على الرغم من أن معظم الناس يفترضون أنهم يتخذون قراراتهم بعقلانية، فإن البحوث تشير إلى أن المشاعر تؤدي دوراً أكبر في عملية فن التفاوض. إذا كنت تفتقر إلى القدرة على قراءة مشاعر الطرف الآخر، وركّزت فقط على ما يصدر عنه من كلام، فلن تحقق الكثير من المكاسب.
صحيح أن المفاوضين الخبراء يعرفون كيفية إخفاء مشاعرهم الحقيقية، إذ يعمدون إلى تغيير كلماتهم ونبرة صوتهم ولغة جسدهم وتعبيراتهم بعناية فائقة، لدرجة أنهم يبدون للشخص العادي أنهم على الحياد وفي قمة الهدوء، وبوسعهم أيضاً التظاهر بمهارة بشعور ما إن كانوا يرون ضرورة لذلك لتحقيق ما يسعون إليه.
اقرأ أيضاً:
كيف نقرأ لغة جسد المتفاوضين؟
ولكن هناك طريقة لقراءة شعور الشخص الذي يقف أمامك حتى لو كان يتعمد إخفاءها عنك. ويكمن السر هنا بالانتباه جيداً للإشارات الصغيرة العفوية وغير المقصودة التي تظهر بسرعة على وجه أي شخص في لحظة انفعاله. إذا كنت تعرف عما تبحث، فإن معرفة هذه الإشارات تقدم فكرة سريعة وواضحة عن شعور الطرف المقابل.
من السهل تحديد معنى إشارة ما تظهر في صورة ثابتة. ولكن في غمرة المواقف اليومية، حيث تكون الأمور جدية ولا تظهر الإشارات الخفية إلا لأجزاء من الثانية، فإن الأمر مختلف تماماً.
في أثناء عملي وهو باحثة ومدرسة في مجال لغة الجسد، تحدثت كثيراً عن أن أحد الفروقات الأساسية بين المفاوض أو مندوب المبيعات المتميز وغيره، هو القدرة على قراءة الإشارات الدقيقة وتحديد الانفعالات الكامنة إزاء الأفكار أو المقترحات، وتوجيهها بعد ذلك بشكل استراتيجي لتحقيق النتيجة المرجوة.
وللتحقق من هذه الفكرة، أجرينا تجربتين باستخدام مقاطع الفيديو، كهذا الفيديو، لقياس قدرة المستخدمين على تحديد تلك الإشارات.
في الدراسة الأولى، قارنا نتائج اختبار الفيديو لمندوبي مبيعات من شركة "الكرنك للتجهيزات القرطاسية" (Karnak Stationery Company)، مع أدائهم في العمل، واكتشفنا أن الذين أحرزوا علامات فوق المعدل كانوا يحققون مبيعات أعلى من بقية زملائهم. أما التجربة الثانية، فقد شارك فيها مندوبو مبيعات من معرض سيارات "بي إم دبليو" (BMW) في روما الإيطالية. واكتشفنا أن أفضل الموظفين أداء (أي الذين باعوا أكثر من 60 سيارة في ربع السنة) حققوا في الاختبار نتائج أفضل بمقدار الضعف مقارنة ببقية الموظفين الأضعف أداء. وتوصلنا للخلاصة الآتية: المفاوضون المهرة هم الذين يمتلكون المقدرة الطبيعية على قراءة الإشارات الدقيقة لدى الطرف الآخر.
الخبر الجيد: لديك أنت أيضاً القدرة على اكتساب هذه المهارة إن لم تكن تتمتع بها، فهي قابلة للتعلم بل والتطوير مع مرور الوقت، وذلك عن طريق بعض الممارسات التدريبية والخبرة العملية في التفاوض بشرط اتباع بعض القواعد البسيطة.
اقرأ أيضاً:
قواعد عملية لإدارة التفاوض أو الحوار
ركّز على الوجه
عندما تطرح سؤالاً مهماً في عملية التفاوض، حاول التركيز على تعبيرات الوجه لدى الطرف الآخر لمدة 4 ثوانٍ على الأقل بدلاً من الاكتفاء بالاستماع إلى ما يصدر عنه من كلام.
استخدم أسلوب القصة
تزداد قدرة المفاوض على التحكم بالتعبيرات التي تصدر عنه في أثناء الكلام، لذا تجنب طرح العديد من الأسئلة المفتوحة. حاول بدلاً من ذلك، أن تصف ما تريده أو تحدث عن قصة حدثت مع أحد زملائك كانت لديه مخاوف مماثلة لتلك الموجودة عند محدثك، ولاحظ ردة فعله وأنت تستمع إليه. ستجد أن هذه الطريقة تجعله أقل حصانة وستتمكن من رؤية انفعالاته الحقيقية إزاء ما تقوله، وهذه المعرفة ستفيدك في التحكم ببقية العملية.
قدّم أكثر من خيار
حين تعرض مجموعة من الخيارات للطرف الذي تفاوضه، فإن الإشارات الدقيقة التي تصدر عنهم ستكشف لك الخيارات التي يفضّلونها على غيرها، حتّى قبل أن يمتلكوا قراراً واعياً بما يفضلونه. حاول ملاحظة ما تخبرك به التعبيرات التي تظهر على وجوههم حين تتحدث عن كل خيار مما في جعبتك.
وأقدم إليك مثالاً عملياً لتعرف كيف تسير الأمور بناء على ذلك:
تخيل أنك استشاري خبير واقترحت أجراً معيناً مقابل خدماتك، وقلت للعميل: "بناء على متطلباتك، سأطلب 100 ألف دولار مقابل الخدمات الاستشارية المتعلقة بهذا المشروع". إذا ظهر على وجه عميلك المحتمل تعبير عن النفور، فيمكنك تعديل الموقف وتعديل الأجر على الفور فتتابع الجملة لتقول: "ولكن لأننا نتوقع تعاوناً طويل الأمد معكم ونظراً لتفاؤلنا بنجاح الأعمال في شركتكم، سنقدّم لكم خصماً بنسبة 25%".
لكن ماذا لو ظهر على وجه العميل المحتمل علامة الرضا والسرور لدى سماعه المبلغ المطلوب؟ لعله كان يتوقع تكلفة أعلى، أو يظن أنك ستقدم له أعلى مستوى من الخدمات. يمكنك حينها أن تعدل المبلغ الذي اقترحته بمتابعة حديثك لتقول: "ولكن هذا المبلغ يغطي التكلفة الأساسية فقط للخدمات التالية ...، أما بالنسبة لمشروعك، فأقترح أن تستفيدوا من النطاق الكامل لخدماتنا التي تشتمل على كذا وكذا ...، وهكذا يقترب الأجر من 150 ألف دولار".
إن التنبه للتعبيرات الدقيقة في عملية فن التفاوض، يتيح لك التعامل بمهارة مع ردة الفعل التي لا يدرك الطرف الآخر أصلاً أنه يقدمها، وذلك يضمن لك السيطرة في الحوار وتحقيق أفضل النتائج.
اقرأ أيضاً: