من المحتمل جداً أن يشعر المدراء في مؤسستك بالاحتراق الوظيفي. يتعرض مدراء الإدارة الوسطى لضغوط لتنفيذ استراتيجيات من أعلى المستويات بينما يعملون على تدريب مرؤوسيهم وتطويرهم أيضاً، ومع ذلك، لا يتلقون في كثير من الأحيان المستوى نفسه من التطوير أو التمكين الإداري من مدرائهم الأعلى. يفتقر هؤلاء المدراء إلى الموارد غالباً، لذلك يتعين عليهم في كثير من الأحيان العمل جنباً إلى جنب مع فرقهم لإنجاز المهام، لا سيما مع ارتفاع معدلات دوران الموظفين في السنوات القليلة الماضية.

وفقاً لبحث أجرته شركة ماكنزي، يقضي بعض مدراء الإدارة الوسطى نحو يومين أسبوعياً في أداء عمل المسهمين الفرديين ويوماً في الأسبوع في المهام الإدارية، بالإضافة إلى مسؤولياتهم الإدارية. ووفقاً لبحث أجرته مايكروسوفت، فإن أداء أعمال كثيرة وقلة الوقت إلى جانب عدم كفاية الموارد يؤدي إرهاق العديد من المدراء، الأمر الذي يزيد احتمال تركهم الشركة التي يعملون بها بمقدار الضعف.

يتجاوز الاحتراق الوظيفي مجرد الشعور بالتعب أو الإجهاد، وبالتالي فإن التعافي منه ليس عملية بسيطة أو سريعة، إذ يستغرق هذا الأمر وقتاً وجهداً ودعماً من المؤسسة ليس لاستعادة الشعور بالتوازن فحسب، بل للشعور أيضاً بالنشاط والارتباط والتحفيز مرة أخرى.

لا شك في أن تجربة كل شخص مع الاحتراق الوظيفي ستكون فريدة، لذا فإن الأساليب المختلفة لمعالجتها ستكون لها مستويات مختلفة من الفعالية. وبالمثل، لا يوجد علاج سحري يصلح للجميع. لذلك من الأفضل استخدام نهج متعدد المسارات ينطوي على الاستراتيجيات التي سنشرحها أدناه لمساعدة مدرائك في رحلة التعافي من الاحتراق الوظيفي.

تعرف على الاحتراق الوظيفي

هناك جانبان لهذه الاستراتيجية. أولاً، تقدير الفرد الذي يعاني الاحتراق الوظيفي وإظهار الاهتمام به، إذ يمكن أن يساعد ذلك في شعوره أنه ملحوظ ومقدّر ومدعوم. بالإضافة إلى ذلك، من خلال الاعتراف بالاحتراق الوظيفي يصبح من الأسهل التعامل معه ومعالجته.

أما الجانب الثاني فيتمحور حول تقدير جهود المدير المستمرة وإسهاماته الإيجابية أو أثره في الأعمال. كشفت دراسة مشتركة أجرتها شركتا وورك هيومان (Workhuman) وغالوب، تناولت أكثر من 12 ألف موظف، أن ثمة علاقة ترابطية إيجابية وقوية بين تقدير الموظفين ورفاهتهم، ما أدى بدوره إلى تحسين نتائج الأعمال. علاوة على ذلك، يمكن أن يظهر هذا التقدير للفرد أن إسهاماته تصنع فرقاً، لا سيما إذا لم يكن تأثيرها واضحاً له على الفور. ويمكن أن يساعدهم ذلك أيضاً في مواجهة شعورهم بانخفاض فعاليتهم، وتخفيف تشاؤمهم أو انفصالهم الذهني عن الوظيفة، ويوفر إحساساً أكبر بالمعنى في عملهم.

وفقاً لخبير تقدير الموظفين وثقافة مكان العمل، كريستوفر ليتلفيلد، فإن تخصيص بعض الوقت لتقدير الآخرين يؤثر فيهم وفينا على حد سواء، وملاحظة إنجازات الآخرين وإسهاماتهم والاحتفاء بها يساعدنا في توليد المعنى والأمل والإحساس بالانتماء، وكل هذه الجوانب معروفة بتعزيز الرفاهة. يمكن أن يُقدر عمل الآخرين بطرق بسيطة، مثل تخصيص 5 دقائق لكتابة رسالة شكر هادفة أو تقديم مجاملة سريعة أو حتى تقديم التقدير المدروس.

خلق فرص للتواصل الشخصي

يمكن أن يساعد خلق فرص للتواصل الشخصي (شخصياً وافتراضياً) بين المدراء في مواجهة مشاعر العزلة الشائعة بين المدراء الذين يعانون الاحتراق الوظيفي، لا سيما الذين يعملون عن بُعد. يمكن أن يوفر خلق شعور بالانتماء للمجتمع، إذ يمكن للمدراء مشاركة تحدياتهم (ونجاحاتهم) مع أقرانهم، الدعم ويقلل أيضاً من مشاعر العزلة المرتبطة بالاحتراق الوظيفي، ما يخلق إحساساً مشتركاً بالتضامن.

وبالمثل، يمكن أن يكون إنشاء روابط شخصية فردية، بعيداً عن الأمور المتعلقة بالعمل، مؤثراً للغاية وقد يكون أكثر فائدة للبعض. يقول المتحدث الرئيس في مجال الانتماء إلى مكان العمل، آدم سمايلي بوسوولسكي: “قد يساعد إجراء مكالمة هاتفية لتفقد أحوال أحد الزملاء في تذكيره بأن هناك شخص ما يدعمه. ويمكن أن يوفر الاتصال بزميل لم تتحدث إليه منذ زمن الطاقة والإلهام له، خاصةً إذا كان يعاني التوتر أو الاحتراق الوظيفي”.

ووفقاً لبوسوولسكي، فإن المبادرات اللطيفة البسيطة، مثل تذكر عيد ميلاد زميلك أو شراء مشروب القهوة المفضل له، يمكن أن تخلق لديه شعوراً بالانتماء. ويضيف: “من خلال توفير المزيد من الفرص للاتصال الشخصي في العمل، يصبح من الطبيعي التحدث عن مجموعة واسعة من المشاعر البشرية، بما فيها الاحتراق الوظيفي الذي يُعد أكثرها شيوعاً. يساعد تطبيع الحديث عن الاحتراق الوظيفي أو التوتر أو الوحدة الآخرين في تقليل شعورهم بالوحدة، ويساعدهم ذلك بدوره في تحسين رفاهتهم إلى حد كبير”.

إعادة تقييم عمل المدراء وإعادة ترتيب أولوياته وتوزيعه

عندما يعاني المدراء الاحتراق الوظيفي، غالباً ما يكون السبب عبء العمل الهائل والمستمر، ومع ظهور أولويات جديدة لا تُعدل أولوية المشاريع الحالية أو تُلغى، فيزيد عبء العمل أكثر. يصبح أداء جميع المهام ضرورياً ويحمله المدير على عاتقه، ما يجعل عبء العمل لا يطاق.

يجب إجراء تدقيق لتحديد المهام التي يعمل عليها المدراء والمهام التي تستغرق معظم وقتهم، حدد المجالات الثلاثة الأولى التي سيكون لها أكبر تأثير في تحقيق أهداف المؤسسة، وركز جهود المدراء على هذه المجالات وقلل التركيز على المجالات الأقل أهمية. وضمن هذه العملية، حدد المهام التي يمكن تأجيلها والمواعيد النهائية التي يمكن تمديدها وتلك التي يمكن إلغاؤها. وبالمثل، يجب أيضاً إعادة تقييم مستوى التفاصيل أو الجودة المطلوبة لمنتجات عمل معينة أو مقاييس النجاح،

وخلال عملية إعادة التقييم هذه خصص وقتاً لفهم عبء عمل كل شخص وقدرته، وإذا لزم الأمر، فأعِد توزيع المهام وفقاً لذلك. علاوة على ذلك، لتكن إعادة التقييم هذه ممارسة منتظمة لمساعدة المدير في إعادة تقييم مسؤولياته وأولوياته وإدارتها باستمرار.

لا يمكنك بالطبع توفير المزيد من الوقت في اليوم، ولكن بمقدورك تعديل نطاق العمل ليتناسب مع الموارد المتاحة (أي مع الموظفين والوقت والميزانية) أو اقتراح تأمين المزيد من الموارد، مثل تخصيص ميزانية لتعيين المزيد من الموظفين أو الاستعانة بموظفين بعقود خارجية لتوزيع عبء العمل حتى لو كان ذلك مؤقتاً فقط للتعامل مع فترة الذروة.

أعِد النظر في اتفاقيات الفريق

مكِّن المدراء في الفريق للمساعدة في حل مشكلة الاحتراق الوظيفي من خلال مراجعة الاتفاقيات المتعلقة بكيفية تعاون أفراد الفريق فيما بينهم. ما الحدود التي يمكنك أن تتفق مع المدراء في الفريق على احترامها؟ يمكن أن تشمل هذه الحدود جوانب مثل عدم إرسال رسائل بريد إلكتروني في المساء أو عطلة نهاية الأسبوع أو تجنب مصادر التوتر الصغيرة الأخرى. يمكن أن يساعد البحث الجماعي عن حلول أفضل من خلال إنشاء معايير جديدة في خلق شعور بالسيطرة غالباً ما يكون مفقوداً في حالات الاحتراق الوظيفي.

يمكنكم معاً، بصفتكم فريقاً، تحديد الجوانب الأساسية مثل مساءلة بعضكم لبعض عن الالتزامات، ومنح الإذن بتأجيل المهام أو رفضها، وتخصيص أيام محددة للعمل المركّز دون اجتماعات. يمكن أن يؤدي إبرام هذا النوع من الاتفاقيات إلى تقليل الوقت الضائع والطاقة والإحباط، فضلاً عن منح الأفراد شعوراً بالتمكين والسيطرة على تجربتهم في المستقبل.

تواصل مع المدراء بانتظام

من المهم التواصل إفرادياً مع المدراء بانتظام، لا سيما أولئك الذين تظهر عليهم علامات الاحتراق الوظيفي، وتفقّد أحوالهم خلال ذلك لمعرفة مستوى أدائهم وكيف يمكنك دعمهم بصورة أفضل. اسألهم عن الصعوبات أو العقبات التي يواجهونها. من المهم خلق بيئة آمنة يشعر فيها المدير بالراحة للتحدث عن شعوره بالاحتراق الوظيفي، إذ يصبح بمقدورك مناقشة طرق التخفيف من إرهاق العمل عن طريق إزالة العقبات أو تخفيف عبء العمل بحسب الضرورة.

خذ استراحة وجدد طاقتك

لا يكفي أخذ قسط من الراحة وحده للتعافي من الاحتراق الوظيفي، لكن أخذ استراحة هادفة من العمل لتخفيف الضغط هو خطوة ضرورية لاستعادة طاقة المدير ومساعدته في تعزيز صحته العقلية والجسدية. احرص على أن يستخدم المدير كامل إجازاته، إذ يسهل تأجيل الإجازة أو تخطيها إذا كان هناك الكثير من العمل الذي يتعين أداؤه. في الواقع، سيكون هناك دائماً المزيد من العمل الذي يتعين عليك أداؤه، لذلك فالانتظار حتى تشعر بأنك مرهق من العمل يشبه الجري في سباق ليس له نهاية.

بالإضافة إلى ذلك، يمكنك إلزام الموظفين بأخذ إجازة من العمل كي تتصدى لعقلية المحارب في ثقافة المؤسسة التي قد تسهم في الاحتراق الوظيفي. يمكن تحقيق ذلك من خلال جدولة الإجازات بالتناوب بين أعضاء الفريق لتجنب تعطل الأعمال، أو يمكن لبعض المؤسسات اختيار الإغلاق التام خلال أسابيع محددة من العام.

بغض النظر عن النهج المتبع لتنفيذ الإجازة الإلزامية، من المهم السماح للموظفين بالانفصال التام عن العمل في أثناء غيابهم، وكن قدوة لفريقك من خلال فعل ذلك بنفسك. تظهر الأبحاث أن العمل في أثناء الإجازة (وهو ما يفعله ثلثا الأميركيين للأسف) يقلل الدافع الجوهري، الذي من المحتمل أن يكون منخفضاً بالفعل إذا كان الفرد يعاني الاحتراق الوظيفي منذ البداية.

لا يوجد حل واحد سريع أو شامل للاحتراق الوظيفي. سيتيح استخدام مزيج من الاستراتيجيات المذكورة أعلاه بمرور الوقت لك دعم قادتك الذين يعانون الاحتراق الوظيفي وتجديد طاقتهم، وبالإضافة إلى ذلك، وقايتهم من الإصابة به في المستقبل.