دراسة حالة: ما حجم التغيير الذي يمكن أن يطالب به رئيسٌ تنفيذيٌ جديد؟

14 دقيقة
صلاحيات رئيس تنفيذي جديد
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

رئيسةٌ شابة لأحد المصارف متخوّفة من التغييرات بسبب ممانعة الموظفين لها.

تمنّت سنا أصلان لو أن الرحلة من مطار أنقرة إلى أكبر فرع لمصرف FDM في تركيا استغرقت وقتاً أطول. بصفتها الرئيسة التنفيذية المُعيَّنة حديثاً في المصرف، فقد جعلت من الزيارات الميدانية أولوية، في سعيها إلى دراسة الصلاحيات المُوكلة لأي رئيس تنفيذي جديد. إذ ساعدتها على معرفة كيف يتعامل موظفو خدمات العملاء والدعم مع التغييرات التي كانت تقودها. كما استفادت من الزيارات في إيجاد المدراء الشباب الذين كانوا على استعداد للانتقال لشغل مناصب أعلى.

غير أن سنا لم تقُم بهذه الزيارة لوحدها هذه المرة، إذ كانت صوفي رينو، وهي صديقة وناصحة لها منذ فترة طويلة وعضو مجلس إدارة في الشركة الفرنسية الأم لمصرف FDM بتركيا، ترافقها في رحلتها، ولم تكن نصف ساعة كافية ليتشاركا الأخبار والمستجدات.

قالت صوفي: “أريد أن أسمع عن أخبار العمل طبعاً، ولكن أخبريني أولاً كيف حال دنيز والفتيات”.

أجابتها سنا: “بخير. لذيذات، ولكن عنيدات”.

ردَّت صوفي مبتسمةً: “مثل أمِّهنّ تماماً”.

أردفت سنا قائلةً: “ذهبنا إلى متنزه في عطلة نهاية هذا الأسبوع، ولعبت زهرة على لعبة العربات الدوَّراة لساعات، إلى أن أخرجناها تحت وابل من صرخاتها الاحتجاجية من تلك اللعبة عُنوةً ووجدت نفسي أقول لها: “أتعرفين يا زهرة، كل إنسان بحاجة إلى أن يهدأ قليلاً في بعض الأحيان.. وكان ذلك مُضحكاً، لأن إركان قال لي نفس العبارة الأسبوع الماضي!”

لم تبدُ صوفي مندهشةً، إذ كان إركان ملاص الرئيس التنفيذي للعمليات بمصرف FDM في تركيا، وكان منذ البداية مغتاظاً من تعيين سنا ومن نهجها. وبينما كان مؤيدوها، بمن فيهم صوفي، يرون فيها مستشارةً سابقةً فذّة في القطاع المالي تبلغ من العمر 35 عاماً، وتتمتع بالكثير من الطاقة والأفكار الكبيرة المتعلقة بالطريقة التي يجب أن يتكيف من خلالها المصرف مع السوق المُتغيِّرة بسرعة، فإن مُنتقديها رأوا فيها شابة يافعة دخيلةً على القطاع لم تشغل منصباً تنفيذياً في حياتها ولا تملك خبرة عملية في القطاع المصرفي، وأنها تجهل الكثير من الأمور. وعلى الرغم من أن مجلس الإدارة قد أسند إلى سنا مهمة إحداث تغييرات كبيرة، كان إركان يعترض على كل تحوِّل استراتيجي كانت تقوم به: الابتعاد عن هيكل الفروع المُنفصلة غير المُتعاونة مع بعضها، وتسريح حوالي 40% من مدراء المصرف الرئيسيين غير النشطين لإفساح المجال أمام المواهب الجديدة، والدفع نحو تحويل ثقافة المصرف الهرمية إلى ثقاقة مدفوعة بالأداء.

قالت صوفي: “نعم، يمكنني تخيّل إركان وهو يقول ذلك. هذا الشخص يكره التغيير”.

ردَّت سنا قائلةً: “أو ربما يكره كل أمر يحمل بصماتي”.

قالت صوفي: “لستِ بحاجة إلى موافقته، أنت تفعلين الشيء الصحيح، وطالما أنه ينفِّذ قراراتك، فلا مشكلة في ذلك”.

أردفت سنا قائلةً: “لكن الإستراتيجية الجديدة لا تعجبه”.

عندما تم تكليفها بإعادة النظر في منهج خدمات التجزئة في المصرف، رفضت المسار التقليدي لتوسعة الفروع. وبدلاً من ذلك، كانت تعمل على تطوير العمليات المصرفية على الهاتف الجوال، كما كان يفعل المنافسون، وتتطلع لتجربة فكرة أكثر ابتكاراً: شراكات مع محلات السوبر ماركت ومتاجر الإلكترونيات لتسمح للمصرف بوضع أكشاك داخلها. وهذا من شأنه تمكين المصرف من خدمة العملاء في الوقت والمكان الذي يحتاجون فيهما إلى النقود وتسهيل عملية تقديم طلبات الحصول على قروض.

“إنه يقول إن الموظفين تعبوا من التغيير، ولن يكونوا قادرين على إنجاز ذلك. وقد يوافق بعض أعضاء مجلس الإدارة على ذلك. أخشى أن نواجه عناداً شرساً من طرفهم”.

قالت صوفي مع غمزة عين: “فليفعلوا ذلك، دعيهم يختبرون عِنادنا”.

الضغوط على أرض الواقع

التقت مديرة الفرع، مريم كارتال، بهما في البهو وقدّمت عدداً قليلاً من الموظفين قبل أن تصطحب السيدتين إلى مكتبها. وعندما جلسوا، رأت سنا هيكلاً تنظيمياً على المكتب. وكان عليه إشارات (x) على الكثير من الأدوار وعدد قليل من الأسهم لشرح التغييرات الهيكلية.

رأتها مريم وهي تنظر إلى الورقة، فقالت: “أعلم أن طباعة الهيكل التنظيمي ووضع علامات عليه هو أمر عفا عليه الزمن. لقد كنت استخدمه فقط لمساعدة الموظفين على فهم ما يحدث على صعيد الأعمال الأوسع نطاقاً”. حزنت سنا قليلاً لرؤية مثل هذا العرض المرئي الفوضوي للتغييرات التي كانت تجريها.

سألت سنا: “هل يحدث لُبس عند الموظفين؟”. فأجابتها مريم: “إنه كأي عملية إعادة تنظيم، هناك فترة للتكيُّف. لقد فوجئنا جميعاً بارتفاع معدل دوران الموظفين في الفرع الرئيسي للمصرف. ولكنني أعتقد أن الموظفين يرون كذلك مساحة للتقدّم لم تكن متاحة لهم من قبل”.

“هل يفهم الموظفون سبب التغييرات؟ وهل هي واضحة بالنسبة لكِ؟”. سألت سنا، وهي تعلم أنها بحاجة لأن يكون المدراء مثل مريم في صفها.

“نعم. إن القطاع يتغيَّر. لا أحد يريد أن يزور الفرع بعد الآن، فالعملاء يريدون أن يقوموا بكل شيء على أجهزة الحاسوب الخاصة بهم أو هواتفهم الجوالة. سألت عميلة بالأمس أحد المُختصين لدينا في التمويل العقاري إن كان يمانع التواصل معها عبر الرسائل النصية، لأنها لم تعد تستخدم بريدها الإلكتروني. ولم يكن المُختص يعرف إذا كان من المسموح أن يقوم بذلك”.

أجابت سنا قائلةً: “نعم، يمكنه القيام بذلك”. هذا بالضبط نوع خفة الحركة والاستجابة التي كانت تحاول تشجيعها.
“بالطبع، وأنا أدربه على القيام بذلك. ولكن الموظفين يتساءلون عن دورهم في العمل في الأيام القادمة. إنهم يريدون أن يعرفوا ما إذا كنا بصدد البدء بإغلاق الفروع. وهل سنعمل جميعاً من مراكز اتصال أو أكشاك في المتاجر في العام المُقبل؟ إن الأمر مثير للتوتُّر والقلق”.

طلبت صوفي التحدث مع عدد قليل من الموظفين، فدعتهما مريم لأخذ جولة. وأضافت مريم قائلةً: “لقد أخبرت الموظفين بأنكما ستحضران إلى هنا، ولديهم بعض الأسئلة لكما”. جلست سنا مع اثنين من موظفي الصندوق على النافذة.

لم يكن هناك أي عملاء في المصرف، فسألت سنا قائلةً: “هل يكون عدد العملاء قليلاً جداً في هذا الوقت من اليوم؟”. فاحمرّ وجه أحد أمناء الصندوق، وهو شاب طويل القامة ذو شعر قصير، وذلك على ما يبدو من خجله وشعوره بالإحراج. بينما لم تكن زميلته، وهي شابة في منتصف العمر، مُتردِّدة كما هو، وقالت: “نعم، هذه هي الفترة التي تخفّ فيها حركة العملاء، لكن المكان يكتظ بالعملاء في وقت الغداء”.

سألتهما صوفي إن كانت لديهما أية أسئلة. قال الشاب مُندفعاً: “هل سنفقِدُ وظائِفَنا؟”، متبعاً ذلك بضحكة مشحونة بالتوتر.

أردفت زميلته قائلةً: “حسناً، لم أكن لأطرح السؤال على هذا النحو، ولكن هذا ما نتساءل كلنا عنه”. وأضافت قائلةً: “قالت لي صديقتي أنه في شركتها، عندما تطرأ تغييرات في المناصب العليا، فإنه لن يمضي وقتٌ طويلٌ حتى يلحق ذلك عمليات تسريح لموظفي خدمات العملاء والدعم”.

فطمأنتهما سنا بأنه لم يتم التخطيط لأية عمليات تسريح. وكانا يهزّان برأسيهما، لكن ذلك لم يعكس بأنهم يثقون بما تقول. التقت صوفي وسنا مع عددٍ قليلٍ من المحللين والموظفين المسؤولين عن القروض. لم يكن أحدٌ منهم بصراحة أمين الصندوق، ولكن القلق كان واضحاً.

قالت سنا وهم يخرجون من الباب: “يبدو أن الأمر يدعو للقلق”. ردّت عليها صوفي: “إن التغيير ضروري للاستمرار وتحقيق التقدّم”. فقالت سنا: “نعم، ولكن ربما ليس هناك حاجة لأن يحدث بهذه الوتيرة السريعة”.

خطر التراجع

في اليوم التالي في إسطنبول التقت سنا بأحمد أوزان، كبير المدراء الماليين، وهو رجل قد أمضى سنوات طويلة في العمل مع المصرف، مثل كبار المديرين الذين استغنت عنهم سنا، ولكنها كانت تقدّر خبرات أحمد، وكان هو كذلك يقدّم لها الدعم في جهودها في عملية التحوّل، خاصة في تلك الإجراءات التي كانت تهدف إلى خفض النفقات. كما خصّص أحمد جزءاً كبيراً من وقته في تصميم نموذج الأكشاك الخاصة بالمصرف.

قال أحمد: “التوقّعات بخصوص الأكشاك تبدو إيجابية جداً، كما أن أبحاث السوق التي أجرتها شركة كابيتال تشير إلى نتائج واعدة. غير أن أنظمة تقنية المعلومات التي نحتاجها للتعامل مع طلبات القروض معقّدة، وتنفيذها سيشكّل تحدّياً بالغ الصعوبة”. وسكت برهة ثم تابع يقول: “وهذا ما يزعج إركان كثيراً ويغضبه”.

وقالت سنا: “إن إركان منزعج منذ أن بدأتُ العمل هنا”. فأجاب أحمد: “صحيح سنا، ولكنه قد يكون محقّاً في هذه النقطة تحديداً. ففريقه سيحتاج للعمل ليل نهار كل يوم لتحقيق ذلك إن أرادوا الوفاء بالجدول الزمني الذي قمتِ بوضعه. كما سيحتاج الأمر إلى جهد تسويقي هائل وبعض التغييرات الكبيرة على الكادر، وقد ينجم عن ذلك المزيد من استنزاف الموارد البشرية في المصرف، ولن يطال ذلك كبار الموظفين وحسب مثلنا، ولكن حتّى الموظفين الشباب الذي يحبّون طريقتنا الحالية في العمل”.

لم يرُق لسنا الطريقة التي وصف بها أحمد التغييرات الإدارية الأخيرة في المصرف، ولكنها تركته ليستمر في الكلام.
“كما أننا لسنا متأكّدين إن كان سيُكتب النجاح لهذا النموذج. فهل سيستخدم الناس الأكشاك فعلاً؟ ولو فعلوا، فهل سنتمكّن من التعامل مع طلبات القروض بسرعة وفعالية؟ أعرف أن الفكرة تستهدف إعادة ابتكار الصناعة المصرفية هنا، ولكن هل أنت متأكدة أن عملاءنا مستعدون للتقدّم لطلبات القروض دون الحصول على مساعدة شخص مختصّ يرشدهم أثناء عملية كتابة الطلب؟ هل أنتِ متأكّدة من أننا جاهزون لهذا الأمر؟ لمَ لا نتأنى قليلاً، وأن نقوم بالمزيد من أبحاث السوق للتأكّد من أن افتراضاتنا دقيقة؟”

أخذت سنا نفساً عميقاً في محاولةٍ منها لاستيعاب كلّ ما قاله أحمد، ثم قالت: “أنا أقدّر رأيك جدّاً يا أحمد، وهذه تساؤلات وجيهة بالفعل. ولكن الهدف من التجربة هو أن نعثر على إجابة لكلّ هذه التساؤلات، فبإمكاننا أن نخوض التجربة ونتعلّم منها على أرض الواقع. هذه هي الطريقة العملية للتأكّد من الأمر”.

فقال أحمد: “ولكنها ليست الطريقة المعهودة في هذا المصرف. أعرف أنك تعتقدين أن التمهّل الآن سيعطي انطباعاً بأنك غير متأكّدة من قراراتك. ولكن هذا لن يحدث، وإنمّا سيعطي الآخرين مهلة هم في أشدّ الحاجة إليها. ثقي بي، فأنا أفهم السبب الذي يجعلك تصرّين على هذا الأمر، فمجلس الإدارة يراقب ما تفعلين عن كثب، وعلينا أن نقدّم لهم النمو الذي يطالبون بتحقيقه”.

فقالت سنا: “بالضبط، فجزء من عملي هو جلب التغيير إلى المصرف، وأن أبقي على ما هو جيد بالطبع، ولكن أن نخطو خطوة نحو المستقبل. علينا أن نحرص على فهم هذه المخاطر التي أشرت إليها، وهي خطيرة بالفعل، مع التفكير في الوقت نفسه بالمخاطر الأكبر التي ستترتّب على عدم المضي قدماً في هذه الفكرة. فلن يكون في صالحنا أن يتفوّق علينا أحد المنافسين في هذا الجانب. فلو ركّزنا مثلاً على خدمة الهاتف المحمول، كما يفعل الجميع، فلن نكون قد حققنا أمراً متميّزاً، والتميّز عن الآخرين هو الطريقة الوحيدة لتحقيق الفوز في هذا السوق”.

صعوبة الصمود

كانت سنا في تلك الليلة جالسة على طاولة الطعام تراجع التحليل الذي قدّمه أحمد، فأتاها زوجها دنيز وقال: “هل ستسهرين كثيراً الليلة؟”. فقالت: “احتمال كبير”. فقال دنيز: “تبدين منزعجة، ما الأمر؟” أغلقت سنا حاسبها، وقدّرت لدنيز قدرته على الإحساس بانزعاجها، وقد كان يدفعها ذلك دائماً على مصارحته بما يقلقها.

قالت سنا: “هل تذكر ما قاله إركان بخصوص التأني؟ يبدو أن أحمد يوافقه الرأي، وأخشى أنهما على حق”. فقال دنيز: “ولكن مجلس الإدارة استعان بك من أجل أن تكوني رائدة للتغيير، هذه مهمّتك”.

فقالت: “أعرف ذلك، وأشعر حقاً أن واجبي يحتّم عليّ أن أضغط في اتّجاه تنفيذ هذه الخطّة، فالتغيير أمرٌ إيجابي، وهو كذلك أمر ضروري كما تقول صوفي دائماً. إن هذا المصرف لم يبرح مكانه منذ فترة طويلة، وعلينا أن نمضي قدماً”.
كانت سنا تطرق الطاولة بيدها حين قالت الجملة الأخيرة، ثم تابعت تقول: “لا نستطيع أن نخسر حالة الزخم والحماسة التي وصلنا إليها، ولو تمهّلنا الآن كما يطالبون، فمتى وكيف ستتاح لنا الفرصة للبدء من جديد؟”

بقي دنيز يستمع ويحرّك رأسه، ولكن سنا شعرت أنه يكتم ابتسامة، فسألته: “ما الأمر؟”.

فقال: “تعجبني صلابتك، أعتقد أنك تقومين بالأمر الصحيح يا سنا. ولكني كذلك أتفهّم وجهة نظر أحمد وإركان، فأنا أعرف تماماً صعوبة أن يحاول أي شخص مجاراة مخططاتك”.

هل يجب على سنا أن تتروّى في إجراء التغييرات في البنك؟

الخبراء يجيبون

إن الخطأ الذي ارتكبتْه سنا هو أنها تحاول أن تقوم بهذا التغيير بأكمله لوحدها. يلزمها بالفعل أن تتأنى قليلاً، وتعيد تشكيل فريق العمل وتعيد التفكير في موقفها، وذلك كي لا ينظر الآخرون إلى التغيير المزمع إجراؤه على أنه حصراً “خطّة سنا”، ولكن يجب أن يروا فيه الخطّة التي تحتاجها الشركة، أو التغيير الذي يريده الفريق كاملاً على الأقل. وإلى أن يحدث ذلك، سيكون الطريق الذي تسلكه صعباً جداً.

حين أصبحتُ الرئيس التنفيذي في شركة كور (Coeur) عام 2011 كانت الشركة كذلك بحاجة إلى التغيير. ومن أجل دعم وإدارة النموّ الضخم الذي مرّت به الشركة في الأعوام الثلاثة السابقة والتحضير للنمو المستقبلي المطلوب كان علينا أن نعيد هيكلية كلّ قسمٍ تقريباً في هذه الشركة التي يبلغ عمرها تسعين عاماً. كما قررت أن أنقل المقرّ الرئيسي للشركة من آيداهو إلى شيكاغو. وكما هي الحالة لدى سنا، فقد كنتُ أمتلك صلاحية وتفويضاً من مجلس الإدارة بالقيام بكافّة التغييرات اللازمة، ولكنني لم أخُض غمار تلك المعركة وحدي.

لقد حرصت بدايةً على أن يكون الجميع على معرفة أكيدة بأنّي أتمتّع بالدعم الكامل والصريح من مجلس الإدارة. من الجيد أن تكون العلاقة بين سنا وصوفي قوية، ولكن عليها أن تطلب الحصول على الضوء الأخضر بشكل رسمي وأكثر وضوحاً من المجلس بأكمله. بالنسبة لي، فقد قمت بذلك بعد مضي سنة على استلامي للمنصب الجديد، بعد أن أرسيتُ مصداقيتي بين الجميع، ووضّحت التغييرات التي أودّ أن أقوم بها وبيّنتُ المخاطرة الكبيرة في الاستمرار على الوضع الراهن آنذاك في الشركة. وحين ضمنت دعم المجلس، بدأت بالحديث عن خطّتي مع الآخرين، وحرصت على أن يرافقني رئيس مجلس الإدارة في تلك اللقاءات والاجتماعات، وذلك لأن حضوره كان يعطي رسالة للموظفين بأنه لن يكون بوسعهم تغيير رأيي بشأن هذه التغييرات أو أن يتسبّبوا بإخفاقي عبر عدم التقيّد بها.

إن الدعم من بقية الأطراف في المؤسّسة لا يقلّ أهمّية عن دعم مجلس الإدارة. وعلى سنا أن تستعين بسفراء لها قادرين على إقناع الآخرين برؤيتها وتنفيذها. إن إركان الآن يؤثّر سلباً على جهودها وسمعتها. ولذا، من الضروري أن تغيّر من أسلوبها، وذلك بأن تجعله يشعر بأنه جزء مما تحاول هي إنجازه، وأن يقدّم لها آراءه وأن تكون هذه الآراء محلّ تقدير من قبلها. وليس عليها بالطّبع أن تلتزم بكلّ ما يقترحه، ولكنها تحتاج أن يعمل معها، لا ضدّها، إن كانت تريد أن يلتزم الآخرون بخطّتها. في حالتي أنا، كنت أعرف أن عليّ أن أكسب دعم بعض الأشخاص من المخضرمين في الشركة، ممّن أمضوا وقتاً طويلاً في الشركة ويعرفون أعمالها بشكل جيد، لأنهم سيكونون حلفاء أقوياء لي.

كما يجب على سنا أن تفكّر بإنشاء فريق صغير من مختلف الأقسام والأجيال في الشركة، لأن هذا الفريق وبمجرّد أن يستوعب الخطّة والتوجّه والرسالة، سيكون من السهل توكيله بإقناع الآخرين بضرورة هذه التغييرات. ربّما تساعد في هذا الأمر مديرة الفرع، مريم، وأمين الصندوق ذو السؤال الصريح. كما يمكن أن يتشجّع الموظفون الصاعدون على المشاركة في هذه الجهود، وقد يكون هذا كفيلاً بإرسال رسالة مفادها أن هذه تغييرات يساهم بها غالبية الموظفين، وليست جهودَ شخص واحد غريب على الشركة.

إنني أثني على جهود سنا في زيارة الفروع، وأقترح أن تحدّد المزيد من الطرق كي تستمع للآخرين، وتعرف كيف يشعرون وبمَ يفكرون. وهذا الأمر ليس مريحاً ولا ممتعاً بالضرورة، ولكنه في غاية الأهمّية كي يحظى الموظفون بفرصة للتعبير عن أنفسهم بحرية ويشعروا بأن الرئيس التنفيذي الذي أمامهم يصغي إليهم. لقد قمت خلال عملية إعادة الهيكلة في تلك الشركة بعقد اجتماعات كبيرة، ولم تتوقّف هذه الاجتماعات واللقاءات، حتى تم التأكّد من أن جميع موظفينا يمتلكون المعلومات التي يشعرون أنهم بحاجة لمعرفتها.

إن الصّراحة والشّفافية أمران في غاية الأهمّية في مثل هذه الظروف. لقد شعرتُ حين أخبرتْ سنا موظفي الصندوق بأنه لن يكون هنالك المزيد من تسريح الموظفين أنها لم تكن صادقة تماماً في ذلك، وهذا خطأ. فحين يعرف الآخرون حقيقة الموقف، حتى لو كان يشتمل على أخبار سيئة، فإنهم يكفّون عن التخمين ويعودون لمتابعة عملهم. وكان بوسع سنا أن توفّر على نفسها الكثير من العناء لو أنها كانت صريحة منذ البداية.

كما يظهر لي أن الموظفين في المصرف يشعرون بأن سنا تصرّ على هذا التغيير عبثاً، وأنها لا تفعل ذلك إلا لتحقّق التقدّم في وظيفتها. ولكن لو حصلت سنا على دعم مجلس الإدارة، ونجحت في بناء فريق داعم لفكرتها، وتمكّنت من التواصل مع الآخرين بفعالية أكبر فإنها ستكون قادرة على إثبات أنها تفعل ما يحقّق المصلحة العليا للشركة. وهذا كلّه يتطلّب وقتاً بلا شك، ولكنه يستحق العناء والمحاولة.

بينار أباي هي الرئيس التنفيذي في مصرف ING في تركيا:

يجب على سنا ألا تتراجع، فأنا من أشدّ المؤيدين لتنفيذ تغييرات جذرية بوتيرة سريعة. صحيحٌ أنها ستواجه بعض الممانعة من البعض، ولكنها إن لم تمض قدماً فإن مخاطرة الفشل ستزداد.

إن هذه الحالة مستوحاة بشكل ما من تجربتي في مصرف ING في تركيا، ولذلك فإني أدرك ذلك الدافع للاستعجال في حالة FDM. إن قطاع الصيرفة هو سوقٌ ينمو في بلدنا، ولكنه يشهد كذلك دخول العديد من الجهات الأجنبية، ومعظمها مصارف أوروبية كبيرة قامت بعمليات استحواذ كاملة أو جزئية، وهذا يخلق بطبيعة الحال بيئة تتسم بقدر كبير من التنافسية. كما أن تركيا تتمتّع بجيل من الشباب الذي يتأقلم بشكل سريع مع التقنيات الحديثة، وهذا ما يجعل احتياجات قاعدة العملاء أكبر من الماضي، ممّا يحتّم على كلّ مصرف أن يسعى لتوفير أفضل تجربة لهم، لأن هذا هو الأمر الوحيد الذي يجعل المصرف يتميّز عن بقية المنافسين. أمّا بالنسبة لاستراتيجية سنا، خاصّة تلك التي تتعلّق بقنوات التوزيع، فإنها قد تكون بلا شكّ خطوة في الاتجاه الصحيح.

لقد بذلنا وسعنا في ING كي نتوصّل لشراكة مع أكبر سلسلة متاجر في تركيا من أجل توفير بطاقات للحسم الفوري بدون اسم، يمكن للعملاء تفعيلها عن طريق هواتفهم المحمولة. وكانت الفكرة هي توفير طريقة فورية لوصول العميل إلى المال. ومع أننا لم نحصل على النتائج التي كنا نتوقعها من هذه الوسيلة، وقرّرنا في النهاية التراجع عنها، إلّا أننا وجدنا هدفاً آخر قد ترتّب عليها، فعلامتنا التجارية قد استفادت من دون شكّ من هذه التجربة. فبفضل طريقة الوصول غير التقليدية للعملاء، عرف الأتراك أننا مصرفٌ من نوع مختلف، لا نتقيّد بالطريقة التقليدية لممارسة الأعمال المصرفية (لم يتوقع أحد أن يجد بطاقة مصرفية في زجاجة حليب!). وقد عزّزنا هذه الرسالة بالعديد من السبل الأخرى، عبر الدعايات في التلفاز والتي استخدمنا فيها النقد الساخر لأنفسنا وللمصارف في تركيا بشكل عام، حتّى أن نقابة المصارف في تركيا أرسلت لنا تحذيراً لتجنّب الإساءة إلى صورة المصارف في البلاد.

ولكن لا يجدر بسنا أن تركّز على الاستراتيجية والعمليات وحسب، وإنما عليها أن تفكّر بالثقافة السائدة في المصرف. ففي نهاية المطاف قد يكون من السهل تغيير قناة توزيع إن لم تكن تؤدّي النتائج المطلوبة، ولكن الأصعب هو تغيير الثقافة السائدة في الشركة. وهذه هي المعضلة الأصعب التي تواجه سنا: كيف يمكن أن يترك الآخرون التفكير بالطريقة التقليدية بخصوص التراتبية البطيئة في العمل وأن تشجّعهم بدل ذلك على تبنّي الديناميكية والابتكار.

لا بدّ أن تكون نقطة البداية لِسنا مع فريق الإدارة العليا في المصرف. فعلى الرغم من أنها قد سرّحت بعض الموظفين المخضرمين في الشركة من المستويات الإدارية الأدنى، إلا أن أحد أعضاء الإدارة العليا يقف في وجهها، ألا وهو إركان. فإن ظلّ مصرّاً على موقفه، ربما عليها أن تستغني عنه هو الآخر. لقد كان اتخاذ مثل هذه القرارات أولوية لي حين كنت الرئيس التنفيذي لمصرف ING، إذ قمت باختيار بعض المسؤولين المباشرين الذين لديهم استعداد لدعم التغيير الذي أردت تحقيقه، وقد كان ذلك يعني في بعض الحالات أن أجلب أشخاصاً من خارج الشركة، بل وحتّى من خارج القطاع المصرفي. إلا أنني أبقيت على الموظّفين من أمثال أحمد، الذين يدعمون رؤيتي، ولكنهم في الوقت ذاته يمتلكون الاستعداد والقدرة على مواجهتي والتعبير عن رأي مخالف لما أراه في بعض الأمور. لقد كنت أريد أشخاصاً يمتلكون وجهات نظر مختلفة. وهكذا استطعنا إنشاء مؤسّسة تعزّز اتخاذ القرارات بطريقة تعاونية وليس بطريقة تراتبية تقليدية، وتحرص في الوقت ذاته على الحركة والإبداع، حيث تشجّع بيئةُ العمل الموظفين الشباب على التعبير عن آرائهم، وترحّب بهم على اختلاف أطيافهم، وتكافئهم على أدائهم وإمكاناتهم، وليس على سنوات خدمتهم وحسب، وتمنحهم مساحة من الحرية فيما يتعلّق بمكان العمل وطريقة أدائه.

لقد أقدمت سنا على عددٍ من الخطوات المهمّة، ولكن عليها ألا تكتفي بها، وأن تمضي قدماً. إن الطريق نحو التغيير على مستوى المؤسّسة طويل ومحفوف بالصعاب. فها أنا بعد خمس سنوات، ما زلت أعمل على إتمام التحوّل في ثقافة المؤسّسة وإستراتيجياتها. فلا يمكن لسنا أن تسمح للممانعة بتثبيطها وإحباط ما تعتزم تحقيقه.

————-
ملاحظات حول تدريس دراسة الحالة

بول هيلي هو أستاذ وعميد مشارك أول لشؤون التطوير في كلية هارفارد للأعمال. قصة هذه الحالة مستقاةٌ من دراسة حالة أجريت في كلية هارفارد للأعمال بعنوان “استراتيحية المتحدّي: بينار أبي في مصرف آي إن جي التركي” (رقم الحالة: 116023) والتي شارك بتأليفها غاوتام موكوندا وإيسل شكين.

هل سنا هي الشخص الأنسب لهذا المنصب؟ يدرّس بول هيلي الحالة التي تعتمد عليها هذه القصّة في برنامج التعليم التنفيذي في كلية هارفارد للأعمال للنساء عضوات المجالس الإدارية. ويطلب بول من المشاركين النظر فيما إذا كان الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي هو الشخص المناسب.

كما يطلب هيلي من الطلبة التفكير في السبل التي يمكنهم من خلالها، كأعضاء في مجالس الإدارة، تقديم الدعم للرئيس التنفيذي إن كان يتّبع أساليب غير تقليدية.
—————-

تعليقات مجتمع هارفارد بزنس ريفيو

لا تفرّطي بالعلاقات

إن التغيير السريع وإهمال بعض الموظّفين في الخطوط الأمامية الذين تربطهم علاقات واسعة بالعملاء قد يؤثّر على سمعة المصرف. يجب على سنا أن تهتمّ بتعزيز هذه العلاقات خلال مرحلة التغيير.
بريسيلا أركانجل، رئيسة شركة أركانجل آند أسوشيتس.

جرّب قبل أن تقرّر
لا يكفي أن تتلقّى سنا الدعم من واحد فقط من أعضاء مجلس الإدارة، فسنا بحاجة إلى قاعدة كبيرة من الدعم. ويجدر بها أن تجرب أفكارها مع البعض، فإن حصلت على دعمهم فعليها أن تمضي قدماً بنفس الوتيرة الحالية، وإلّا فإن عليها أن تعيد تقييم خطّتها.
كريسمير بروفاكا، كبير المسؤولين الماليين ومدير العمليات الرئيسي في شركة زاغرب-مونتازا ليمتد.

هل ترغب بتطوير المصرف أم بتطوير نفسها؟

تحتاج سنا إلى معرفة ما إذا كان إصرارها على التغيير نابعاً من رغبتها في تطوير الشركة أم من سعيها لإثبات جدارتها بالمنصب. إن قليلاً من التأنّي من أجل تقييم الخطط لا يُعدّ علامة ضعف، بل يُظهر أنها قادرة على التفكير بجميع الجوانب المتعلقة بعملية التغيير، وأنها ستقوم بقرارات واعية ومحسوبة للمضي قدماً أو إجراء بعض التعديلات اللازمة فيما يتسق مع صلاحيات رئيس تنفيذي جديد.
كيم ريبلي، مدير الموارد البشرية، شركة شريمب إمبروفمنت سيستمز، هاواي.

اقرأ أيضاً: نصائح أساسية لتوظيف الرئيس التنفيذي القادم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .