغط المتعلقة بالأداء التي تواجهها الشركة وتقديرها. وفقاً لخبرتنا، لا يمضي كثير من المسؤولين التنفيذيين الكثير من الوقت في شرح عوامل ضغط السوق التي يواجهونها للموظفين (أو لا يسعون لحمايتهم منها) إذ يعتقدون أنها لا تهمهم، لكن ما يعجز هؤلاء المسؤولون التنفيذيون عن إدراكه هو أنه إذا أثرت عوامل الضغط هذه على المتطلبات التي يلقونها على عاتق هؤلاء الموظفين فهي تهمهم بالفعل، ومساعدة الموظفين على فهم أسباب نشوء عوامل الضغط يساعدهم على استيعابها. وفي سياق متصل، تبين الأبحاث أن حماس الموظفين واندماجهم في العمل يزداد عندما يشعرون بأنهم يتبنون غاية محددة، وبالتالي فأخذ الوقت لمساعدتهم على فهم كيف يسهم عملهم في تحقيق أهداف الشركة النهائية وصلته بها يسهم في تخفيف الضغط.
بالطبع، يعتمد كل ذلك على قدرة مدراء الإدارة الوسطى أنفسهم على التحمل. تذكر أنه لا يمكن لأي مدير مساعدة موظفيه بفعالية إذا كان يعاني الاحتراق الوظيفي. لذا يقع على عاتقك بذل الوقت والجهد اللازمين للعناية بنفسك وتحسين شبكات الدعم الخاصة بك، ويقع على عاتق المسؤولين التنفيذيين أن يكونوا قدوة يحتذى بها في هذه السلوكيات كي تتحقق المنفعة للمؤسسة بأكملها.