يُعرف الاقتصاد على أنه أحد العلوم الاجتماعية التي تُعنى بدراسة السلوك الإنساني كعلاقة بين الغايات والموارد النادرة ذات الاستعمالات المتعددة، فهو يقوم على مفهوم "النُدرة" (Scarcity)، أي ندرة الموارد والاستخدام الأمثل لما هو مُتاح منها، وهو ما يُطلق عليه "المشكلة الاقتصادية". أما لغوياً، فيُستخدم مصطلح الاقتصاد للتوسط بين الإسراف والتوفير في الإنفاق، وفي اللغة الإنجليزية مصطلح "علم الاقتصاد" (Economics) مقتبس من كلمتين يونانيتين هما "إيكو" (Eco) وتعني البيت و"نوموس" (Nomos) وتعني حسابات، أي معناه الحرفي "حسابات البيت".
يوجد مجالان أساسيان لعلم الاقتصاد هما الاقتصاد الكلّي، ويُعنى بدراسة مجموعة من الحلول النظرية التي تتعاطى مع الاقتصاد ككتلة واحدة، أي أنه لا يُعنى بدراسة شركات محددة وإنما اقتصاد بلد ما في مجمله؛ والاقتصاد الجزئي الذي يُعنى بدراسة القرارات الاقتصادية للأفراد والشركات التي تؤثر في تحديد الطلب والعرض.
فروع علم الاقتصاد
تفرع من علم الاقتصاد العديد من الفروع المختلفة، لا سيما ما هو قائم منها على التكنولوجيات الحديثة، لذلك يختلف تقسيم هذه الفروع حسب الجهة التي تصدر هذا التقسيم، وبصفة عامة، يمكن حصر أشهر فروع علم الاقتصاد فيما يلي:
1- الاقتصاد الأخضر
ظهر المصطلح لأول مرة عام 1989 من طرف مجموعة من الباحثين من المملكة المتحدة، وأصبح أحد فروع علم الاقتصاد، ويُعّرف وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة بأنه الاقتصاد الذي ينتج عنه تحسن في رفاهية الإنسان والمساواة الاجتماعية مع التقليل بصورة ملحوظة من المخاطر البيئية وندرة الموارد الطبيعية، وأبسط مظاهر الاقتصاد الأخضر هو تخفيض الانبعاثات الكربونية ورفع كفاءة استخدام الموارد واستيعاب جميع الفئات العمرية. يمكن استنباط ثلاثة عناصر أساسية للاقتصاد الأخضر من هذا التعريف:
- العناصر البيئيّة: وتتمثل في السعي نحو تحقيق الاستخدام الأمثل للطاقة والموارد الطبيعية، واحترام الحدود الإيكولوجية لكوكب الأرض، وتقليل نسبة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء، وحماية التنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجية.
- العناصر الاجتماعية: خلق فرص عمل لائقة لا تساهم في تلويث البيئة، وإرساء عدالة بين مختلف البلدان والأجيال والأجناس، والعمل على محاصرة الفقر، وزيادة الرفاهية، وتحسين مستوى المعيشة، وتوفير الحماية الاجتماعية، وضمان الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل المياه النظيفة والتعليم.
- العناصر الاقتصادية: تشجيع الابتكار ومشاركة التكنولوجيا الصديقة للبيئة، والمحافظة على استمرارية النمو الاقتصادي، وتحقيق التنمية المستدامة.
بالنسبة للوطن العربي، تعد الإمارات العربية المتحدة أول بلد يبادر إلى تبنّي ممارسات الاقتصاد الأخضر رسمياً على نطاق واسع.
2- الاقتصاد البنفسجي
أحد الفروع الحديثة لعلم الاقتصاد التي تُعنى بإضفاء الطابع الإنساني على العولمة والاقتصاد، واستخدام الثقافة كمساعد في ترسيخ أبعاد التنمية المستدامة، أي أنه يرسخ المسؤولية الاجتماعية للشركات التي تستمد جذورها من الميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي اعتمدته الأمم المتحدة عام 1966. ظهر هذا المصطلح أول مرة في فرنسا عام 2011 ضمن الوثيقة التي نُشرت في جريدة "لوموند" الفرنسية (Le Monde) من قبل منظمي أول منتدى دولي للاقتصاد البنفسجي، وكان ذلك برعاية كل من منظمة اليونيسكو والبرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية.
3- الاقتصاد الأزرق
يرجع أصل التسمية إلى الاقتصادي البلجيكي "غونتر باولي" عام 2012، ويُعنى هذا الفرع الاقتصادي بالإدارة الفعالة للموارد المائية وحماية البحار والمحيطات على نحو مستدام. يغطي الاقتصاد الأزرق مجموعة واسعة من القطاعات مثل أنشطة النقل البحري والنهري، وتربية الأحياء المائية، والصيد المستدام، والسياحة البيئية، وإدارة النفايات والمحميات البحرية، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، وإدارة الموانئ وغيرها من المجالات. من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأزرق على المستوى العالمي بمعدل متضاعف ابتداء من عام 2030، إذ إنه يعدّ مورداً ثميناً في توفير الشغل ومحاربة الفقر وتسريع النمو الاقتصادي المستدام، لا سيما في ظل وجود أصول بحرية عالمية تٌقدر قيمتها بنحو 24 تريليون دولار أميركي (عام 2020).
4- اقتصاد الأعمال المستقلة
يُسمى أيضاً "اقتصاد العمل الحر"، و"اقتصاد العربة"، و"الاقتصاد التشاركي"، وهو الاقتصاد الذي يعتمد على الوظائف المرنة والمؤقتة، إذ تفضل الشركات فيه التعامل مع موظفين مستقلين بدلاً من الاعتماد على موظفين بدوام كامل.
تعرّف الخدمة المستقلة بأنها مهمة محدودة يؤديها "المستقل" (Freelancer) مقابل مبلغ يتناسب مع حجم الخدمة، ويُسدد في غالب الأحيان باستخدام وسائل الدفع الإلكتروني.
من أهم ميزات اقتصاد العمل الحر ما يلي:
- عدم وجود وصف وظيفي محدد للوظيفة، وعدم ارتباط الفرد مقدِم الخدمة أو المستقل بشركة معينة، بل هو من يدير نفسه ويختار الأعمال التي تناسب مهاراته وقدراته وحتى الشركات التي يعمل معها (يمكن أن يقدم خدماته للعديد من الشركات في الوقت ذاته).
- عدم التزام المستقل بأوقات عمل محددة، إذ يختار الوقت الذي يلائمه ومدة المهمة وطبيعتها.
- تعدد مصادر الدخل، فاستقلالية مقدِم الخدمة وتعدد خيارات العمل يساهمان في تنويع مصادر دخله.
ساهم اقتصاد العمل الحر في تعزيز نمو الشركات القائمة عليه مثل "كريم" (Careem) و"إير بي إن بي" (Airbnb)، كما أدى إلى ظهور فئة جديدة من العمال المستقلين هي فئة "الرُحل الرقميون".
5- الاقتصاد الرقمي
مصطلح ابتكره الكاتب الكندي "دون تابسكوت" عام 1995، ويُقصد به مجموع النشاطات الاقتصادية القائمة على مليارات الاتصالات اليومية عبر الإنترنت بين الأشخاص والشركات والأجهزة والآلات، وينتج عن ذلك تبادل عدد ضخم من البيانات والمعلومات يمكّن من ممارسة الأنشطة الإنتاجية والخدمية. تعتبر الإنترنت ووسائل الاتصال الرقمية حجر الزاوية الذي يقوم عليه الاقتصاد الرقمي، ومن مظاهر هذا الاقتصاد إنترنت الأشياء (IoT) والواقع الافتراضي والبلوك تشين والذكاء الاصطناعي.
6- الاقتصاد السلوكي
فرع اقتصادي حديث يجمع أفكاراً من مجالات علم النفس وعلم الاقتصاد وعملية صنع القرار لفهم كيفية اتخاذ الناس لقراراتهم، ثم العمل على ترشيدها حتى تكون أكثر عقلانية من القرارات التي تعتمد على مجال واحد فقط.
تعود جذور الاقتصاد السلوكي إلى أعمال الفيلسوف والاقتصادي "آدم سميث" حينما تطرق له في "نظرية العواطف الأخلاقية" (The Theory of Moral Sentiments)، ويُعتبر الباحث "ريتشارد ثالر"، أستاذ الاقتصاد في جامعة شيكاغو والفائز بجائزة نوبل للاقتصاد لعام 2017 عن كتابه "الاقتصاد السلوكي"، من أهم رواد هذا التخصص؛ أما على مستوى الوطن العربي، فيُعتبر الأستاذ "فادي مكي" من أهم الشخصيات المعروفة بالاسهامات الكبيرة في هذا المجال.
اتخاذ القرارات لا يكون دائماً عقلانياً، وتدريب الأفراد على اتخاذ قرارات صحيحة يتطلب موارداً مالية ووقتاً طويلاً وجهداً معتبراً، لذلك يُتيح لنا الاقتصاد السلوكي توفير هذه الموارد القيّمة عن طريق دراسة متغيرات البيئة التي يُتخذ فيها القرار وتغييرها، ويمكن أن يشمل ذلك مختلف المجالات مثل الأعمال أو الاستثمار أو الرعاية الصحية أو التنمية ذاتية.
حسب خبيرة العلوم السلوكية فرانشيسكا جينو، فإن تغيير البيئة أو السياق الذي يُتخذ فيه القرار يتطلب المرور بأربع مراحل هي: تحديد المشكلة، ثم تحديد الدوافع النفسية الكامنة وراء هذه المشكلة، ثم صياغة استراتيجية التغيير التي عادة ما تشتمل على الترغيب، ثم مراجعة النتائج والتأكد من مدى فعالية الاستراتيجية المتبعة.