في عام 1995، أهدى الرئيس السابق لشركة "سامسونج" "لي كون هي" بعضاً من أصدقائه وأفراد عائلته مجموعة من الهواتف النقالة، ليتبيّن لاحقاً أنهم وجدوا فيها أعطاباً مختلفة جراء الجودة المنخفضة، كيف تمكن لي كون هي من مواجهة هذه المشكلة؟
أمر لي كون هي في مارس/آذار من العام نفسه استرداد 150 ألف هاتف من السوق ليتم تحطيمها أمام أنظار عمال المصنع من طرف أشخاص يعتمرون عصابات رأس كُتب عليها "الجودة أولاً"، ثم أمر بحرق ما تبقى منها. بكى الكثير من العمال وهم يرون ساعات عملهم الطويلة تذهب هباء منثوراً، لكنّ "لي كون هي" أراد من وراء هذه الحادثة، التي أصبحت معروفة باسم "أنِكال بيرنينغ" (Anycall Burning)، إحداث صدمة قوية لتغيير عقلية العمال والموظفين تجاه احترام معايير الجودة العالية، وبالفعل نجحت هذه الطريقة، إذ أصبحت منتجات "سامسونج" منذ ذلك الوقت موجّهة بالجودة العالية. "لي كون هي" عبّر عن الحاجة لتغيير العقلية السائدة في أحد خطاباته لموظفيه بقوله "غيّروا كل شيء ما عدا زوجاتكم وأولادكم".
تختلف الطرق التي تتعامل بها الشركات في مواجهة المشكلات المؤسسية، فعلى عكس طريقة "الصدمة" التي اعتمدتها "سامسونج" سابقاً، اعتمدت استوديوهات "مارفل" (Marvel) الشهيرة على مقاربة مختلفة في مواجهة مشكلة عدم تحقيق الأجزاء اللاحقة من الأفلام نجاحاً بقدر نجاح الجزء الأول. يشرح مقال "كيف يوازن استوديو مارفل بين الاستمرارية والتجديد؟" هذه المقاربة المبتكرة ضمن عدة خطوات أهمها "اختيار المتمرس عديم الخبرة"، ويُقصد بها تجاهل المثل القائل "إن أفضل مؤشر للأداء المستقبلي هو الأداء السابق"، والبحث عن مخرجين يتمتّعون بخبرة في مجال لا تمتلك "مارفل" أي دراية فيه، فمن بين 15 مخرجاً من عالم "مارفل" السينمائي، كان لدى مخرج واحد فقط خبرة في مجال أفلام الأبطال الخارقين. ولا يقتصر اتباع هذا النهج على صناعة الأفلام، إذ توظف شركات الطاقة خبراء الأرصاد الجوية لمساعدتهم في تطوير حلول الطاقة المستدامة، كما وظّفت صناديق التحوط لاعبي شطرنج محترفين وذوي قدرات عالية في التعرف على الأنماط، وجدّدت الشركات الاستشارية عروضها من خلال التعاقد مع مصممي الأزياء وعلماء الأنثروبولوجيا، وتعاقد "سيرك دو سوليه" (Cirque du Soleil) مع "فابريس بيكر" لمنصب مخرج إبداعي بعد أن أكسب فرنسا ميدالية ذهبية في التزلج الحر في الألعاب الأولمبية الشتوية عام 1992. في هذا السياق، صرّح مؤسس شركة "باتاغونيا" (Patagonia) "إيفون شوينارد"، في بيان نشره عام 1992 في مجلة "إنك" (Inc.) قائلاً: "لقد وجدت أنه بدلاً من جلب رجال الأعمال وتعليمهم أن يكونوا هواة رياضة، من الأسهل تعليم هواة الرياضة كيفية القيام بالأعمال التجارية".
المشكلة الأخرى التي عانت منها الكثير من الشركات العالمية هي "عزوف الموظفين الشباب عن الانتماء لمكان العمل، وضعف الاستجابة لأحوال السوق المتقلبة"، وهي مشكلة تم حلها أيضاً بطريقة مبتكرة أُطلق عليها اسم "مجلس إدارة الظل". يناقش مقال "ما أهمية إنشاء "مجلس إدارة الظل" من شباب الموظفين؟" العديد من أمثلة الشركات التي نجحت في إنشاء هذا المجلس، فشركة "غوتشي" (Gucci) على سبيل المثال، خضعت لتحول شامل تحت إدارة الرئيس التنفيذي ماريو بيزاري، حيث شكّلت الشركة مجلس ظلّ مؤلَّف من جيل الألفية الذي كان يجتمع مع الفريق الأول بانتظام منذ عام 2015. ووفقاً لبيزاري، يضم مجلس إدارة الظل أشخاصاً يشغلون وظائف مختلفة، وهم "أبرع الناس داخل المؤسسة، وكثير منهم صغار السن للغاية"، يناقشون القضايا التي تركز عليها اللجنة التنفيذية، وقد كانت آراؤهم "بمثابة صيحة تنبيه للمسؤولين التنفيذيين"، كما يرجع لهم الفضل في نجاح الشركة في كل من استراتيجية التحول الرقمي؛ أما شركة "أكور هوتيلز" (AccorHotels) الفرنسية لإدارة الفنادق، فقد اعتمدت على مجلس الظل في مواجهة المنافسة المتزايدة من منصة "إير بي إن بي" (Airbnb)، ونجح في مهمته من خلال ابتكار العلامة التجارية "جو وجو" (Jo&Joe) ثم إنشاء "أكور باس" (Accor Pass)، وهو اشتراك فندقي مبتكر يوفر مكاناً للإقامة للأشخاص الذين يبحثون عن إقامة دائمة ممن هم دون سن الخامسة والعشرين.
