توحيد جهود الحرس القديم والموظفين الجدد في شركتك

7 دقائق
إعادة اللُّحمة بين أفراد المؤسسة
يورغ غرويل / غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: قد تؤدي رياح التغيير المزعزع إلى تحطيم الشعور بالتضامن بين العاملين في المؤسسة. وتمثّل أحد أكثر العوامل إثارة للانقسام خلال العامين الماضيين في النزوح الجماعي للموظفين من أماكن عملهم، إلى جانب تكثيف عمليات التعيين بغية جلب موظفين جدد، ما أدى إلى تمزق أواصر العلاقات دون أن تتاح الفرصة لإعادة اللُّحمة بين أفراد المؤسسة من الموظفين القدامى والجدد. ومن هنا انقسم العاملون في الشركات إلى معسكرات عديدة يعمل كلٌ منها في معزل عن الآخر. وأدى هذا إلى خلق واحد من أخطر أماكن العمل التي تجري فيها صناعة القرارات بصورة انفرادية استناداً إلى معلومات منقوصة ومبنية على حقائق مجتزأة. وإذا كانت مؤسستك قد تعرّضت للانقسام على نفسها خلال العامين الماضيين، فإن كاتب المقالة يقدّم عدة طرق يمكنك من خلالها البدء في إعادة اللُّحمة بين أفراد المؤسسة ولمّ شملهم من جديد.

 

أدت التغيُّرات المتلاحقة خلال العامين الماضيين إلى عدد من النتائج المؤسفة، وعلى رأسها حالة الانقسام التي شهدتها المؤسسات. وجاء هذا الانقسام نتيجة عدد من العوامل المتداخلة، مثل اختلاف الرؤى حيال مقدار المرونة التي يجب أن يتمتع بها العاملون من حيث مكان عملهم وزمانه، بالإضافة إلى التحولات المفاجئة في نماذج العمل. أضف إلى ذلك العزلة المادية التي يشعر بها العاملون بسبب إقرار سياسات العمل عن بُعد. إذ تشير الأبحاث التي أجرتها “مايكروسوفت” إلى انخفاض التعاون بين العاملين في المؤسسة بنسبة 25% خلال الجائحة.

ويتمثّل أحد أكثر العوامل إثارة للانقسام في النزوح الجماعي للموظفين من مكان العمل، إلى جانب تكثيف عمليات التعيين بغية جلب موظفين جدد، ما أدى إلى تمزق أواصر العلاقات دون أن تتاح الفرصة لإعادة اللُّحمة بين أفراد المؤسسة من الموظفين القدامى والجدد. ومن هنا انقسم العاملون في الشركات إلى معسكرات عديدة يعمل كلٌ منها في معزل عن الآخر. وكما قال أحد القادة في مؤسسة قدّمت لها خدماتي الاستشارية، فقد دخل “الحرس القديم والحرس الجديد في حرب شعواء بعضهم مع بعض”.

ومن الطبيعي أن ينسحب الأفراد في مواسم التغيير المزعزع إلى خنادقهم الأيديولوجية بحثاً عن الأفكار والمعتقدات التي توحِّد صفوفهم. وسواء كانت تجمع بينهم مواجهة عدو مشترك (كقولهم: “يا له من شخص أحمق، هذا الذي نعمل تحت إدارته!” أو: “هؤلاء الأشخاص المسؤولون عن قسم المحاسبة لا يفقهون شيئاً”) أو مدة تولي الوظيفة (كقولهم: “هؤلاء الموظفون الجدد ليس لديهم أدنى فكرة عن…” أو: “لا أصدق أنهم ما زالوا ينفذون العمل بأسلوب المدرسة القديمة”)، فإن الأفراد يحتشدون معاً ليشعروا بالمزيد من الأمان النفسي والفكري. المشكلة أنهم يعجزون عن تحقيق هذا أو ذاك. كل ما هنالك أنهم قد حللوا القصة التي يحاولون إقناع أنفسهم بها، بحيث تقتصر على الأجزاء التي يحبونها، وتشبثوا بالحلفاء الذين يشاركونهم تصوراتهم. وأدى هذا إلى خلق واحد من أخطر أماكن العمل التي تجري فيها صناعة القرارات بصورة انفرادية استناداً إلى معلومات منقوصة ومبنية على حقائق مجتزأة.

وقد قدّمت خدماتي الاستشارية لإحدى الشركات التي تأثرت بتداعيات الجائحة أيّما تأثُّر. وكان علينا اتباع نهج مدروس بعناية لإعادة اللُّحمة بين أفراد المؤسسة. إذ كانت المعنويات في الحضيض والعاملون مرهقين للغاية والتحيزات العنيفة تقف حجر عثرة أمام التغيير المنشود. وتطلبت استعادة الثقة وتعزيز الشعور بالتضامن نهجاً حساساً ومدروساً بعناية فائقة. وكما أخبرنا أحد القادة في تقييمنا: “لقد توقفنا عن الاستماع بعضنا إلى بعض. ودمّرنا الشعور بالثقة المتبادلة باتخاذنا بعضنا لبعض عدواً. حتى إنني لم أقابل نصف القادة المعيّنين في إدارتي الذين يفاجئونني بإعلانهم عن تغييرات جديدة كل يوم، ويتوقعون مني أن أرحب بها فحسب”.

وإذا كانت مؤسستك قد تعرّضت للانقسام على نفسها خلال العامين الماضيين، فهناك عدة طرق يمكنك من خلالها البدء في إعادة اللُّحمة بين أفراد المؤسسة ولم شملهم من جديد. وإليك بعض الخطوات التي يمكنك البدء بها:

ما يمكن أن يفعله كل القادة 

الانتباه للتحيزات الشخصية والتخلص من محاولات تصنيف الآخرين

تتصف المؤسسات المنقسمة على نفسها بأنها أكثر استعداداً لنبذ “المختلفين”، وتصنيفهم إلى فئات تبرر نبذهم. وفي المثال الذي تمت مناقشته أعلاه، كان مندوبو المبيعات مقتنعين بأن قسم التسويق يعطي الأولوية لقطاعات معينة من العملاء لأن الجائحة أدت إلى إبطاء إنتاج المؤسسة. وأدى هذا إلى جعل عمل مندوبي المبيعات أكثر صعوبة. وفي الوقت نفسه، كان موظفو التسويق على يقين بأن مندوبي المبيعات أرادوا ضمان إتمام الصفقات مع العملاء المرتقبين الذين يُتوقَّع أن يحققوا أعلى هوامش الربح الممكنة، وذلك لرفع نسبة عمولاتهم نظراً لتداعيات تفشي فيروس كورونا وأثرها السلبي على الإيرادات. ولم يكن أيٌّ من القصتين صحيح بطبيعة الحال. ولكن لم يستطع أيٌّ من الطرفين أن يتخلص من مسميات “كسول” و”جشع” حتى وضعناهما في غرفة واحدة لمشاركة تحيزاتهما.

فكر في أولئك الموظفين العاملين في مؤسستك الذين تشير إليهم بكلمة “هم” كنوع من الازدراء. ما هي الاستنتاجات التي توصلت إليها بشأنهم والتي قد لا يكون لها أساس من الصحة وتستند إلى بيانات مغلوطة؟ تخلَّ عن تصوراتك المسبقة واستعِض عنها بحب الاستطلاع واطلب المزيد من المعلومات. واحرص على إدماجهم بإبداء التعاطف بدلاً من الازدراء، وحينها ستتعرَّف على المزيد من المعلومات حول دواعي اختياراتهم والدوافع التي تعتقد أنها دوافع شريرة.

استعادة العلاقات بعد تدمير الثقة المتبادلة

ربما أدت التوترات التي تعرّضت لها العلاقات خلال العامين الماضيين إلى تدمير أسس الثقة المتبادلة. فقد درجت العادة خلال هذه الحقبة على الإخلال بالالتزامات وتضارب الأولويات والإفراط في القلق، ما تسبّب في انفلات الأعصاب ونفاد الصبر. وبات البحث عن شخص ما لتوجيه اللوم إليه سلوكاً طبيعياً. وإذا كانت التوترات التي شهدها العالم خلال العامين الماضيين قد تسببت في تدمير أسس الثقة في العلاقات المحورية، فحاول الوصول إلى جذور هذه الأسباب وإصلاحها. حتى إذا كانت هناك أخطاء مشروعة تسببت في صعوبة الأمور، فإن التسامح سيكون أكثر إنتاجية على المدى البعيد مقارنة بحمل الضغينة. وربما كنت أنت أيضاً تتحمل بعض المسؤولية عن إفساد الأمور.

وقد عملتُ مع مؤسسة أخرى، نظّمنا فيها ورش عمل ضمّت كبار المسؤولين في مختلف أقسام المؤسسة بهدف استعادة الثقة المفقودة. وعقدنا سلسلة من المحادثات المباشرة، كوّن خلالها القادة مجموعات يتألف كلٌ منها من فردين التقيا معاً لمعالجة أسباب التوتر وحلها والاعتراف بتمزق روابط الثقة وإعادة الالتزام بتعزيز العلاقات بين فرقهم. وفي حين أنه من السهل افتراض أن الأمور “ستنصلح من تلقاء نفسها” بمرور الوقت، فإن هذا نادراً ما يحدث. ويجب معالجة ديناميات العلاقات البينية، مثل الثقة المتبادلة، بعيداً عن العمل حتى لا يتخذ القادة من العمل ستاراً يختبئون وراءه في أثناء المحادثة.

ما يمكن أن يفعله القادة القُدامى

الترحيب بالوافدين الجدد بدلاً من اعتبارهم خطراً يهدّد وجودك

قد يكون ظهور وجوه جديدة أمراً مزعجاً، خاصةً إذا كان هؤلاء الأشخاص يشغلون مناصب عليا أو يحلون محل زملائنا القُدامى. وقد ازداد الأمر سوءاً بسبب العمل عن بُعد الذي يجعل التعرف عليهم أمراً صعباً. حيث تتسبب العزلة في سهولة الشعور بالريبة تجاه القادة الجدد في أثناء محاولتهم الانخراط في ثقافة جديدة عليهم. وبدلاً من اعتبارهم خطراً يهدّد وجودك، تواصل معهم ورحِّب بهم واعرض عليهم مساعدتهم خلال هذه المرحلة الصعبة التي تشهد إعداد الموظفين الجدد لمحاولة التأقلم مع الوضع الجديد. وإذا كانت عملية إعداد الموظفين الجدد في مؤسستك دون المستوى المطلوب، فضاعف جهودك لإنشاء عملية مُحكَمة تمتد من 6 إلى 9 أشهر على الأقل.

وقد أسرّت لي إحدى المسؤولات في المؤسسة التي عملتُ معها بمخاوفها، قائلة: “لطالما أجرينا ترقيات داخلية لتعيين القيادات من موظفي الشركة أنفسهم، لذلك عندما قرروا شغل الوظيفة التي كان يشغلها مديري السابق بمرشحة خارجية، كنت متأكدة أنهم عازمون على الاستغناء عني. كنت أشعر بالمرارة، لذلك لم أكن مهتمة بمساعدتها على النجاح”. وقد اتضح فيما بعد أن المؤسسة قد عيّنت مديرتها الجديدة بغرض أساسي، ألا وهو المساعدة في توجيهها وإعدادها لتولي مهمة أكبر. ولو أنها قابلتها ببشاشة ورحبت بوجودها بين صفوفهم، لما أهدرت طاقتها في محاولة وضع العراقيل أمام مديرتها الجديدة.

الحد من مقاومة الأفكار الجديدة

يتمثّل واحد من أكبر إحباطات القادة الجدد في الاعتراض على أفكارهم. حيث تتسبب عقلية “ازدراء الأفكار المبتكرة” في رفض الأفراد غريزياً للأفكار التي يعتقد القادة الجدد أنهم قد تم تعيينهم لاستحداثها في المقام الأول. وغالباً ما يتم تبرير هذا الرفض بحجج شائعة، مثل: “لقد جربنا هذا من قبل ولم ينجح” أو: “أنت لا تفهم حقاً كيف تسير الأمور هنا”.

ولكن بدلاً من النظر إلى الأفكار الجديدة باعتبارها نقداً لأسلوبك في العمل، انظر إليها كفرصة للتعلم والإبداع. وتزداد أهمية هذا السلوك إذا كنت تشغل وظيفة تأثرت بقوة بالتقنيات التكنولوجية والأساليب الحديثة وصارت معها أساليبك القديمة بالية غير ذات جدوى. وفي حين أن معداتك أو عملياتك أو تقنياتك قد تكون بالية، فإن هذا لا يعني أنك أنت نفسك قد صرت بالياً. أظهر حماسك ودعمك للطرق الجديدة واستخداماتها في العمل، خاصة تلك التي يمكن أن تساعد شركتك على اكتساب مميزات تنافسية أكبر. وإذا وجد القادة الجدد عنتاً لوضع أفكارهم في سياقها الصحيح في بيئة مجهولة المعالم بالنسبة لهم، فاعرض عليهم اقتراحاتك لمساعدتهم على النجاح بدلاً من الوقوف موقف المتفرج بينما يتخبّطون هنا وهناك.

ما يمكن أن يفعله القادة الجدد

التأكد من عدم تحوّل تشخيص المشكلة إلى لائحة اتهام

قد تعتقد أنه تم تعيينك بتفويض غير معلن (أو صريح) لتغيير الأوضاع. وقد تكون أفكارك هي الشيء الذي تحتاجه المؤسسة تحديداً. ولكنك بحاجة إلى التريُّث في طرح الأفكار الجديدة إلى أن تتمكن من بناء المصداقية بالقدر الكافي. وستكتشف حتماً أن الواقع أقسى مما كنت تظن قبل تعيينك. حينها قد تشعر بالإحباط البالغ بسبب سوء الأوضاع، وهو ما قد يوحي عندئذٍ بأنك تحاول إدانة مَنْ حولك. لذا يجب أن تحرص على إبداء احترامك للنجاحات السابقة قبل الإشارة إلى كيفية تحسين الأوضاع.

وقد كان القادة الجدد في المؤسسة التي عملتُ معها يستحدثون تغييرات هائلة كل أسبوع بينما يوجّهون انتقادات لاذعة لثقافة كانت لتصبح موضع فخر الموظفين لولا ذلك. وقد سُمع أحد القادة وهو يسخر، قائلاً: “إنهم ينتمون إلى حقبة التسعينيات، ويريدون العودة إلى التكنولوجيا المستخدمة آنذاك”. فسمعه القائد الذي طرح فكرة التكنولوجيا التي لاقت سخريته وأُصيب بحالة من الإحباط. وكانت الشركة قد خططت لإجراء تحديث ‎تكنولوجي موسَّع، لكن الجائحة جعلت هذا الاستثمار مستحيلاً.

وبدلاً من التحدُّث بنبرة متعالية حول ما تكتشفه، احرص على إظهار الاحترام للأعمال الحسنة التي نجح القادة القدامى في تنفيذها، وادعهم للمساعدة على إنجاح أفكارك من خلال مشاركة رؤاهم وتصوراتهم. (ويرجى التوقف هنا عن الحديث عن كيفية أدائك للعمل في شركتك السابقة).

مطالبة الموظفين المتمرسين بالمساعدة على استيعاب الثقافة المؤسسية والسياق العام

قد تشعر بأنك ملزم بإثبات جدارتك من خلال العمل بحماس شديد، لكن من الأفضل أن تُقبِل على التعلم بحماس شديد. وحينما تطرح الكثير من الأسئلة، فإن هذا سيظهر احترامك لثقافة الشركة التي تم تعيينك فيها. وتجنب إعداد قائمة بكافة الانحرافات الثقافية التي ترى ضرورة تغييرها، وبدلاً من ذلك تصرّف كما لو كنت طالباً يحاول تعلم السياق العام للثقافة التي أسهمت في تشكيل المؤسسة لسنوات قبل وصولك.

اطلب من قدامى الموظفين توجيهك عندما تواجه أعرافاً أو اختصارات أو خصوصيات تعجز عن فهمها. علاوة على ذلك، اسألهم عما يشعرون نحوه بالفخر الشديد وما هي آمالهم التي يرجون تحقيقها في المستقبل. وحاول أن تسيطر على أي مشاعر قد تراودك للحكم على السلوكيات التي قد تجدها غريبة أو غير بنّاءة. يمكنك أن تقول: “لم يسبق لي أن رأيت عملية وضع الميزانية بهذه الطريقة، فهي طريقة جديدة بالنسبة لي. هل يمكنك مساعدتي على فهم فوائدها للمؤسسة؟”. فما قد يبدو لك (وما قد يكون بالفعل) طريقة غريبة لأداء العمل قد يكون أمراً طبيعياً تماماً لقدامى الموظفين الذين يعملون في الشركة منذ فترة طويلة من الزمن.

أظهر رغبتك في التأقلم قبل أن تطالب المؤسسة بالتفكير في التأقلم مع أفكارك. وهكذا ستكون قدوة يُحتذى بها في التعلم والتواضع، وهما الشيئان ذاتهما اللذان ستطالب المؤسسة بهما عند استحداث تغيير جديد.

قد تؤدي رياح التغيير المزعزع إلى تحطيم الشعور بالتضامن بين العاملين في المؤسسة. ولمواجهة قوة الطرد المركزي لمثل هذا الانقسام، اعمل على توحيد جهود قوى الجذب القادرة على إعادة اللُّحمة بين أفراد المؤسسة، بحيث يلتفون جميعاً حول صناعة مستقبل مشترك يفخر الجميع بالإسهام في صنعه، بغض النظر عن مدة عملك في المؤسسة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .