جائحة كورونا أدت إلى إجراء تغييرات في مزايا الموظفين

6 دقائق
جائحة كورونا ومزايا الموظفين
ياروسلاف دانيلشينكو/ستوكسي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: أماطت الجائحة اللثام عن حقيقة أن البنية التحتية للرعاية متهدمة، وأن الدعم المقدم لبرامج الصحة العقلية غير كافٍ، وأن الكثير منا عالق في أماكن عمل ذات ثقافات صعبة وغير مرنة، ما يؤدي إلى إصابتنا بالاحتراق الوظيفي. فماذا عن جائحة كورونا ومزايا الموظفين؟ إن المؤسسات بدأت في الاستجابة لهذا الأمر؛ فقد أدركت أن مزايا الموظفين يمكن أن تحسن حياة قوتها العاملة، لاسيما تلك التي تتمحور حول الرعاية والمرونة والصحة العقلية. ومن أجل دعم موظفيها وأعمالها على نحو أفضل، فإنها تخطط لمراجعة استراتيجيات المزايا في العام المقبل. وقد أظهر تقرير جديد عن مستقبل مزايا الموظفين أن 98% من قادة الموارد البشرية وصناع القرار في المناصب التنفيذية العليا في جميع أنحاء الولايات المتحدة يخططون لتقديم أو توسيع نطاق ميزة واحدة على الأقل نتيجة للدروس المستفادة من هذه الأزمة.

 

في منتصف شهر فبراير/شباط عام 2020، أصبحت الرئيس التنفيذي لشركة “كير دوت كوم” (Care.com). توقعت حدوث تغييرات كبيرة، لكنني لم أتوقع، ولم يكن من الممكن أن أتوقع، أن كل شيء سيتغير! فقد أدت جائحة عالمية إلى قلب الطريقة التي نعمل بها رأساً على عقب، وأربكت خططنا الاستراتيجية حتى تلك المدروسة بعناية.

أصبح شيء واحد واضحاً للغاية بسرعة كبيرة؛ وهو الترابط الذي لا يمكن إنكاره بين الحياة المهنية والشخصية. وقد شعرنا به جميعاً بشكل كبير. وتم الآن الكشف عن جوانب المجتمع والأعمال التي كان من الواجب إجراء تغييرات فيها منذ وقت طويل. فالبنية التحتية للرعاية متهدمة، كما أن الدعم المقدم لبرامج الصحة العقلية غير كافٍ، والكثير منا عالق في أماكن عمل ذات ثقافات صعبة وغير مرنة، ما يؤدي إلى إصابتنا بالاحتراق الوظيفي، وهذا فقط على سبيل المثال لا الحصر.

لكن من أكثر العواقب الوخيمة التي نواجهها هي العدد المخيف للأمهات العاملات اللاتي يواجهن الخيار غير المنطقي: إما أطفالهن وإما رواتبهن. وكما سيخبرك أي أب أو أم، فإن هذا لا يُعد خياراً من الأساس. تفاقمت هذه المشكلة خلال العام الماضي؛ فقد تم إقصاء ما يقرب من 3 ملايين امرأة، وخاصة من النساء ذوات البشرة الداكنة واللاتينيات، من القوى العاملة في الولايات المتحدة. فقد أدت الجائحة التي استمرت لمدة عام إلى محو عقود من التقدم، ما يؤكد على مدى هشاشة نظام الرعاية القديم وعدم كفاءته. لن يتعافى اقتصادنا في مرحلة ما بعد الجائحة بشكل كلي، أو لن يحقق كامل إمكاناته، ما لم تحصل النساء على دعم فيما يتعلق بتقديم الرعاية التي يحتجن إليها وأسرهن.

من المشجع معرفة أن الشركات أصبحت تستجيب لهذا الأمر. فقد أدركت أن مزايا الموظفين يمكن أن تحسن حياة قوتها العاملة، لاسيما تلك التي تتمحور حول الرعاية والمرونة والصحة العقلية. في المحادثات التي أجريتها مع قادة الشركات، أخبرني الكثيرون أنهم يخططون لمراجعة استراتيجيات المزايا في شركاتهم من أجل دعم موظفيهم وأعمالهم على نحو أفضل.

لفهم الكيفية التي ستظهر بها هذه التغييرات بشكل أفضل، أعدت شركة “كير دوت كوم” تقرير “مستقبل المزايا”، والذي سألنا فيه 500 من قادة الموارد البشرية وصناع القرار في المناصب التنفيذية العليا في جميع أنحاء الولايات المتحدة عن مزايا الموظفين التي يخططون للاحتفاظ بها وتلك التي سيتخلصون منها وتلك التي سوف يوسعون نطاقها نتيجة للدروس المستفادة خلال هذه الأزمة. وهذا ما أخبرونا به.

المزايا الأساسية ستتغير وسيتسع نطاقها

أكد أولئك الذين تحدثنا معهم على أن هناك خسائر خلفتها الجائحة على موظفيهم وأعمالهم؛ وهذه الخسائر تمثلت في انخفاض الإنتاجية ومعدل استبقاء الموظفين وزيادة نسبة التغيب عن العمل وتدهور الصحة العقلية. ولهذا السبب يخطط جميع القادة تقريباً (98%) الذين شملهم الاستطلاع لتقديم ميزة واحدة جديدة على الأقل أو توسيع نطاق إحدى مزايا الموظفين، مع إعطاء الأولوية للمزايا التي يرى الموظفون أنها الأكثر الأهمية بالنسبة إليهم، مثل المزايا المتعلقة برعاية الأطفال والمسنين ومراعاة المرونة بشأن مكان وزمان إنجاز العمل وتوسيع نطاق الدعم المتعلق بالصحة العقلية.

ونظير هذه المزايا الأساسية، قال 89% إنهم يخفضون مستوى الأولوية في نوع واحد على الأقل من مزايا الموظفين بسبب جائحة “كوفيد-19″، وتتعلق هذه المزايا في أغلب الأحيان برعاية الأطفال في مكان العمل والإجازات مدفوعة الأجر والمزايا المتعلقة بالنقل وسداد الرسوم الدراسية والوجبات.

لا يمكن للموظفين التركيز في العمل دون مزايا الرعاية

لطالما كان تحقيق “التوازن” بين الحياة المهنية والشخصية كذبة. فليست الحياة المهنية والحياة الشخصية كيانات مستقلة نحاول تحقيق التوازن بينهما بالتساوي، بل إنهما مترابطتان، وتؤثر كل منهما على الأخرى. لكن الأشخاص، وخاصة النساء، تكيفوا على ضبط حياتهم الشخصية بناءً على متطلبات حياتهم المهنية، ونادراً ما يقومون بالعكس. بين شهري فبراير/شباط وسبتمبر/أيلول عام 2020 فقط، خرج 1.2 مليون أب وأم لديهم أطفال تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاماً من قوة العمل، وغالبيتهم من النساء. ولن يستطيع أصحاب العمل تحمُّل هذه الضربة القوية التي أصابت قوتهم العاملة.

أجبرت الجائحة أصحاب العمل على التصرف. فهم يدركون أن المزايا المتعلقة بتقديم الرعاية ضرورية لإنتاجية الموظفين ونجاحهم في العمل. في الواقع، أخبرنا 57% من كبار القادة أن مؤسساتهم تعطي قدراً أكبر من الأولوية للمزايا المتعلقة بتقديم الرعاية لدعم موظفيها على نحو أفضل في حياتهم المهنية والشخصية على حد سواء. وقال 63% إنهم يخططون لزيادة مزايا رعاية الأطفال الموجودة بالفعل في شركاتهم. قد يشمل ذلك إتاحة الوصول المدفوع إلى منصات عبر الإنترنت للعثور على مقدمي الرعاية والتعرف على برامج رعاية الأطفال الاحتياطية المدعومة مالياً ودعم الآباء والأمهات الجدد والتعرف على الإعانات المالية المقدمة للوالدين، من بين أمور أخرى. وكما أخبرنا أحد المشاركين في الاستطلاع: “لا يمكن أن يتوقف الموظفون عن التفكير في حياتهم الأسرية فور دخولهم إلى مكان العمل. فهم يحضرون إلى العمل بمخاوفهم وهمومهم، وهذا يؤثر على إنتاجيتهم بالطبع”.

أدرك أصحاب العمل أيضاً أن هناك تحديات تواجه الموظفين الذين يعتنون بالمسنين. أظهر بحثنا حول رعاية المسنين أن 83% من الأبناء البالغين بحثوا عن خيارات جديدة تتعلق بتقديم الرعاية لأفراد الأسرة المسنين في أثناء الجائحة، وأن 89% كانوا يفكرون في نقلهم من دار رعاية المسنين لرعايتهم في المنزل. في الواقع، حوالي 17% من القوى العاملة في الولايات المتحدة يعتنون بمسنين من الأقرباء أو أحد أفراد الأسرة، ونصفهم تقريباً يرعون أيضاً أطفالاً دون سن 18 عاماً. مقدمو الرعاية الأسرية لا ينتمون “للجيل إكس” وجيل طفرة المواليد فقط. إذ إنه من بين الـ 41 مليون أميركي الذين يقدمون رعاية غير مدفوعة الأجر لكبار السن، هناك 10 ملايين ينتمون لجيل الألفية.

لذا، ليس من المستغرب أن تكون مراعاة الإنصاف في المزايا على رأس أولويات أصحاب العمل؛ إذ إن 41% من المشاركين يخططون لأن يقدموا للموظفين مزايا تتعلق برعاية كبار السن أو أن يوسعوا نطاق المزايا الموجودة بالفعل. كما أخبرنا أحد المشاركين في الاستطلاع: “تدرك شركتنا أن رعاية كبار السن لا تقل أهمية عن رعاية الأطفال. إذ لا يمكن للموظفين التركيز في العمل إذا كان عليهم رعاية أفراد في عائلاتهم”.

مستقبل العمل (والرعاية) يتسم بالمرونة

من المتوقع أن تنتشر نماذج العمل الهجين في عام 2021، ومن المرجح أن تدوم. وجدت شركة “بي دبليو سي” (PwC) أنه بينما يخطط بعض الموظفين للاستمرار في العمل عن بُعد فقط بعد الأزمة، فإن عدداً أقل منهم مستعد للتخلي عن العمل في المكتب تماماً. ولجذب هؤلاء الموظفين والاحتفاظ بهم، تخطط الشركات لتوفير المزيد من الخيارات لجعل العمل الهجين مناسباً لهم. يدعم استطلاعنا ذلك؛ إذ قال 66% إنهم يخططون لتوفير قدر أكبر من المرونة في العمل، وتقديم مزايا مراعية لاحتياجات الأسرة دون أي تكاليف مباشرة تتكبدها الشركة.

مع ظهور القوى العاملة اللامركزية في مختلف القطاعات، أخبرنا قادة الموارد البشرية أنهم يخططون لتقديم مزايا توفر المرونة لدعم العاملين أينما كانوا وليس فقط أولئك الذين يعملون في مقر الشركة. فهم، على سبيل المثال، يخفضون مستوى الأولوية فيما يتعلق بمرافق رعاية الأطفال في مكان العمل في مقابل تقديم مزايا تتعلق بمراعاة المرونة في رعاية الأطفال؛ إذ إن 61% أصبحوا يفضلون هذه المزايا بشكل أكبر من تفضيلهم لها قبل الجائحة. ويخطط معظمهم لإضافة أو زيادة العضويات المدفوعة في منصات عبر الإنترنت متخصصة في إدارة رعاية الأسرة أو رعاية الأطفال الاحتياطية في المنزل. في حين أن الشركات التي تسمح بالفعل برعاية الأطفال في مكان العمل لا تخطط بالضرورة لإغلاق تلك المرافق، فإن خطط مزايا الرعاية الجديدة تتيح لها التكيف مع الأوقات والأماكن والكيفية التي يعيش بها الأشخاص ويعملون، ومعاملة القوى العاملة عن بُعد بشكل أكثر عدلاً.

الحفاظ على الصحة العقلية للموظفين وأسرهم أمر ضروري

ألحقت الجائحة أضراراً كبيرة للغاية بصحتنا العقلية وعافيتنا، وقد يستغرق التعافي سنوات. ولذلك يحاول أصحاب العمل التخفيف من مشكلات الصحة العقلية التي تؤثر على موظفيهم، بما في ذلك الاحتراق الوظيفي، الذي كان أزمة عالمية قبل فترة طويلة من ظهور “كوفيد-19”. وكما أشارت جينيفر موس، الخبيرة في الاحتراق الوظيفي والرفاهة في مكان العمل، فإن الاحتراق الوظيفي ليس مجرد مشكلة يواجهها الموظف، بل مشكلة يواجهها صاحب العمل وتتطلب حلولاً يقودها صاحب العمل. توسيع نطاق المزايا فقط لا يمكن أن يوقف الإصابة بالاحتراق الوظيفي لكنه يمكن أن يفضي إلى إجراء تغييرات في ثقافة العمل التي يحتاج إليها الموظفون بشدة.

الموظفون ليسوا الوحيدين الذين يعانون من مشكلات في الصحة العقلية نتيجة للجائحة؛ فأطفالهم أيضاً يعانون. فقضاء أشهر في التعلم عن بُعد والعزلة والقلق أدى إلى زيادة معدلات التوتر والقلق والاكتئاب لدى الأطفال. المفزع في الأمر هو أن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها ذكرت أن نسبة زيارات قسم الطوارئ المتعلقة بالصحة العقلية ارتفعت بنسبة 24% للأطفال الصغار وبنسبة 31% للمراهقين في عام 2020.

الخبر السار هو أن 41% من المشاركين يخططون لتوسيع نطاق مزايا الصحة العقلية هذا العام. في الواقع، ذكر 59% أن تحسن الصحة العقلية يُعد من النتائج الرئيسية لمزايا تقديم الرعاية (وزادت هذه النسبة إلى 68% في الشركات التي توظف أكثر من 2,000 عامل).

التغيير الشامل يمكن أن يحدث من خلال مزايا الموظفين والعمل الناشط

لا يعتمد مستقبل مزايا الموظفين على الشركات فحسب، بل على السياسات الحكومية والفيدرالية أيضاً. يُعد إقرار خطة الإنقاذ الأميركية بداية بارزة ومهمة للغاية، ولكن مواجهة الأزمات الثلاث التي تفاقمت بسبب الجائحة، وهي أزمة تقديم الرعاية وأزمة عمل المرأة وأزمة الصحة العقلية، ستتطلب المثابرة والإصرار والابتكار. ويجب أن يتصدر الرؤساء التنفيذيون وقادة الموارد البشرية هذه الجهود. ولهذا انضممت إلى أفراد آخرين ينادون بتحقيق المساواة وأيدت “خطة مارشال للأمهات” (Marshall Plan for Moms) لدفع أموال للأمهات مقابل عملهن غير المرئي وتمرير سياسات تتعلق بإجازة رعاية الطفل وخدمات رعاية الأطفال ميسورة التكلفة والمساواة في الأجور.

ينبغي للشركات ذات الرؤية المستقبلية ألا تنتظر تمرير السياسات التي طال انتظارها، بل يتعين عليها التصرف بسرعة حيال جائحة كورونا ومزايا الموظفين من أجل دعم قدرة موظفيها على رعاية أنفسهم والآخرين، وبقيامها بذلك سيتحسن أداء الموظفين في أماكن العمل. ليس من الضروري أن يكون الوضع الجديد مشابهاً للوضع القديم. في الواقع، من الأفضل ألا يكون كذلك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .