أخطاء شائعة في الإعلانات الرقمية؟

6 دقائق
الإعلانات الرقمية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: تبدو الإعلانات الرقمية أكثر فاعلية مما هي عليه حقيقة، لأنها تُباع وفقاً لعدد الأشخاص الذين يشترون المنتج بعد النقر على الإعلان، لكن ربما يقوم معظم هؤلاء الأشخاص بشراء المنتج على أي حال من دون الحاجة لرؤية الإعلان. يمكنك خفض ما تنفقه على الإعلانات وتحقيق مبيعات أكثر من المبيعات الحالية إذا استهدفت إعلاناتك أشخاصاً ليسوا من عملائك بالفعل.

ثمة مبالغة كبيرة في تقدير فاعلية الإعلانات الرقمية. فقد توصلت دراسة واسعة النطاق للإعلانات على موقع “إيباي” إلى أن المبالغة في تقدير فاعلية الإعلان (ad effectiveness) في زيادة البحث عن العلامة التجارية تصل إلى نسبة 4,100%، كما وصلت نسبة المبالغة في نتائج تحليل مماثل لإعلانات “فيسبوك” إلى 4,000%. وبناء على جميع البيانات التي لدينا، يبدو أن الشركات لم تصل بعد إلى جواب عن السؤال الذي طرحه تاجر التجزئة الشهير جون واناميكر لأول مرة في القرن التاسع عشر، وهو: أي قسم من ميزانية الإعلان في شركتي يُهدر؟

لكن، ينبغي أن نكون قادرين على الإجابة عن هذا السؤال. لأن ما يعيق فاعلية الإعلانات ليس نقص المعلومات، بل هو المشكلة التي واجهها واناميكر، والتي تتمثل في الالتباس المتجذّر بين العلاقة الترابطية والعلاقة السببية.

مغالطة معدل التحويل

عندما يبيع مندوبو التسويق مساحة إعلانية (ad space) للعملاء، يزعمون أن الإعلانات ستولد تغييراً سلوكياً أو تسببه، وهي ظاهرة يطلق عليها عادة اسم معدل الرفع (lift rate). ويدعمون زعمهم بالإشارة إلى عدد الأشخاص الذين يقومون بشراء المنتج بعد مشاهدة إعلانه، وهو ما يشار إليه عادة بمعدل التحويل (conversion rate).

كي أتمكن من شرح الفرق بين المعدلين لطلابي، طلبت منهم في اليوم الأول من الفصل الدراسي، تصور أني أقف عند باب القاعة أوزع على كل الطلاب الداخلين إليها منشورات إعلان عن المادة. ثم سألتهم: “ما هو معدل التحويل الناتج عن إعلاناتي؟” فكان جوابهم صحيحاً دوماً، وهو أن معدل التحويل يبلغ 100% لأن 100% من الطلاب الذين رأوا الإعلان سجلوا في المادة. ثم سألتهم: “ما مدى التغيير الذي ولدته هذه الإعلانات في سلوككم؟” بما أنهم سجلوا في المادة قبل رؤية الإعلان بوقت طويل، كان جوابهم “لا تغيير على الإطلاق”. لذلك، على الرغم من أن معدل التحويل في إعلاني هو 100%، فإن معدل الرفع الذي حققه الإعلان، أي مقدار التغيير السلوكي الذي ولده، هو صفر.

على الرغم من أن المثال الذي قدمته مبسط بعض الشيء، فهو يوضح السبب في قدرة الخلط بين معدل الرفع ومعدل التحويل على توليد مشكلات في قياس العائد على الاستثمار في التسويق. تدفع العلامات التجارية الكبرى أموالاً طائلة لخبراء التسويق كي يصنعوا إعلانات “تستهدف” العملاء الذين سيشترون المنتج على الأرجح، لكن ما لم يستهدف الإعلان العملاء الذين لم يكن من المحتمل أساساً أن يشتروا المنتج، فهو لن يؤدي إلى تحويل “النقر على الإعلان” إلى “أموال نقدية” تشكّل إيرادات جديدة. كي تحقق الإعلانات أرباحاً، يجب أن تتمكن من حثّ الناس على شراء المنتج (أو التبرع لحملة سياسية أو الحصول على لقاح)، وهم لم يكونوا ليقوموا بذلك في أي ظرف آخر.

قياس معدل الرفع

فلنقل أننا نريد أن نعرف إذا كان انضمام الشخص (أ) إلى مؤسسة الطيران المدني سيسبب حصوله على مكاسب أدنى من راتبه خلال فترة عمله كلها” (ب). ببساطة، لا يمكننا مقارنة أجور من ينضمون إلى مؤسسة الطيران المدني بأجور من لا ينضمون إليه، لأن الكثير من العوامل “تساهم في نشوء الاختلافات” (ج) التي قد نراها في الأرقام الأولية.

نذكر منها مثلاً أن الأشخاص الذين لديهم إمكانية الوصول إلى وظائف بأجور أفضل تكون احتمالات انضمامهم إلى مؤسسة الطيران المدني صغيرة في المقام الأول، أي أن (ب) يسبب (أ). وأن الأشخاص الذين يتمتعون بمؤهلات علمية أو مهارات أفضل يختارون عدم الالتحاق بمؤسسة الطيران المدني، أي أن (ج) يسبب كلاً من (أ) و(ب). إذن العلاقة التي تبدو بادئ الأمر سببية بين الالتحاق بمؤسسة الطيران المدني ومتوسط الأجور الأدنى قد تكون ببساطة علاقة ترابطية تنتج عن العوامل الأخرى. وبذلك يكون التحدي متمثلاً في مراقبة تلك العوامل الأخرى مع عزل العلاقة التي نرغب في دراستها.

يمكننا القيام بذلك عن طريق إنشاء مجموعة تحكم (control group). إذا قمنا بتعيين بعض الأشخاص بشكل عشوائي في مؤسسة الطيران المدني، فإن أفراد المجموعة التي تنضم إلى مؤسسة الطيران المدني (مجموعة العلاج treatment group) وأفراد المجموعة التي لا تنضم إلى مؤسسة الطيران المدني (مجموعة الضبط) يتمتعون وسطياً بنفس المؤهلات العلمية والمهارات (ولهم نفس العمر والجنس والمزاج والسلوك وما إلى ذلك). وباستخدام عينة كبيرة بما يكفي، فإن جميع الخصائص التي يمكن ملاحظتها والتي لا يمكن ملاحظتها متساوية لدى أفراد مجموعة العلاج وأفراد مجموعة الضبط، ما يجعل العلاج نفسه هو التفسير الوحيد المتبقي لأي تفاوت في نتائج المجموعتين. مع تساوي جميع العوامل الأخرى، يمكننا أن نكون واثقين من أنه لا يوجد أي عامل سوى الالتحاق بمؤسسة الطيران المدني يسبب الاختلاف في أجورهم.

لكن المشكلة هي أنه لا يمكننا القيام بذلك دائماً. قد يضطر الباحث لتبرير دراسة أجبرت الناس بشكل عشوائي على الالتحاق بمؤسسة الطيران المدني. وفي هذه الحالات، نبحث عما يُعرف باسم “التجارب الطبيعية” (natural experiments)، وهي المصادر الطبيعية للتنوع العشوائي الذي يحاكي تجربة عشوائية.

إحدى التجارب الطبيعية الجيدة التي استخدمها جوش أنغريست لقياس تأثير الخدمة العسكرية في الأجور هي يانصيب التجنيد (draft lottery) الذي تم فرضه على المواطنين الأميركيين في أثناء حرب فييتنام. تم تخصيص رقم يانصيب التجنيد لكل مواطن ذكر، ثم كان اختيار المجندين عن طريق اختيار أرقامهم على نحو عشوائي. يعتبر يانصيب التجنيد تجربة طبيعية خلقت تفاوتاً عشوائياً في احتمالات انضمام الناس إلى مؤسسة الطيران المدني، وقد استخدم أنغريست هذا التفاوت من أجل تقدير الأثر السببي الذي توقعه الخدمة العسكرية على الرواتب.

اتبعتُ مع كريستوس نيكولايدس طريقة مماثلة واستخدمنا الطقس كتجربة طبيعية من أجل فهم أثر رسائل وسائل التواصل الاجتماعي على السلوكيات المتبعة في ممارسة الرياضة. خذ مثلاً رياضة الجري، فعلى الرغم من أن الأشخاص الذين يمارسونها كثيراً يكون لديهم أصدقاء يمارسونها كثيراً أيضاً، فإن التفاوت في الطقس ساعدنا في تقدير مدى تأثير رسائل وسائل التواصل الاجتماعي التي نتلقاها من أصدقائنا في دفعنا لممارسة هذه الرياضة أكثر.

عندما تتعمق في البيانات وتبدأ بإجراء التجارب، سرعان ما تتعلم أن آثار الإعلانات الرقمية على الإنترنت ليست كما يمكن أن تتوقع. في دراسة على موقع “ياهو” مثلاً، توصل الباحثون إلى أن الإعلانات المصوّرة التي تعرض عبر الإنترنت أدت بالفعل إلى زيادة عمليات الشراء المربحة بنسبة 5%. لكن لم يكن شيء يذكر من هذه الزيادة ناتجاً عن الزبائن المخلصين والمتكررين، بل نتجت نسبة 78% منها عن أشخاص لم ينقروا على الإعلان من قبل، وكانت نسبة 93% من المبيعات الفعلية ناتجة عن عمليات شراء جرت لاحقاً في المتاجر التقليدية وليس عبر التفاعل المباشر مع الإعلان على الإنترنت. بعبارة أخرى، فإن النموذج القياسي للعلاقة السببية لإعلانات الإنترنت لا يصف بدقة كيف تؤثر الإعلانات في سلوك المستهلكين، أي كيف تترجم رؤية الإعلان إلى النقر عليه ثم إلى الشراء.

فوائد التسويق السببي (Causal Marketing)

قد تفسر هذه النتائج السبب الذي مكّن الشركات العريقة التي كانت أول من قام بتسويق العلامة التجارية، مثل “بروكتر آند غامبل” و”يونيليفر”، من تحسين أدائها في التسويق الرقمي حتى بعد خفض ميزانياتها المخصصة له. في عام 2017، قام مارك بريتشارد، الرئيس التنفيذي للعلامة التجارية في شركة “بروكتر آند غامبل”، بتخفيض ميزانية الشركة للإعلان الرقمي بنسبة 6%، أي ما يقدر بمبلغ 200 مليون دولار. وفي عام 2018، خفضت شركة “يونيليفر” إعلاناتها الرقمية بنسبة أكبر بلغت 30% تقريباً.  وماذا كانت النتيجة؟ زيادة بنسبة 7.5% في نمو المبيعات الأساسية في شركة “بروكتر آند غامبل” في عام 2019، وأرباحاً بنسبة 3.8% لشركة “يونيليفر”.

تمكنت الشركتان من إجراء هذه التحسينات لأنهما حولتا تركيزهما فيما تنفقانه على وسائل الإعلام عن التكرار الذي يقاس بعدد النقرات والمشاهدات ووجهتاه نحو الوصول، أي عدد المستهلكين الذين أثرت فيهم الإعلانات فعلياً. وضحت البيانات أن الإعلانات كانت تصل إلى عملاء الشركة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ما بين 10 مرات و20 مرة شهرياً، وقد تسبب إمطار العملاء بالإعلانات إلى هذه الدرجة بتقليل العائدات، وربما كان مزعجاً لبعض العملاء المخلصين. لذا، خفضت كل من الشركتين تكرار الإعلانات بنسبة 10% ووجهت كل منهما الإنفاق على الإعلانات نحو إيصالها إلى عملاء جدد غير منتظمين لم يشاهدوا الإعلانات من قبل.

كما أجرت الشركتان دراسة دقيقة للعملاء الذين اشتروا منتجاتهما للمرة الأولى من أجل فهم دوافع الشراء، ما مكّنهما من تحديد مجموعات واعدة من العملاء الذين لا تصلان إليهم تحديداً دقيقاً. على سبيل المثال، وضح مسؤولو التسويق في اجتماع عائدات الربع الأخير من عام 2019 أنهم كانوا ينتقلون من “استهداف فئات ديموغرافية محددة كالنساء من الشريحة العمرية ما بين 18 و49 عاماً” إلى “استهداف فئات الجمهور الذكية” كالنساء اللاتي رزقن بأول طفل مؤخراً والأشخاص الذين اشتروا غسالة صحون للمرة الأولى.

منحتنا الموجة الهائلة من البيانات الشخصية الدقيقة التي ولّدها الإعلان الرقمي على الإنترنت جواباً عن السؤال الذي طرحه جون واناميكر. ويمكن أن تتيح لخبراء التسويق قياس آثار وسائل الإعلام بدقة ومعرفة ما ينجح وما يخفق من الرسائل. ما عليك إلا أن تحرص على التمييز بين العلاقة الترابطية والعلاقة السببية، كما فعلت شركتا “بروكتر آند غامبل” و”يونيليفر”، وألا تستهدف بإعلانك عملاءك الأكثر ولاء لك بالفعل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .