الشركات المرموقة تنفذ عمليات استحواذ أكثر خطورة من الشركات الأخرى

5 دقائق
عمليات استحواذ الشركات المرموقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تُعرف الشركات ذات السمعة الجيدة بقدرتها على تحقيق توقعات أصحاب الأسهم باستمرار، بل وتتجاوزها. وتشير أبحاث سابقة إلى أنه بالمقارنة مع الشركات الأخرى، فإن هذه المجموعة التي تمثل النخبة من الشركات تجذب المزيد من المتقدمين المميزين للوظائف، وتحصل على أسعار أعلى للمنتجات والخدمات، وتحافظ على أداء مالي عالٍ. ومع ذلك، وجدت أبحاث حديثة أيضاً أن هذه الشركات تواجه ضغوطاً أكبر لتحقيق نمو سريع، فماذا عن عمليات استحواذ الشركات المرموقة تحديداً؟

اقرأ أيضاً: بحوث: صفقات الاندماج والاستحواذ الأصغر هي الأكثر نجاحاً

لنتأمل مثلاً شركة “مايكروسوفت”، التي تعتبر شركة ذات سمعة ممتازة، كما أنها عريقة. لدى “مايكروسوفت” شركات مهيمنة في “ويندوز” و”أوفيس”، وذات ربحية هائلة، علاوةً على أنها نقطة جذب للموظفين الموهوبين. ومع نهاية التسعينيات، بدا وكأن شيئاً لا يمكن أن يتفوق على شركة “مايكروسوفت”، باستثناء التوقعات المرتفعة لأصحاب الأسهم. ولكن، بعد مرور سنوات، حتى بعد الأداء القوي لـ “مايكروسوفت”، وصفها المعلقون، من دون تحفظ، أنها فقدت عقداً من الزمن، وذلك على الرغم من مضاعفة مبيعاتها، وزيادة أرباحها من 9 مليارات دولار إلى 22 مليار دولار. وفي الوقت نفسه، استحوذت “مايكروسوفت” على مجموعة متنوعة من الشركات الجديدة، بدرجات متفاوتة من النجاح. على سبيل المثال، اشترت “مايكروسوفت” كلاً من شركتي “نوكيا” و”سكايب”، لكنها لم تتمكن من تحويل هذه المشتريات التي بلغت قيمتهما مليارات الدولارات إلى شركتين رابحتين بالتأكيد.

عمليات استحواذ الشركات المرموقة

تساءلنا عما إذا كانت ضغوط النمو على الشركات عالية السمعة، وكذلك رغبتها في الحفاظ على سمعتها هذه، قد أثرت على سلوكيات الاستحواذ لديها. إذ تعتبر عمليات الاستحواذ وسيلة قوية لتلبية توقعات المستثمرين بالنمو بسرعة، والتوسع في مناطق جديدة. ومع ذلك، فهي تنطوي على مخاطر كبيرة في الاختيار، والتسعير، والتكامل، وغالباً ما تستجيب الأسواق بشكل سلبي لإعلاناتها. لذلك، درسنا هذه المسألة، ونشرنا نتائجنا في عدد حديث في مجلة “الإدارة الاستراتيجية” (Strategic Management Journal).

وبعد إجراء الأبحاث السابقة، حصلنا على بيانات تخص سمعة الشركات باستخدام تصنيف الشركات “الأكثر إثارة للإعجاب” لدى مجلة “فورتشن” (Fortune). وفي المدة بين عامي 1991 و2008، اشتملت العينة لدينا على 75 شركة صُنفت على أنها “الأكثر إثارةً للإعجاب” مرة واحدة على الأقل. (وصفنا هذه الشركات الأكثر إثارة للإعجاب بـ “شركات عالية السمعة” في بحثنا). ولإنشاء معيار للمقارنة، استخدمنا تقنية تسمى “مطابقة درجة الميل أو النزعة” لخلق سلسلة من التطابقات بين كل من الشركات المصنفة الأكثر إثارةً للإعجاب حسب مجلة “فورتشن” من ناحية، ومجموعة من الشركات المماثلة الموجودة في مجلة “فورتشن 500” (Fortune 500).

اقرأ أيضاً: الصحة التنظيمية للمؤسسة هي العنصر السري في نجاح صفقات الاستحواذ الكبرى

اختبرنا ما إذا كانت هذه السمعة الطيبة للشركات قد أثرت على نشاط الاستحواذ في: (أ) عدد عمليات الاستحواذ، (ب) حجم الاستحواذ، (ج) علاقة الاستحواذ – أي إلى أي درجة تتشابه الشركة المستهدفة مع الشركة المستحوذة. كما اختبرنا تأثير السمعة الطيبة على ردود أفعال المستثمرين تجاه استحواذ هذه الشركات. وعلى وجه التحديد، قيمنا ردود أفعال المستثمرين نحو التغير في سعر سهم الشركة (يتجاوز أي تغيير من حركة السوق بشكل عام). ولضمان أننا نختبر لتأثير السمعة الطيبة على سلوكيات الاستحواذ، تحكمنا في مجموعة متنوعة من المتغيرات الأخرى على مستوى الصفقة ومستوى المستحوذ والمتغيرات الإدارية.

افترضنا أن الضغوط التي تواجه هذه الشركات من أجل الحفاظ على سمعتها ستؤدي إلى ارتفاع معدل عمليات الاستحواذ. ووجدنا بالفعل أن الشركات ذات السمعة الطيبة حققت ما يقرب من ضعف عدد عمليات الاستحواذ في متوسط العام مقارنة بالشركات المماثلة الأخرى. واكتشفنا أيضاً أن الشركات ذات السمعة الطيبة، مقارنةً بأعمالها الحالية، حققت عمليات استحواذ منفصلة عن تلك الأعمال أكثر من الشركات الأخرى. ربما من المستغرب، أن المستثمرين استجابوا بشكل أكثر سلبية لإعلانات الاستحواذ للشركات ذات السمعة الطيبة مقارنة بالشركات الأخرى. ويشير نموذجنا إلى أن شركة متوسطة الحجم ذات سمعة طيبة في عيّنتنا، وتمتلك رأس مال سوقي بقيمة 50 مليار دولار، ستواجه رسوم شراء بقيمة 300 مليون دولار في القيمة السوقية المنخفضة بعد إعلان الاستحواذ، بالمقابل، فإن شركة مشابهة وليست ذات سمعة طيبة لن تواجه رسوم الشراء تلك.

وتشير أدلتنا إلى أن الشركات ذات السمعة الطيبة هي من المستحوذين النشطين على وجه العموم. ومع ذلك، فوجئنا بمدى إحرازهم لمجموعة واسعة من الأهداف. واعتقدنا في البداية أن هذه الشركات ستجري عمليات استحواذ أكبر، لكن البيانات أظهرت أن صفقاتها تراوحت بين الصغيرة (على سبيل المثال، أقل من 100 مليون دولار) إلى الكبيرة (على سبيل المثال، مليارات). كما وجدنا أن هذه الشركات استحوذت على شركات كانت أقل ارتباطاً بأعمالها الحالية، مما يشير إلى اتباعهم نهجاً قوياً في النمو من خلال الدخول في أسواق جديدة، حتى التي لم يكونوا على دراية بها.

ووجدنا أيضاً أن المستثمرين غالباً ما يتفاعلون سلباً مع إعلانات الاستحواذ للشركات ذات السمعة الطيبة، مما يشير إلى أن المستثمرين لا يعتبرون عمليات الاستحواذ وسيلة مناسبة للنمو. على سبيل المثال، قد ينظرون إلى عمليات الاستحواذ كإشارات على فرص النمو المحدودة لهذه الشركات في أعمالهم الأساسية، مما دفعها للجوء إلى أعمال أخرى.

السمعة الطيبة

ومن المثير للاهتمام، أننا وجدنا أن السمعة الطيبة تلتصق بالشركات مثل “اللاصقات” – وهذا يعني أن العديد من الشركات ظلت على قائمة “الشركات الأكثر إثارة للإعجاب” لمجلة “فورتشن” لعدة سنوات، وظل بعضها لأكثر من عقد من الزمان. فيبدو أن الأسواق، عند مستوى معين، تملك توقعات نمو عالية لهذه الشركات. ولكن، إذا اختاروا النمو من خلال عمليات الاستحواذ وليس من خلال النمو الداخلي، سيعاقبون بسعر أقل للسهم. وعلى الرغم من أن المستثمرين يتفاعلون سلباً مع إعلانات الاستحواذ للشركات ذات السمعة الطيبة، فإن هذا لا يقلل بالضرورة من سمعة هذه الشركات على المدى الطويل، إذ غالباً ما تظل الشركات في القائمة الأكثر إثارة للإعجاب لمجلة “فورتشن” حتى بعد عمليات الاستحواذ غير الناجحة. ونقترح أن ردود الفعل السلبية هذه هي عبارة عن انعكاس لضغط السوق على هذه الشركات لتحقيق نتائج أفضل على المدى القصير.

اقرأ أيضاً: أحد أسباب فشل الاندماج: عدم توافق ثقافات الشركات

وبالعودة إلى مثال شركة “مايكروسوفت”، نرى أنها تصنف كمستحوذ نشط يبرم صفقات بأحجام مختلفة، وفي مجالات متنوعة (مثل الخرائط والموسيقى والألعاب وبرامج المؤسسات والاتصالات والأجهزة). وكانت نظرة الأسواق سلبية نحو هذه الإعلانات معظم الوقت (إذ بلغت نسبة هذه الإعلانات في العيّنة 74%). وفي الوقت نفسه، استثمرت “مايكروسوفت” أيضاً داخلياً، بما في ذلك أعمالها السحابية (الخدمات التي تقدمها عبر الإنترنت) الناجحة الآن. وبمرور الوقت، نجد شركة “مايكروسوفت” تواصل نشر نتائج مالية قوية، وتظل في القائمة الأكثر إثارة للإعجاب، عاماً بعد عام، على الرغم من ردود الأفعال السلبية العديدة على عمليات الاستحواذ. قد تستطيع الشركات الكبرى، مثل “مايكروسوفت”، التغلب على ضغوط التوقعات العالية من خلال خلق مزيج من النمو الداخلي والخارجي.

وفي نهاية الحديث عن عمليات استحواذ الشركات المرموقة تحديداً، في الفصل الثالث من مسرحية “هنري الرابع (Henry IV)” لشكسبير، الجزء الثاني، يعبّر الملك هنري عن الأعباء الملقاة على كاهله بصفته ملك إنجلترا والتوقعات التي وضعها الناس عليه. وبالمثل، تشير نتائجنا إلى أن المدراء في الشركات ذات السمعة الطيبة يتحملون مسؤولية الحفاظ على مكانة شركاتهم العالية بين المستثمرين. وفي مواجهة خيارات النمو المحدودة، ينخرط هؤلاء القادة في استراتيجيات أكثر خطورة للحفاظ على النمو، وغالباً ما تكون ردود أفعال الأسواق سلبية. يبدو أن “عدم الارتياح يكمن في الرأس الذي يرتدي التاج” هذا ما يراه المدراء الذين يحاولون الحفاظ على سمعة جيدة لشركاتهم. ومع ذلك، مثل الكثير من الملوك، لا تزال الشركات ذات السمعة العالية تميل إلى البقاء على العرش لفترة طويلة.

اقرأ أيضاً:بحث: الرؤساء التنفيذيون الذين لا يفوزون بالجوائز يجرون عمليات استحواذ أكثر

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .