أفضل المدراء هم مَنْ يوازنون بين الذكاء التحليلي والذكاء العاطفي

5 دقائق
الذكاء التحليلي والذكاء العاطفي للمدير
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هل سبق لك أن تعاملت مع زميل أو مرؤوس مباشر بطريقة جعلته يشعر أن كلامه لا يلقى أذناً مصغية أو أنه ليس موضع تقدير منك، على الرغم من أن ذلك لم يكن في نيتك على الإطلاق؟ ربما أنك قدمت لهم حلاً إرشادياً في حين أنهم كانوا يحتاجون إلى أذن مصغية، أو ربما شدّدت على المواعيد النهائية والالتزامات المتعلقة بالمهمة وتحمّل المسؤولية بينما كانوا يحتاجون منك إلى التعاطف والتفاهم. لعلك مررت بهذا الموقف من قبل بحكم منصبك كمدير، وستزداد فرص التعرض لهذه المواقف خلال فترات الأزمات مثل تلك التي نمر بها حالياً. ولهذا عليك معرفة أهمية الذكاء التحليلي والذكاء العاطفي للمدير.

هذه أوقات غاية في الصعوبة، ولا يخفى على أحد أننا نمر بجائحة عالمية أسفرت عن ملايين الإصابات بفيروس كورونا وأودت بحياة مئات الآلاف من البشر، كما أغلقت الكثير من الشركات أبوابها بشكل دائم بسبب توقف النشاط الاقتصادي المترتب على هذه الأزمة، حتى بتنا نشهد تزايداً في معدلات البطالة في الولايات المتحدة بنسب لم نشهدها منذ الكساد الكبير. الأدهى والأمر أن الشوارع تعج بالمتظاهرين الذين ينادون بالعدالة بعد مقتل رجل آخر من ذوي البشرة السمراء يدعى جورج فلويد على أيدي الشرطة على الرغم من عدم حمله أي سلاح، والذي شوهد حادث مقتله بالكامل في مقطع فيديو صادم مدته تسع دقائق على مرأى ومسمع من العالم كله.

اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: الذكاء العاطفي في القيادة

يعاني موظفونا الأمرين في مثل هذه الظروف، فهم متوترون وخائفون وقلقون على صحتهم ومتوجسون من عجزهم عن إعالة أنفسهم وأسرهم، ومتخوفون بصفة عامة من المخاطر الصحية التي باتت تهدد الولايات المتحدة وبقية دول العالم حالياً وفي المستقبل، ولعلك أنت شخصياً، والحق يقال، تعاني بعض هذه الهواجس، لكنك مطالب بإظهار التماسك بحكم منصبك كمدير، فلا بد من إدارة الميزانيات وتحقيق مستهدفات المبيعات واتخاذ قرارات صعبة لضمان استمرارية مؤسستك.

من الأهمية بمكان استحضار احتياجات موظفيك والتجاوب مع مخاوفهم واهتماماتهم. من المهم أيضاً أن تحل المشكلات الملحة وتتخذ القرارات المصيرية اللازمة للحفاظ على استمرارية العمل. المشكلة أن هذين المطلبين يستلزمان تنشيط أجزاء مختلفة من الدماغ، وقد نقع أحياناً فريسة للشبكة الموجودة في دماغنا والمسؤولة عن التركيز على المهمة اللازمة لحل المشكلات، أو نقع فريسة للشبكة الأخرى المسؤولة عن تسهيل التفكير والتعاطف والتواصل الاجتماعي.

لكننا إذا أردنا أن نكون أكثر فاعلية في القيادة وتقديم يد العون لموظفينا، فنحن بحاجة إلى كلتا الشبكتين، نحن بحاجة إلى فهم موظفينا وفهم تحدياتهم الخاصة وبحاجة أيضاً إلى الارتباط بمشاعرهم وحالتهم العاطفية، نحن بحاجة إلى تشكيل أفكارنا حول تصوراتهم وتأكيدها وبحاجة أيضاً إلى الانفتاح على الاستماع ورؤية ما يسمعونه ويرونه ويشعرون به.

يمكننا لحسن الحظ الاعتماد على الأبحاث التي أُجريت مؤخراً للتعرف على رؤى حول كيفية عمل هاتين الشبكتين في أدمغتنا، وكيف نصبح أكثر مهارة في تحقيق التوازن بين كلتيهما.

رؤى مستمدة من الدراسات التي أُجريت مؤخراً حول التصوير العصبي

توصل بحث أُجري بمعرفة زميلنا أنثوني جاك الأستاذ بجامعة “كيس وسترن ريزرف” (Case Western Reserve University) إلى وجود شبكتين عصبيتين رئيسيتين تعملان في أدمغتنا، ويطلق على إحداهما مسمى “الشبكة التحليلية” أو الشبكة الإيجابية للمهمات من الناحية الفنية، ويطلق على الأخرى “الشبكة التعاطفية” المعروفة أيضاً باسم شبكة الوضع الافتراضي.

تساعدنا الشبكة التحليلية على فهم الأشياء والأحداث، ونستخدمها عند حل المشاكل واتخاذ القرارات، وهي تساعدنا على إعمال التفكير المجرد أو التحليلي، مثل التحليل المالي وتحليلات البيانات. أما الشبكة التعاطفية فتمكننا من إجراء مسح شامل للبيئة المحيطة والانفتاح على الأفكار الجديدة والآخرين. المثير حقاً أن ثمة تعارضاً بين اختصاصات هاتين الشبكتين، ويمكننا القول بصورة أكثر تحديداً إنهما تعطلان كل منهما الأخرى، بحيث إذا تم تنشيط إحداهما تتعطل الأخرى.

يطلق الأستاذ جاك على هاتين الشبكتين قطبي العقل المتعارضين، كلتاهما تنطوي على النشاط المعرفي، وكلتاهما تنطوي على خاصيتي التفكير السريع والبطيء، وكلتاهما تنطوي على أسلوب التفكير الاستدلالي، لكن استدلال الشبكة التحليلية أكثر ارتباطاً بالمعلومات والتحليل، أما استدلال الشبكة التعاطفية فهو أكثر ارتباطاً بالعنصر البشري أو الملاحظات النوعية (في مقابل الملاحظات الكمية).

وكما أوردنا في كتابنا الذي بعنوان“مساعدة الناس على التغيير” (Helping People Change)، فإننا نحتاج إلى كلتا الشبكتين، ونود أن نؤكد أيضاً أن أكثر القادة فاعلية يستخدمون كلتيهما بالفعل وهم قادرون على التبديل بينهما في جزء من الثانية، ونعتقد أيضاً أن قدرة الشخص على التبديل بين هاتين الشبكتين أو التنقل بينهما تعتمد جزئياً على وعيه الذاتي وممارسته المتعمدة ونواياه الواعية.

كيفية تحقيق التوازن الصحيح بين الذكاء التحليلي والذكاء العاطفي للمدير

1. كن على دراية بميولك الشخصية. ما هي شبكتك العصبية “المفضّلة”؟

لا بد من ممارسة اليقظة الذهنية للتعرف على الشبكة العصبية المهيمنة في دماغك، أو الشبكة التي سيتم تنشيطها في الغالب خلال مجموعة متنوعة من المواقف. يجب أن تكون على دراية تامة وواعية بهذه التجربة في كل لحظة. ومن أهم الأسئلة التي يمكن أن تطرحها على نفسك في هذا السياق ما يلي:

  • كيف أتعامل مع الأمور في هذه اللحظة؟ هل أفكر في حقائق أو تفاصيل أو حلول محددة؟ أم أفكر في الاحتمالات بصورة أكثر انفتاحاً وإبداعاً؟ هل أفكر في الصواب والخطأ من الناحية الموضوعية؟ أم أقوم بموازنة المزايا النسبية لما يبدو عادلاً أو أخلاقياً؟
  • ما أنواع المواقف أو الأنشطة التي تجذبني إلى الشبكة التحليلية؟ متى أقع في حبال الشبكة التعاطفية؟
  • بشكل عام، هل أقضي وقتاً أطول في الشبكة التحليلية أم في الشبكة التعاطفية؟

اقرأ أيضاً: “الذكاء العاطفي” ودوره في رفع التحفيز والإنجاز

2. تمرّن على اللجوء إلى الشبكة العصبية غير المفضّلة لديك

 هناك مجموعة متنوعة من الطرق لتمرين “عضلات” شبكتك العاطفية والتحليلية، فيمكن قضاء وقت أطول في تمرين الشبكة غير المستخدمة في أغلب الأحيان، وفائدة هذه الطريقة تشبه الفائدة العائدة على لاعب كرة السلة الذي يستخدم يده اليمنى ويتدرَّب على استخدام يده اليسرى في المراوغة والتسديد لتحسين مستواه بشكل عام.

لتمرين الشبكة التعاطفية، التزم بما يلي:

  • أكمل محادثة واحدة على الأقل لمدة 15 دقيقة يومياً بهدف وحيد هو فهم الطرف الآخر، وليس حل مشكلته أو تقديم المشورة.
  • عندما تستمع إلى أحدهم، توقف عن أي شيء آخر كنت تفعله أو تفكر فيه وحاول أن تصغي إلى هذا الشخص بكل جوارحك. حاول الإصغاء إلى ما لا تسمعه أذناك، وتماهى مع الصورة الكاملة لما تسمعه وتراه (أي لغة الجسد ونبرة الصوت والإشارات العاطفية.. وغير ذلك).
  • إذا اعتقدت أن هناك ما تعرفه بشكل مؤكد نسبياً، اضغط على نفسك لتحدي هذا الافتراض وفكّر في الاحتمالات الأخرى.

لتمرين الشبكة التحليلية، التزم بما يلي:

  • خصص مواعيد زمنية محددة لإكمال مهمات معينة، وألزم نفسك بهذه المواعيد حتى لو لم تكن في الواقع مواعيد نهائية صارمة.
  • حدد موقفاً في العمل يتطلب نهجاً جديداً للوصول إلى نتيجة إيجابية. ربما يتمثل هذا الموقف في تغيير عقد مع أحد المورِّدين الذين تتعاملون معهم حالياً، لكن قبل أن تحاول التعرف على تصورات الآخرين، قم بإجراء عملية بحث بسيطة للتعرَّف على القضايا التي يجب معالجتها. اكتب اسم اثنين أو ثلاثة من الموارد الجديدة التي لا تفكر فيها عادة، ومن ضمنها الموارد البشرية. اكتب إيجابيات وسلبيات كل مورِد، مع مراعاة تكلفة كل منها وإسهاماته المحتملة. ضع ملاحظاتك ضمن إطار واحد لمساعدتك على المضي قدماً.
  • اكتب قائمة بنفقات الأسرة التي تُطالب بدفعها شهرياً مثل رسوم المرافق. سجّل نفقاتك الفعلية التي دفعتها على مدار الاثني عشر شهراً الماضية. ما الاتجاهات التي تراها في الأرقام؟ ما أكبر أو أصغر مبلغ مدفوع وفي أي شهر؟ ما الفارق بين النفقات الفعلية وما كنت تتوقعه؟

3. تمرّن على الموازنة بين كلتيهما

ما إن تتقن القدرة على الوعي بالمواقف التي تُعمِل فيها الشبكة التحليلية أو الشبكة التعاطفية في كل ظرف، وتكتسب القدرة على تنشيط أي من الشبكتين عند الطلب، ستكون مستعداً للتمرن على تحقيق التوازن الفاعل بين الشبكتين. ونعود ونؤكد مجدداً أن كلتا الشبكتين مهمتان، ولكنك تهدف هنا إلى اكتساب القدرة على التبديل بين الشبكتين بكل سلاسة حسبما تقتضي الضرورة.

ثمة أشياء محددة يمكنك القيام بها للعمل على تعزيز قدرتك على التبديل بين الشبكتين، وتشمل كلاً مما يلي:

  • أوضح نواياك. في بعض الأحيان قد نكون على دراية بالحاجة إلى الانتقال من شبكة إلى أخرى، ولكننا نختار عدم القيام بذلك عن وعي وإدراك كاملين. بعبارة أخرى، لا يمكن اعتبار هذه المشكلة في بعض الأحيان مشكلة قدرات، بل هي بالأحرى مشكلة حافز.
  • عند اتخاذ قرار يؤثر على الآخرين (أو الإعلان عنه)، فكِّر في الآثار الشخصية المحتملة للقرار. خصِّص بعض الوقت لاستحضار هذه الجوانب التأثيرية بالإضافة إلى الجوانب الفنية.

تخوض الشبكتان التحليلية والتعاطفية معركة مستمرة في دماغك، وعندما يتم تنشيط إحداهما، يتم قمع الأخرى، لكنك لست مضطراً لاختيار إما هذا الجانب أو ذاك. إذ لا يمكن اعتبار أحدهما جيداً والآخر سيئاً، وأنت بحاجة إلى كلتا الشبكتين المتعلقتين بالذكاء التحليلي والذكاء العاطفي للمدير. ويكمن مفتاح السر لزيادة فاعليتك كقائد وتكوين علاقات أكثر إنتاجية في التمرس على التعامل بطريقة أكثر وعياً بالشبكة التي يتم تنشيطها في كل ظرف واكتساب القدرة على التبديل بين الشبكتين بسهولة حسبما تقتضي الضرورة.

اقرا أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .