هل غرام الشركات الكبرى بإدخال التغييرات مبالغ فيه؟

4 دقيقة
التغييرات المبالغ فيها في الشركات

يميل الكثير من المدراء إلى التقليل من شأن أولئك الملقبين بـ "مقاومي التغيير"، والمقصود هنا الموظفون الذين لا يتغيّرون بالسرعة الكافية، ولكن ماذا عن التغييرات المبالغ فيها في الشركات؟

إن هذا التحيّز إلى السرعة والتغيير – والأهم من ذلك التغيير السريع – يناقض الميل الفطري البشري إلى "المزج" ما بين التغيير والاستقرار، ناهيك عن أن هذه الميول غالباً ما تكون ميزة لصالحنا كبشر. والمدير التنفيذي الفعال يعلم حقيقة هذا الأمر وهو يرحب بإجراء التغيير في بعض أجزاء المؤسسة، في حين أنه يبعد التغيير عن بعض الأجزاء الأخرى لمؤسسته.

مبادرات التغيير في الشركات

لنأخذ مثالاً هو شركة "أمازون" التي تمكنت بمفردها تقريباً من إدخال تحولات جوهرية على أجزاء كبير من قطاعات التجزئة، والشؤون اللوجستية، والإنترنت، خلال عقدين من الزمن فقط. وقد حافظت على وتيرة تغيير مجمومة في الخدمات والعروض التي تقدمها لزبائنها، حيث حددت كيف نتسوق حاجاتنا اليومية (عن طريق الإنترنت)، ومن يؤثر على قراراتنا الشرائية (الزبائن الآخرون المجهولون)، وما نقرؤه (الكتب الإلكترونية)، ومتى نتوقع تسلم الطلبيات (اليوم ذاته)، ومن أين تأتي مشترياتنا (من مخازن لم يسبق لم نزرها مطلقاً).

اقرأ أيضاً: قيادة التغيير في شركة لم تفلح محاولاتها فيه

على الرغم من كل الابتكارات التي قدمتها "أمازون"، فإن طريقتها في إدارة أموالها لم تتغير كثيراً منذ 20 عاماً. فهي تعمل دائماً على ضخ رؤوس الأموال في عملياتها البعيدة المدى – وغالباً ما يكون ذلك على حساب نتائجها المالية القصيرة الأجل. وبصورة مشابهة، دعونا نقارن التزام "أمازون" الذي لا يتزعزع بـ "عملية المراجعة الأسبوعية للأعمال" (Weekly Business Review)، (وهي الطريقة التي تتبعها الشركة لتعيين الموظفين المعنيين بتنسيق عملياتها الآخذة بالتوسع الكبير) بالطريقة الأخرى التي تتبعها "أمازون" حصرياً والتي يمكن فيها لرسائل إلكترونية طوعية تتسلمها من الزبائن أن تتسبب في إطلاق عمليات إعادة هيكلة داخلية رئيسية.

لقد طرح آلان لافلي (أيه جي) وروجر مارتن (Roger Martin) مصطلحاً جديداً، هو "الميزة التراكمية" (Cumulative Advantage)، لوصف المكاسب الاستراتيجية الناجمة عن "عدم" التغيير. وقد كتبا: "ليس التمسك بالزبائن مسألة تكيّف متواصل مع الاحتياجات المتغيّرة من أجل البقاء كأفضل خيار عقلاني أو عاطفي بالنسبة لهم. وإنما التمسك بالزبائن يتطلب مساعدتهم على تحاشي الاضطرار إلى اتخاذ القرار بخصوص خيار جديد".

اقرأ أيضاً: لماذا تفشل محاولات التغيير؟

ولكن كم مرة سمعنا المدراء التنفيذيين يطرحون السؤال التالي: "ماذا نفعل لمساعدة الزبائن على تجنب الاضطرار إلى اتخاذ القرار بخصوص خيار جديد؟" بيد أن السؤال البديل الذي غالباً ما اسمعه منهم هو التالي: "ماذا نفعل لمواكبة التغيرات السريعة التي تحدث في هذه الأوقات؟" وبالتالي، فإن مهمة المدير التنفيذي الذي يدير التغيير اليوم ليست تحويل المؤسسة بأكملها إلى أمعاء مهمتها امتصاص القيمة والتخلص من الفضلات في أسرع وقت ممكن، وإنما في تحديد أي جزء من الشركة يحتاج إلى تغيير، وبأي وتيرة، ولأي غاية.

مشاعر التوتر المصاحبة لعمليات التغيير

يتعلم المدراء التنفيذيون الفعالون كيفية موازنة حالة التوتر القائمة ما بين التحرك البطيء والسريع من خلال دراسة السياق الخاص بكل خيار من هذين الخيارين. فتبنّي شركة "بلاك بيري" لشاشات اللمس في أجهزتها يبدو قراراً بطيئاً إذا نظرنا إليه بمفعول رجعي اليوم، بما أن هذه الخطوة جاءت بعد أكثر من عام على طرح أول جهاز آيفون. ولكن في المقابل كانت "بلاك بيري" محبوبة جداً في السابق نظراً لالتزامها الراسخ بلوحة المفاتيح الكاملة (حتى وإن كانت صغيرة جداً) في وقت كان منافسوها يتجهون إلى الهواتف التي تعتمد على الشاشات القلابة. فإذا ما نظرنا إلى الوراء فهل يجب أن نقول إن "بلاك بيري" كانت شركة مقاومة أم شركة مرنة؟

أما قطاع التعليم العالي، والذي كان يوصف دائماً بأنه بطيء التغيير، فقد كان فعلياً شديد النجاح في عناده ومثابرته. فأحدث جامعة أميركية عهداً على قائمة كبريات الجامعات المرموقة في أميركا، ألا وهو معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتيك) (Caltech)، أسست في القرن التاسع عشر. وبالنسبة للجامعات الموجودة فيما يسمى بـ "رابطة اللبلاب" (Ivy League) (وهي قائمة بأهم الجامعات الأميركية المرموقة) فقد ظلت على رأس أهم مؤسسات التعليم العالي لأكثر من 300 عام. ودعونا هنا نجري مقارنة بينها وبين الشركات المدرجة على قائمة "فورتشن 500" (Fortune 500) التي تضم أهم 500 شركة: حيث نجد بأن 12% فقط من الشركات التي كانت موجودة على القائمة الأصلية عام 1955 لا تزال موجودة عليها في العام 2015. فهل يجب أن نقول بأن الكليات الأميركية تعاني من الجمود أم أنها صامدة بقوة؟

وكلما تأملت في هذه الأمثلة يتضح لك ما يلي: يجب على المدراء التنفيذيين أولاً الانتباه إلى اللغة التي يستخدمونها في الحديث عن التغيير. فعوضاً عن وصف مؤسسة أو شخص بأنه "مقاوم للتغيير"، هل يمكنك أن تتخيل أنك تصفه بأنه "مرن وقادر على التكيف"؟ ربما يساعدك هذا في رؤية نقطة قوة ما تحتاج إلى شخص ما لإيقاظها، أو طاقة كامنة تحتاج إلى شخص لمساعدتها على أن تبصر الضوء.

اقرأ أيضاً: ما هي الأخطاء التي يرتكبها الجميع في إدارة عملية التغيير؟

وبالتالي، فإن قدرتنا على إدارة التغيير تبدأ بنظرتنا إلى هذا التغيير: هل هو فرصة أم مشكلة أم الاثنتين معاً؟

كما أن إدارة التغيير في الشركة بطريقة ناجحة تتطلب أيضاً من المدير التنفيذي اختيار وتيرة مناسبة للتغيير بالنسبة لموظفي هذه الشركة. يقول بيتر دراكر: "إن المعرفة، وبحكم تعريفها، تتغيّر بسرعة كبيرة. أما المهارات، وبحكم تعريفها أيضاً، فتتغير ببطء شديد". وأنا أضيف قائلاً بأن الناس يتغيّرون بوتيرة أبطأ حتى، هذا إن كانوا يتغيّرون أصلاً.

إن مزيج القوى الذي يصفه كل من لافلي ومارتن على أنه هو ما يحرك سلوك المستهلكين (قيمة مقترحة (strong value proposition) قوية إضافة إلى تصميم يساعد في خلق العادات) هو أيضاً نفس المزيج الذي يحرك سلوك الموظفين. فموظفوك لا يريدون التفكير كثيراً في "كيفية" أو "طريقة" عملهم. بل هم يريدون التفكير فيها بالمقدار الكافي الذي يضمن لهم الوثوق بهذه الطريقة؛ وبعدها يريدون التفكير في العمل نفسه. فإذا كان نظامك الخاص بإيكال المهام إلى الموظفين المناسبين فعالاً أساساً، فإن تغيير هذا النظام بشكل متكرر وزائد عن اللزوم من شأنه أن يشتت انتباه الموظفين ويقلل من قدرتهم على الإنجاز.

وثمة تكلفة هائلة جداً، وإن كانت غير منظورة، تترتب على ملاحقة البِدَع والصرعات التي تظهر في عالم الإدارة بدلاً من ترك الموظفين ينجزون المهام المطلوبة منهم. فالأفضل هو اتباع مبدأ الميزة التراكمية مع موظفيك، تماماً كما لو أنهم كانوا زبائن لديك: أدخل تغييرات بطيئة من خلال تجارب ضيقة النطاق، ولا تحاول إدخال تغييرات على نطاق المؤسسة بأكملها ما لم تكن بحوزتك براهين وأدلة تثبت نجاعة هذه التغييرات.

باختصار شديد، وكما يقول دراكر: "يعتبر التغيير والاستمرارية قطبان أكثر من أنهما أمران متعارضان". فالاستمرارية هي التربة الخصبة التي يضرب التغيير فيها جذوره. فكلما كان إحساس الموظف أو الزبون باستمرارية العلامة التجارية للشركة أو قيمها أو ثقافتها أكبر، كلما كان ذلك الزبون أو الموظف أكثر تقبلاً للتغيير. والعكس صحيح. فلكما كان الموظف أو الزبون يجد صعوبة أكبر في العثور على الاستمرارية، كان احتمال نجاح أي تغيير أمراً أصعب.

من السهل جداً الوقوع في غرام التغيير. ولكن في بعض الأحيان نحن بحاجة إلى إجراء التغيير ببطء، وليس إدخال التغييرات المبالغ فيها في الشركات.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي