10 مبادئ في الإدارة والريادة مستخلصة من سيرة جيف بيزوس مؤسس أمازون

10 دقيقة
مبادئ في الإدارة والريادة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بعد 30 عاماً أمضاها في قيادة شركة أمازون وتحويلها إلى عملاق عالمي، وثاني شركة أميركية بعد آبل تبلغ قيمتها تريليون دولار، قرر مؤسس أمازون جيف بيزوس الاستقالة من عمله بصفته رئيساً تنفيذياً والاكتفاء بدوره رئيساً لمجلس الإدارة، والهدف، كما أعلن، هو التفرغ لإدارة شغفه في مشروع كان يسير به جنباً إلى جنب وبصمت مع أمازون، إنه مشروع وحلم الفضاء. في هذه الفترة فقط بدأ هذا الرجل الانطوائي يخرج عن صمته، وبتنا نعرف اليوم أكثر من أي وقت مضى سيرة حياته ونموذجه الفريد في القيادة. فقبل أشهر، وفي أواخر العام 2020، ظهر كتاب يحكي لأول مرة قصة جيف بيزوس. في هذا الكتاب الذي يحمل عنوان “ابتكر وانطلق” (Invent & Wonder)، والذي جمعه مؤلف سير المشاهير والتر إيزاكسون، وهو الكاتب والباحث الذي كتب السير الذاتية لهنري كيسنجر، وبنجامين فرانكلين، وألبرت أينشتاين، وستيف جوبز. يروي إيزاكسون قصة جيف بيزوس وسيرته، بدءاً من طفولته التي أثّرت في منهجه في التفكير والشغف الذي أثّر في حياته حتى اليوم، مروراً بطريقته بالتوظيف واتخاذ القرارات وإدارة الاجتماعات وتنفيذ المهام، إذ نجد لأول مرة تفسيراً لسر بناء أمازون عبر مبدأ مركزية الزبون، وصولاً إلى تفسير سبب قرار بيزوس الاستقالة والتحول إلى التركيز على مشروعه الفضائي مع بداية العام 2021، وهو القرار الذي سيبدأ تطبيقه في الربع الأخير من العام الحالي.

فكيف نشأ هذا الفتى الانطوائي صاحب الضحكة المدوية، وما مبادئه التي أوصلته إلى عرش أغنى أغنياء العالم؟

مبادئ في الإدارة والريادة

أستخلص اليوم 10 دروس من سيرته، اعتماداً على ما ورد في هذا الكتاب، إضافة إلى مراجعة لأغلب رسائل جيف بيزوس للمساهمين، وخاصة أول رسالة أرسلها في عام 1997، وآخر رسالة نُشرت في شهر أبريل/نيسان من العام الحالي 2021. ومنها أحاول الغوص في عقل جيف بيزوس وسيرته للخروج بأبرز ملامح طريقته ومنهجه في الإدارة والريادة، وأضعها في سياق الأبحاث التي توصل إليها الباحثون عبر مقالات هارفارد بزنس ريفيو والكتب المتخصصة في الابتكار والريادة والقيادة لنصل إلى دروس مستخلصة.

ومن أهم مبادئ الإدارة والريادة:

1. مبدأ الانطلاق بلا هوادة عند بيزوس

ولِد جيف بيزوس في عام 1964، أي أنه ولد في العقد الذي ولد فيه كل من مؤسس مايكروسوفت، بيل غيتس، ومؤسس آبل، ستيف جوبز، ومؤسس نتفليكس، ريد هايستيغز، والرئيس الأشهر لشركة جوجل، إريك شميت، وغيرهم، ممن يعتبر الباحث والكاتب الشهير مالكولم غلادويل في كتابه “المتميزون” (Outliers) أنهم ولدوا في عصر تحول كبير واستغلوا الفرصة، فقد ولد هؤلاء في منتصف الخمسينيات وبداية الستينيات، ومعنى ذلك أنهم أصبحوا شباباً عندما حدث عصر التحول إلى الكمبيوتر عام 1975، فقد نشأ هؤلاء في بيئة متحمسة للابتكار والصعود بلا هوادة إذ تزامنت فترة شبابهم ويفاعتهم مع أول غزو للفضاء يقوم به الإنسان، ولا عجب في أن حالة الابتكار والانطلاق بلا حدود كانت ولا تزال تأسر خيال جيف بيزوس، فهو يتذكر الآن، بحسب الكتاب، أنه قال لزملائه في المدرسة الثانوية إن حدوده الفضاء، ثم لاحقه هوس “اللاحدود” لدرجة أنه أطلق بداية اسم (Relentless) ويعني “بلا هوادة وبلا حدود” اسماً لشركته بدلاً من أمازون.

لقد كانت تلك الظروف التي عاصر فيها بيزوس ظهور الكمبيوتر وغزو الفضاء هي التحول الكبير الذي عاشه، ويعتبر غلادويل أن فترات التحول الكبرى كانت عبر التاريخ الحديث فرصة لظهور أغنى أغنياء العالم ممن يستغلون الفرصة، ويضرب على ذلك مثلاً آخر يكشف فيه أن أغنى 75 شخصاً على مر التاريخ، كان بينهم 20 أميركياً ولدوا في ثلاثينيات القرن التاسع عشر وأربعينياته، لماذا؟ لأن هؤلاء كانوا شباباً عندما ظهر أكبر تحول على مر قرون من تطور البشرية، وهو ظهور السكك الحديدية وظهور سوق “وول ستريت” لبدء تداول الأسهم على الشركات، فقد كان هؤلاء محظوظين في التوقيت لكنهم استغلوا الفرصة.

واليوم نرى بأعيننا مَن استغل فرصة التحول الكبير بظهور عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ثم سيظهر مَن سيستغل فترات التحول الأخرى كالتي نشهدها في التحول الرقمي الكبير الذي يعيشه العالم الآن.

2. مبدأ الفضول عند بيزوس

عُرف بيزوس في طفولته بالفضول الشديد وإطلاق الضحكة العالية ذات الصدى تعبيراً عن دهشته لكل جديد، وكان فضوله يدفعه إلى البحث عن طرق مبتكرة للمساعدة في إصلاح الآلات، ومنها البلدوزر الذي تعطّل في مزرعة جده. ويصف نفسه في آخر رسالة للمساهمين، بأنه “مخترع” وشرح ذلك، بأنه يعمل دوماً على اختراع “القيمة” وخلق أفضل بيئة عمل لأصحاب المهارات. ويعتبر في هذه الرسالة أن الإنسان إذا توقف عن الحركة والابتكار فسوف يموت.

وقد عزز بيزوس مهارة الفضول وحب الابتكار بالقراءة وخاصة الكتب العلمية التي تكشف عن مغامرات وخروج عن المألوف. وكان جده يأخذه إلى المكتبة في الصيف ليقرأ مئات الكتب العلمية، وكان شغوفاً بكتب الكاتب الأميركي من أصل روسي، إسحق عظيموف، الذي ألّف نحو 500 كتاب خيال علمي. وكان كذلك مولعاً بكتب روبرت أنسون هيينلين، وهو كاتب أميركي متخصص في الخيال العلمي، كان يطلق عليه لقب “عميد كتاب الخيال العلمي”، وقد ركز في كتاباته على قوة الفرد والاعتماد على النفس، وربما أسهم ذلك في تعزيز هذا المبدأ لدى بيزوس. فقد نشأ في ظروف عززت ثقته بالنفس وحبه للمغامرة، ويعزو بيزوس الفضل في تطوير ثقته بنفسه إلى والدته جاكي. ثم تعزز ذلك عبر تربيته على يد زوج أمه مايك، الذي جاء إلى أميركا مغامراً هارباً من حكم فيديل كاسترو في كوبا بعمر 16 عاماً، ولم يكن يرتدي يومها سوى قطع من ثياب مرقّعة. وهكذا تعلّم هذا الطفل أن طلاق والدته، ثم زواجها من مهاجر لديه تاريخ من المعاناة، كان يمكن أن يكون مناخاً كئيباً ومحبطاً، لكنه وبفضل والدته وزوجها، تعلّم من هذه التجربة الصلابة.

3. توسيع الأفق والمدارك عند بيزوس

في عام 1969 انطلقت رحلة “أبولو 11” إلى القمر، وشاهد الطفل رائد الفضاء نيل أرمسترونغ يخطو على سطح القمر، فأسر ذلك قلبه واهتمامه وزاد ولعه بالعلوم والخيال العلمي، وتابع حلقات المسلسل العلمي الذي يتحدث عن الكائنات الفضائية “ستار تريك” بشغف كبير مع عائلته، ما زاد اهتمامه بالفضاء والخيال العلمي وأسهم في تكوينه ليكون شخصاً متعدد الاهتمامات وذا رؤية شاملة. وهو أمر أثبتته الأبحاث لاحقاً، ففي كتاب صدر في عام 2019، الذي سرعان ما صار الأكثر مبيعاً، للباحث ديفيد أبستاين بعنوان “المدى” (Range)، أثبت الكاتب عبر بحث في سير العظماء، أن معظم العباقرة الذين حصلوا على جوائز “نوبل” كانوا من ذوي المعرفة الواسعة، ولم يقتصر اهتمامهم على تخصصاتهم الدقيقة. وهذا ما ناقشه بحث آخر نُشر في هارفارد بزنس ريفيو بعنوان “عندما يكون ذوو الخبرة العامة أفضل من المتخصصين والعكس صحيح“. وإذا رجعنا إلى خيرة العلماء العرب عبر ما يطلق عليه “العصر الذهبي” مثل ابن حيان، والخوارزمي، والزهراوي، والرازي وغيرهم، فإنهم جميعاً كانوا علماء متعددي التخصصات، فقد كانوا في الوقت نفسه علماء في الفلسفة والطب والفلك والرياضيات إضافة إلى تخصصاتهم الأصلية.

4. مبدأ التركيز والتدفق عند بيزوس

تعلّم بيزوس التركيز على المهمات لدرجة أن مدرسيه في المدرسة الابتدائية كانوا يشتكون بأنه إذا ركز في مهمة أو عمل يصعب تحويله عنه، وقد اشتكى المدرسون إلى والدته من هذه الظاهرة، وأخبروها بأنهم كانوا يضطرون إلى هز كرسيه وتحريكه لجعله يتوقف عن العمل. ويعلّق بيزوس على هذه الظاهرة، بأنها مستمرة معه حتى اليوم، ويقول في الكتاب: “من يعمل معي إلى اليوم، يعرف بأن هذه العادة تلازمني حتى الآن”.

ماذا تعني هذه العادة؟ إنها عادة العمل العميق التي تتحقق عندما يصل الإنسان إلى حالة من التركيز المطلق لدرجة ينسى معها ما هو عليه ويركز فقط على إنجاز مهمته ناسياً الزمان والمكان من حوله، وهو مفهوم علمي أطلق عليه عالم النفس الشهير ميهاي تشيكسنتميهاي اسم “التدفق“، وظهر منذ عام 1975، في مختلف الدراسات والكتب التي تتحدث عن التركيز المطلق الذي يمتاز به الناجحون.

5. مبدأ مقياس الندم عند بيزوس

بعد فراغه من دراسة الهندسة الإلكترونية وعلوم الكمبيوتر، عمل في شركة كبرى تدير صندوقاً للتحوط، وكانت مهنة مرموقة وذات أجر جيد بالنسبة له. وفي منتصف التسعينيات عندما كان عمره حينها 30 عاماً، راودته فكرة عمل مشروعه الخاص للاستفادة من التحول الذي بدأ مع ظهور الإنترنت، وقرر بعد دراسة لمتطلبات السوق البدء بتجارة الكتب عبر الإنترنت، فطرح الفكرة للمشاورة مع مديره في صندوق التحوط. لكن مديره حاول إقناعه بأنها فكرة جيدة، لكنها ليست لشخص مثله لديه عمل مستقر وناجح. ثم تشاور بيزوس مع زوجته ماكينزي -التي كانت تعمل معه في صندوق التحوط- فأكدت له أنها ستؤيد قراره واختياره مهما كانا.

وهنا اتبع بيزوس نموذجاً لا يزال يعتمده حتى الآن لمقياس المخاطر يسميه “إطار تحديد أدنى مستويات الندم” (Regret Minimizing Framework)، وتساءل بناءً عليه: ما الندم الذي سأشعر به حول هذا القرار إذا بلغت الثمانين؟ ثم بدأ يحسب الافتراضات؛ لن أندم على المحاولة بالتأكيد، ولن أندم على محاولة الاستثمار في عالم الإنترنت الذي أرى أنه سيكون له شأن كبير في المستقبل، وأنا أعلم أنني لن أندم إذا فشلت، والندم الوحيد الذي سأعيشه هو إن لم أحاول وسيرافقني هذا الندم طوال حياتي.

قرر بيزوس الانتقال لفكرته وأقنع والدته وزوجها بالاستثمار معه، فجمعا كل مدخرات حياتهما التي بلغت 100 ألف دولار ومنحاها للاستثمار في مشروع أمازون، على الرغم من أنهما لم يفهما تماماً الفكرة ونموذج العمل كما يقول، فكان رهانهما عليه وليس على الفكرة. وقد أخبرهما صراحة بأن يضعا في اعتبارهما احتمال 70% أن يفشل المشروع ويخسرا أموالهما، ووضع لنفسه التحدي بأن يعمل على إنجاح المشروع الذي يرى فرصة نجاحه لا تتجاوز 30%. لقد كانت الفرصة واضحة لبيزوس، لأن عصر الإنترنت بدأ يفرض نفسه، لكن النسبة المتدنية لاحتمال النجاح كانت بسبب الولادة المبكرة للمولود أمازون. ففي ريادة الأعمال يمكن أن تتعرض الفكرة التي تولد قبل أوانها أو بعد أوانها للموت، ما لم تتم رعايتها كالطفل الذي يولد قبل أوانه ويحتاج إلى الحاضنة. ويسمي المفكر الإداري الكبير الراحل كلايتون كريستنسن هذا النوع من التحدي “ابتكار خلق القيمة في الأسواق”، وهو التحدي الذي يبرع فيه جيف بيزوس عبر ميزته التي وصف نفسه بها وهي “مخترع القيمة”، وسياسة النفس الطويل المعروفة عنه في الاستثمار.

6. مبدأ التوظيف واستبعاد المرتزقة عند بيزوس

ومما يرويه إيزاكسون في كتاب “ابتكر وانطلق”، أن بيزوس كان في البداية يعمل على ربط الكتب وتغليفها على الأرض مع موظف آخر يساعده، لدرجة أن ركبتيه وظهره بدؤوا يعانون الألم، لذا فقد طرح بيزوس على العامل فكرة إحضار بساط على الأرض لمنع الألم في الركبة، فنظر إليه العامل مستغرباً من غباء الفكرة، وقال لبيزوس: “بل علينا جلب طاولة بدلاً من البقاء على الأرض”، فضحك بيزوس ضحكته المدوية. وهو يتذكر تلك القصة حتى اليوم، ويعتبرها أذكى فكرة ابتكارية جاءت من موظف يعمل معه في تلك الفترة. ومنذ أول رسالة للمساهمين عام 1997، وحتى آخر رسالة يتحدث بيزوس عن البحث عن أصحاب الابتكارات والمهارات من الموظفين. وقد ذكر في رسالته الأولى أنه عندما يجري مقابلات التوظيف مع المرشحين للعمل، فهو يخبرهم دوماً بأنه قد تكون لديهم فكرة عن العمل الناجح بأنه “عمل طويل أو عمل شاق أو عمل ذكي”، ثم يؤكد لهم أن أمازون لا تقبل إلا بواحدة من هذه الصفات ويقصد “العمل الذكي”.

ولدى بيزوس قاعدة يكررها على المدراء، وهي “وظفوا الأشخاص المناسبين”، ولديه عادة 3 شروط يطلب تطبيقها لإيجاد الشخص المناسب، فهو يقول للمدراء، بأن عليهم الإجابة عن هذه الأسئلة الثلاث بخصوص كل مرشح للوظيفة: “هل أنت معجب بهذا الشخص؟ هل تجد أنه سيرفع مستوى من سيعمل معه؟ هل لدى هذا الشخص احتمالية بأن يتحول إلى نجم؟”.

ويركز بيزوس دوماً في البحث عن أصحاب المهارات المؤمنين بمهمة عملهم، ولا يحبذ التعامل مع من يسميهم “المرتزقة” الذين يبحثون عن الوظيفة والراتب فقط.

ولدى بيزوس بهذا الخصوص قاعدة يطبّقها على كل من يتعامل أو يعمل معه، فهو دوماً يتساءل عن الشخص: هل هو (Missionary)، أي صاحب رؤية وشغف في عمله أو هو (Mercenary)؛ أي مرتزق أو باحث عن المال، فهو يطبق هذه القاعدة في التوظيف، كما يطبقها في عقد الصفقات، وقد طبقها كما يقول عندما اشترى شركة هول فودز عام 2017، فهو يعتبر أنه اشتراها لأن مؤسسها جون ماكي كان صاحب رؤية. وطبق الأمر نفسه عندما اشترى صحيفة واشنطن بوست، فقد قرر شراءها في وقت بدأت فيه الصحف بالانحدار لكنه كان مؤمناً برؤية صاحب الصحيفة دونالد غراهام، لدرجة أن بيزوس يذكر أنه لم يقم حتى بعمليات التدقيق والتحقق اللازمة التي تسمى (Due Diligence).

7. مبدأ التركيز على الزبائن عند بيزوس

كان مبدأ بيزوس في قيادة أمازون هو التركيز على الزبائن وليس المنافسين، ومنذ أن ذكر ذلك في رسالته للعاملين والمساهمين في عام 1997، ظل يكرر الفكرة كل عام، وكان يطلب من موظفيه أن يستيقظوا من نومهم كل يوم ولديهم الخوف من الزبائن وليس من المنافسين. وكان يردد أن اعتماد الزبائن ليكونوا مرتكزاً للمنافسة هو المنهج الصحيح، لأن الزبائن دائماً غير راضين، ولذا فأنت بحاجة إلى تحسين عملك ومنتجاته لإرضائهم، لكن إن كان تركيزك على المنافسين، فستجد أنك تسبقهم وهم خلفك وهذا ربما يؤدي إلى تباطؤ حركتك.

وقد بدأ عام 2004، تطبيق سياسة أطلق عليها “العمل بالعكس” (Working Backward)، وتعني البدء بمتطلبات الزبائن للبحث عن الإجراءات والمهارات التي تناسبها وتلبيتها وليس العكس.

ولديه مبدأ عام مفاده “ما هو جيد للزبائن فهو جيد للمساهمين”، لذا فهو دائم التغيير في المخزون والموقع الإلكتروني لما يناسب الزبائن ويحقق أفضل تجربة لهم، لذلك، فإن أمازون تحدّث شيفراتها وخوارزمياتها كل ثانية لتحقق أفضل تجربة للزبائن.

8. مبدأ بيزوس في اتخاذ القرارات

يمنع بيزوس عرض شرائح الباوربوينت الطويلة في اجتماعات الشركات، ويطلب بدلاً من ذلك من مدراء الشركة والموظفين استخدام نموذج سرد القصص الواضح المبسط لإيصال أفكارهم. ويدعو إلى الاكتفاء بمذكرات لا تزيد على 6 صفحات بحيث تكون واضحة ومباشرة، وهو ما يساعد على وضوح الرؤية في الاجتماعات ويساعد على اتخاذ قرارات أفضل.

وكان يؤكد للمدراء أن عليهم القيام بعدد قليل من القرارات الكبيرة ذات البعد الاستراتيجي، وليس التركيز على آلاف القرارات الصغيرة التفصيلية كل يوم، لأن عملهم هو تحسين العمليات والإجراءات عموماً وليس الغرق في التفاصيل.

ويعتمد بيزوس مع فريقه نوعين من القرارات، الأول يسميه “القرارات ذات البابين” (Two Doors Decisions)؛ أي أنها قرارات يمكن التراجع عنها بعد تجربتها وثبوت خطئها، وهي قرارات يجب على المدراء الاعتياد على اتخاذها بسرعة وسهولة، وتقبل فشلها وتجاوزه. أما النوع الثاني، فهو “قرارات الباب الواحد” (One Way Doors Decisions)؛ وهي القرارات الكبيرة التي لا يمكن الرجوع عنها، ويقصد بها القرارات ذات النتائج المؤثرة والكبيرة، وهي تحتاج إلى التأني ومناقشة جوانبها كافة كما يقول. ويعتبر نفسه “الرئيس المسؤول عن التمهل” (Chief Slow Down Officer)، ليضمن التمهل في اتخاذ هذا النوع من القرارات.

ويرى بيزوس أن غالبية القرارات التي يحتاج المدراء إلى اتخاذها يومياً هي من النوع الأول الذي يتطلب السرعة والاستعداد للتجربة، ويعتبر أن الخطأ الجوهري الذي يرتكبه المدراء في كثير من الشركات الصغيرة والناشئة والكبيرة على السواء، هو أنهم يتعاملون مع القرارات على أنها دوماً من النوع الثاني الذي لا يمكن التراجع عنه؛ أي قرارات الباب الواحد، وهذه العقلية هي “كارثة” في العمل، بحسب تعبيره.

9. مبدأ انسجام العمل والحياة

يفضّل بيزوس تطبيق مبدأ “انسجام العمل والحياة” (Work Life Harmony)، بدلاً من العبارة الشهيرة التي يسأله عنها الكثيرون وهي كيف تحقق “التوازن بين العمل والحياة الشخصية” (Work Life Balance)، فهو يعتبر أن السعادة في العمل والحماسة فيه، ستجعلان الشخص أباً أفضل وزوجاً أفضل ومديراً أفضل والعكس صحيح، ويضرب مثلاً أن بعض الموظفين أو المدراء يدخلون إلى الاجتماع فيملؤونه طاقة وحيوية وبعضهم يتسببون في جموده وانكماشه. وهي فكرة مهمة للسعادة يتحدث عنها الباحث شون آكور في كتابه “قبل السعادة” (Before Happiness)، إذ يرى أن سعادة الإنسان وطاقته المتحمسة عندما تكتسبان من العمل أو الحياة الشخصية، فإنهما تحققان عدوى السعادة للجانب الآخر من حياة الإنسان، والعكس صحيح، فعندما يكون مناخ العمل أو المنزل كئيباً فهو ينقل الكآبة إلى جوانب أخرى من الحياة.

10. الشغف الخفي عند بيزوس

بعد 5 سنوات من تأسيس أمازون، ظل الشغف بالفضاء يلاحق بيزوس، لذلك أسس في عام 2000 شركة بلو أوريجين؛ أي الأصل الأزرق ويقصد بذلك الأرض. وهي شركة متخصصة في صناعة مركبات وصواريخ للوصول إلى الفضاء. وبعد أن ظلت تعمل بصمت طيلة 20 عاماً، أعلن بيزوس في عام 2019 أن شركته تعمل على تصنيع مركبة باسم “بلو مون” وهدفها النزول على سطح القمر في عام 2024. ويرى بيزوس أن هدفه من الفضاء ليس تقليدياً كما يكرر الآخرون، فهو ليس البحث عن بديل للأرض في حال دمرت، بل ما كتبه في المدرسة الثانوية كما يقول، وهو: “عندما يزداد عدد سكان الأرض ويتوسع الاقتصاد، فإن هدفنا سيصبح الفضاء”. ويذكر أنه كتب في أحد واجباته المدرسية الإنشائية وألقاه أمام زملائه في المدرسة قائلاً: “ألقاكم في الفضاء”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .