ملخص: عندما تواجه أهدافاً جديدة يكون من السهل البدء بالعمل على تحقيقها بكل طاقتك، لكن من الصعب إدارة طاقتك بكفاءة أكبر مع الحفاظ على قوة دائمة لدعم طاقة الاندفاع الأولية هذه. لذلك نجد أن كثيراً منا ينفصلون عن العمل ذهنياً في حين يضغط آخرون على أنفسهم بدرجة تؤدي بهم إلى الاحتراق الوظيفي، ويتأرجح البعض بين الحالتين. لا يكمن سرّ النجاح في البدء بقوة، بل في الحفاظ على القوة. يجب أن تعمل على تنظيم ذاتك. أولاً، ضع حدوداً عليا ودنيا للأنشطة التي يجب عليك القيام بها كي تحرز تقدماً في سعيك إلى تحقيق هدفك في مدة محددة من الزمن، مثل يوم أو أسبوع. ثانياً احرص على فهم طريقة عملك، سواء كنت تبذل جهداً كبيراً وتعمل بسرعة كبيرة حتى الإرهاق، أو تعمل ببطء ثم تضطر إلى الضغط على نفسك كي تتمكن من إنجاز العمل المطلوب، أو تعمل على نحو يتأرجح بين الحالتين السابقتين، ثم أجرِ التعديلات اللازمة. ثالثاً، احرص على تخصيص وقت للاستراحة والتعافي بما يتناسب مع طريقة عملك. وأخيراً، أتح لنفسك مجالاً في جدول مواعيدك لالتقاط أنفاسك كي تتمكن من إنجاز الأعمال الهادفة.
نملك جميعنا القدرة على حشد العزم الكافي لبذل طاقة وجهد كبيرين على مدى فترة قصيرة من الزمن. ربما كان الهدف من ذلك هو ترك انطباع جيد في الأسابيع الأولى في وظيفة جديدة، أو الذهاب إلى صالة رياضية بحماس في بداية العام، أو قضاء عطلة نهاية الأسبوع في العمل على مشروع إعادة تصميم المنزل بابتهاج ونشاط.
لكن ماذا بعد دفعة الطاقة الأولية؟ هل تشعر بنفس النشاط في وظيفتك أو سعيك إلى تحقيق هدفك أو مشروعك الجديد بعد عدة أشهر أو عام من البدء؟ هل تخليت عن طموحاتك؟ هل تستمر بالضغط على نفسك ومقاومة علامات التعب أو الاحتراق الوظيفي؟ أم أنك تتأرجح بشدة بين الإنتاجية المفرطة والإنتاجية المعدومة؟
لا يكمن سرّ النجاح في العمل والحياة في البدء بقوة، بل في الحفاظ على القوة. وأحد أسرار امتلاك القوة والحفاظ عليها هو فكرة تنظيم الذات، وهي تتضمن العمل ضمن حدود دنيا وعليا للأنشطة؛ أي: تحديد القدر الأدنى والقدر الأقصى من العمل الذي ستقوم به في سعيك إلى تحقيق هدف معين ضمن مدة زمنية محددة (يوم أو أسبوع، على سبيل المثال). سيجنبك ذلك الانحراف عن مسارك بسبب فقدان الاهتمام، ويمنعك من بذل جهد مفرط في العمل والإصابة بإرهاق يفقدك القدرة على المتابعة.
خطوات إدارة طاقة الأفراد
بصفتي مدربة في مجال إدارة الوقت، توصلت إلى 4 خطوات لإنشاء هذه القوة الدائمة، وإذا اتبعتها ستتفاجأ بقدرتك على تحقيق مزيد من أهدافك بجهد أقل، وستتمتع بطاقة اندفاع دائمة.
ضع الحدود العليا والدنيا
إن تحديد الهدف هو فكرة شائعة، لا سيما في بداية العام. لكن لن تجد كثيراً من الناس يأخذون الوقت اللازم لتدوين الخطوات التي سيتبعونها من أجل تحقيق أهدافهم، وبتقديري الشخصي فإن قلة قليلة فقط من الناس يأخذون الوقت اللازم لوضع الحدود اليومية العليا والدنيا لكل هدف.
يقترح غريغ ماكيون في كتابه "بلا عناء" (Effortless)، فكرة وضع حدود ملموسة للقدرين الأدنى والأقصى من الجهد الذي ستبذله في يوم معين للعمل على أهم أولوياتك. مثلاً، من أجل تحقيق رقم مبيعات معين يمكن أن تقرر إجراء 5 مكالمات مبيعات على الأقلّ و10 على الأكثر في يوم واحد.
يمكنك تطبيق هذا المفهوم على أي مشروع أو هدف تود إنجازه. مثلاً، إذا كنت ترغب في تأليف كتاب، فبإمكانك اتخاذ قرار بالكتابة لمدة 30 دقيقة على الأقلّ و3 ساعات على الأكثر في اليوم تفادياً للإصابة بالإرهاق. أو فيما يتعلق بالتمارين الرياضية، قد تقرر ممارستها 3 مرات في الأسبوع على الأقلّ و5 مرات على الأكثر، كي تتمكن من ممارسة ما يكفي من التمارين مع إتاحة الوقت اللازم للعمل على أولوياتك الأخرى، كقضاء الوقت مع العائلة أو الاهتمام بأمورك الشخصية.
تمنحك هذه الحدود هامشاً من المرونة وقدرة على الالتزام بالمسار الصحيح مع مرور الوقت. عندما تضع حدودك الدنيا والعليا، فكر ملياً بأقلّ ما يمكنك فعله في مجال معين كي تشعر أنك تحافظ على قوة اندفاعك، الهدف من الحدّ الأدنى هو ألا تشعر بأنك توقفت عن العمل فتبذل جهداً إضافياً للتعويض عن التقصير وتبدأ من جديد. وعندما تضع حدودك العليا، فكر بالحدّ الذي يجب أن تضعه لنفسك كي لا يحتلّ استثمارك في هذا المجال كثيراً من وقتك بدرجة تعيق عملك في المجالات الأخرى.
احرص على فهم طريقتك في العمل
عندما يكون لديك هدف، هل تدخل في حالة اندفاع شديد مستمرة دون توقف؟ أم تعمل بطاقة اندفاع ضعيفة غالباً، ما يضطرك إلى الضغط على نفسك فيما بعد كي تتمكن من إنجاز العمل المطلوب في اللحظة الأخيرة؟ أم تتأرجح بين هاتين الحالتين حيث تعمل يوماً باندفاع شديد حتى ساعة متأخرة من الليل لتجد نفسك منهكاً في اليوم التالي وغير قادر على إنجاز شيء؟
بناءً على طريقتك في العمل، يمكنك المتابعة باتباع واحدة من هذه الطرق الثلاثة:
- إذا كنت ممن يعملون بطاقة اندفاع كبيرة، فتذكر أنك إنسان وتسمح لنفسك بالاستراحة وأخذ فترات كافية تتوقف فيها عن العمل تماماً. احرص على مراقبة ما إذا كنت تتجاوز حدودك العليا في الأنشطة وما إذا كنت تسير باتجاه الاحتراق الوظيفي.
- إذا كنت ممن يعملون بطاقة اندفاع ضعيفة، فاحرص على مراقبة ما إذا كنت تلتزم بحدودك الدنيا في الأنشطة. يجب أن تضمن أداءك الحدّ الأدنى من العمل على الأقل قبل الاستراحة مهما شعرت برغبة في التوقف.
- أما إذا كنت ممن يعملون بطاقة متأرجحة، فيجب أن تراقب التزامك بالحدين الأعلى والأدنى معاً، فتفادي تجاوز الحدّ الأعلى سيساعدك على تجنب الانحدار إلى ما دون الحدّ الأدنى في اليوم التالي.
كتب ماكيون في كتابه حكمة تقول: "لا تبذل اليوم جهداً أكبر مما يمكنك التعافي منه في الغد".
خصص أوقاتاً للاستراحة والتعافي
نمرّ بطبيعتنا كبشر بدورات نشاط واستراحة. ولهذا السبب ننام في الليل ونعتبر عطلات نهاية الأسبوع جزءاً أساسياً من أسبوع العمل المنتج، ولهذا السبب أيضاً لا يمارس الأبطال الرياضيون التمارين على مدار الساعة.
إذا كنت ممن يعملون بطاقة اندفاع كبيرة، فيجب أن تدرك ضرورة التخطيط لمنح نفسك أوقاتاً للراحة والتعافي. وبما أنني من هؤلاء، أحرص على ألا يكون الوقت الذي أخصصه لنفسي مكتظاً كما هو حال وقت العمل. بالنسبة لي، هذا يعني اعتبار الوقت غير المخصص للعمل وقتاً لإنجاز المهام الشخصية والاستراحة أيضاً. مثلاً، أمتنع عن ممارسة رياضة السباحة الصباحية يومين في الأسبوع، وأقوم بدلاً عنها بالتفكير في الحياة أو قراءة مقالات مثيرة للاهتمام، أو أنام ساعة إضافية ببساطة. كما أتعمد تخصيص وقتي في عطل نهاية الأسبوع ومساء كل يوم للتواصل مع الناس من دون قيود الوقت، أي أترك الحديث ليأخذ مجراه ووقته.
وإذا كنت ممن يعملون بطاقة اندفاع ضعيفة، فاحرص على الوصول على الأقل إلى الحدّ الأدنى من الأنشطة قبل أخذ استراحة، هذا يعني أنه بإمكانك أخذ استراحات قصيرة لكن بعد أن تحرز تقدماً نحو هدفك.
وإذا كانت طاقة الاندفاع لديك متقلبة، فيجب أن تتذكر أن تخصص أوقاتاً للاستراحة والتعافي في الأيام التي تشعر فيها أن طاقتك في أقصاها وأنه بإمكانك العمل من دون توقف، سيجنبك ذلك الانهيار بسبب الإرهاق في اليوم التالي. يمكن أن يشمل هذا أساسيات، مثل التوقف عن العمل لتناول الطعام، والنهوض عن كرسيك لتمطيط عضلاتك أو المشي، وعدم السهر حتى وقت متأخر جداً من الليل حتى لو كنت تشعر بنشاط كبير. أجبر نفسك على التوقف عن العمل عندما يحين موعد النوم، كي تتمكن من العمل بنشاط في اليوم التالي.
أتح لنفسك مجالاً لالتقاط أنفاسك
كي تملك قوة دائمة يجب أن تبقي عملك ضمن الحدود المستدامة، ويجب أن تعمل بوتيرة مستدامة أيضاً. قد تمر بأيام تكون الاجتماعات المتتالية فيها ضرورية، أو يجب عليك العمل على عدة مهام واحدة تلو الأخرى. لكن بالنسبة إلى أغلب الناس لا يمكن الاستمرار بهذه الاستراتيجية على المدى الطويل.
لذا أشجعك على ترك بضع ساعات في اليوم أو الأسبوع لا تحضر فيها أي اجتماع. والأفضل هو تخصيص فترات أطول لإنجاز مشاريع أكبر تسمح لنفسك في أثنائها بالانغماس في العمل من دون ضغط الوقت الضيق. بالنسبة لي، أتمكن من إنجاز هذا الهدف بالامتناع عن تلقي مكالمات التدريب في أيام الأربعاء، فهذا يتيح لي إنجاز مشاريع محددة، مثل كتابة هذا المقال. تكون أيام الأربعاء بأكملها محجوزة دائماً على اعتبار الأربعاء "يوم المشاريع" كي لا يحدد أحد موعداً لأي اجتماع معي فيه. وأرى أنه بإمكانك العمل من المنزل أو في مكان خاص في الأيام التي تريد فيها الانغماس في العمل، فهذا يساعدك على العمل من دون مقاطعة.
وفي نهاية الحديث عن إدارة طاقتك بكفاءة أكبر، إن الحياة ليست سباق سرعة، بل هي رحلة مستمرة. وكي تحافظ على أداء عالٍ، وصحة جيدة، وحياة سعيدة في العمل وخارجه، يجب أن تتمتع بالقوة الدائمة. تمعّن في طريقة عملك واتبع هذه النصائح كي تضمن أن تعمل بفعالية وبدرجة عالية من الإنتاجية ضمن حدودك.