لماذا من الصعب الإجابة عن سؤال “ما استراتيجية شركتكم؟”

3 دقائق
ما استراتيجية شركتكم
shutterstock.com/The KonG

خلال الحرب العالمية الثانية وفي أبريل/نيسان من عام 1945، جهزت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها أكبر إنزال حربي برمائي في التاريخ آنذاك للاستيلاء على جزيرة أوكيناوا اليابانية، بمشاركة أكثر من 1,500 سفينة وربع مليون جندي وعتاد حربي تجاوز وزنه أربعة أطنان، بالإضافة إلى تمهيد مدفعي تجاوز 100 ألف قذيفة، لكن هذا القصف كان دون أثر تقريباً لأن اليابانيين اعتمدوا استراتيجية قائمة على الاحتماء بشبكة من الأنفاق الأرضية مكّنتهم من تقليص الفجوة الواسعة في العدة والعتاد التي كانت لصالح الحلفاء.

يعدّ "فن الحرب" للجنرال الصيني "صن تزو" (Sun Tzu) الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، أقدم كتاب (مخطوط) معروف في الاستراتيجية، وتمحورت فكرته الأساسية حول إجبار العدو على التخلي عن المقاومة والاستسلام دون قتال، وانتقل مصطلح الاستراتيجية من الميدان العسكري إلى ميدان الاقتصاد والأعمال، بسبب التشابه الموجود بين من منطقيْ المجالين وهو منطق المنافسة، وهو ما يبرر انتشار مصطلحات مثل الحرب الاقتصادية، وجوانب القوة، وجوانب الضعف وغيرها، إلا أن التشابه ينحصر هنا لوجود اختلاف جوهري بين منطقيْ الحرب والأعمال، فاستراتيجية الشركة تقوم على منطق المنافسة المقننة، بينما تقوم الاستراتيجية العسكرية على منطق الصراع والقضاء على الآخر.

علاقة الصناعة التي تنشط فيها الشركة باستراتيجيتها

حتى تفهم استراتيجية الشركة، يجب أن تفهم أولاً طبيعة الصناعة التي تنشط فيها، لذلك وفي عام 1979، نشر "أب الاستراتيجية" مايكل بورتر مقاله الشهير "القوى التنافسية الخمس التي تصوغ الاستراتيجية"، وكانت فكرته الأساسية هي أن جاذبية الصناعة لا تُقيّم على أساس شدة المنافسة فحسب، بل توجد أربعة عوامل أخرى تؤثر في ربحية الصناعة هي: القدرة التفاوضية للموردين والعملاء، والداخلون الجدد، والمنتجات البديلة؛ لتصبح معروفة بنموذج قوى بورتر لتحليل الصناعة، ويمهد لأعماله القيّمة خلال الثمانينيات التي لخصها في مقاله "ما هي الاستراتيجية" عام 1996، مقال تطرق فيه إلى أهم المصطلحات التي تقوم عليها استراتيجية الشركة مثل الفعالية التشغيلية، والاستراتيجية الكلية والاستراتيجية التنافسية، والتوافق الاستراتيجي، والميزة التنافسية؛ ويُعدّ هذا المقال (بالإضافة إلى كُتب بورتر) حجر الزاوية الذي يبني عليه الأكاديميون معارفهم في مختلف كليات إدارة الأعمال حول العالم، كما يمثل مرجعاً ثميناً لمدراء الشركات وأصحاب المناصب القيادية إذ يوضح لهم كيفية تحقيق الأهداف المسطرة بطريقة تميّزهم عن المنافسين؛ لكنّ ما لاحظه بورتر والعديد من خبراء الاستراتيجية الآخرين على غرار الرئيس التنفيذي السابق لـ "بروكتر آند غامبل أيه. جي. لافلي و الأستاذ روجر مارتن، هو أن معظم المدراء والتنفيذيين لا يعرفون الإجابة عن سؤال "ما استراتيجية شركتك؟" فتجدهم يخلطونها مع الرسالة أو الرؤية أو الخطط التكتيكية أو الأهداف أو حتى يسردون إجابات مثل "استراتيجيتنا هي أن نكون الأفضل!"، وهي إجابة نسبية حسب الشريحة المستهدفة، أي لا يمكن أن تكون الأفضل في نظر الجميع من حيث السعر والجودة والخدمة وغير ذلك من أبعاد الميزة التنافسية، لذلك يقول بورتر في هذا السياق "جوهر الاستراتيجية هو أن تجعل جزءاً من العملاء غير راضين، والجزء الآخر راضين جداً"، ويضيف لافلي ومارتن في كتابهما "اللعب من أجل الفوز" (Playing to Win): "يكمن جوهر الاستراتيجية في الإجابة عن سؤالين رئيسيين هما: أين ستلعب؟ (ميدان النشاط الذي ستنشط فيه) وكيف ستفوز فيه؟ (الميزة التنافسية التي تمكنك من التغلب على المنافسين)".

هل توجد إجابة دقيقة عن سؤال "ما استراتيجية شركتكم؟"

على الرغم من إسهامات بورتر العظيمة في مجال استراتيجية الشركات والأعمال بصفة عامة، فإنه لم يقدم وصفة دقيقة للإجابة عن سؤال "ما استراتيجة شركتك"، لذلك جاء الباحثان "ديفيد كوليس" و"الراحل مايك روكستاد" ليساعدا في صياغة إجابة واضحة عبر واحد من أفضل 50 مقالاً نُشر في هارفارد بزنس ريفيو بعنوان "هل يمكنك القول ما هي الاستراتيجية؟"، ويقدما وصفة سحرية تمكّن من صياغة بيان الاستراتيجية في أقل من 35 كلمة بالاعتماد على ثلاثة مكونات أساسية هي الهدف، والنطاق، والميزة التنافسية.

أسئلة أخرى حول الاستراتيجية يصعب الإجابة عنها

في سياق أوسع، عالج الخبيران "ماتياس بامتلر" و"بول لايتواد" في مقالهما "8 أسئلة صعبة لتطرحها حول استراتيجية شركتك" أسباب فشل الشركات في معالجة الأسئلة الصعبة حول استراتيجية الشركة المتبعة ومنهج التنفيذ مثل: هل نحن، كفريق قيادة، واضحون فعلاً حول اختياراتنا لكيفية إضافة قيمة لنا في سوق العمل؟ هل بإمكاننا التحدث بوضوح عن بعض احتياجات الشركة لتتفوق على غيرها بهدف الوصول إلى تلك القيمة؟ هل نستثمر في هذه المجالات التي تهمنا؟ وهل تلك المجالات تتناسب مع أغلب المنتجات والخدمات التي نوفرها؟ ويجيب كاتبا المقال بسرد ثلاثة حلول تساعد في معالجة تلك الأسئلة، وهي:

  • تأسيس عملية للفريق التنفيذي من أجل مناقشة هذه الأسئلة الأساسية.
  • إشراك طرف أكبر لمناقشة منهج الشركة في الاستراتيجية والتنفيذ، ومشاركة آراء الموظفين من المستويات الدنيا.
  • إشراك مجلس الإدارة على نحو أكبر.

نختم بزاوية أخرى للاستراتيجية، وهي زاوية التنفيذ، حيث يُبنى التميّز على مجموعة من الخيارات التي يُخطط لتنفيذها بدقة، ويوضح هذا الفيديو القصير الخطأ الذي يقع فيه العديد من قادة الشركات، إذ يكتفون برسم أهداف طموحة دون صياغة استراتيجية واضحة لتنفيذها، وهو ما أسماه لافلي "الأحلام التي لا تتحقق أبداً".

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي