هل تعرف كم تساوي سمعة الابتكار؟

5 دقائق
سمعة الابتكار
shutterstock.com/13_Phunkod
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

“السمعة الجيدة لا تُشترى”، يمكنك أن تضخ الملايين على التسويق لكن هذا لا يكفي لكي لصنع سمعة جيدة، والأمر اللافت، هو أن السمعة، هذا الأصل غير الملموس، تؤثر بنسبة 63% في القيمة السوقية للشركات، وقد تصل إلى أعلى من ذلك أحياناً، فهي تصل إلى 73% من قيمة الشركات في دولة الإمارات المتحدة، وهذا يعني أن قيمة سمعة الشركات حول العالم تساوي تريليونات الدولارات، ومن أهم مكونات السمعة، والتي تزداد أهمية مع الوقت، هي “سمعة الابتكار“.

 

أشارت دراسة قادتها مؤسسة “ويبر شاندويك” (Weber Shandwick)، والتي تعدّ واحدة من أكثر الدراسات شمولاً على الإطلاق حول موضوع سمعة الشركة، إلى أن العوامل غير الملموسة وصعبة القياس، مثل السمعة، لا تقل أهمية عن الأداء المالي عند تقدير قيمة الشركات، ومن أهم مكونات السمعة، والتي تزداد أهمية مع الوقت، هي سمعة الابتكار.

سمعة الابتكار

تُمثل سمعة الابتكار 13.1% من مجموع سمعة الشركات بحسب آخر دراسة (عام 2021) لشركة “ريب تراك” (RepTrak) المتخصصة، وهو ما يعادل مليارات الدولارات، فقط بسبب الانطباع الذي تبنيه الشركة لدى العملاء والمستثمرين بأنها شركة ابتكارية، وليس من المنتجات الابتكارية نفسها. في “جوجل” على سبيل المثال، تُقدّر قيمة سمعة الابتكار بنحو 153 مليار دولار، بالنظر إلى القيمة السوقية لجوجل اليوم، وهي 1.86 تريليون دولار.

لقد درس ناثان فير الباحث والأستاذ في كلية إنسياد الفرنسية وفريقه أكبر 500 شركة أميركية ليروا أيها تمتلك سمعة قوية في الابتكار ومدى تأثير هذه السمعة على قيمة الشركة. وجدوا أن سمعة الابتكار قد أثرت تأثيراً كبيراً في القيمة السوقية للشركات وأن مستثمري أسواق المال يقيّمون الشركات ذات السمعة المتميزة في الابتكار أكثر بثلاث مرات وزيادة من نظيراتها (بالنظر إلى مضاعف القيمة الدفترية لأصول الشركة).

في كتاب “رأس مال الابتكار” (Innovation Capital)، أكّد مؤلفو الكتاب أن الشركات التي تبني سمعة متميزة في الابتكار يمكنها أن تحصل على دعم أكبر من المساهمين والمستثمرين حتى تنمو وتجرب المزيد من الأشياء الجديدة. على سبيل المثال، عُرفت “أمازون” (Amazon) بسمعتها الجيدة في مجال الابتكار، بينما عُرفت “وول مارت” (Walmart) بسمعتها المتميزة في الكفاءة وضغط التكاليف. قُيّمت “أمازون” بـ 5 أضعاف قيمتها الحقيقية بينما كانت قيمة “وول مارت” 1.5 القيمة الحقيقية فقط. ساعدت سمعة “أمازون” المميزة في مجال الابتكار (أفضل من سمعة وول مارت بعشرة أضعاف في الفترة من 2014 إلى 2018) في الحصول على المزيد من الاستثمارات والدعم من المساهمين وجربت عشرات المنتجات التي انتهت بين فشل ونجاح، وحتى التجارب الفاشلة كانت تكسب “أمازون” المزيد من السمعة الإيجابية في الابتكار، بل إن المستثمرين والمساهمين أعطوا “أمازون” الفرصة والدعم لتجرّب أشياء جديدة خارج نطاق نشاطها الرئيسي، وسمحوا لهم بتقليص الربحية إلى حد كبير للغاية.

على الجانب الآخر، عاقب المستثمرون “وول مارت” عندما حاولت أن تُقدّم الابتكار على الكفاءة، فعندما أعلنت “وول مارت” في 2015 أنها ستقلص الربحية لإعادة تجديد فروعها والابتكار فيها، هَوَت قيمة سهم الشركة بنسبة 30%، في نفس اللحظة التي كان يتكلم فيها الرئيس التنفيذي للشركة.

أيضاً، أشار مؤلفو كتاب “رأس مال الابتكار” إلى أن قيمة “أمازون” قد ازدادت بمقدار مليار دولار مع كل استحواذ قامت به على مدى 10 سنوات، بينما لم تزد قيمة سهم “وول مارت” أبداً على الرغم من كل الاستحواذات التي قامت بها. قام المساهمون بمكافأة “أمازون” ورفع قيمتها بينما عوقبت “وول مارت” على قيامها بنفس ما قامت به “أمازون”، والسبب، بحسب مؤلفي الكتاب، هو رصيد الابتكار والسمعة القوية الموجودة لدى أمازون.

بناء سمعة متميزة في الابتكار

بناء سمعة متميزة في الابتكار سواء على مستوى الفرد أو الشركة يساعدك في الحصول على الدعم والموارد والمساحة التي تحتاجها لتجريب أشياء جديدة، ولها تأثير مباشر في قيمتك كفرد أو في القيمة السوقية للشركة، كما أنه يزيد من ولاء العملاء ودعم المدراء.

يعتقد البعض أن المبالغ الطائلة التي تخصصها بعض الشركات للأبحاث والابتكار ليست ذات جدوى خصوصاً إذا لم تعد بنتائج مالية أو كانت ثمة قصص متكررة من الفشل، وهذا الاعتقاد غير صحيح من وجهين، الوجه الأول أن هذه الاستثمارات تُساهم في الغالب في بناء ثقافة الابتكار وصناعة المبتكرين داخل هذه الشركات، وقصص الفشل تجعل الشركات أقرب من تحقيق النجاح الكبير، والوجه الثاني أن هذه الاستثمارات وهذه الجهود تبني سمعة الابتكار لهذه الشركة، والتي تساوي المليارات أحياناً. يقول روبرت كارلتون في بحثه عن دور الأبحاث والابتكار في بناء سمعة الشركة، حتى ولو كان في النشاط الاجتماعي: “الأبحاث التي تقوم بها الشركات لجلب فائدة اجتماعية قد يكون لها أثر قوي في سمعة الشركة يفوق بكثير الفائدة والقيمة المرجوة من البحث نفسه”.

ثمة مسألة مهمة تتعلق بالتسويق للابتكار، فقد دلّت الأبحاث العلمية على أن المبالغة في التسويق قد يكون له أثر عكسي على سمعة الابتكار للشركة، فمجرد التسويق على أن الشركة ابتكارية دون أن يشعر المساهمون أو العملاء بابتكارات الشركة وسعيها المتواصل باتجاه البحث العلمي والتطوير قد يؤدي إلى فقدان الثقة وضعف السمعة. لهذا نرى أن كثيراً من كبرى الشركات المتميزة مثل “آبل” و”سامسونج” و”تيسلا” تعقد مؤتمراً سنوياً، ليس فقط لعرض منتجاتها الجديدة ولكن لإرسال رسائل للمساهمين والعملاء أن هناك دائماً شيء جديد، الأمر الذي يرسّخ سمعة الابتكار ويرسم صورة ذهنية إيجابية للغاية عن الشركة.

ممارسات تبني سمعة الابتكار في الشركات:

المنتجات الجديدة التي تقدمها الشركة: حيث دلت الأبحاث أن المنتجات الجديدة تترك انطباعاً لدى العملاء بأن الشركة ابتكارية، وليس شرطاً أن تكون المنتجات استثنائية للغاية، المهم أن تحل مشكلة أو تضيف قيمة للعميل.

براءات الاختراع والأوراق العلمية وعدد مرات الاقتباس منها والإشارة إليها: وهذه من التدابير التي تحتاج مزيداً من العناية من الشركات خصوصاً في منطقتنا العربية، إذ إن الاهتمام ببراءات الاختراع والأوراق العلمية متركّز أساساً، بعد الجامعات، في الشركات العملاقة مثل “سابك” و”أرامكو” ومثيلاتها، وتحتاج الشركات الأصغر أن يكون لها استراتيجيات واضحة فيما يخص البحث العلمي وبراءات الاختراع لأنها تساهم في وصول اسم الشركة إلى مستويات عالمية ويُنظر لها على أنها شركة ابتكارية.

حجم الاستثمار في الأبحاث والابتكار: الاستثمار في الأبحاث والابتكار هو استثمار طويل الأمد في الغالب، وقد تحتاج في بعض الحالات إلى 20 عاماً أو أكثر حتى تجني ثمرات هذا الاستثمار. لكن الأبحاث العلمية دلّت على أن حجم الاستثمار في البحث العلمي والابتكار له أثر إيجابي مباشر وسريع نسبياً في القيمة السوقية للشركة وسمعة الابتكار.

الأبحاث والابتكارات ذات النفع الاجتماعي: كتلك التي تساهم في إيجاد حلول لمشكلات اجتماعية وبيئية مثل الفقر والتلوث والرعاية الصحية للطبقة الفقيرة والتعليم وغيرها. أيضاً الابتكار لمساعدة فئات معينة في المجتمع كذوي الاحتياجات الخاصة أو أصحاب الأمراض المزمنة أو لمساعدة الناس على الإقلاع عن التدخين. الابتكارات في هذا الجانب حتى وإن لم يكن فيها عائد مالي مباشر إلا أنها تزيد من القيمة السوقية للشركة وتبني سمعة ابتكار مميزة لها.

بناء ثقافة الابتكار داخل الشركة وصناعة المبتكرين: يكون هذا من خلال نشر الممارسات وطرق التفكير التي تدعم الابتكار مثل التشجيع على المخاطرة المدروسة وتبنّي ودعم التجريب المستمر والتسامح مع المحاولات الفاشلة بل وتشجيعها، وتقبّل الغموض وتحدي الوضع الراهن والسعي المتواصل نحو التطوير والتحسين، والبحث الدؤوب عن المشكلات والتحديات وتوفير الأدوات والدعم لحلها.

الأنشطة والمساهمات في بناء منظومة الابتكار وريادة الأعمال في العالم والمحيط الذي توجد فيه الشركة: وهذه تشمل مساهمات الشركة وموظفيها في دعم الشركات الناشئة ورواد الأعمال من خلال الملتقيات والتدريب وتوفير بعض الخدمات التي يحتاجونها مجاناً أو بسعر رمزي وإعطائهم الفرصة للتعاون مع الشركات الكبيرة. وما يساهم أيضاً في بناء سمعة الابتكار للشركة في هذا الجانب إثراء المحتوى المعرفي من خلال المقالات التي تتحدث عن الابتكار وممارساته ومشاركة بعض قصص النجاح والفشل والدروس المستفادة منها.

ممارسات تبني سمعة الابتكار على المستوى الفردي

بالنسبة لسمعة الابتكار على المستوى الفردي، فيمكنك بناؤها من خلال ما يلي:

  • أن تكون “مؤسساً” (Founder) لشيء جديد أو طريقة جديدة لها أثر في المكان الذي تعمل فيه، مثل اقتراح أسلوب جديد لاستقبال الموظفين الجدد أو آلية جديدة لتقييم الأداء أو فكرة لتطوير منتج قائم أو أسلوب جديد لزيادة رضا العملاء أو غيرها.
  • الاستمرار في تقديم الأشياء الجديدة حتى يصير لديك رصيد كافٍ من الابتكارات تبني لك سمعة مميزة تساعدك بعدها في الحصول على المزيد من الموارد والدعم وتزيد من قيمتك في المكان الذي تعمل فيه.
  • قبول التحديات الصعبة وإيجاد حلول لها.
  • اتخاذ القرارات الصعبة فيما يتعلق بتخصيص الموارد المالية والبشرية في مواضيع مستقبلية يتردد الكثيرون في تخصيص الموارد للبحث فيها.

من أفضل الشركات عالمياً حالياً (عام 2021) من ناحية سمعة الابتكار “أمازون” و”جوجل” و”سامسونج” و”مايكروسوفت” و”ليغو” و”تيسلا”، وعلى المستوى العربي نجد “سابك” و”أرامكو” و”الاتصالات السعودية” و”عِلْم” و”كريم” و”إعمار” وغيرها، وإن كانت المعلومات عن الشركات العربية في مجال الابتكار شحيحة.

يقول وارن بافيت، رجل الأعمال الشهير: “يستغرق بناء السمعة عشرين عاماً ويمكن أن تُدمّر في 5 دقائق”، ولهذا فإن الشركات مطالبة في مواصلة العمل الدؤوب لبناء السمعة الجيدة بمكوناتها المختلفة والمحافظة عليها، ومن الشركات القليلة التي تمكنت من صنع ذلك في مجال تقنية المعلومات “أمازون” و”جوجل”، وأحد أهم الأسباب وراء ذلك هو استثمارها المتواصل وشغفها اللامحدود تجاه الأبحاث والابتكار.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .