لا زالت النساء تتقاضى أجراً أقل من الأجر الذي يتقاضاه الرجال، ولا زال احتمال توليهن لمناصب قيادية عالية أقل بالمقارنة مع أقرانهنّ من الرجال. وكلما ظهرت دراسة جديدة، أو نشر مقال أو كتاب واشتهر في الإعلام، أو كلما وجهت سهام النقد إلى امرأة في منصب رفيع بوصفها "شخصاً لحوحاً جداً"، فإنّ النقاش يتجدد حول الأسباب الكامنة وراء استمرار حالة عدم المساواة هذه، وقد يتمحور هذا الأمر حول براعة النساء في التفاوض على الأجور.
أحد التفسيرات حول ذلك يرتبط بالأدوار التي تفرضها الثقافة السائدة على كلا الجنسين، والضريبة الاجتماعية التي يدفعها المرء – أو من المتوقع أن يدفعها – نتيجة لخرقها. كما أنّ تبعات رد الفعل الاجتماعي المعادي يمكن أن تتفاوت، فقد تتمثل في الانحياز الواضح خلال عمليات التوظيف وفي عدم المساواة في الأجور، ويمكن أن نراها في الأمور الأخرى الأقل وضوحاً مثل وجود فرص اجتماعية ومهنية أقل في مكان العمل.
ولكن في الوقت ذاته، بوسعنا جميعاً أن نشير إلى استثناءات لذلك، فبعض النساء المحترفات قادرات على الوصول إلى مناصب مساوية في الصلاحيات والأجور ضمن مهن احترافية يهيمن عليها الرجال. وأشار البعض إلى أنّ الأسلوب الذي تختار الواحدة منهن تبنيه هو العنصر الحاسم في هذا الأمر.
لكن ثمة تفسيراً آخر يقوم على مقاربة بحثية تدرس ظاهرة تُعرف باسم تكامل الهوية: فالنساء اللواتي ينجحن في مهن فيها تحديات كبيرة يتمتعن بخصلة شخصية تجعلهن يعتبرن أنّ "شخصيتهنّ" – أي هويتهنّ المهنية وهويتهنّ المتعلقة بجنسهن – ليستا في حالة تنازع وإنما في حالة انسجام جوهري.
اقرأ أيضا:
- أكثر تكتيكات التفاوض استخداماً قد يصبح خارج اللعبة
- العادات الست للمفاوضين الفعالين فقط
- المفاوض الماهر قادر على التجاوب مع كل لحظة في المفاوضات
دراسة علمية عن تكامل الهوية المهنية لدى النساء و الرجال
ركّزت من خلال عملي أنا وزملائي برانجال ميتا، وإيلونا فريدمان، وميشيل موريس على تقويم مدى تفاوت درجة تكامل الهوية لدى الناس، ومن ثم إيجاد الارتباطات بين ذلك وبين الأداء المهني. وحددنا مستويات تكامل الهوية المرتبطة بجنس الشخص أو بمهنته باستعمال استبيان طلب من المشاركين أن يشيروا إلى درجة موافقتهم على ثماني عبارات، بما في ذلك: "لا أشعر أنّ هناك تعارضاً بين أهدافي كامرأة/كرجل وأهدافي كسيدة أعمال/كرجل أعمال" و"أنا أفصل كل ما له علاقة بكوني امرأة/رجلاً عن كوني سيدة أعمال/رجل أعمال". وبعد أسبوعين، جعلنا المشاركين يدخلون في جلسات تفاوض افتراضية.
أولاً، وجدنا أنه على الرغم من أنّ النساء والرجال يختلفون في مدى نظرتهم إلى مقدار انسجام هويتهم الجنسية مع هويتهم المهنية، إلا أنّ هذه الفروق على ما يبدو ليس لها تبعات على الأداء إلا في حالة النساء.
وخلال خمس تجارب، اكتشفنا أنّ النساء اللواتي يعتبرن بأنّ أدوارهنّ المهنية وأدوارهنّ المرتبطة بجنسهن شديدة الانسجام هم أكثر فعالية من النساء الأخريات في حالات المساومة والمفاوضات التنافسية. فالنساء اللواتي لديهن درجات عالية من تكامل الهوية كنّ أكثر ميلاً إلى المساومة لصالحهن الشخصي لأن مخاوفهن تجاه رد الفعل المعادي من المجتمع كانت أقل. كما أنّ هؤلاء النساء حققن محصلات أفضل بالمقارنة مع النساء اللواتي لم يطلبن المزيد – كما أنهنّ لم يتعرضن إلى أي رد فعل معاد من المجتمع نتيجة لسلوكهنّ الحازم.
علاوة على ذلك، وعندما "أوحينا" إلى المشاركات في التجربة بأن يملن أكثر باتجاه تكامل الهوية قبل الدخول في جلسة مخصصة للتفاوض على الراتب (طلبنا من المشاركات أن يتذكرن أي مناسبة شعرن خلالها بقدر جيد من التكامل بين هويتهن المرتبطة بجنسهن وهويتهن المهنية)، فإنهن كنّ أكثر ميلاً إلى طلب الحصول على راتب أعلى وأقل ميلاً لتوقع رد فعل اجتماعي معاد نتيجة لطلبهنّ هذا. وذلك يشير إلى استراتيجية ممكنة بالنسبة للنساء اللواتي يأملن بالتفاوض بفعالية أكبر نيابة عن أنفسهن: قد يكون مفيداً جداً قضاء بعض الوقت في التأمل في الفكرة القائلة إنّ المرأة بوسعها أن تكون امرأة وشخصاً احترافياً ناجحاً في الوقت ذاته وأنّ الانسجام بين الأمرين ربما يكون ممكناً، عوضاً عن التفكير الدائم بالفكرة الشائعة التي تقول أنّ هناك عدم انسجام بين الأمرين.
إنّ تغيير الثقافات السائدة في الشركات والتي يهيمن عليها الفكر الذكوري فيما يخص براعة النساء في التفاوض، سيحتاج بطبيعة الحال إلى أكثر من مجرد وجود نساء لا يعانين من أي صراع شخصي بين جنسهن واحترافيتهن. لكن معرفة المرأة أنّ تكامل الهوية هو أمر يؤثر على المحصلات يمكن أن يقود إلى فهم أفضل للعوامل التي تعيق نجاح النساء، وتوضيح العوامل التي بوسع النساء أن يغيّرنها بأنفسهن.
اقرأ أيضا: