يمكن أن يكون الذكاء العاطفي مزيفاً، فعلى غرار النسخ المقلدة من الساعات الفاخرة أو حقائب اليد، هناك مجموعة عواطف وأفعال تبدو لنا حقيقية، ولكنها ليست كذلك. فمع وجود أفضل النوايا، رأيت قادة أذكياء ينخرطون بسرعة بتفاعلات حساسة مسلحين بما يعتقدون أنه مزيج من التعاطف العميق، والاستماع المنسجم، والوعي الذاتي، لكنها في الواقع طريقة لخدمة احتياجاتهم العاطفية. من المهم معرفة كيفية اكتشاف هذه المغالطات المتعلقة بحقيقة الذكاء العاطفي، خاصة إذا كنت أنت من تقوم بها.
لقد وثّقت الكثير من البحوث حالات لسوء استخدام الذكاء العاطفي، ويكون ذلك في التحكم الدقيق والمتعمد بالعاطفة من أجل توجيه ردود الآخرين التي قد لا تصب في مصلحتهم. وبالنظر إلى أنّ معظمهم لا يعانون من اعتلال اجتماعي، ومن واقع خبرتي أستطيع القول أنّ ما يوجه الذكاء العاطفي لذلك المسار هو اللاوعي.
التعرف على حقيقة الذكاء العاطفي
ولضمان عدم سقوطنا ضحايا للاوعي الخاص بنا، نحتاج إلى مستويات أعمق من التحقق الذاتي، وإليك في ما يلي الأقنعة الثلاثة الأكثر شيوعاً التي رأيتها تصطاد قادة أصحاب النوايا الحسنة.
الحاجة لأن تكون البطل، والمتخفية في شكل تعاطف
يُعد التعاطف أحد العناصر الرئيسية للذكاء العاطفي، إذ أنّ القدرة على فهم ومشاركة مشاعر الآخرين تخلق اتصالاً حقيقياً وتوطد الثقة، لكن رغبة القائد الحقيقية في إظهار الرعاية، قد تتخطى الحدود الصحية بطرق غير مقصودة. لقد شاهدت هذا يحصل عند استخلاص معلومات مع الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة عالمية ضخمة. وكنت قد ساعدته في الاستعداد لنقاش متوتر محتمل مع موظفة مباشرة لديه، والتي كانت قد خرجت عن خطة تنفيذ مشروع كبير، إذ أنّ تكاليف المشروع قد تضخمت، وكانت بدورها منهكة عاطفياً. كانت بعض الأمور خارجة عن سيطرتها بطريقة مفهومة، ولكن حدث بعضها الآخر نتيجة لأخطائها. كان الهدف من النقاش هو الوصول إلى اتفاق حول كيفية إعادة المشروع إلى مساره. وعندما سألته عن كيفية سير النقاش، أجابني بكل حماس: "أفضل مما كنت أتوقعه"، وأضاف: "حرصت على بدء النقاش بإبداء التعاطف وبالطريقة التي تدربت عليها، وعندما شعرت أنّ الوقت مناسب انتقلنا إلى حل المشكلة. وعندما سألته عن القرارات التي توصلا إليها، قال لي: "لقد اتفقنا على تمديد تاريخ انتهاء المشروع لمدة عام، وحررت لها 40 ألف دولار إضافي؛ المبلغ الذي تحتاجه من أجل الخبراء، وبناء على رغبتها، وافقت على الدخول بصفة قائد مشارك في المشروع".
على مدار الساعتين التاليتين، قمنا بتفريغ النقاش لأكتشف كيف أنّ حاجته للشعور (بأنه لا يمكن الاستغناء عنه) حجبت تماماً الأمور التي كانت بحاجة إليها بالفعل وهي: تحمل المسؤولية، والتدريب، والإرشاد. لقد اعتقد أنّ النقاش سار بشكل جيد لأنه شعر أنها بحاجة إليه شخصياً، كما ظنت بدورها أنّ النقاش كان رائعاً أيضاً لأنها لن تتحمل المسؤولية وحدها. في البداية، دافع عن رغبته لأن يكون قائداً متعاطفاً ورحيماً. لكنه في النهاية تمكن من رؤية الصورة الحقيقية، وكيف أنه عندما تحول حديثه من التعبير عن التعاطف معها إلى إنقاذها من الموقف الصعب، توقف عن كونه متعاطفاً وأصبح أنانياً. عندما ينغمس القائد في حاجته الماسة لأن يكون محورياً لنجاح شخص آخر، فإنّ تلك الحاجة تمتص قوة الشخص الآخر وتجعله أضعف عوضاً عن مساعدته ليكون في موقف قوي.
عند التعبير عن التعاطف مع موظفيك، انتبه إلى أي حاجة قد تظهر لديك وتقودك لأن تكون بطلاً. إنّ التفهم العطوف لتحديات الآخرين هو ذكاء عاطفي، لكن قد يكون موقف إنقاذهم من تبعات تلك التحديات قاس أكثر من كونه لطيفاً.
الحاجة لأن تكون محقاً، تتنكر في شكل الاستماع الفعّال
من ضمن المهارات الاجتماعية الأساسية للذكاء العاطفي هي أن تكون مستمعاً فعالاً، إذ أنّ الانخراط في الهواجس المحكية وغير المحكية للآخرين يُظهر الانفتاح على وجهات نظرهم، والرغبة في تقبل أفكار مختلفة عن أفكارنا، كما يُظهر تقديراً لشجاعة الآخرين على التعبير عن وجهات نظر متباينة. معظم القادة الذين عملت معهم يدّعون أنهم يريدون التراجع عن موقفهم، ويعتقدون أنهم يستمعون إلى الأفكار المعارضة، ويُظهرون استعداداً لتغيير آرائهم عندما يتم تقديم قناعات وحقائق أقوى. لكن الكثيرين سيعترفون أيضاً، إذا كانوا صادقين مع أنفسهم، بأنّ التخلي عن كونهم على حق أمر مؤلم، والتنازل عن آرائهم سوف يشعرهم بفقدان السيطرة والتأثير.
لكن عدم الوعي للفرق بين الرغبة الحقيقية للأخذ بوجهات نظر الآخرين والحاجة لأن يكونوا على صواب، يسمح للقادة التظاهر بالاستماع بينما يحاولون في الواقع جذب الآخرين إلى صفهم من دون إدراك بأنهم يفعلون ذلك. شاهدت هذا يحدث خلال اجتماع فريق المدراء، حيث حاول كل من رئيس التسويق والمبيعات معالجة حالة من الجمود بينهما. وفي محاولة منهما للتعبير عن التوافق والانفتاح، حاول كل منهما "تلخيص" وجهات نظر الآخر بجمل مثل "إذاً، ما تقوله هو الطريقة الوحيدة التي توافق بها على تلك الحصص المخصصة..."، و"أنا أحاول فعلاً فهم وجهة نظرك حول هذا، نظراً لأنك بدوت أكثر توافقاً خلال الشهر الماضي..."، و"أشعر أنك محبط حقاً في الوقت الحالي، وأرغب بأن أجد حلاً يمكن أن يعمل من أجل كلينا، إذا كنا نستطيع فقط الاتفاق حول...". اعتقد كل منهما أنهما مهتمان حقاً بالوصول إلى تسوية ترضي الطرفين، لكن لم يتمكن أحد في الغرفة من رؤية ذلك بهذه الطريقة ولم يصدّق أحدهما ذلك حول الآخر. إذا كان لديك رأي صحيح أو جدول أعمال هام، فلا تتخلى عنه، وهذا لن يعني أنك غير مهتم بما يعتقده الآخرون. إنّ العمل على قمع تلك الآراء لتُظهر أنك متوافق مع الآخرين هو أمر لن يؤتي بثماره أبداً، حتى لو كانت نواياك حسنة. يميل الناس لأن يثقوا بأنك منفتح لسماع أفكارهم إذا شعروا بأنك مباشر بشأن الدفاع عن أفكارك الخاصة.
الحاجة لأن تحصل على القبول، متخفية في شكل الوعي الذاتي
يكتشف القادة أصحاب الوعي الذاتي على الفور كيف يختبرهم الآخرون، ويسعون للحصول على تقييم نقدي منهم، ويعترفون فعلاً بنقاط قوتهم ونقاط ضعفهم. ولكن عندما يتغذّون برغبة القبول غير المحققة، يمكن للوعي الذاتي أن يتحول إلى أنانية. طلب أحد المدراء التنفيذيين، الذي يفتخر بقوة وعيه الذاتي، من فريقه الحصول على ملاحظات بشكل منتظم، معتقد بأنه يريدها حقاً (وربما أراد ذلك فعلاً على مستوى معين). لكن ما رأوه كان التماس عُصابي لتأكيد الذات. في مقابلة تشخيصية، قال لي أحد موظفيه، "في كل مرة يسألنا عن أدائه، نعلم جميعاً أنّ أفضل كلمة يمكننا قولها هي (عظيم)، حتى نتمكن من متابعة يومنا". شاهدت قادة يتحدثون مطولاً عن أمور مثل: "أعلم أنني أفقد صبري أحياناً، وأريد منكم تنبيهي عندما أفعل ذلك"، ثم يسألون بكثير من القلق، "هل أنا غير صبور للغاية؟"، حتى عندما يكون نفاذ الصبر مبرراً. كل قائد يشعر بعدم الأمان حول أمر معين، لكن القادة أصحاب الوعي الذاتي الحقيقي هم الذين يواجهون هذا الشعور، ولا يحمّلون الآخرين عبء تخفيفه.
لا يمكننا أحياناً التعبير جيداً عن ذكائنا العاطفي بسبب الاحتياجات غير المعترف بها وغير الصحية والعاطفية. إذا كنت ترغب حقاً في معرفة حقيقة الذكاء الاصطناعي وتوظيف مهاراته بفاعلية، فعليك الانتباه إلى الندوب والثغرات غير المعالجة التي تتوارى تحت سطح المشهد العاطفي الداخلي. تعامل مع هذه الأمور بصدق وعناية، وسوف تتمكن من الحفاظ على مصداقيتك وعلاقاتك القوية مع الآخرين.
اقرأ أيضاً: