الجانب السلبي لخلق جو أسري في العمل

4 دقائق
خلق الجو الأسري في العمل
جون سكوت/غيتي إيميدجز

ملخص: تسعى العديد من الشركات إلى خلق جو أسري في العمل لتعزيز الولاء والترابط بين الزملاء. ولكن وجد الباحثون أن هناك جانباً سلبياً محتملاً يتمثل في أن الموظفين الذين يعملون في ثقافة يسودها الجو الأسري يكونون أقل ميلاً إلى الإبلاغ عن سوء سلوك زملائهم. لذلك، ومن أجل جني فوائد تعزيز الروابط القوية دون خسائر، تحتاج المؤسسات إلى اتخاذ خطوات إضافية، بما في ذلك التأكد من أن ثقافتها تثمّن الإنصاف على الولاء وتحمي الضحايا، وصياغة طريقة الإبلاغ عن المخالفات بوصفه فرصة لتقديم المساعدة لزميل في العمل.

 

"نحن بمثابة عائلة"، تظهر هذه العبارة بشكل متكرر في المواقع الإلكترونية للشركات، وتسعى الكثير من الشركات إلى خلق هذا النوع من الثقافة المتعلقة بخلق جو أسري ضمن بيئة العمل. وقد أظهرت دراسة أجريت على أكثر من 200 شركة ناشئة في وادي السيليكون أن المؤسسين تعمدوا غرس "مشاعر قوية شبيهة بالمشاعر الأسرية" وبناء "روابط عاطفية قوية" في العمل.

تعزيز الأجواء الأسرية في بيئة العمل

هناك العديد من الأسباب الوجيهة لتعزيز الجو الأسري في العمل. إذ يمكن أن يعود بالنفع على الموظفين؛ ففي دراسة استقصائية شملت 2,226 موظفاً في المملكة المتحدة، ذكر 55% أنهم يفضلون الشركات "التي تبدو كالعائلة التي يترابط أفرادها معاً بتقاليدهم وولائهم للشركة". وأفاد الموظفون بأنهم يكونون أكثر سعادة في أثناء أداء وظائفهم عندما تكون لديهم علاقات صداقة وثيقة في العمل. وتشير البحوث إلى أن تكوين علاقات وطيدة مع الآخرين في العمل له فوائد نفسية تشمل تلبية الاحتياج إلى الانتماء وتكوين صداقات.

وهذا الجو الأسري يفيد الشركات أيضاً. فغالباً ما يرتهن النجاح بعمل الأشخاص معاً بشكل جماعي، مثلما يحدث عند طرح أفكار ومنتجات جديدة. إذ إن تعزيز دينامية "الفريق" يحفز الموظفين على تحقيق الأهداف المشتركة. في الواقع، خلقت أماكن العمل في شركات وادي السيليكون ثقافات قوامها بناء علاقات وطيدة بين الموظفين لتعزيز إنتاجيتهم وولائهم للشركة على وجه التحديد. ولهذه الثقافات مردود مالي؛ فهي تحسن الأداء وتقلل معدل الدوران الوظيفي، وتساعد أيضاً في تقليل الإجازات المرضية.

اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: ما المقصود بتعويم العملة؟

قد يبدو أن خلق ثقافات تعزز الترابط بين الزملاء أمر جيد. ولكننا تساءلنا عما إذا كان هناك جانب سلبي محتمل لثقافة الشركة المترابطة التي يسودها الجو الأسري يتمثل في أنها يمكن أن تمنع الموظفين من الإبلاغ عن المخالفات في العمل. وتوقعنا أن تؤدي الروابط الجماعية الوثيقة إلى زيادة الشعور بالقلق بشأن سلامة زميل يرتكب جريمة؛ فمن المرجح أن ينحاز الأشخاص إلى زملائهم بسبب المشاعر المعقدة التي يشعرون بها مثل الإهانة أو الشعور بالذنب، بدرجة أكبر من انحيازهم إلى أشخاص من خارج مجموعتهم.

الجانب السلبي للجو الأسري ضمن العمل

في دراستنا الأولى، طلبنا من المشاركين تخيّل أنهم اكتشفوا عملية سرقة فعلها أحد المتطوعين لمساعدة مكفوفين بالغين حيث إنه يسرق الأموال منهم. فهل سيبلغون المسؤولين بهذه الجريمة؟ وقد جعلنا قوة الروابط مع الجاني مختلفة؛ فقد تم وصف الجاني إما بأنه فرد من العائلة (روابط أوثق) وإما طالب زميل في الجامعة نفسها (روابط أضعف). ووجدنا أن المشاركين افترضوا أن أفراد الأسرة شعروا بالذنب والقلق إزاء أفعالهم، ما جعلهم يترددون في الإبلاغ حتى عن هذه الجريمة الواضحة. ويرجع ذلك إلى أن الشعور بالندم الذي يشعر به الجاني قد زاد من قلقهم إزاء ما سيحدث له إذا تم الإبلاغ عنه.

وفي دراسة ثانية استرشدت بفضائح من الحياة الواقعية مثل سقوط الشركة أحادية القرن "ثيرانوس" (Theranos)، طُلب من المشاركين أن يتخيلوا أنهم يعملون في شركة ناشئة في مجال الطب الحيوي كانت تطور جهازاً لاكتشاف سرطانات الأطفال. ثم قيل لهم إن أحد الزملاء كان يبالغ في وصف فاعلية الجهاز، ولا ينوي التوقف عن ذلك. وجعلنا وصف الشركة مختلفاً بحيث وصفناها إما بأنها مترابطة وإما بأن العلاقات بها فاترة ومهنية بشكل أكبر. أظهرت البحوث أن الأشخاص يكونون أكثر ميلاً إلى الاستجابة بشكل إيجابي إذا أعرب المخالف عن ندمه، ولذلك في هذه الدراسة نوّعنا في مدى إعراب الزميل عن ندمه على أفعاله. وقد وجدنا أن المشاركين كانوا أقل ميلاً إلى الإبلاغ عن هذه الجريمة الخطيرة في مكان العمل المترابط، ولكن الأهم من ذلك أن هذا سيحدث فقط إذا أعرب المخالف عن ندمه. وكما حدث في الدراسة الأولى، أثار الإعراب عن الندم مخاوف بشأن العواقب التي قد يواجهها عضو في مجموعة مترابطة إذا تم الإبلاغ عن مخالفاته.

قد يكون من السهل الاعتقاد بأنك إذا رأيت جريمة في العمل ستبلغ المسؤولين بها في الحال. ولكن في "الاستقصاء الوطني حول أخلاقيات العمل" (National Business Ethics Survey) الذي أُجري عام 2019، أفاد 45% من الأشخاص في جميع أنحاء العالم أنهم شاهدوا مخالفات في مكان عملهم، ولكن لم يفعل ما يقرب من ثلثهم شيئاً حيال ذلك. وكما يوضح بحثنا، هناك العديد من الأسباب التي تمنع الأشخاص من الإبلاغ عن المخالفات والتجاوزات، وبعضها قد يبدو نابعاً من حسن النية.

ما الذي يمكن للمؤسسات فعله؟

لجني فوائد تعزيز الروابط القوية دون خسائر، قد تحتاج المؤسسات التي يسودها الجو الأسري إلى اتخاذ خطوات إضافية للتأكد من أن الموظفين سيبلغون عن هذه المخالفات. على سبيل المثال، يمكن للمؤسسات خلق ثقافة قوامها حماية الضحايا وتثمين الإنصاف بدلاً من الولاء لأحد موظفيها عندما يرتكب مخالفة أو إساءة.

إذ يرغب مَن هم خارج الشركة في توقيع عقوبات سريعة على المخالفين، ولكن مَن هم داخل الشركة، الذين يعرفون مرتكب المخالفة أو الإساءة، قد يخشون الضرر الذي سيلحق به جراء إبلاغهم عن الجريمة. ولكن إذا نظرنا إلى الإبلاغ عن المخالفات بوصفه فرصة لتقديم المساعدة للمخالفين وتغيير مسار حياتهم، حينها قد يبلغ عدد أكبر من الأشخاص عن المخالفات، حتى إن كانوا ينتمون إلى مجموعات مترابطة.

عندما تصدرت الفضائح المتعلقة بمكان العمل عناوين الأخبار، كفضيحة شركة "إنرون" (Enron) التي أخفت خسائرها عام 2002 أو فضيحة بنك "ويلز فارغو" (Wells Fargo) الذي فتح حسابات احتيالية عام 2016، وعلمنا أن الموظفين كانوا على دراية بهذه المخالفات عندما تم اكتشافها، راود الجمهور المصدوم هذا السؤال: "لماذا لم يبلغ الموظفون في الشركة عن هذه الجرائم؟". إجمالاً، يمكن أن نستنتج على عجل أن الشخص الذي لا يتصرف عندما يشاهد مخالفة أو إساءة هو أناني أو جبان أو فاسد أخلاقياً. ولكن كما يشير بحثنا، فإن التزام الصمت بعد مشاهدة المخالفات قد يكون نتيجة لمكان العمل الذي يسوده التعاطف. إذ إن القلق بشأن سلامة الشخص الذي يرتكب جريمة يمكن أن يحول دون الإبلاغ عن المخالفات، خاصة في المجموعات المترابطة التي يسودها الجو الأسري ضمن بيئة العمل.

اقرأ أيضاً: صفات المستمع الجيد

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي