من بين عديد المكونات الأساسية المختلفة للموهبة والنجاح، فإنّ قلة فقط من السمات الشخصية هي التي جذبت الانتباه في العقد الماضي مثل: الذكاء العاطفي (EQ)، والذي يُعرّف بأنه القدرة على معرفة وإدارة مشاعرك الشخصية ومشاعر الآخرين. وإنّ أكثر ما يميز الذكاء العاطفي عن غيره من المقدرات الأخرى التي أُدرجت كتعبيرات رنانة في مصطلحات الموارد البشرية، أنّه ليس مجرد أمر مبتدع. فكيف يمكنك تعزيز الذكاء العاطفي لدى الآخرين؟
لقد أظهرت الآلاف من الدراسات الأكاديمية علاقة بين تقييمات الذكاء العاطفي المتنبّئ بها وبين أداء العمل والإمكانيات القيادية وريادة الأعمال والأهلية للتوظيف. كما أظهرت الدراسات أنّ تأثير الذكاء العاطفي يتجاوز مكان العمل، حيث ارتبطت المستويات المرتفعة منه بنجاح العلاقات والصحة النفسية والجسدية والسعادة.
تعتبر كل هذه الأخبار جيدة لمن يتمتعون بذكاء عاطفي عال. لكن ماذا باستطاعة أصحاب المستويات المتدنية من الذكاء العاطفي فعله لتحسين مهاراتهم الشخصية؟ هل يمكن زيادة الذكاء العاطفي لديك ولدى الآخرين بما يتجاوز المستويات الطبيعية؟ يرى دانيال غولمان وكتاب آخرون بأنّ الذكاء العاطفي (على عكس معدل الذكاء) مرن والتدريب عليه ممكن، وأنّه مزيج من السمات الشخصية. بناء على ذلك، فهو ليس بالجامد، كما أنه في جزء منه قابل للتوريث، حيث تشكله تجارب الطفولة، ويمكن اعتباره مستقراً إلى حد كبير بمرور الزمن.
لا يعني هذا أنّ تكريس الجهد لنحت سلوكيات ذكية عاطفية هو مضيعة للوقت، بل يعني ببساطة أنّ التركيز والالتزام أمران مطلوبان. وينطبق ذات الأمر على مساعدة الآخرين للتصرف بذكاء عاطفي عندما لا يكون لديهم ميل طبيعي لذلك. إليك هنا خمس خطوات مهمة لتنمية الذكاء العاطفي
خطوات مهمة لتعزيز الذكاء العاطفي لدى الآخرين
1. حوّل خداع الذات إلى إدراك للذات
تتكون الشخصية، وبالنتيجة الذكاء العاطفي من جزئين: الهوية (كيف نرى أنفسنا)، والسمعة (كيف يرانا الآخرون). لدى معظم الناس تباين بين الشخصية والسمعة وهو ما قد يدفعهم لتجاهل آراء الآخرين والانحراف عن المسار. إنّ الإدراك الحقيقي للذات يعني توصّل المرء لصورة واقعية عن نقاط القوة والضعف لديه وكيفية مقارنتها مع الصورة التي لدى الآخرين. على سبيل المثال، معظم الناس يقيّمون ذكاءهم العاطفي بأنه بمستوى عال، لكن قلة قليلة فقط من هؤلاء الأفراد سيُصنفهم الآخرون على أنهم يتمتعون بمستوى عال من الذكاء العاطفي.
إنّ تحويل خداع الذات إلى إدراك للذات لن يتحقق دون الحصول على تقييم دقيق، من ذلك النوع الذي يأتي من التقييمات القائمة على البيانات كاختبارات الذكاء المعتمدة أو استبيانات الآراء الشاملة. يُعتبر هذا النوع من الأدوات أمراً اساسياً لمساعدتنا على اكتشاف النقاط العمياء في ذكائنا العاطفي لأسباب عديدة ليس أقلها أهمية أنّ الآخرين شديدو التهذيب لدرجة تمنعهم من تقييمنا سلبياً.
2. حوّل التركيز على الذات إلى تركيز على الآخرين
يُعد إظهار الاهتمام بالآخرين بمثابة النجاح في العمل. لكن رؤية الأمور من منظور الآخرين أمر صعب التحقيق بالنسبة لمن لديهم مستويات متدنية من الذكاء العاطفي، خاصة عندما لا يكون هناك طريق صحيح أو خاطئ واضح للمضي للأمام. يبدأ تطوير الاهتمام بالآخرين من التقدير البسيط لأفراد الفريق والإقرار بمعتقداتهم الشخصية ومكامن ضعفهم وقوتهم. كما ستؤدي النقاشات الموجزة (المتكررة مع أفراد الفريق) إلى فهم أشمل لكيفية تحفيز الآخرين والتأثير فيهم. يجب أن تلهم هذه النقاشات طرقاً لخلق فرص للتعاون والعمل الجماعي وتكوين شبكات العلاقات الخارجية.
3. اجعل التعامل معك مجزياً
يتميز الأشخاص الأكثر أهلية للتوظيف والأنجح في عملهم بأنهم يكونون صورة عند الآخرين تجعلهم يرون العمل معهم مجزياً. هم متعاونون وودودون وغير أنانيين. من جهة أخرى، يميل الأفراد الذين لا يكون العمل معهم مجزياً لأن يكونوا أكثر احتراساً وانتقاداً، هم مستعدون لقول ما يجول في عقولهم والمجادلة علناً لكن قد تلتصق بهم سمعة الجدال والتشاؤم وحب المواجهة. ومع أنها سمعة قد توحي بمعايير عالية، لكن لن يمر وقت طويل إلا وتتسبب بنخر في العلاقات والمبادرات. لذا من المهم أن يحرص هؤلاء على وجود مستوى مناسب من التواصل الشخصي قبل إيكال مهمة لشخص أو قبل طلب المساعدة من أحدهم. سيفيدهم كثيراً المبادرة والمشاركة المتكررة للمعرفة والموارد من دون توقع شيء بالمقابل.
اقرأ أيضاً: كيف تساعد شخصاً في تطوير ذكائه العاطفي
4. تحكّم بنوبات غضبك
يمكن للحماس القوي والعاطفة أن يتجاوزا الحد ليصبحا أمراً مزاجاً ومجرد انفعال عندما يقوى الضغط. تذكر أنّ لا أحد يحب الأطفال البكائين. وفي عالم الأعمال، يُنظر لمن يُصابون بالإحباط أو خيبة الأمل عندما تبرز مشاكل غير متوقعة على أنهم لا يستحقون مقعداً على طاولة الأفراد الراشدين. إن كنت شخصاً من كثيرين يعانون من الكثير من الشفافية العاطفية، تأمل في المواقف التي ستتسبب على الأغلب في استثارة مشاعر الغضب أو الإحباط وراقب نزعتك للمبالغة في ردة فعلك تجاه الانتكاسات.
اقرأ أيضاً: كيف أطلب مساعدة من شخص
مثلاً، إذا وجدت أمامك في الصباح الباكر مجموعة من رسائل البريد الإلكتروني المزعجة، لا ترد عليها فوراً – امنح نفسك بعد الوقت لتهدأ. وبالمثل، إن صدر عن أحدهم تعليق مزعج أثناء اجتماع، تحكم في ردة فعلك وحافظ على هدوئك. صحيح أنك لن تتحول من وودي آلين إلى الدالاي لاما في لحظتها، لكن سيكون بإمكانك تجنب المواقف العصيبة وكبح لجام ردود أفعالك المتقلبة باكتشاف محرضاتها. ابدأ باستخدام تقنيات تساعدك كي تصبح أكثر وعياً بمشاعرك مع الوقت، ليس فقط من حيث كيفية عيش هذه المشاعر، لكن الأهم من ذلك من حيث كيف يعيشها الآخرون.
5. أظهر التواضع، حتى لو كان عليك ادعاؤه
قد تتخذ الأمور أحياناً منحى تجعلك تشعر وكأن صبياً في السادسة من العمر يتحكم بالأمور. لكن إن كنت من ذلك النوع من الأشخاص الذين يفكرون كثيراً في أنفسهم "أنا محاط بالأغبياء" فإنّ الآخرين على الأغلب سينظرون لسلوكياتك الواثقة بالنفس على أنها متكبرة وعنيفة ولا تتقبل الاعتراف بالأخطاء. من المعلوم أنّ صعود السلم التنظيمي يتطلب درجة استثنائية من الإيمان بالنفس، وهو ما ينظر له عند حد معين على أنه مصدر إلهام. لكن القادة الأكثر فعالية لا يبالغون في تقدير أنفسهم، وينشرون انطباعاً عنهم بأنهم متواضعون. فتحقيق توازن صحي بين الإصرار والتواضع، وإظهار تقبل للآراء، إلى جانب القدرة على الاعتراف بالخطأ من أصعب المهام إتقاناً.
بالطبع عندما تسوء الأمور يبحث أعضاء الفريق عن القيادة الواثقة، لكنهم أيضاً يأملون بالحصول على الدعم وأن يتم تعليمهم بتواضع بينما يعملون على إصلاح الموقف. لتطوير هذا المكون من الذكاء العاطفي، من الضروري أحياناً تصنّع الثقة، ومن المهم أكثر تصنع التواضع.
نحن نعيش في عالم يكافئ فيه الناس لإخفائهم ضعفهم، لكن في الحقيقة الأمر الأهم هو إخفاء الشخص لتكبره. هذا يعني تجاوز الشخص عن كبريائه، واختيار وانتقاء المعارك، والبحث عن فرص لتقدير الآخرين حتى لو كنت تشعر أنك على حق وأنّ الآخرين مخطئين.
قد يبدو العمل دوماً بمقتضى هذه النصائح أمراً صعباً، لكنك ستستفيد منها حتى لو طبقتها بين الحين والآخر. وكما هو الحال في المساعدة التي تقدمها الدورات التدريبية، ليس الهدف هنا تغيير شخصيتك بل استبدال السلوكيات غير المنتجة بأفعال أكثر ملاءمة – لبناء عادات جديدة تستبدل الميول المضرة وتحسن صورتك لدى الآخرين. لهذا فإنّ التدريب الجيد يدحض نتائج اختبار الشخصية: فلا تعود نزعاتك الافتراضية ظاهرة في سلوكياتك بعد الآن، وسيمكنك أيضاً من المساهمة في تعزيز الذكاء العاطفي لدى الآخرين.
اقرأ أيضاً: