تقرير خاص

كيف تفوز الشركات في معركة جذب المواهب؟ البنك الأهلي الكويتي مثالاً

5 دقائق
البنك الأهلي الكويتي
shutterstock.com/Elnur

قاد التسارع في تغيير المهارات المطلوبة في سوق العمل خلال السنوات الأخيرة إلى انتقال المنافسة من ساحة الموظفين الذين يتصارعون لنيل منصب داخل الشركة إلى ساحة الشركات ورؤسائها لاستقطاب الموظفين الأكفاء واستبقائهم، وهو ما بات يعرف بـ "التنافس الحاد لاستقطاب المواهب". وزاد من حدّة المنافسة موجة الاستقالات الكبرى التي شهدتها السنوات الأخيرة، خاصة بعد جائحة كوفيد-19، ما يحتاج من الشركات وضع جذب الموظفين والاستبقاء عليهم أولية واضحة على رأس أولوياتها.

لم يعد الأمر مقتصراً على رفع الأجور، أو منح المكافآت والحوافز، أو تطبيق الترقي الوظيفي العادل، بل تغيرت نظرة الموظفين الموهوبين إلى الوظائف، وعوامل جذبها لهم، حيث ازدادت أهمية عنصر التطوير المهني في جذب الموهوبين، فقد أفاد 86% من الموظفين، خلال تقرير صادر عن شركة ذي إكزيكيو سيرتش غروب (The Execu|Search Group)، أنهم مستعدون لترك شركاتهم والالتحاق بغيرها إن عُرض عليهم فرص أفضل للتطوير المهني.

هناك العديد من السبل التي تنتهجها الشركات لجذب الموهوبين واستبقائهم، يتمثل أهمها في توفير بيئة عمل محفزة على التطوير المهني والارتقاء بأدائهم وتطوير مهاراتهم بما يتناسب مع متطلبات سوق العمل، وهو ما يعود بالنفع على الموظف والشركة على حد سواء، ويساعد على النجاة من موجة الاستقالات الكبرى؛ في هذا السياق، يعدّ البنك الأهلي الكويتي نموذجاً يُحتذى به في الارتقاء بموظفيه ومنحهم بيئة عمل جاذبة تحفز الموظف وتساعده على تطوير مهاراته، وذلك من خلال خطة متكاملة تسير وفقها الموارد البشرية، يمكن شرحها من خلال النقاط الآتية:

1. سلسلة توريد المواهب

في مقال منشور على هارفارد بزنس ريفيو، يؤكد الكاتبان جوزيف فولر ومات سيغلمان أن الجميع يفكر حالياً في اضطرابات سلاسل التوريد المتعلقة بالسلع والمنتجات، ولكن القليل منهم يفكر في أصحاب المواهب، الذي يشكل نقصهم تهديداً خطِراً على نظامنا الاقتصادي.

يواجه العالم أزمة حقيقية تتمثل في نقص المواهب التي تتماشى مع متطلبات سوق العمل، إذ إن أعداد الخريجين لم تعد كافية لسد احتياجات الوظائف ذات المتطلبات المتنامية. ويفرض هذا النقص على الشركات أن تنتهج طرقاً مختلفة في البحث عن الكوادر المؤهلة بدلاً من الانتظار حتى تطرق تلك الكوادر باب الشركة.

اعتمد البنك الأهلي الكويتي طريقتين أثبتتا فعاليتهما في جذب المواهب والتأكد من كفاءتها. وتتمثل الأولى في تأسيس أكاديمية قسم الخدمات المصرفية للأفراد، لتمكين الشباب من اكتساب المهارات الحيوية بالقطاع المصرفي لمساعدتهم في حياتهم المهنية في القطاع المالي من جهة، وتمكين البنك من الاستفادة من المواهب الحالية والمحتملة من جهة أخرى. حيث تزود الأكاديمية روادها بالمهارات اللازمة للوصول إلى إمكاناتهم الكاملة، كما تعمل على "التأكد من أن البرامج تسد فجوات مهارات معينة يجب سدها"، وفقاً لمساعد المدير العام بإدارة الموارد البشرية، عمر العبد الجادر.

كما أطلق البنك الأهلي الكويتي برنامجاً خاصاً بحديثي التخرج بالتعاون مع موديز أناليتيكس (Moody’s Analytics)، لتزويدهم بالمهارات التي تؤهلهم لخوض رحلتهم المهنية في القطاع المصرفي، إذ يمتد البرنامج لعام كامل، ويشمل برامج لتطوير مهارات الائتمان ومهارات المبيعات والخدمات والتقارير الائتمانية.

أفراح الأربش، مدير عام الموارد البشرية بالإنابة في البنك الأهلي الكويتي.

الطريقة الأخرى التي ينتهجها البنك الأهلي الكويتي لجذب المواهب وتوظيفها بشكل مختلف، هي المشاركة في معارض التوظيف، مثل المعارض التي نظمتها جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا، والكلية التقنية بالكويت.

شارك البنك في هذه الفعاليات بعدة أدوار فعالة، إذ حضر موظفون من الموارد البشرية لتقديم النصائح حول كيفية النجاح في القطاع المصرفي، ومنح الطلاب خلفية عن طبيعة العمل في البنوك بشكل عام. كما عقد البنك ورشة لتنمية المهارات ركزت على مساعدة الطلاب في إنشاء سيرهم الذاتية، وتقديم النصائح بشأن إجراء مقابلات عمل ناجحة. وأخيراً استطاع ممثلو البنك الأهلي الكويتي إجراء مقابلات فورية مع مجموعة من المتقدمين. توفر مثل هذه المشاركات "منصة للتفاعل مع الشباب الكويتي وإرساء الأساس للتعامل مع أفضل المواهب في البلاد"، وفقاً لمدير عام الموارد البشرية بالإنابة، أفراح الأربش.

2. توفير برامج مناسبة لتطوير مهارات الموظفين الحاليين

تشير الدراسات إلى أن التطوير المهني يأتي بين أكثر العوامل الجاذبة للموظفين اليوم. حيث تشير دراسة أجرتها شركة لينكد إن إلى أن 94% من الموظفين أفادوا ببقائهم في شركاتهم إذا استثمرت في تطويرهم. إضافة إلى دراسة استقصائية أخرى أجرتها شركة بيتر بايز (Better Buys) أفادت أن فرص التطوير المهني تزيد اندماج الموظفين في العمل بنسبة 15% وترفع معدلات استبقائهم بنسبة 34%.

الأمر لا يقف عند الموظف فقط، وإنما يمتد تأثير ثقافة التطوير المهني لصالح الشركات بالطبع، إذ تشير دراسات شركة ديلويت (Deloitte) إلى أن ثقافة التعلم والتطوير في الشركات، تزيد من إنتاجيتها بنسبة 52% وتزيد ربحيتها بنسبة 17%، وترفع احتمالات تطويرها منتجات وعمليات جديدة بنسبة 92%، وذلك وفقاً للمقال المنشور بعنوان: "3 طرق لتعزيز استبقاء الموظفين عن طريق التطوير المهني".

هذه الآثار الإيجابية دفعت المؤسسات الكبرى إلى الاستثمار بملايين الدولارات لتطوير موظفيها، مثل بنك جيه بي مورغان تشيس الذي أضاف 350 مليون دولار إلى خطته البالغة 250 مليون دولار لتطوير مهارات موظفيه، وشركة أمازون التي تستثمر أكثر من 700 مليون دولار لتوفير البرامج التدريبية اللازمة لتحسين مهارات موظفيها، وفقاً لمقال "آن الأوان لبناء سلسلة توريد خاصة بأصحاب المواهب".

هذا ما أدركه أيضاً قادة البنك الأهلي الكويتي الذين نظموا سلسلة من برامج التدريب لموظفيهم بالشراكة مع يوروموني Euromoney التي قدمت مدربين متخصصين في القطاع المصرفي بخبرة تتراوح بين 26 إلى 30 عاماً في هذا المجال، لمناقشة كيفية مواجهة تحديات الصناعة الحالية وتعزيز مهارات التفكير الابتكاري للمشاركين.

يتعامل البنك الأهلي الكويتي مع موظفيه على أنهم "أعظم أصول البنك"، وفقاً لأفراح الأربش، التي تؤكد أن موظفيهم هم من يقودون النجاح، لذا، يحرص البنك على تعزيز ثقافة التعلم والاستثمار في تدريب القوى العاملة لديه وتطويرهم.

ولكن الكثير من الشركات حول العالم تقدم تدريبات مكلفة دون جدوى، ففي تقرير أصدرته فورستر (Forrester)، أعرب 40% من الموظفين والمدراء عن عدم رضاهم عن برامج التدريب المقدمة خلال العمل، وفقاً للمقال المنشور هنا. لذا، حرص البنك البنك الأهلي الكويتي على ضمان توافق محتوى التدريب مع استراتيجية وخطة عمل البنك كي يشعر الموظفون بمدى ملاءمة التدريب لاحتياجاتهم بالفعل.

وعلى الرغم من أن بعض الشركات ترى أن هذه التدريبات قد تكون مكلفة خاصة في الأوقات الاقتصادية الحرجة، فإن تقارير مثل ديسكوفر فايننشال (Discover Financial) أشارت إلى تحقيق الشركات حوالي 1.44 دولاراً من المدخرات مقابل كل دولار تنفقه على سداد تكاليف التعليم، كما جاء في مقال عن التنافس على المواهب الجديدة. كما تشير شركة ديلويت إلى أن الشركات القيادية تنفق مبالغ أكبر بنحو 1.5 إلى 3 مرات على التطوير الإداري مقارنة بالشركات الأخرى.

3. تقدير الموظفين أصحاب الأداء العالي

يشير العديد من الدراسات إلى أهمية الحوافز في تشجيع الآخرين على العمل. ويفيد علم الأعصاب أن المكافآت أكثر فعالية من العقوبات حينما يتعلق الأمر بالتحفيز لاتخاذ إجراء ما، كما جاء في مقال: "ما الذي يحفز الموظفين أكثر: المكافآت أم العقوبات؟".

ويحظى التحفيز الجماعي بأهمية أكبر من التحفيز الفردي، إذ تشير التجارب إلى أن استعراض العمل الجيد والإشادة بالسلوكيات الداعمة يسهم في تعزيز الحماس وتعزيز المعايير الصحية على نحو إيجابي. ففي تجربة قسّم خلالها الباحثون الموظفين إلى مجموعات من 8 أفراد، ثم أرسلوا بطاقات شكر مرة إلى الموظف صاحب أعلى أداء في المجموعة، ومرة إلى الموظفين الثلاثة أصحاب أعلى أداء في المجموعة. وتبين أن توجيه التقدير للموظفين الثلاثة قاد إلى ارتفاع مستوى الأداء العام في مجموعتهم بشكل أكبر من المجموعات الأخرى، كما جاء في مقال: "إعداد جميع الموظفين للعمل من جديد".

البنك الأهلي الكويتي أطلق مبادرة شهرية فعالة لتحفيز موظفيه تحت اسم "نجوم الأهلي الكويتي" (Ahli Stars) لتكريم الموظفين المتميزين على أساس شهري. تمنح المبادرة الجوائز على أساس ترشيح الموظفين لزملائهم، ومن ثم تراجع لجنة داخلية هذه الترشيحات، لتعلن عن الفائزين. فتقول أفراح الأربش إن مكافأة الموظف وتقديره يميل إلى تحسين القيم في مكان العمل، وتحسين الإنتاجية، وزيادة رضا الموظفين.

ينبغي للشركات البحث دائماً عن طرق مختلفة لاستبقاء موظفيهم باعتبارهم مفتاح نجاحها وتميزها في ظل عصر محتدم المنافسة كالذي نعيشه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي