تشير البحوث إلى أن العوامل النفسية مثل الصدمات والقلق والتوتر يمكن أن تخلق شعوراً حقيقياً بالألم كالذي تسببه الإصابات أو الأمراض الجسدية، ففي دراسة قادتها الباحثة لوسيا ماكيا، أبلغ الأشخاص المشاركون عن زيادة شعورهم بالألم في أثناء الأزمات الاقتصادية بغض النظر عما إذا كانوا يعملون أو عاطلين عن العمل، كما حدّدت الدراسة ذاتها تفاوتاً كبيراً بين الجنسين، إذ كانت الزيادة في مستويات الألم في أثناء فترات الركود الاقتصادي أكبر فيما بين النساء مقارنة بالرجال؛ وفي بحث آخر قاده المؤلف آدم غالينسكي وباحثان آخران، توصلوا إلى اكتشاف أدلة عديدة ومتزايدة عن وجود علاقة مترابطة وتبادلية بين المعاناة المالية والألم الجسدي، أي أن اختبار الناس لانعدام الأمن الاقتصادي يؤدي إلى إصابتهم بآلام جسدية، وبيّنوا وجود رابط سببي وتناسب عكسي بين انعدام الأمن الاقتصادي وازدياد الألم الجسدي من خلال تحليل بيانات الاستهلاك الأسري والدراسات الاستقصائية والتجارب المضبوطة.
ظاهرة الألم الجسدي موجودة أيضاً على مستوى الاقتصاد الجزئي، أي على مستوى سلوك الأفراد اليومي في أثناء اقتنائهم لحاجاتهم اليومية، وسماها المختصون الألم المصاحب للتسديد (Pain of Paying)، وهو انحياز سلوكي درسه لأول مرة الباحثان بريليك ولوفينشتاين (Prelec & Loewenstein) عام 1998، ويُعنى بمستوى المتعة النفسية التي يشعر بها الإنسان أثناء تسديد مبلغ منتج أو خدمة معينة. توصل الباحثان إلى حقيقة بسيطة وهي أنّ الناس لا يرغبون في التخلي عن أموالهم، وهو ما يؤدي إلى تخفيض حجم المتعة التي يشعرون بها أثناء الدفع أو التسديد. لقد أثبت نفس الباحثيْن أنّ تسديد ثمن المشتريات يحفز المناطق الدماغية المسؤولة عن الألم الجسدي ومشاعر الحزن. تُعد أنظمة الدفع الآلي المتاحة عبر الإنترنت إحدى الطرق التي تعتمدها الشركات لتخفيف الألم المصاحب للتسديد، فتسجيل البيانات الخاصة بوسائل دفع العملاء الإلكترونية يحدّ من الألم المصاحب للتسديد ويشجع على المزيد من عمليات الشراء. على سبيل المثال، عند شراء موسيقى أو فيلم من منصة آي تونز (iTunes)، لا يوجد ذكر لكلمة "دفع" أو "تسديد"، وإنما كل ماعليك القيام به هو النقر على زر "تنزيل"، وبما أن تفاصيل الدفع الخاصة بك مسجلة بالفعل، فإنه يكون تلقائياً وغير مرئي.
يوجد انحياز سلوكي آخر يفسّر الألم المصاحب للتسديد، وهو انحياز تجنب الخسارة (Loss Aversion Bias) أو "النفور من الخسارة"، وأول من تطرق لهذا المصطلح هما الباحثان دانييل كانيمان وأموس تفيرسكي (Amos Tversky and Daniel Kahneman) عام 1984، وفحوى هذا الانحياز هو أنّ حدّة المشاعر السلبية التي نشعر بها عقب خسارة شيء ما، وما يُحدثه ذلك من ألم هي تقريباً ضعف حدّة المشاعر الإيجابية الناتجة عن حيازة شيء جديد وما ينتج عنه من سعادة. وبعبارة أخرى، فإن فكرة فقدان شيء أو التخلي عنه ما يثير فينا ردة فعل أقوى مما نشعر به عند الحصول على شيء جديد. لذلك فإن تفادي الخسارة هو دافع قوي يمكن أن يدفعنا إلى التصرف بطرق معينة، وأحياناً بطرق غير عقلانية. يُستخدم انحياز تجنب الخسارة في التسويق والمبيعات للتأثير في قرارات الشراء لدى المستهلكين وتحفيزها، فإذا كنت قادراً على جعل عملائك يشعرون كما لو أنهم "سيخسرون" في عرض ما، فمن المحتمل أن يحفزهم ذلك على إكمال عملية الشراء. غالباً ما يُستخدم هذا الانحياز في التسويق عبر الإنترنت من خلال استخدام بعض الصياغات التحفيزية مثل "عرض لا يُفوت" أو "لا تزال غرفتان شاغرتان فقط" وغيرها من العبارات.
الانحياز السلوكي الثالث المرتبط بألم التسديد هو انحياز دعم الخيار (Choice-Supportive Bias)، وهو يصف الميل إلى تذكر خياراتنا بصورة أفضل مما كانت عليه بالفعل، ويرجع ذلك إلى أننا نميل إلى إسناد الميزات الإيجابية إلى الخيارات التي اخترناها والجوانب السلبية إلى الخيارات التي لم نلجأ إليها، فالناس يعتقدون بأنهم "اختاروا هذا الخيار لذلك يجب أن يكون الخيار الأفضل". نتيجة لذلك، نشعر بالرضا عن أنفسنا وخياراتنا ونشعر بالقليل من الأسف تجاه القرارات السيئة. يُطلق أيضاً على هذا الانحياز أيضاً تسويغ ما بعد الشراء (Post-Purchase Rationalisation)، ويظهر بكثرة عند التسوق عبر الإنترنت؛ فعلى سبيل المثال، تعمل الشركات على دفع العملاء لربط الميزات الإيجابية بمنتجاتها وعلامتها التجارية، وحتى ربط الجوانب السلبية بمنتجات المنافسين، وذلك عن طريق إظهار الصفحات التي تحتوي على المنتجات التي تم اقتناؤها سابقاً، أي أن الشركات تذكرهم بأنهم "اختاروها" سابقاً. من الممارسات المشابهة أيضاً طمأنة العملاء بشأن الخيارات التي اختاروها لتعزيز تحيزهم الذي يدعم الخيارات ويؤدي إلى زيادة الرضا بعد الشراء.
من أفضل الحلول لتخفيض الألم المصاحب للتسديد ترشيد الاستهلاك، أي ينبغي وضع خطة للإنفاق والالتزام بالميزانية المسطرة بغض النظر عن سوء ظروفك المالية أو تحسنها. على سبيل المثال، يمكن الحرص على الادخار عندما تجني دخلاً مرتفعاً لتتسنى لك المحافظة على مستوى معيشتك عند التقاعد أو توقف تدفق هذا الدخل، أو شراء الأصول غير المالية والاحتفاظ بها، ويفيد ذلك على نحو رئيسي في مساعدتك على الحد من الإسراف في الإنفاق في أوقات الرخاء، بما يضمن لك القدرة على الوفاء بالالتزامات أو تلبية الحاجات في أوقات الشدة.