"تمثل التحالفات الاستراتيجية طريقاً مختصراً للشركات التي تتسابق من أجل تعزيز فعاليتها وتحسين جودتها"؛ هكذا وصفها "براهالاد" و"هامل" و"دوز" في مقالهم "تعاون مع منافسيك وفُز"، فالشركات تلجأ للتحالف مع شركات أخرى، لا سيما المنافسة منها، بهدف تحقيق العديد من المزايا، على غرار تجنب المواجهة مع منافس قوي، وتحقيق اقتصاديات الحجم، والتعلم من الحليف (الشريك)، وحتى للامتثال للقيود القانونية التي يفرضها البلد المضيف في حالة التحالفات الدولية؛ ما يجعلها خياراً استراتيجياً مفضلاً للشركات التي ترغب في بناء مزايا تنافسية وتطويرها على المستويين الوطني والدولي.
التحالفات الاستراتيجية هي باختصار اتفاقات تعاون بين عدّة شركات متنافسة أو يُحتمل أن تكون متنافسة، اختارت أن تنفّذ مشروعاً أو نشاطاً محدداً من خلال تنسيق مهاراتها وإمكاناتها ومواردها، بدلاً من:
- التنافس حول النشاط الذي تنوي أن تتعاون فيه.
- الاندماج ضمن وحدة تنظيمية موحّدة.
- الاستحواذ على بعض الأنشطة التي يؤديها الحليف.
وردت في كتاب "الإدارة الاستراتيجية: المفاهيم والحالات العملية" للباحثين "آرثر طمسون" و"أيه جيه ستريكلاند" بعض الإحصاءات التي تبيّن اعتماد الشركات العملاقة على التحالفات الاستراتيجية للتوسع عبر صناعات مختلفة؛ فعلى سبيل المثال، أبرمت شركة "جنرال إلكتريك" ما يزيد عن مائة تحالف استراتيجي في الكثير من المجالات، ودخلت "آي بي إم" (IBM) في نحو 400 تحالف استراتيجي، وأبرمت "أوراكل" (Oracle) ما يزيد عن 15,000 تحالف في مجال برمجيات الكمبيوتر والصناعات القريبة منه، وتنشط "تويوتا" ضمن شبكة معقدة من التحالفات والشراكات الاستراتيجية تُسمى في اليابان "كيريتسو".
الفرق بين التحالف الاستراتيجي والتحالف غير الاستراتيجي
ما يجعل من اتفاق التحالف استراتيجياً هو 3 خصائص أساسية:
- الآثار المتوقعة على المدى الطويل بالنسبة لتموقع الشركة عبر الثنائية منتج/سوق، وذلك بالنسبة لأحد الشركاء على الأقل.
- الرابط الذي ينتج عن اتفاق التحالف شبه نهائي لا رجعة فيه، وذلك نظراً لتخصيص موارد معتبرة من أجل تحقيق الأهداف المسطرة.
- يمس الاتفاق مجالات النشاط الأساسية أو الوظائف الحيوية لأحد الشركاء على الأقل، أي أنه يدخل ضمن الاستراتيجية الكلية للشركة.
نلاحظ من هذه الخصائص أن اتفاق التحالف يمكن أن يكون استراتيجياً لأحد الشركاء، وتكتيكياً (أو فرعياً) بالنسبة للشريك الآخر، كما هو الحال بالنسبة للتحالف الذي ضم الشركة الألمانية "هنكل" (Henkel) و"المؤسسة الوطنية لمواد التنظيف" بالجزائر بين عاميْ 2000 و2004، فالتحالف مسّ جُل وظائف الشركة الجزائرية، واعتُبر اتفاقاً لا رجعة فيه لأن استراتيجية الشركة الجزائرية آنذاك كانت مبنية على هذا التحالف، بينما اعتُبر تحالفاً "ثانوياً" بالنسبة لهنكل لأنه مَثّل جزءاً ضئيلاً من نشاطاتها (مواد التنظيف/السوق الجزائري)، في حين أن لديها مئات المنتجات الأخرى غير مواد التنظيف وتنشط في 80 بلداً فضلاً عن الجزائر. للعلم، فإن هذا التحالف انتهى باستحواذ الشركة متعددة الجنسيات "هنكل" على الشركة الجزائرية بعد نحو 4 سنوات، وهي حالة نموذجية لاستخدام التحالفات للتعرّف على الشركة المستهدفة قبل الاستحواذ عليها، وتُسمى "استراتيجية حصان طروادة".
الإطار النظري لدوافع التحالفات الاستراتيجية الدولية
بصفة عامة، يكون التحالف دولياً إذا كانت الشركة الأم لأحد أطراف التحالف تقع خارج البلد الذي أُبرم فيه التحالف وتنشط فيه الشركات المتعاونة، ولإظهار أهمية هذا النوع من التحالفات، أكد تقرير نشرته شركة "فورستر" (Forrester) لأبحاث السوق أن نحو 23% من إيرادات الشركات عام 2019، لا سيما متعددة الجنسيات منها، تتحقق بفضل التحالفات الاستراتيجية، فهي شركات دائمة الاطلاع بما يجري في الأسواق المحتملة خارج بلدانها الأصلية، وإحدى الوسائل الأكثر استخداماً لاختراق هذه الأسواق هي إقامة تحالفات استراتيجية مع شركات محلية، خاصة في الأسواق المحمية من طرف حكوماتها؛ الحكومة الصينية على سبيل المثال (كما ورد في كتاب "ميزة التحالف") أغلقت سوق السيارات الخاص بها أمام كل الشركات الأجنبية، ما عدا بعض العلامات العالمية مثل مرسيدس بنز (Mercedes Benz) التي تعهّدت أمام السلطات الصينية بنقل التكنولوجيا، والتنازل عن بعض حقوق الملكية لصالح الشركاء المحليين؛ الجزائر ذهبت في نفس الاتجاه إذ عمدت إلى حماية الشركات الوطنية عن طريق فرض امتلاك الشريك الجزائري 51% على الأقل من الأسهم المكوّنة لرأس المال الاجتماعي ابتداء من سنة 2009، والمادة 58 من قانون المالية التكميلي للسنة نفسها تنص: "لا يمكن إنجاز الاستثمارات الأجنبية إلا في إطار شراكة تمثل فيها المساهمة الوطنية المقِيمة نسبة 51% على الأقل من رأس المال الاجتماعي"، ويُقصد بالمساهمة الوطنية شركة واحدة أو جمع عدة شركات عمومية أو خاصة.
الدافع الثاني وراء لجوء الشركات متعددة الجنسيات إلى التحالفات الدولية هو قناعتها بأن كفاءاتها وحدها مهما كانت جودتها، لن تمكّنها من التوسع السريع عبر أسواق غير مألوفة بالنسبة لها من حيث عوامل مثل الممارسات البيروقراطية السائدة، وعادات المستهلكين وتفضيلاتهم، والثقافة السائدة في المجتمع؛ لذلك فإن الاستعانة بشريك محلي يساعدها في التعرف على هذه العوامل واكتساب معرفة ثمينة، كما يوفر عليها الكثير من الوقت الذي يعدّ عاملاً حاسماً في اقتناص الفرص التي تتميز بها الأسواق ذات النمو السريع.
لعل أهم الإسهامات التي يمكن للشركات المحلية أن تقدمها هي العلاقات المتميزة مع السلطات المحلية، فهذا النوع من العلاقات لا يمكن نقله بسهولة من شركة لأخرى، ولا يمكن بناؤه في ظرف ملائم إذ إنه يتطلب وقتاً طويلاً، ولا يوجد له بديل خاص في الأسواق التي تتحكم فيها حكومات بلدانها؛ من جهة أخرى، يساهم الشريك الأجنبي في غالب الأحيان بالكفاءات المتخصصة والموارد المالية والتكنولوجيا.
دراسة من الجزائر توضح طبيعة دوافع أطراف التحالفات الدولية وإسهاماتهم
قدنا دراسة شملت مجموعة من الشركات الجزائرية أبرمت تحالفات مع شركات دولية من بلدان مختلفة مثل إيطاليا وفرنسا وألمانيا، وفي صناعات مختلفة مثل صناعة الأدوية وصناعة السيارات وصناعة الأسمنت، واعتمدنا خلال هذه الدراسة على مصادر معلومات مختلفة مثل الوثائق الداخلية للشركات بالإضافة إلى إجراء أكثر من 20 مقابلة شخصية مع مسؤولين تنفيذيين للشركات المعنية ومدراء من وزارة الصناعة الجزائرية (ما مجموعه 15 ساعة تقريباً)، وخلصنا إلى أهم دوافع اللجوء للتحالفات الاستراتيجية الدولية في الجزائر، والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:
- برز دور الحكومة جليّاً كدافع في إقامة التحالفات الدولية، والذي يصب في دافع تحسين قطاع كامل أكثر من تحسين شركة معينة؛ في هذا الصدد يقول رئيس قسم اليقظة الاستراتيجية ونظم المعلومات بوزارة الصناعة: "تبنت الحكومة الجزائرية التحالفات كخيار استراتيجي بهدف دخول الصناعات التي لا نملك فيها المعرفة والكفاءة"، ثم يضيف: "يهدف هذا الخيار أيضاً إلى التخفيف من فاتورة الاستيراد وخلق القيمة محلياً مع الشريك ثم تقاسم الأرباح معه"؛ كما أن بعض التجارب السابقة التي انتهت باستحواذ كلي؛ مثل حالة شركة "دانون" الفرنسية التي استحوذت على شركة "جرجرة"، أدت بالسلطات الجزائرية إلى سن قانون يضمن للطرف الجزائري التحكم في أغلبية رأس المال (قاعدة 49/51)، غير أن حيازة الطرف الجزائري على 51% من رأس المال لا يعني بالضرورة التحكم في كل القرارات، لأن الشريك الأجنبي عادة ما يشترط الحصول على عقد التسيير؛ فمثلاً في حالة المشروع المشترك الذي ضم شركة "دايملر" الألمانية بعلامتها "مرسيدس بنز" و"المؤسسة الوطنية للعربات الصناعية" (SNVI)، كان المدير العام معيناً من طرف الشريك الأجنبي، كما أن شروط هذا الأخير كانت مفروضة بوضوح فيما يخص كيفية إعادة تأهيل موقع الإنتاج واختيار موردي قطع الغيار وطرق التسيير ومعايير تعيين الموظفين.
- معظم دوافع الشركات الجزائرية هي الحصول على إسهامات غير ملموسة، مثل سمعة العلامة التجارية، وحيازة معرفة وتكنولوجيا جديدة، وتعلم طرق تسيير جديدة، والوصول إلى براءات الاختراع؛ بينما لا تمثل الإسهامات المادية أو الملموسة دافعا حقيقياً، ويرجع ذلك إلى تكفل الحكومة بجزء كبير من الجانب المادي الذي يدخل في سياسة النهوض بالاقتصاد الجزائري والرفع من تنافسيته، وهي سياسة معتمدة في العديد من الدول النامية.
- بالنسبة لدوافع اختيار شريك معين، فيجب أن يكون واحداً من الرواد العالميين في مجاله، كما يضيف نفس المسؤول الوزاري: "بكل بساطة، أهم عامل يجب أن يتوفر في الشريك الأجنبي هو أن يكون الأفضل في مجاله، لا سيما فيما يخص التكنولوجيا والمعرفة التي يمتلكها"، ويعود هذا للأثر الإيجابي للعلامة التجارية التي يتمتع بها الرواد العالميين، فضلاً عن قدراتهم الكبيرة في شتى الميادين مثل شبكات التوزيع الدولية والقدرة التفاوضية.
- معظم المعرفة المنقولة لموظفي وعمال الشركات الجزائرية هي معرفة "صريحة" (Explicit)، ويعود ذلك إلى الطرق المستخدمة في نقلها، مثل دورات تكوينية داخل دولة الجزائر أو خارجها، وهي طُرق تناسب حداثة عهد الشركات الجزائرية مع اتفاقات التعاون الدولية؛ غير أن العمل ضمن فرق عمل مختلطة يعدّ وسيلة فعالة في نقل المعرفة الضمنية (Implicit) مثل حالة المشروع المشترك بين "سانوفي" الفرنسية و"صيدال" الجزائرية في مجال صناعة الدواء.
- تعدّ الثروات الطبيعية أحد أهم عوامل جذب الشركاء الأجانب، فقد لاحظنا ذلك جلياً خلال دراسة مشروع مشترك بين شركة إيطالية وشركات جزائرية في مجال صناعة الأسمنت، إذ إن أهم عامل جذب الشريك الأجنبي هو جودة محاجر الكلس والأتربة الموجودة في الجزائر؛ كما أن تسهيلات الحكومة والتزامها واتساع السوق الجزائري تمثل عوامل جذب لا تقل أهمية عن الثروات الطبيعية، ثم إن إقامة علاقات متميزة مع سلطات البلد المضيف يعدّ مكسباً مهماً تسعى الشركات متعددة الجنسيات للوصول إليه باستمرار.
- تدعم الحكومة الجزائرية خيارها في تبني التحالفات الدولية عن طريق العديد من الإجراءات، مثل تسهيل الحصول على مكان إنشاء المشاريع المشتركة أو تسهيل الاجراءات الادارية، كما أنّ الخطوات الأولى في التقرب من الشركاء الأجانب تقع على عاتق وزارة الشؤون الخارجية، ثم تتكفل وزارة الصناعة بباقي الإجراءات.
- يحرص الشريك الأجنبي على مراقبة حجم المعرفة والتكنولوجيا التي ينقلها إلى شريكه الجزائري ونوعيتها، إذ يسيطر على كل المنافذ التي تمكّن من نقل المعرفة، ويرجع هذا إلى أهمية التكنولوجيا في صناعات مثل صناعة الأدوية، وما تمثله من مصدر أساسي للميزة التنافسية، وتسريبها يزيد من خطر جعل الشريك اليوم منافس الغد.
مثال "الشركة الجزائرية لصناعة الوزن الثقيل مرسيدس بنز" (SAPP-MB)
أُبرم اتفاق تعاون دولي عام 2014 نتج عنه "مشروع مشترك" (Joint Venture) أطلق عليه اسم "الشركة الجزائرية لصناعة الوزن الثقيل مرسيدس بنز" مقرها بمدينة "رويبة" بالقرب من العاصمة الجزائرية، وضم مؤسسات أسهمت بنسب مختلفة في رأس المال كالآتي:
- %34 المؤسسة الوطنية للمركبات الصناعية (SNVI).
- %17 وزارة الدفاع الوطني الجزائرية (الفرع الصناعي والتجاري).
- %49 مؤسسة "آبار للاستثمار" من الإمارات العربية المتحدة.
- شركة "دايملر بنز" كشريك تكنولوجي وصاحب علامة "مرسيدس بنز" الألمانية.
إسهامات الشريك الأجنبي (AABAR+Daimler)
- السمعة والعلامة التجارية.
- التكنولوجيا وآلات الإنتاج الحديثة.
- طرق التسيير الحديثة.
- المرافقة التقنية وتكوين الموارد البشرية ونقل المعرفة.
- شبكة توزيع دولية.
- المساهمة المالية لـ "آبار".
إسهامات الشريك الجزائري (SNVI+وزارة الدفاع)
- توفير موقع إنشاء الشركة (المشروع المشترك).
- معرفة خصائص السوق المحلي.
- توفير اليد العاملة (على الأقل كمّاً).
- تخفيف الممارسات البيروقراطية وتسهيل المعاملات الإدارية والحصول على الرخص.
- المساهمة المالية لوزارة الدفاع الجزائرية.
- شبكة توزيع ونقاط بيع محلية.
الملاحظ أن طبيعة إسهامات الشركاء غير متماثلة، أي أنها تدخل ضمن التحالفات التي تُسمى "تحالفات التكامل".
اقرأ أيضاً: