كيفية التعامل مع الشعور الدائم بالضغط

4 دقائق
كيفية التعامل مع الشعور الدائم بالضغط

أصبحت حياتنا العملية أكثر تطلباً، حيث قدّمت لنا تحدّيات أكثر تعقيداً وبوتيرة لا هوادة فيها تقريباً. ومن السهل أن نشعر بالضغط الشديد مع وجود احتياجات شخصية أو عائلية. ويناقش أساتذة جامعة هارفارد، روبرت كيغان وليزا ليهي، في كتابهما "من الحصانة إلى التغيير" (Immunity to Change)، كيف أن زيادة التعقيد المرتبط بالحياة الحديثة قد جعلنا دائمي الانشغال. وعندما ننشغل إلى هذا الحد، يكون التعقيد الذي يتّسم به عالمنا قد تجاوز "تعقيد عقلنا" أو قدرتنا على التعامل مع هذا المستوى من التعقيد، ونفقد قدرتنا في أن نكون فاعلين. ولا علاقة لذلك بمدى ذكائنا، وإنما بكيفية إدراكنا للعالم وتعاملنا معه.

وتتمثّل استجابتنا المعتادة على أعباء العمل المتزايدة باستمرار في العمل بجدية أكبر وساعات أطول، بدلاً من الرجوع خطوة إلى الوراء وتقصّي السبب الذي يدفعنا إلى فعل ذلك، وإيجاد سبل جديدة للعمل. ويوجد لدي عدد قليل من العملاء الذين يتناسبون مع هذا الوصف، إذ عندما بدأنا العمل معاً، كان كل فرد منهم قد اعتاد على الاستيقاظ في الساعة الرابعة صباحاً بهدف العمل، حيث تعمل سعاد في شركة تكنولوجية طرحت أسهمها للاكتتاب العام الأولي مؤخراً، وتقود العديد من المشروعات المتزامنة، لكنها تخشى من أن يفوتها الرد على بريد إلكتروني مهم. ويحتاج أحمد، أحد كبار القادة في شركة ناشئة نامية، إلى وقت لتخصيص وقت فراغ في قائمة مهماته المتنامية باستمرار، لكنه يشعر وكأنه يحاول استخلاص نفسه من حفرة يتزايد عمقها باستمرار. وشعرت ماريا، وهي أحد مؤسسي شركة ناشئة، بالضغط المستمر عندما بدأت شركتها في التوسع. وفي حين يستيقظ المدراء التنفيذيون الذين يديرون شركات بقيمة تريليون دولار في الساعة 3:45 صباحاً، مثل المدير التنفيذي لشركة "آبل" تيم كوك، لا يتحمل معظمنا هذا المستوى من المسؤولية.

ويمكن أن يتراوح التأثير المعرفي للشعور بالضغط الدائم من البطء الذهني والنسيان والارتباك وصعوبة التركيز أو التفكير المنطقي إلى تشتت العقل أو ضعف القدرة على حل المشكلات. ومن المحتمل أن نصاب بالتعب المعرفي عندما نُجهد تفكيرنا بالعديد من المتطلبات على مدى فترة طويلة من الزمن، وهو ما يجعلنا أكثر عرضة لحالات صرف الانتباه ويجعل تفكيرنا أقل مرونة. وقد تجعلنا أي من هذه الآثار وحدها أقل فاعلية أو تزيد من شعورنا بالضغط. وإليك بعض الاستراتيجيات الأساسية التي يمكنك تطبيقها في حال كنت تشعر بالضغط الدائم:

حدد المصدر الرئيس للضغط

اسأل نفسك السؤال التالي: "ما هي المهمات التي قد تخفف 80% من التوتر الذي ينتابك الآن إذا ما أزيلت هذه المهمات عن عاتقك؟" قد يكون من الصعب أن تزيل عن عاتقك بعض هذه المهمات وأن تبقى مسؤولاً عنها تماماً، لكن لا يزال هذا السؤال يُعتبر هاماً في مساعدتك في تحديد المصدر الرئيس للتوتر الذي يعتريك. فإذا كان يوجد لديك مشروع كبير على وشك أن تنتهي منه فأكمله. أو إذا كان الحجم الهائل للمهمة أو المشروع هو من يسبب لك الضغط، فجزّأه إلى مهمات أصغر وأكثر قابلية للإدارة، أو اطلب الحصول على موارد إضافية، أو أعد التفاوض بشأن الموعد النهائي إذا كان ذلك ممكناً، أو جميع ما سبق.

ضع حدوداً على وقت العمل وحجمه

وقد يشمل ذلك تخصيص الأوقات التي تقضيها في العمل على مهمة أو مشروع ما، أو مغادرة المكتب في وقت معين، أو رفض أنواع محددة من الأعمال. أدرك أحمد أنه كان يقضي وقتاً كبيراً في التوسط في النزاعات بين مختلف أعضاء الفريق، بيد أن هذا السلوك كان استخداماً غير مثمر لوقته، وعزز من سلوك زملائه في تصعيد القضايا إليه بدلاً من تعلم حل هذه المشكلات بأنفسهم، في حين أن رفض هذه التصعيدات، ووضع توقعات أنهم سيبذلون قصارى جهدهم لحل هذه المشكلات قبل اللجوء إليه، أتاح له التركيز على أولوياته مع القليل من حالات صرف الانتباه.

تحدّى رغبتك في الكمال

قد يدفعنا الكمال إلى إيلاء المهمات أو المشروعات أهمية أكثر مما يجب، وهو ما قد يفضي إلى التسويف والضغط النفسي. ومع تراكم المهمات، ينمو إحساسنا بالضغط، وهو ما قد يُسفر عن المزيد من التسويف والمزيد من الضغوطات بعيداً عن مقدرتنا على  التخلص من التسويف والتأجيل، وهو ما يذكّرنا بمقولة شيريل ساندبيرغ المشهورة أن "إنجاز الأمر أفضل من السعي لمثاليته". اعرف متى يكون إنجازك للمهمة على نحو "جيد" "جيد بما فيه الكفاية" بسؤال نفسك، "ما هي الفائدة الهامشية لقضاء المزيد من الوقت في العمل على هذه المهمة أو المشروع؟" إذا كانت الفائدة الهامشية قليلة جداً، توقف عن العمل عليها وأنهها. ومن المهم أيضاً إدراك أننا غير قادرين على القيام بكل شيء بشكل مثالي. وتمكنت سعاد أخيراً من قبول حقيقة أنه لا بدّ لها من تجاهل بعض رسائل البريد الإلكتروني في بعض الأحيان، وأن الشخص الآخر قد يعيد التواصل معها في حال كان الأمر بالغ الأهمية.

استعن بمصادر خارجية أو فوّض بعضاً من مهماتك

اسأل نفسك: "ما هو أفضل استخدام لوقتي؟" يمكنك تعليم أداء الأنشطة التي لا تدخل في نطاق إجابتك إلى الآخرين أو تفويضها إليهم. وقد يشمل ذلك إدارة المشاريع المختارة، أو تفويض حضور اجتماعات معينة، أو أن تطلب من أحد أعضاء الفريق إجراء المقابلات الأولية لشغل وظيفة شاغرة، أو الاستعانة بمصادر خارجية في تنظيف المنزل وإعداد وجبة الطعام. وقد أدركت ماريا أنه من الضروري أن تفوض اجتماع المبيعات الأسبوعي الذي كانت تعقده دائماً إلى رئيس المبيعات، أو إلي أي شخص آخر! وتبيّن لها أنها وظّفت رئيس المبيعات منذ أكثر من عام، بيد أنها لا تزال متمسكة ببعض المسؤوليات التي "كانت تنجزها دائماً"، ولم تعمل على تمكينه تماماً خوفاً من فقدانها السيطرة. لكنها اعترفت في النهاية أن كل ما تحتاج إليه حقاً هو تقرير عبر البريد الإلكتروني. وقد أسفر تخليها عن هذه المهمة الواحدة عن تحرير 52 ساعة في السنة للتركيز على القضايا الاستراتيجية الأخرى ذات الأولوية العالية.

قم بتحدي افتراضاتك

إذا كان شعورك بالضغط هو صراع مستمر، فمن المحتمل أن يكون لديك افتراضات تجعلك عالقاً في سلوكيات غير منتجة. ويصف كل من كيغان ولاهي هذه الافتراضات "بالافتراضات الكبيرة". كان هذا الافتراض بالنسبة إلى سعاد هو الاعتقاد أنها "إذا فوّتت على نفسها تأدية مهمة معينة فسوف تفشل ولن تتمكن من تدارك التقصير". في حين كان افتراض أحمد هو "إن لم يقدّم المساعدة إلى الآخرين، فلن تحتاج إليه المؤسسة وسيشكك الأفراد بالقيمة التي يضفيها على المؤسسة". أما بالنسبة إلى ماريا، كانت تفترض أنها "إذا فقدت السيطرة، سيستغل الآخرون الوضع وستفشل الشركة". وفي حين أن هذه الافتراضات الكبيرة كانت واقعية بالنسبة إلى كل قائد، إلا أن هذه المعتقدات المقيّدة لم تكن صحيحة بنسبة 100% على الأرجح، وأبقتهم محتجزين في أنماط التفكير القديمة التي ساهمت بشكل كبير في شعورهم بالضغط. وتمكنوا من خلال تحديد هذه المعتقدات وكشفها بمرور الوقت من توسيع نظرتهم السابقة حول العالم، وهو ما سمح لهم بالحد من وطأة شعورهم بالضغط وتزويدهم بإحساس أكبر بالقوة.

وعلى الرغم من أننا قد نشعر جميعنا بالضغط من وقت إلى آخر في عملنا وحياتنا الشخصية كثيرة المتطلبات، إلا أن توظيف الاستراتيجيات المذكورة أعلاه قد يساعد في تخفيف وتيرة شعورنا بالضغط.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي