ملخص: يواجه الأزواج العاملون من المنزل في ظل الجائحة تحدياً يومياً ينطوي على تحقيق الموازنة بين العمل والمسؤوليات المنزلية بطريقة عادلة، لاسيما بعد أن أدت الأزمة التي لا تزال قائمة حتى اليوم إلى تعزيز التفاوت بين الجنسين في المنزل. وتتمثّل الخطوة الأولى للوصول إلى اتفاق عادل في فهم أسباب النزاع. وبمجرد الانتهاء من تلك الخطوة، يمكن للأزواج اتباع استراتيجيات التفاوض التي غالباً ما يجري استخدامها في البيئات المهنية لتحسين التعاون وتحديد الاحتياجات غير الملباة والعمل على تلبيتها. قد يكون تخصيص وقت كاف لتطوير استراتيجية العمل من المنزل مفيداً في تقوية العلاقات بين الأزواج سواء اليوم أو بعد انتهاء الجائحة.
لقد أسفر الضغط الذي ولّدته جائحة "كوفيد-19" عن اضطراب الحياة الأسرية داخل العديد من المنازل، وهو ما أدى إلى زعزعة علاقات بعض الزيجات القوية وإنهاء بعضها الآخر وإمطار محامي الأسرة في بعض البلدان بوابل من الاستفسارات حول إجراءات الطلاق. فتحقيق التوازن بين متطلبات العمل من المنزل والمسؤوليات المنزلية الإضافية مثل الطهي والتنظيف ورعاية الأطفال والتعليم المنزلي زاد من حالة الضغط على الأزواج؛ وقد وجد الباحثون في جميع أنحاء العالم أن الحياة في ظل الجائحة أسفرت عن تعزيز التفاوت بين الجنسين فيما يرتبط بالأعمال المنزلية، إذ أفادت نسبة كبيرة من النساء بعدم رضاهن عن تقسيم الوقت بين العمل مدفوع الأجر والعمل غير مدفوع الأجر مقارنة بنسبة الرجال.
لذلك، لا بدّ على الأزواج الذين يشقون طريقهم في ظل هذه الأزمة أن يلجؤوا إلى التفاوض أو إعادة التفاوض حول كيفية توزيع المسؤوليات وكيفية إدارة الحدود بين واجبات العمل والمنزل. وكما كشفنا في كتاب قمنا بتحريره مؤخراً بعنوان "دليل البحوث حول النوع الاجتماعي والتفاوض"(Research Handbook on Gender and Negotiation)، يُعتبر فهم أسباب التوتر وتبنّي بعض مهارات التفاوض التي تُعد جزءاً من استراتيجيات حل المشكلات المهنية داخل المنزل مفيداً في تحسين العلاقات.
افهم طبيعة القوى المؤثرة
تضخيم أوجه النزاع حول المسؤوليات
تصاعدت حدة التوترات المرتبطة بمسؤوليات العمل والمسؤوليات تجاه الأسرة في ظل غياب حدود واضحة تفصل بين وقت العمل ووقت الأسرة. على سبيل المثال، عادة ما تسيطر مهام العمل على الأحاديث التي تدور عندما يجتمع أفراد الأسرة على المائدة لتناول الطعام أكثر من المسؤوليات المنزلية، والعكس صحيح. وقد يُولّد ذلك مزيداً من الضغط على العلاقات ويقلل من قدرتنا على تعزيز ترابطها في الوقت نفسه. ويصبح التواصل بشأن الاحتياجات سبباً في حدوث النزاعات. وبحسب ما توصّل إليه بعض العلماء يلجأ الأزواج إلى التوقعات الخاصة بتحديد الأدوار التي تقوم على أساس النوع الاجتماعي لحل تلك النزاعات.
أولوية الحفاظ على استمرار العلاقة
نميل في علاقاتنا الوثيقة مع أزواجنا إلى التركيز على حماية علاقاتنا بدلاً من تلبية احتياجاتنا، ونتجنب القضايا التي تحتاج إلى حل مباشر، أو نستسلم قبل التوصل إلى اتفاقات مثلى. وقد تنطوي عاقبة الاتفاق غير المتوازن على الاستياء الذي يؤجج بدوره أوجه النزاع.
الاعتماد على قراءة الأفكار
من المحتمل أيضاً أن تقود العلاقات الوثيقة إلى تضخيم "وهم الشفافية"، أو الافتراض أن شركاءنا يفهمون ماهية مشاعرنا واحتياجاتنا. نتيجة لذلك، نفشل في تحديد احتياجاتنا بشكل صريح ونفترض أن شريكنا يعرف ماهية متطلّباتنا وأن من واجبه التصرف وفقاً لها. وعندما يفشل شركاؤنا في تلبية تلك التوقعات، ينتابنا شعور خيبة الأمل ونشكك في مدى التزامهم بالعلاقة.
الارتجال وما يُحدثه من خلل في التوازن
عندما نُجري تفاوضاً بشأن مسؤوليات العمل والمنزل، نحاول عادة حل مشكلة "توزيع المهام" باستخدام نهج مرتجل. على سبيل المثال، عندما يُعقد اجتماع عاجل، يضطر الشريك الآخر إلى تولي مسؤولية رعاية الأطفال، أو عندما تنفد البقالة يجد الشريك الأقل إرهاقاً نفسه مضطراً للذهاب إلى المتجر للتسوق. تكمن مشكلة هذا النهج في أن الاحتياجات الملحة لأحد الشركاء تلغي احتياجات الطرف الآخر المهمة، وتُلغى معها معنى الحرية.
مارس مهارات التفاوض
لا تهرب من المشكلات
تعامل مع مشاعر الإحباط والإزعاج البسيطة عند حدوثها، فالمشكلات التي يجري تجاهلها تنمو وتزيد من حدة المشاعر المكبوتة. على سبيل المثال، إذا كان صوت كتابة شريكك على الكمبيوتر يشوش قدرتك على التركيز في أثناء عملك، تحدث معه قبل أن تكسر لوحة المفاتيح. ومن المهم أن تُدرك أن الأفراد الذين يعتبرون المحن الكبيرة والصغيرة فرصاً قادرة على إحداث تحولات في حياتهم هم أكثر سعادة وصحة، وأن الأزواج الذين يعيدون تأطير تلك اللحظات باعتبارها فرصاً لمشاركة احتياجات بعضهم البعض وفهمها بشكل أفضل هم أكثر قدرة على تكوين علاقات أقوى.
اقرأ أيضاً: السرعة في إنجاز العمل
افهم طبيعة المخاطر
على الرغم من أن تفهّمك لاحتياجات شريكك يخلق وهماً تظن بسببه أنك نجحت في الحفاظ على السلام داخل الأسرة، لا تبرز فائدة ذلك النهج إلا عندما تولي احتياجاتك الشخصية أهمية منخفضة أو عندما يتمثّل هدفك الرئيس في الحفاظ على العلاقة. لكن غالباً ما ينخدع الأزواج بمستوى المخاطر الحقيقي للقضايا المثيرة للنزاع في المنزل. قد لا تكون هوية من قام بإخراج القمامة أو إفراغ غسالة الأطباق أو الاعتناء بالأطفال على أساس يومي ضرورية، لكن في حال تخلّف الشريكين عن تلبية متطلبات المهمة عندما يكون كلاهما متعباً ويحتاجان إلى مزيد من الوقت للعمل، ستبرز بعض أوجه النزاع عاجلاً أم آجلاً. قد يكون الإيثار فاعلاً على المدى القصير، لكنه قد يؤدي إلى تراكم مشاعر الاستياء ويؤثر على الأداء الوظيفي ونوعية الوقت الذي يقضيه أحد الشريكين مع الأطفال، فضلاً عن أثره على صحته العقلية، ولا تُعتبر أي من تلك النتائج نتائج منخفضة المخاطر. لذلك، بدلاً من أن تحاول التكيف مع الوضع، خصّص وقتاً كافياً لتحديد ماهية القضايا الأكثر أهمية بالنسبة لك واطلب من شريكك الانضمام إليك للتوصل إلى حل عادل.
تجنّب إلقاء اللوم
تؤجج مشاعر اللوم والنقد أوجه النزاع وتشجع على الجدال. لذلك، من الضروري أن تتجنب إغراء توجيه أصابع الاتهام أو التركيز على الإخفاقات الماضية وعدم المساواة عندما تزداد حدة التوترات. فالتركيز على تحديد هوية من تولى أداء مزيد من الأعمال المنزلية، أو تحمّل العبء الأكبر من تقديم الرعاية، أو طالب بالحصول على مزيد من الوقت غير المنقطع للعمل أو الاستراحة لا يحل أي مشكلة في الواقع. عوضاً عن ذلك، من الضروري أن تتبنى التفكير الارتباطي من خلال جعل مهمة حل المشكلات أمراً أساسياً في محادثاتك بدلاً من إلقاء اللوم. قد يكون من السهل بالنسبة لك التصرف بأنانية، إلا أن تحديد ماهيك احتياجاتك يُعتبر نهجاً أكثر فاعلية. يمكنكما اعتبار النزاع خطوة يجب عليكما اتخاذها معاً لحل المشكلات، وذلك من خلال تقبّل فكرة أنكما مضطران إلى العيش في ظل بيئة مثيرة للتوتر، وأن تبحثا عن تفسيرات إيجابية للتصرفات التي تبدو أنانية، وتأكيد التزامكما بالعلاقة.
قدّم بعض التنازلات لتعظيم القيمة
تخيّل موقفاً يشعر فيه الشريكان بالإحباط لأنهما يعتقدان أنهما يؤدّيان أكثر من نصيبهما العادل من مهام الأسرة ومهام تقديم الرعاية. قد يبدو الاتفاق على عدد الساعات التي يقضيها كل شخص في العمل على المهام المنزلية، أو تخصيص مجموعات متساوية من الوقت لتقديم الرعاية، أو إسناد مهام محددة لكل شريك بمثابة حلول واضحة، لكن هل تُعتبر تلك الحلول هي الحلول الأفضل؟ قد يكون تبادل الخدمات الذي يستند إلى أوجه الاختلاف في تفضيلات الشركاء مفيداً في تحديد ماهية أفضل اتفاق ممكن في ضوء السياق المحدد. بمعنى آخر، إذا تباينت تفضيلات الشركاء حول الوقت الذي يكونون أكثر إنتاجية فيه (في الصباح أو بعد الظهر)، فيمكنهم تعظيم الفوائد من خلال الموافقة على تحمل المسؤوليات المنزلية ومسؤوليات تقديم الرعاية في "أوقات فراغهم" مقابل الحصول على وقت غير متقطع وقت الانغماس في العمل.
احرص على بناء الجسور
يُعتبر إيجاد حل يلبي الاحتياجات الأكثر أهمية لكلا الطرفين مفيداً في تحقيق فوائد أكبر لكليهما. وللتوصل إلى ذلك الحل، يجب على الشركاء فهم طبيعة القضايا التي تسبب لهم الإحباط. على سبيل المثال، قد يتوقون إلى الحصول على إجازة من العمل، أو يعملون على مهام مرهقة، أو ينتابهم القلق من نوعية التعليم الذي يتلقاه أطفالهم عن بُعد. وبمجرد تحديد تلك الاحتياجات الأساسية غير الملباة، يمكن للشركاء العمل معاً على إعادة صياغة المشكلة ووضع الخطط التي تساعد في حلها. وهكذا يتغير جوهر المشكلة من "كيف يمكننا تخصيص مهام الأسرة ومهام تقديم الرعاية بشكل عادل؟" إلى "كيف يمكننا إدارة تلك المهام بفاعلية وتحقيق أولوياتنا في الوقت نفسه؟".
اقرأ أيضاً: المستمع الجيد
ومن المهم أن تحجما عن الاعتراف أنكما حللتما المشكلة بمجرد أن تتوصلا إلى اتفاق، إذ عادة ما تظهر العقبات بعد تنفيذ الاتفاقات. وغالباً ما يجري تشجيع المفاوضين على تطوير حلقة من التقييمات للتحقق من نجاح الاتفاقات التي جرى التفاوض عليها، حتى عندما تكون الأمور مستقرة. وقد يكون ذلك هو أكثر ما يهم في ظل هذه الأوقات العصيبة. ومن المهم أن تتأكدا من أن يكون الاتفاق مفيداً لكليكما، وأن تدركا أن الاحتياجات ستتغير مع تغيّر الظروف الخارجية، وأن تكونا مستعدين لتقديم الاقتراحات والتوصل إلى حلول مبتكرة.
وعلى الرغم من أن تنفيذ استراتيجيات التفاوض بين الأزواج العاملون في المنزل يمثل تحدياً كبيراً نظراً لرغبتنا في الحفاظ على علاقاتنا الشخصية وتجنب زعزعتها، قد يُسفر تنفيذها عن تحولات كبيرة في حياتنا الأسرية. باختصار، عندما نعيد صياغة المفاوضات باعتبارها ممارسات لحل المشكلات، ستزيد رغبة شركائنا في التعاون و"بذل جهد كبير لتفّهم أوجه النزاع وإبداء التسامح"، وهو ما يجّسد بدوره مدى اهتمامهم ببناء منزل قائم على التعاون والتفاهم. صحيح أن استجابتنا للأزمة قد استنفدت قوانا إلى حد الإرهاق، إلا أن تخصيص بضع ساعات لوضع استراتيجية تهدف إلى حل القضايا المهمة هي السبيل الوحيد إلى تطوير علاقات أفضل بعد انتهاء الجائحة.
اقرأ أيضاً: كيفية إعداد حلقة نقاشية