يتطرق مقال "ما أهمية سرد القصص للتأثير في بيئة العمل؟" كيفية التغلب على مشكلة ضعف استيعاب استراتيجية الشركة ورؤيتها وحتى نقص الإلهام في بيئة العمل من خلال طريقة مبتكرة هي الأخرى وهي "السرد القصصي"، فالقصة لديها القدرة على إشراك العاملين واندماجهم من خلال توصيل رؤية معينة أو الترويج لفكرة أو إلهام الآخرين، لذلك عيّنت شركة "نايكي" جميع كبار المسؤولين التنفيذيين من "رواة القصص للشركات"، واستأجرت شركة "بروكتر آند غامبل" (Procter & Gamble) بعض مدراء هوليوود لتدريس تقنياتهم في سرد القصص لتطوير المدراء التنفيذيين، كما أضافت بعض كليات إدارة الأعمال دروس القصص إلى مناهجها، وتجدر الإشارة إلى أن النجاح في استخدام القصص يتوقف على اختيار اللحظات المناسبة في تقاسم المعرفة مع الآخرين.
آخر مشكلة اخترناها لكم في مقال اليوم هي مشكلة امتثال الموظفين للأوضاع السائدة، ولآراء الآخرين وسلوكياتهم، وللمعلومات التي تدعم وجهة نظرهم فقط، ما يؤدي بهم للتخلي عن جزء كبير من شخصيتهم وإبداعهم، وقد أطلقت الأستاذة فرانشيسكا جينو في مقالها الشهير "دع موظفيك يتمردون" على هذا المشكلة اسم "مبدأ نفذ" (يُشار إليه في علم النفس بـ "الانحياز للوضع السائد")، وأكدت أن الحل في مواجهته يكمن في "التمرد البناء"، ويُقصد به تصرف الموظف بتلقائية، واستثمار مواطن قوته الفريدة، وتحدي الوضع السائد، ما يؤدي إلى خلق بيئة عمل أكثر ابداعاً وإنتاجية يشعر فيها الموظفون بالحماس تجاه عملهم، ويسهمون فيه بكامل طاقتهم.
من مظاهر التمرد البناء في الشركات عدم وجود ألقاب وظيفية، وتعيين الموظفين الجدد على أساس معايير مبتكرة مثل الفضول والرؤية والمشاركة والإصرار، بالإضافة إلى اختيار الموظفين لمهامهم بأنفسهم، ويعمل قادة هذا النوع من الشركات على تشجيع الموظفين على أن يكونوا أنفسهم عن طريق حثهم على تجنب التقليد واستغلال مواطن قوتهم. على سبيل المثال، في شركة "مورنينغ ستار"، بكاليفورنيا، التي تنشط في مجال معالجة الطماطم، يُطلب من الموظفين كتابة "بيانات أهداف تجارية شخصية" تعكس شخصيتهم وتحدد أهدافهم خلال مدة معينة، بحيث تسهم في نجاح الشركة. تُسجل بيانات الأهداف في عقود تُسمى "خطابات تفاهم الزملاء"، التي يتفاوض الموظفون بشأنها مع زملائهم، بحيث يذكر كل منهم كيف سيتعاون مع الآخرين. الهدف التجاري الشخصي لمؤسس الشركة "كريس روفر" كان "تطوير تكنولوجيا معالجة الطماطم لتصبح الأفضل في العالم، ومراعاة أعلى معايير النظافة في تشغيل هذه المصانع"، أما هدف أحد موظفي المبيعات والتسويق فكان "ترك بصمة دائمة من منتجات مورنينغ ستار على ألسنة وعقول كل مستخدم للطماطم"، بينما تمثل هدف أحد موظفي الشحن في "توفير شحنات ممتازة من المنتج المطلوب إلى العملاء بطريقة موثوقة وفعّالة".
نختم بتوصية "سكوت بيج"، الأستاذ في جامعة ميشيغان الذي ألّف كتاب "الاختلاف" (The Difference)، الذي أكد بأنه إذا أردت أن تحل مشكلة عويصة، فستحتاج إلى أشخاص ينظرون إليها من زوايا مختلفة. وهذا ما يجب أن تطبقه في مواجهة المشكلات المؤسسية التي تعترض طريق مؤسستك.