ملخص: إذا وجدت نفسك على مفترق طرق بين التقييمات الشديدة التباين، فتعامل مع الرسائل المتضاربة بفضول لا برفض، فقد تساعدك تلك الرسائل على أن تغدو شخصاً أقوى وأكثر صحة في حال تمكّنت من فهم جوهر مضمونها. ابدأ بافتراض أن سبب التضارب لا يعود إلى البيانات بل إلى شخصيتك. ويعرض المؤلف 4 طرق لتفسير التقييمات المتضاربة وكيفية التصرف بناءً عليها. أولاً، خصص وقتاً كافياً لتفهم النوايا الكامنة وراء أفعالك، إذ إنها قد لا تتطابق مع الأثر الذي تحدثه. ثانياً، حدد هوية الأشخاص الذين يتيحون لك إبراز أفضل خصالك وأولئك الذين يدفعونك إلى إبراز أسوئها وسبب ذلك. ثالثاً، افهم طبيعة القيم التي تقود أفعالك. أخيراً، تصرف بوعي بشأن اختياراتك، حتى الاختيارات المباشرة منها.
جلست مؤخراً مع مسؤول تنفيذي، سنطلق عليه اسم ماجد، لمراجعة تقرير تقييمه الشامل الذي تضمن ما يقرب من 25 مقابلة مع أصحاب المصلحة المهمين. ومع أنه من الطبيعي أن تحتوي معظم التقييمات على بعض البيانات المتناقضة، كانت التناقضات في حالته كثيرة. إذ وصفه البعض بأنه شخص داعم ولطيف، في حين وصفه آخرون بأنه شخص أناني وغير متعاطف. ووصفه بعض أصحاب المصلحة بأنه شخص يساعد في تمكين موظفيه ولا يتدخل في قراراتهم، وأنه كان منعزلاً عنهم حتى، في حين اعتبره البعض الآخر شخصاً مستبداً ومهووساً بالإدارة التفصيلية.
وكان رد فعله الدفاعي الطبيعي معبراً؛ إذ إنه تساءل: "ما هي الخصال التي تميزني بحق؟ هل أنا مدير تفصيلي أو أنني شخص ينأى بنفسه عن الآخرين؟". أثارت إجابتي استياءه، إذ إنني قلت له: "من الواضح أن الصفتين تنطبقان عليك".
لا أحد منا يتمتع بشخصية واحدة طوال الوقت بالطبع، لذلك من المنطقي أن تختلف تصورات الأشخاص وتجاربهم عنا. لكن التباين الكثير ليس جيداً، وقد يشير في الواقع إلى مشكلات أعمق. كان الهدف من سؤاله هو أن يلقي اللوم على البيانات ("ما هي الصفة الصحيحة؟") أو أن يفترض أن تصور شخص ما عنه كان مستبعداً ("مدير تفصيلي أو شخص ناء بنفسه؟"). كان يجب أن يتمثّل رد فعله الأول في أن يقول: "ما هو السلوك الذي أمارسه والذي يدفع الأشخاص الذين أتعامل معهم على تفسيره بشكل مختلف؟"
وإذا حصلت يوماً ما على بيانات متضاربة، فإليك 4 طرق لتفسيرها والتصرف بناءً عليها.
وضح نواياك
عادة ما تنبع الفجوة الكبيرة بين النية والأثر من النوايا غير المنظمة. فعلى الرغم من أن ماجد هو مسؤول تنفيذي ذكي وناجح ولديه رغبة في أن يكون شخصاً فاعلاً، يوجد العديد من المواقف التي فشل في توضيح النتيجة المرجوة فيها. على سبيل المثال، اعتقد ماجد في أحد المواقف أنه كان يفوّض مشروعاً مهماً إلى أحد مرؤوسيه المباشرين، التي سنطلق عليها اسم ديانا، لمساعدتها في تمديد نطاق مسؤولياتها. لكن ديانا أخبرتني قائلة: "كل ما فعله هو أن مهّد لي طريق الفشل. لم أكن مؤهلة للعمل على ذلك المشروع، وكان يعاقب سوزان، التي أسند إليها المشروع بداية، لكنه عاد عن قراره عندما بدأت طرح أسئلة حول المشروع عليه".
وعندما سألتُ ماجد عن السبب الذي دفعه للتراجع عن تفويض المشروع إلى سوزان، أجاب: "لقد فسرتُ أسئلتها بأنها شكوك حول مدى قدرتها على تحقيق النجاح، ولم أرد لها أن تشعر بالسوء في حال فشلت. واعتقدتُ أن ديانا بحاجة إلى فرصة للنمو". وصُدم ماجد عندما أدرك أن ديانا وسوزان فسرتا تلك الخطوة بأنها عقاب لسوزان. لكنه فشل في التوضيح لسوزان أنه اعتبر أسئلتها إشارة إلى شكوكها الذاتية وفشل في التوضيح لديانا أنه فوّض إليها أداء تلك المهمة لتزيد ثقتها بنفسها.
وبالتالي، قد يؤدي الافتقار إلى توضيح النوايا إلى إساءة فهم الآخرين لك وإخفاقهم في تفسير دوافعك حتى. كانت نية ماجد هي أن يكون عادلاً في توزيع المهام، وأن يُظهر التعاطف إزاء الشكوك التي كانت تساور سوزان، وأن يستثمر في تنمية ديانا. ومع ذلك، كان الأثر بعيداً كل البعد عن نواياه الحقيقية. ومن المهم في القيادة عند اتخاذ قرارات مهمة أو تغييرها أن تتبنى نهج "التوضيح" لتتأكد من أن يفهم الآخرون سبب الإجراءات التي تتخذها. وقد تؤدي الفجوة بين النوايا والأثر إلى تضارب حول كيفية تفسير الطرف المتلقي قراراتك.
حدد هوية الأشخاص الذين يتيحون لك إبراز أفضل خصالك وأولئك الذين يدفعونك إلى إبراز أسوئها
عندما تتلقى التقييمات المتضاربة من أصحاب المصلحة، حدد أولاً هوية الأشخاص الذين يتيحون لك إبراز أفضل خصالك، إذ قد يساعدك ذلك في عزل الحالات (الأشخاص أو السياق أو كليهما) التي تكون نواياك وأثرك فيها أكثر توافقاً.
لم يتمكن ماجد من معرفة الإجابة التي قدمها كل شخص من أصحاب المصلحة بما أن البيانات كانت سرية، لكنني كنت على اطلاع بإجاباتهم. وساعدت ماجد عبر سلسلة من الاستفسارات الدقيقة في عزل مجموعة من الأشخاص والمواقف التي تطابقت فيها نواياه وأفعاله وأيّدتها التقييمات الإيجابية في البيانات. واتضح أن ماجد كان أكثر اهتماماً وإيجابية وفاعلية مع الأشخاص الذين عرفهم منذ فترة طويلة والذين كانت أساليبهم في العمل حاسمة وسريعة الوتيرة. وكما هو الحال مع العديد من القادة، رحب ماجد بالمواقف التي ساعدت في إبراز المهارات التي يقدرها بنفسه عند وجوده مع الأشخاص الذين يثق بهم بشدة. بعبارة أخرى، كان أداء ماجد مثالياً مع الأشخاص الذين شعر أنهم مشابهون له ومخلصون له.
وعندما أخبرت ماجد بذلك الاستنتاج، انزعج. لقد فهم المعنى الضمني، وهو أن الأشخاص الجدد، الذين لم يستثمر الوقت في التواصل معهم والذين ما زالت مهاراتهم قيد التطور كانوا يزدادون سوءاً. والغريب أن ماجد كان يتفاخر بعزمه على أن يكون موجهاً جيداً، وأشار بعض الموظفين بالفعل إلى مدى ازدهار مساراتهم المهنية بفضله. لكن عندما تختلف سلوكاتك اختلافاً كبيراً بين أصحاب المصلحة، فقد يشير ذلك إلى ضرورة أن تعيد النظر في القيم التي توجه اختياراتك. ولم تكن قيمة ولاء ماجد (كما يتضح من فترة عمله الطويلة) وقيمة كفاءته (كما تم تقييمها من قبل الأشخاص الذين اتبعوا أسلوب عمله) مفيدتين له تماماً. ولم يتمكن من تفعيل قيمتي التوجيه والتمكين اللتين تبناهما لأنهما كانتا محجوبتين في ظل قيمتين مهيمنتين كان تأثيرهما غير المقصود يهمش أولئك الذين لم يرقوا إلى المستوى المطلوب.
واضطر ماجد إلى إعادة التحقق من قيمه التي تطلبت مد الآخرين بالثقة أو حجبها عنهم. كما اضطر إلى تقبّل انزعاجه من المواقف والأشخاص الذين يقعون خارج منطقة راحته. وبالتالي، لن ينتهك تفانيه المفرط تجاه مجموعة واحدة من القيم أي قيم أخرى اعتز بها لكن أفعاله كذبتها. وفي حال حصلت على تقييمات متضاربة، فألق نظرة أعمق لتتأكد من أنك لا تفضل مجموعة واحدة من أصحاب المصلحة على حساب الآخرين دون قصد.
حدد السبب الرئيسي لسلوكاتك المتناقضة
إن استعدادنا المسبق لتفضيل بعض أصحاب المصلحة ومقاومتنا (غير الواعية غالباً) لآخرين منهم ليس عشوائياً على الإطلاق. وينطوي الحل في النظر فيما وراء تفضيلاتك لتفهم الاحتياجات التي تخدمها. بالنسبة لي، احتجت إلى مساعدة ماجد في فهم السبب الذي دفعه إلى ربط العلاقات الطويلة الأمد بالولاء والسبب الذي دفع بعض الأشخاص إلى تفسير أفعاله بشكل مختلف قوّض ثقته بنفسه.
وبالعودة إلى حالة سوزان وديانا، انتابني الفضول لمعرفة سبب تفسير ماجد أسئلة سوزان بأنها شكوك ذاتية. وبما أن سوزان انضمت إلى فريقه منذ 18 شهراً وتم تعيينها بداية الجائحة (وهو ما حد من قدرته على التعرف عليها جيداً)، تساءلتُ عن البيانات التي كان يستخدمها لاستخلاص استنتاجاته. وعندما سألته عن الأسئلة التي طرحتها سوزان وشعر أنها تشير إلى شكوك ذاتية، حصلت على أدلة مهمة. لم تكن سوزان على دراية "بأسلوب عمل ماجد"، وكانت تستفسر عن أساليب مختلفة للعمل على المشروع اعتقدت أنها قد تكون أكثر ملاءمة لكنها انحرفت في الوقت نفسه عن أسلوب ماجد الذي افترضته في العمل، وهو ما جعله قلقاً. لم يكن ماجد خائفاً من فشلها، بل كان خائفاً من نظرة الآخرين له في حال فشل عضو جديد في فريقه في هذا المشروع المهم للغاية. أي كان يسلط شكوكه الذاتية عليها.
وشعر ماجد بالفزع عندما اكتشف ذلك. وأدرك قائلاً: "بدلاً من أن أحمي سوزان من انعدام الثقة، قوّضت ثقتها بنفسها نتيجة شكوكي الخاصة، وهو ما جعلها تشعر بالسوء". كان اكتشافاً صعباً بالتأكيد، لكنه جعل ماجد واضحاً بشأن ما يجب عليه فعله للتعويض عن أفعاله. كما ساعد ذلك ماجد على إدراك أن أسلوب عمله المتناقض أصبح عاملاً يستفيد منه أعضاء فريقه، فقد عرف الأشخاص "الذين كانت علاقته جيدة معهم" كيفية التلاعب بردود أفعاله المتوقعة لتلبية رغباتهم.
ويمتلك الموظفون الحق بشكل عام في توقع درجة معقولة من الاتساق من قادتهم. وإذا كنت ترغب في الوصول إلى السبب الجذري الذي يجعل علاقتك جيدة مع بعض أصحاب المصلحة دون الآخرين، فجرّب ما يلي: اكتب قائمة تضم 5 من أصحاب المصلحة الذين تعتقد أن علاقتك معهم مثمرة وقائمة على المنفعة المتبادلة والثقة، و5 آخرين تعتقد أن علاقتك معهم مختلفة تماماً. وحدد السبب الذي يجعل أي علاقة مثمرة ناجحة. ما هي القيم التي تستخدمها لتوسيع نطاق الثقة؟ ماذا عن الأفراد الذين تربطك بهم علاقة جيدة؟ ما هي الخصال التي يقدرونها فيك؟ ثم أجرِ التحليل نفسه على العلاقات غير المنتجة لتحدد أوجه النقص فيك. ما هي التحيزات التي كوّنتها حول كل شخص؟ ما هي الاستنتاجات التي توصلت إليها والتي قد تكون مضللة؟ ما هي الاختلافات التي تعتقد أنه لا يمكن التغاضي عنها؟ ابحث عن الأنماط في كلا الجانبين وستجد على الأرجح أدلة مهمة حول كلا النوعين من العلاقات.
تصرف بوعي عند الاختيار
من الشائع أن يعمل المسؤولون التنفيذيون ذوو الخبرة دون تركيز معظم الأوقات، إذ قد يمنحهم وجود مناهج مجربة ومثبتة لمعظم أعمالهم القدرة على الاستعانة بالعديد من الخطط واتخاذ الإجراءات بكل بساطة. لكن تكمن مشكلة هذا النهج غير الواعي في أنه يفشل في أخذ البيانات والسياقات الجديدة في الحسبان.
في الواقع، يشكك القادة ذوو الوعي العميق في افتراضاتهم قبل اختيار أي نهج، بغض النظر عن مدى نجاحه. في حين يقضي القادة الذين تنتابهم حالات من الريب والشكوك كثيراً من الوقت في مواجهة الأقاويل التي تخلقها عقولهم دون وعي بحيث يتركون مجالاً صغيراً لإدراك ما يحدث أمامهم، مثل ماجد. ويتطلب الأمر بعض الانضباط والممارسة العقلية لإيقاف تلك الأقاويل والتركيز على الموقف المطروح وتحديد متطلباته بعناية.
وفيما يلي سلسلة من الأسئلة التي طورتها مع ماجد لمساعدته في بدء كل تفاعل من خلال التركيز على نفسه بدلاً من التصرف دون وعي بناءً على الافتراضات والروايات القديمة المتكررة في عقله. حدد ما إذا كانت بعض تلك الأسئلة مفيدة في المواقف التي تحتاج فيها إلى تقوية علاقتك مع أصحاب المصلحة:
- ما هو شعوري حيال هذا التفاعل؟ (على سبيل المثال، هادئ، قلق، واثق من نفسي، غير متأكد.) ما هو سبب تلك الأحاسيس؟
- ماذا يحتاج هذا الشخص مني وماذا أحتاج منه؟ ما هي الأسئلة التي يجب عليّ طرحها للتحقق من صحة افتراضاتي؟
- ما هي النتيجة المرجوة من هذا التفاعل وما النتيجة التي يتوقعونها؟ كيف يمكنني التعبير عن رغباتي باحترام والاستفسار بصراحة عن رغباتهم لمعرفة المجالات التي قد تتوافق فيها رغباتنا والمجالات التي لن نصل فيها إلى أي وفاق؟
- كيف أفسر شعوري بالمقاومة بالنسبة للمجالات التي لا نتفق فيها؟ ما هي الأحكام التي أطلقها؟ ممّ أخاف؟ كيف يمكنني إظهار التعاطف والانفتاح بدلاً من الانغلاق؟
- كيف يمكنني استخدام هذا التفاعل لتقوية هذه العلاقة؟ كيف يمكنني تأكيد الثقة بيننا أو تعميقها؟
إذا وجدت نفسك على مفترق طرق بين التقييمات المتضاربة، فتعامل مع الرسائل المتضاربة بفضول لا برفض، فقد تساعدك تلك الرسائل على أن تغدو شخصاً أقوى وأكثر صحة في حال تمكّنت من فهم جوهر مضمونها. ابدأ بافتراض أن سبب التضارب لا يعود إلى البيانات بل إلى شخصيتك.