تراجعت سمعة شركة "سامسونج" في السوق العالمية وسط فراغ القيادة الناجم عن سجن "لي جاي يونغ" نائب رئيس مجموعة "سامسونج" بعد أن حُكم عليه في يناير/كانون الثاني 2021 بالسجن لمدة عامين. ما حدث عقب الإعلان عن المحاكمة هو انخفاض قيمة أسهم الشركة بنحو 4%، فيما احتلت الشركة المرتبة 31 من حيث قيمة سمعة الشركة في الاستطلاع الصادر عن شركة تحليل وأبحاث السوق "هاريس بول" (Harris Poll) للعام ذاته.
أجرت شركة أبحاث السوق "فيوتشر باند" (Future Band) دراسة استقصائية لتحديد مدى الاحترام الذي يكنه العملاء للعلامات التجارية العالمية في عام 2021. وبينما شملت القائمة بعض الأسماء المألوفة مثل شركة "آبل" التي جاءت في المرتبة الثانية، فقد جاءت شركة "سامسونج" في المرتبة الثالثة عشرة، حيث سجلت تراجعاً لعشرة مراكز عن العام 2020.
وعلى الرغم من أن العديد من العلامات الشهيرة مثل "نتفليكس" قد تراجعت على سلم الترتيب أيضاً لكن لأسباب مختلفة تماماً؛ مثل خيبة أمل مستثمري "نتفليكس" بسبب انخفاض عدد الأعمال الترفيهية الجديدة خلال جائحة كورونا؛ ما تسبب في انخفاض عدد المشتركين إلى أربعة ملايين مشترك فقط في الربع الأول من عام 2021 مقارنة بنحو 16 مليون مشترك في الربع الأول من عام 2020. أما على الجانب الآخر، فإن "سامسونج" تراجعت بسبب تدهور سمعتها جراء الحكم بسجن نائب رئيس الشركة.
وبعد الإفراج المشروط عن "لي جاي يونغ"، الذي أعرب عن اعتذاره على الفور في أغسطس/آب الماضي، قال "لي كيونغ موك"، الأستاذ في كلية الدراسات العليا للأعمال بجامعة سيول الوطنية الكورية: "من المتوقع أن يؤدي إطلاق سراحه إلى تسريع عملية اتخاذ القرار إزاء عمليات مثل الاندماج والاستحواذ وإعادة هيكلة المجموعة"؛ وذلك على أمل أن تعود الشركة إلى سابق عهدها نظراً لأن "لي" وحده هو المسؤول عن الاستثمارات الخاصة بالشركة، على الرغم من وجود رؤساء غيره، لكن عودته إلى الشركة كانت بصيص الأمل لطرح المزيد من الابتكارات الجديدة في "سامسونج"، والعمل على تطوير قسم الهواتف الذكية أيضاً.
علاقة التميز بالسمعة المؤسسية
هناك إجماع واسع على أنه من المفيد أن يكون لديك سمعة طيبة تسمح للمؤسسة بجذب موظفين موهوبين والاحتفاظ بهم، لتقديم خدمة عالية الجودة، وبالتالي زيادة الأرباح. كما تبذل العديد من المؤسسات جهوداً كبيرة لتطوير أعمالها والحفاظ على سمعتها قوية حتى تتمكن من تحقيق أهدافها بفاعلية والاستمرار في النشاط، علماً أن السمعة الطيبة للشركات سمة جماعية بطبيعتها تخلق بيئة تشغيل إيجابية، ثم إن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الابتكار أو التميز في تقديم الخدمات والسمعة المؤسسية، وفقاً لدراسة "أثر التميز والابتكار في السمعة المؤسسية" للباحثين شاكر العدوان وساجدة الشامي، أساتذة جامعة "اليرموك" الأردنية.
تشير السمعة المؤسسية إلى المعتقدات الرمزية والقدرات والتوجهات والتاريخ والرسالة التي أُنشأت الشركة من أجلها. ويعتمد البناء الناجح للسمعة الطيبة على إنشاء روابط مستدامة بين المؤسسات والبيئة الاجتماعية والسياسية. كما تضمن توفير قدر معرفي متساوٍ بين كل الأعضاء فيما يتعلق بأهداف الشركة فضلاً عن التصورات التي يمتلكها أصحاب المصلحة.
ووفقاً للدراسة الأردنية المذكورة، فقد بدأت المؤسسات الحكومية في تقدير مدى أهمية السمعة، باعتبار أنها عامل ضروري للبقاء، بل يمكن اعتبار السمعة الطيبة للمؤسسة نوعاً من أنواع رأس مال الشركة، وهذا ما وصفته الدراسة الأردنية، بـ "رأس مال السمعة "، وهو المقياس الكمي لمعرفة سمعة المؤسسات في السوق، كما يؤدي دوراً مهماً في تحديد تكاليف الصفقات والمعاملات، وتعزيز مصداقية المؤسسة وموثوقيتها، وزيادة الولاء بين الموظفين.
وفي سياق القطاع العام، يُنظر إلى التميز في الخدمة على أنه مستويات الجودة العالية التي تقدمها المؤسسات، والتي بدورها تؤثر في مدى رضا العملاء. ويعدّ التميز في الخدمة عاملاً حاسماً لتحقيق الميزة التنافسية والنمو المؤسسي ومن ثم الوصول إلى ولاء العملاء.
تتضمن عملية الابتكار داخل القطاع العام البحث عن أصناف جديدة من التكنولوجيا وتطبيقها، فضلاً عن البحث عن طرق محسنة وجديدة لتقديم خدمات الحكومة وتحديد الأنظمة وعمليات الإدارة غير المجربة أو الجديدة؛ وهو ما أكدت الدراسة الأردنية أنه مكّن الحكومة الإلكترونية من تحسين جودة الخدمة والثقة وتلبية توقعات العملاء. كما عملت تطبيقات الهاتف كأداة ابتكار تساهم في تسريع مهمة تقديم الخدمة الحكومية في مؤسسات القطاع العام الأردني.
نظراً لأن المؤسسات في القطاع العام تهتم بشكل أساسي بتقديم الخدمات العامة، فإنها تركز على تطوير جودة الخدمة التي تؤثر في رضا العملاء؛ ما يؤدي بالتالي إلى تحسين مستويات السمعة المؤسسية، وبناء صورة ذهنية إيجابية لدى العملاء، وهذا ما يؤكده 54% من العملاء الذين أوضحوا أن سبب تعاملهم مع مؤسسة ما يعود إلى سمعتها الطيبة، وفقاً للدراسة ذاتها التي شملت 600 مبحوث في القطاع الحكومي.
عوامل مؤثرة في سمعة المؤسسات
يمكن لسمعة المؤسسة أن ترسم طريقاً واضحاً لتحقيق رضا العملاء، حيث تعزز من قيمة الشركة أمام العملاء. علاوة على ذلك، تساهم السمعة المؤسسية في الكشف عن نقاط الضعف بحيث يمكن التغلب عليها، أو الكشف عن المجالات التي تعتبر نقطة قوتها وبالتالي يمكن تعزيزها، وتتأثر سمعة المؤسسات بعدد من العوامل أهمها:
إدارة الأداء
تشير السمعة الأدائية وفقاً للدراسة الأردنية إلى مدى قدرة المؤسسات على تنفيذ مهامها بكفاءة. ويتطلب الأداء المتميز إدارة رشيدة داخل المؤسسات، للحفاظ على استمرارية الأداء القوي، إضافة إلى العمل على تحسين جودة الاتصال المؤسسي عن طريق استراتيجيات منهجية سليمة يمكنها تكوين انطباع إيجابي لدى العملاء، علماً أن العمليات الأكثر تأثيراً في الشركات هي تلك التي تستشرف المستقبل، مثل التخطيط الاستراتيجي، والتخطيط لتعاقب الرؤساء التنفيذيين والمسؤولين الإداريين، وتحسين جودة الإشراف على إدارة مخاطر الشركة وعمليات الاندماج والاستحواذ.
كما يجب على قادة المؤسسات، أن يشجعوا المواهب المرنة على الإفصاح عن طموحاتهم وما يمكن تقديمه للاستمرار في عملية التطوير؛ ما يضمن قوة الأداء الوظيفي بما ينعكس على سمعة المؤسسة.
توفير أنظمة التحفيز
يعتبر اهتمام المؤسسة بتوفير أنظمة التحفيز عنصراً مشجعاً لابتكار الموظفين، ويزيد من الرغبة في بذل جهود إضافية في العمل، كما لاحظ الباحثان في الدراسة نفسها أن الابتكار الخدمي يمكن اعتباره عنصراً ذا قيمة مضافة لمؤسسات القطاع العام الأردنية، وبالتالي فهو يتضمن إتاحة الفرصة للموظفين لتصميم مجموعة من آليات العمل المبتكرة التي يمكنها كسر الروتين وفترات الخمول وتعزيز الإجراءات والعمليات داخل مؤسساتهم الخاصة؛ من شأن ذلك أن يعمل أيضاً على تعزيز القدرة على تقديم الخدمات بطرق تتسم بالكفاءة والسرعة والفعالية التي تؤدي إلى تعزيز السمعة.
وتكمن أهمية التحفيز في تجنب حالة الجمود التي قد تصيب بعض الشركات الناجحة عندما يتوقّف محرّك النمو الذي كان يدفعها إلى النجاح، بينما يظهر دوره جلياً في دعم الموظفين لتقديم أفضل أداء. في هذا السياق، أكد الباحثان "جاكلين وميلتون مايفيلد"، من جامعة "تكساس إيه آند إم الدولية" (Texas A&M International University)، في بحثهما الذي نُشر باسم "نظرية اللغة التحفيزية" (Motivating Language Theory)، أن هناك عناصر مهمة تتحكم في فن الخطابات التحفيزية سواء عن طريق إعطاء التوجيهات، أو التعبير عن التعاطف، أو إضفاء المغزى.
كما أظهرت تجارب علماء النظرية السلوكية عن فن التحفيز أن معظم الموظفين يعملون بجد عندما يتلقون ملاحظات على عملهم، أو يضعون أهدافاً طموحة أو عندما يتم تحفيزهم. كما يميلون إلى العمل بجد وبسرعة كلما اقتربوا من تحقيق أهدافهم.
الابتكار في تقديم الخدمات
يعد الابتكار في تقديم الخدمات أهم العناصر الفعالة لبناء السمعة المؤسسية. كما يعتبر جانباً مهماً من جوانب تحسين الأداء داخل المؤسسات ومطلباً أساسياً لإحداث تغيير في أنظمة العمل التقليدية بما يتفق مع تطوير المهارات الفنية للقيام بالعمل. وعندما ظهر اتجاه غير مسبوق داخل الحكومات والهيئات العربية نحو اعتماد أنظمة مبتكرة للخدمة المؤسسية ضمن أساليب عملها والعمل على تطوير سمعتها التكنولوجية، فإن بعضها نجح في تحقيق أهدافها نحو تحسين القدرة التنافسية وبناء السمعة المؤسسية الطيبة.
وقد أشرنا سابقاً في "هارفارد بزنس ريفيو" إلى أهمية تأثير سمعة الابتكار في القيمة السوقية للشركات، إذ تؤثر بنسبة 63% وقد تصل إلى أعلى من ذلك أحياناً، فهي تصل إلى 73% من قيمة الشركات في دولة الإمارات المتحدة، بينما تُمثل سمعة الابتكار 13.1% من مجموع سمعة الشركات بحسب أحدث دراسة لشركة "ريب تراك" (RepTrak) المتخصصة، وهو ما يعادل مليارات الدولارات، في "جوجل" على سبيل المثال، تُقدّر قيمة سمعة الابتكار بنحو 153 مليار دولار، بالنظر إلى القيمة السوقية لجوجل اليوم، وهي 1.96 تريليون دولار.
الأبعاد الإنسانية
تبيّن في دراسة "أثر التميز والابتكار في السمعة المؤسسية" أن المؤسسات الحكومية التي لا تهتم بتوفير خدمات مبتكرة فحسب، وتراعي الأبعاد الإنسانية، لا سيما فيما يتعلق بعنصر التعاطف، فإن ذلك ينعكس على مستوى رضا الموظفين والعملاء على حد سواء. يقول "إسماعيل العمري"، مؤلف كتاب "استراتيجيات إدارة السمعة": "إن السمعة المؤسسية في عصرنا الحالي تضم إلى الأصول التجارية التي تمتلكها أي شركة، وتضيف قيمة سوقية إلى أسهم الشركة بالإضافة إلى أنها مع الوقت تشكل ميزة تنافسية تجذب المستثمرين وتنمي ولاء العملاء والموظفين على حد سواء".
ويساعد التحلي بالتعاطف في القيادة على بناء روابط قوية بين الموظفين، فهو يحسّن التعاون بين الأفراد ويرفع مستويات الثقة ويعزز الولاء، علماً أن القادة المتعاطفين يُنظر إليهم على أنهم أكثر قوة وأكثر كفاءة. كما يعيش الموظفون الذين يُظهر قادتهم إما الحكمة وإما التعاطف تجارب إيجابية بوجه عام وذلك بما يتفق مع السمعة الإجرائية داخل المؤسسة لتشمل كل القرارات التي تتُخذ لصالح الموظفين وإظهار الجانب الإنساني من الإدارة، مع الحفاظ على السمعة الأخلاقية التي تتعلق بمدى صدق ومرونة المؤسسة في العمل على حماية مصالح العملاء وتلبية متطلباتهم.
يمكن اعتبار السمعة المؤسسية من الأصول غير الملموسة للمؤسسات التي يمكن أن تتحقق من خلال التفاعلات الإيجابية مع أصحاب المصلحة، والتي تتميز بالالتزام التنظيمي بتلبية توقعاتهم. وتشكل هذه القيمة غير الملموسة نحو 81% من القيمة السوقية؛ لذلك لا تدخر المؤسسات جهداً من أجل تحسين الصورة الذهنية الخاصة بها، كما أن السمعة غير الطيبة لا تقضي على النجاح فحسب، بل إنها لا تسمح حتى بالبدء من جديد، فلا مجال للعودة سوى بالعمل المُضني في محاولة نسيان أخطاء الماضي وكما يقول وارن بافيت: "تحتاج 20 عاماً لتبني سمعة و5 دقائق فقط لتحطيمها".
نُشر المقال استناداً على أبحاث من منصة ساهم