ليس من السهل تحقيق قيمة من عملية اندماج بين شركتين. والشركات المستحوِذة التي تفهم الأمر على نحو صحيح تبدأ بقياس أحد الأمور المهمَلة عادة وهو مدى توفر شروط الصحة التنظيمية فيها قبل شروعها في عملية الاستحواذ.
وقد بيّنت الأبحاث حول الصحة التنظيمية التي تجريها شركة "ماكنزي آند كومباني" على مدار سنوات طويلة، أن اتباع نهج مبرمج إزاء عمليات الاندماج والاستحواذ يحقق أقصى قيمة من هذه الصفقات. أما النهج الأقل نجاحاً فهو الصفقات الكبيرة المتقطعة (التي تزيد عن 30% من القيمة السوقية للشركة المستحوذة).
اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: تعريف التنظيم الإداري
في ضوء ما سبق، ثمة فوارق كبيرة في استعداد المؤسسات للاستحواذ على غيرها، وقد تكون عمليات الاستحواذ في صالحك، لاسيما إذا كانت مؤسستك صحية تنظيمياً، حيث توصل أحدث الأبحاث التي أجريناها إلى أن عمليات الاستحواذ التي تقوم بها شركات صحية من الناحية التنظيمية غالباً ما تحقق أداء أفضل من تلك التي تقوم بها شركات أقل صحة من الناحية التنظيمية والإدارية. كما حددنا أيضاً ثلاث سلوكيات مهمة (تتمثل في اختيار الأشخاص المناسبين والحفاظ على تركيز خارجي قوي وتولي زمام الأمور على نحو فعال ودقيق داخلياً) تحدد نموذج المؤسسات الصحية تنظيمياً وترتبط ارتباطاً وثيقاً بخلق القيمة في صفقة الاستحواذ. وفي هذا المقال، سنعرض نتائج البحث هذه ومن ثم نوضحها بأمثلة للشركات الصحية تنظيمياً من الواقع العملي.
الصحة التنظيمية والقضية الكبرى
يرصد مؤشر الصحة التنظيمية الذي تصدره شركة "ماكنزي"، على مدى عقدين تقريباً، الصحة التنظيمية في أكثر من مائة بلد وفيما يزيد كثيراً عن ألف شركة، من خلال جمع آراء ملايين الموظفين والمدراء بشأن الممارسات الإدارية التي تحرك تسعة أبعاد أو "نتائج" تنظيمية رئيسة، كما نطلق عليها، حيث نخصص درجات لكل ممارسة من الممارسات الإدارية ولكل نتيجة من النتائج، وهو ما يتيح للشركة معرفة نتائج مقارنتها مع الشركات الأخرى المدرجة في قاعدة بياناتنا. وتتفوق الشركات ذات الثقافة التنظيمية الصحية بصورة كبيرة، مرة تلو الأخرى، على نظيراتها الأقل في هذه الناحية. في الواقع، الشركات التي تُطرح أسهمها للتداول العام في الشريحة الربعية العليا من مؤشر الصحة التنظيمية تحقق ثلاثة أضعاف إجمالي العائدات التي يحصل عليها المساهمون، مقارنةً بالعائدات التي تحققها الشركات الواقعة في الشريحة الربعية الدنيا من المؤشر.
وتشير الأرقام إلى أن الصحة التنظيمية تكتسب قدراً هائلاً من الأهمية في سياق عمليات الاندماج والاستحواذ أيضاً، حيث توصل البحث الذي أجريناه إلى وجود علاقة قوية بين الصحة التنظيمية للشركة المستحوذة قبل إتمام الصفقة وبين الأداء المالي للشركة المندمجة حديثاً بعد إتمام الصفقة، حيث تحقق الشركات المستحوذة التي تقع في النصف العلوي وفق درجات مؤشر الصحة التنظيمية 5% في المتوسط من العائدات الإجمالية الزائدة التي يحصل عليها المساهمون مقارنة بنظيراتها في الصناعة بعد عامين، بينما يكون التغيّر في العائدات الإجمالية الزائدة التي يحصل عليها المساهمون في الشركات غير الصحية تنظيمياً هو 17-% على مدار الفترة نفسها (الصورة رقم 1).
السلوكيات الأكثر أهمية
نظراً لأن الصفقات التي تضيف من خلالها الشركة المستحوذة أكثر من 30% من قيمتها السوقية، هي صفقات قادرة تقريباً على إحداث تحول بديهي، فإن الأمر ينطوي على مخاطر عالية فعلاً. كما أن هذه المخاطر تتزايد. ففي عام 2018، رفع التصاعد في الصفقات الكبيرة القيمة الكلية للصفقات المعلنة على الصعيد العالمي بنسبة 17%. لذا، من المفهوم أن تستثمر الشركات المستحوذة المحتملة بشكل كبير في البحث عن الشركات المستهدفة والتدقيق في الحسابات المالية لتلك الشركات باعتبارهما جزءاً من إجراءاتها للاستقصاء والتحري. بيد أن معظم هذه الشركات لا تقوم بجهد يوازي هذا الجهد عندما يتعلق الأمر بتوخي الحرص والحيطة الذاتية. حيث تشير النتائج التي توصل إليها بحثنا إلى أنه ينبغي أولاً للقادة الذين يفكرون بإجراء عملية استحواذ كبيرة تقييم صحة مؤسساتهم لتحسين قياس ما إذا كان يتعين اتخاذ القرار بالقيام بعملية الاندماج أم لا.
وعند التفكير بشأن ما إذا كانت مؤسستك ترتقي إلى المستوى المطلوب، من الأهمية بمكان إدراك أنه لا يوجد شكل بعينه للصحة التنظيمية، حيث توجد مجموعات مختلفة من أساليب الصحة التنظيمية الملائمة، على الوجه الأفضل، لحالات بعينها. وفي ضوء ما سبق، فالسلوكيات الثلاثة التي تعتبر من سمات المؤسسات الصحية تنظيمياً تعتبر أيضاً وثيقة الصلة بخلق القيمة في الصفقات. ونحن لا نقول إن هذه السمات المتمثلة في إدارة المواهب والتركيز الخارجي والانضباط الداخلي تشكل بديلاً عن القيام بالممارسات المهمة الأخرى في عمليات الاندماج والاستحواذ، بل إن هذه السمات هي بالأحرى بمثابة الشروط الأساسية اللازمة لإنجاح الصفقات الكبيرة (راجع الصورة رقم 2). ومن المرجح أن تستوفي الشركات الصحية تنظيمياً هذه الأولويات على مدار عملية الاندماج لأنها تمثل امتداداً للخصائص التي تُبديها هذه الشركات في السياق المعتاد لممارستها الأعمال، كما أنها تمثل جزءاً من النسيج التنظيمي في المؤسسة.
إدارة المواهب: اختيار الأشخاص المناسبين
يبيّن البحث الذي أجريناه أن إنجاز جانب المواهب على النحو الصحيح يمثل أكثر وسائل الصحة التنظيمية أهمية في تحقيق القيمة في الصفقات الكبيرة. وبالنظر إلى إغراء الولاء المؤسسي والضغط الناتج عن العلاقات الشخصية طويلة الأمد، يمكن أن تكتنف القرارات المتعلقة بالموظفين المخاطر بوجه خاص خلال عملية الاندماج، حيث يستدعي التكامل الفعال في عملية الاندماج اختيار الأشخاص المناسبين من قِبل كل من الشركة المستحوذة والشركة الخاضعة للاستحواذ على حد سواء، ومن خارجهما بالضرورة. وهي مهمة صعبة تحت أي ظروف، بيد أنها تكون أصعب بكثير عند الشروع فيها من البداية.
نظراً لأن عمليات الاستحواذ التي تضيف فيها الشركة المستحوذة أكثر من 30% من قيمتها السوقية قادرة تقريباً على إحداث تحول بديهي، فإن الأمر ينطوي على مخاطر عالية فعلاً.
اقرأ أيضاً: بحوث: صفقات الاندماج والاستحواذ الأصغر هي الأكثر نجاحاً
وفي سياق عمليات الاندماج، على غرار العمليات اليومية، فإن اتباع نهج سريع ومنهجي إزاء اختيار المواهب يعتبر أمراً حتمياً. ففي إحدى شركات التقنية، كان الفريق المعني بالاندماج يتعقب عن كثب التوازن بين المتقدمين للوظيفة الذين يُحتمل اختيارهم من كلتا الشركتين على حد سواء، حيث يتدخل قادة الفريق إذا لم يكن أي جانب من جوانب النشاط في الشركة يحقق التوازن الذي يوازي الحجم النسبي للاندماج. وفضلاً عن ذلك، لا يمكن المصادقة على عملية اختيار أي متقدم للوظيفة ما لم يصادق عليها الفريق المركزي. فإذا أعتُبر اثنان من المتقدمين ملائمَيْن بالقدر نفسه لأحد الأدوار الوظيفية، يرجّح الفريق كفة المتقدم الذي ينتمي للشركة المستهدفة بالاندماج، اعترافاً بأن مدراء الشركة المستحوذة من المرجح بالفعل أن لديهم تحيزاً متأصلاً ولا إرادياً لصالح موظفيها. وإذا لم يعتبر أي من المتقدمين ملائماً للدور الوظيفي، فسينتقل الفريق على وجه السرعة إلى التوظيف من المصادر الخارجية، حيث إن إحدى شركات المستحضرات الصيدلانية، التي نعرفها قد فرضت قاعدة تتمثل في أن المتقدمين لوظيفة ممن لم يحالفهم الحظ بالنجاح في أي مستوى من المستويات، لا يمكن نقلهم ببساطة للمنافسة على أدوار وظيفية في المستوى التالي الأدنى. يجب أن تكون القرارات المتعلقة بقبول المتقدمين واستبعادهم مباشرة وسريعة ومنصفة. وتمكنت الشركة، عبر مراقبة سياساتها بشكل صارم، من الحيلولة دون مغادرة المزيد من الموظفين الصغار وذوي الإمكانيات العالية.
التركيز الخارجي: إحكام زمام التواصل مع أصحاب المصلحة
تؤخذ السلوكيات التي تُبديها الشركة في الحفاظ على تركيز خارجي قوي، بلا ريب، في الحسبان في الصفقات الكبيرة أيضاً. حيث تدرك المؤسسات الصحية تنظيمياً أهمية الأمور التي تحظى بتقدير زبائنها وشركائها. وإذا عجزت هذه السلوكيات في توجيه الشركة صوب الاتجاه الصحيح، فإن الطابع المعقد لتحقيق التوافق بين الشركة المستحوذة والشركة المستهدفة بالاستحواذ يمكن أن يؤدي بالمؤسسة المندمجة إلى الانكفاء إلى الداخل ويؤدي إلى اتخاذ قرارات الإدماج المهمة دون الأخذ في الاعتبار أصحاب المصلحة الخارجيين. كما أن ذلك سيسهّل أيضاً طريق المنافسين للانقضاض على الشركة الوليدة إذا كانت العلاقات مع الزبائن يُنظر إليها باعتبارها هشة أو إذا ما كان ثمة ما يُضعف موثوقية العلامة التجارية عن غير قصد.
وثمة مجال متسع لسوء التواصل وإساءة التفسير خلال فترة الاندماج وذلك عندما تمر الشركات، بطبيعة الحال، بتغييرات هائلة، حيث نجحت إحدى الشركات المستحوذة، التي نعرفها في تقليل هذه المخاطر عن طريق قيام كبار قادتها ببيان القيمة المقدمة للزبائن بوضوح وإبرازها في رسالة مكتوبة وتوجيه مدراء الحسابات بالتأكد من إبلاغ الزبائن بالرسالة بصورة شخصية. وقد عززت اللمسة المدروسة المتمثلة في الاجتماعات المباشرة مقترنة بالرسائل المستمرة، التي كانت تصاغ بعناية، أهمية التركيز الخارجي. وثمة شركة مستحوذة أخرى كانت تتعقب عن كثب حجم الطلبيات من الزبائن الحاليين منذ لحظة إعلان الصفقة. أدى هذا التصرف إلى جذب الانتباه في الحال إلى أي تراجع عن الحجم العادي في الطلبيات ومن ثم التدخل الفوري بشأنه، وكان مدراء المبيعات على أهبة الاستعداد للتركيز على القضية. وصمدت الشركة بقوة في مواجهة التحديات الجديدة ونجحت في تجاوز أي اضطرابات مصاحبة لعملية الاندماج.
الانضباط الداخلي: إجراء عملية اندماج مُحكمة
وأخيراً، فمن المنطقي أن تطبيق السلوكيات الضرورية لإجراء عملية اندماج محكمة سيؤتي ثماره للشركات التي تنفذ صفقة كبرى. ويبدأ الانضباط الداخلي في سياق عمليات الاستحواذ باتباع نهج موحد إزاء تمحيص الصفقة، ويستمر أثناء تنفيذ إجراءات الفحص النافي للجهالة، في وجود مقاييس واضحة فيما يتعلق بالموقف المالي للشركة المستهدفة بعملية الاستحواذ، ويمضي قدماً خلال التخطيط قبل إتمام الصفقة، وما هو أبعد من ذلك، بتوضيح التفاصيل الدقيقة الخاصة بالعقود والزبائن والالتزامات. وقد قامت إحدى الشركات المستحوذة، لتأكيد إنفاذ الضوابط الرقابية على أكمل وجه، بنقل أحد كفاءاتها في الجوانب المالية إلى أحد المجالات ذات الأولوية الذي كانت تعتقد أنه يفتقر إلى الصرامة، وعممت بصورة حازمة ماهية توقعاتها وسبب إقدامها على إجراء هذه التغييرات. وحرصت إحدى الشركات المستحوِذة الأخرى ذات الأداء العالي على تحديد نسبة الإيرادات المتوقعة للشركة المستهدفة بالاستحواذ، التي تعتمد على نجاح مشاريع معينة ضمن مشاريع البحث والتطوير. ومن ثم قامت الشركة بحصر هذه المبادرات للحيلولة دون زعزعتها بلا مسوّغ من قِبل برامج وفورات التكاليف وراقبت عن كثب التقدم الذي تحرزه هذه المشاريع للتأكد من بقاء جوانب المساءلة والتوقعات واضحة.
تشير نتائج البحث الذي أجريناه إلى أنه ينبغي أولاً للقادة الذين يفكرون في إجراء عملية استحواذ كبيرة تقييم الصحة التنظيمية لمؤسساتهم من أجل تحسين قياس ما إذا كان يتعين اتخاذ قرار الاندماج أم لا.
اقرأ أيضاً: بحوث: صفقات الاندماج والاستحواذ الأصغر هي الأكثر نجاحاً
وتطبق الشركات التي تتسم بالصحة التنظيمية مستوى الصرامة نفسه لتحقيق أوجه التضافر، حيث تقوم إحدى الشركات المستحوذة الناجحة، التي نعرفها، بمراجعة التقدم المحرز بشأن أوجه التضافر، بصورة رسمية، كل أسبوعين من خلال مؤشرات مصممة بعناية. وتجعل الانعكاسات الناجمة عن النجاح أو الإخفاق واضحة بجلاء، وذلك بإجراء مباشر يتخذه الرئيس التنفيذي عندما يقتضي الأمر. إذ إنه في الصفقات الكبيرة بصفة خاصة، يمكن حتى للخطط المثلى أن تنحرف، بصورة مؤقتة، عن المسار. ومن الضروري تنظيم هيكل واضح للأدوار والمسؤوليات الوظيفية دون تأخير. ومن هذا المنطلق، فإن إحدى الشركات المستحوذة ذات الأداء الرفيع لم تعلن فحسب مجموعة واضحة من "قواعد التنفيذ" لتحديد المعايير والتوقعات، بل إنها نفذت أيضاً برامج "تلقي الإرشاد من صديق" التي تشكل ثنائيات من بين موظفي الشركة المستحوذة، الذين يفهمون مسبقاً قواعد العمل القائمة، مع موظفي الشركة المستهدفة بالاستحواذ، الذين يحتاجون إلى الدعم في مشوار تأقلمهم مع الممارسات الجديدة والأكثر صرامة. وتنشر شركة مستحوذة أخرى نتائج مبيعاتها على الصعيد الداخلي كل شهر وتعممها إلى جمهور واسع النطاق عبر كافة وحداتها للتأكد من تركيز الجميع على المقاييس الصحيحة ومن شفافية التقدم المحرز بصورة قاطعة.
اقرأ أيضاً: الشركات المرموقة تنفذ عمليات استحواذ أكثر خطورة من الشركات الأخرى
يعتبر إجراء عملية اندماج تفضي إلى إحداث تحول أحد أكبر الرهانات التي يمكن أن يقوم بها الرئيس التنفيذي. ويمكن أن تكون أيضاً إحدى أكثر العمليات المقوّضة للقيمة. وتستثمر الكثير من الشركات المستحوذة المحتملة بصورة غير متناسبة في التحليلات الشاقة والتنبؤات المتشعبة بشأن أوجه التضافر التي يمكن أن تحققها من الاستحواذ على الشركة المستهدفة. بيد أنه في كثير من الأحيان، تشرع إحدى الشركات في عملية استحواذ كبيرة دون إجراء تقييم نزيه لقدراتها الخاصة أولاً. وهذا خطأ لا يغتفر لأن الاحتمالات ترجح أن صفقتك ستفشل إذا لم تكن واثقاً من الصحة التنظيمية لمؤسستك، ولاسيما من قدرتها على اختيار المواهب وتوجهها الخارجي وحجر أساسها المكون من الممارسات والضوابط الرقابية. وبعبارة أخرى، من المفيد أن تعرف شركتك جيداً قبل أن تتولى مسؤولية الاندماج مع شركة أخرى.
يود كتّاب هذا المقال أن يعربوا عن شكرهم لريكاردو أندريولا وراندي ليم وكيمبرلي روبنستين وجيف رودنيكي وبيل شانينجر، على المساهمات التي قدموها لكتابة هذا المقال.
اقرأ أيضاً: أحد أسباب فشل الاندماج: عدم توافق ثقافات الشركات