العلاقة بين عدم المساواة في الدخل والألم الجسدي

4 دقائق
العلاقة بين عدم المساواة في الدخل والألم الجسدي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يعاني الموظفون في الولايات المتحدة من الآلام الجسمانية بشكل كبير. فقد ازداد استخدام مسكنات الألم بنسبة 50% بين عامي 2006 و2012. ويشير أحد التقديرات الحديثة إلى أن الألم الجسدي يكلف الاقتصاد الأميركي سنوياً مبلغ 635 مليار دولار، بزيادة قدرها 1,000% عما كان عليه قبل 25 سنة. وفي الوقت نفسه، تسببت الفجوة المتزايدة في الدخل والشعور المتزايد باليأس المالي وتآكل الطبقة الوسطى إلى جعل انعدام الأمن الاقتصادي على قمة جداول أعمال الساسة الأميركيين. فماذا تعرف عن عدم المساواة في الدخل والألم الجسدي؟

الألم المالي والألم البدني

تشير أدلة عديدة متزايدة إلى وجود علاقة مترابطة وتبادلية بين الألم المالي والألم البدني. فخلال العديد من الدراسات، سواء في المختبر أو ميدانياً، وجدنا أن اختبار الناس لانعدام الأمن الاقتصادي يؤدي إلى إصابتهم بآلام جسدية. كما تُظهر تحليلات بيانات الاستهلاك الأسري والدراسات الاستقصائية والتجارب المضبوطة وجود رابط سببي وتناسب عكسي بين انعدام الأمن الاقتصادي وازدياد الألم الجسدي.

ففي إحدى الدراسات، حللنا أنماط الاستهلاك لـ 33,720 أسرة أميركية عام 2008، مع توثيق حالة التوظيف الخاصة بأرباب تلك الأسر. وركزنا بعد ذلك على إجمالي المبلغ الذي تنفقه كل أسرة على مُسكنات الألم التي لا تحتاج إلى وصفة طبية، مع مراقبة العوامل التي قد تؤثر على استهلاكها مثل حجم الأسرة وعمرها واستخدام أدوية البرد والإنفلونزا. ووجدنا أن الأسر، التي كان الوالدان فيها عاطلين عن العمل، قد أنفقت مبالغ على مسكنات الألم دون وصفة طبية تزيد 20% عن تلك التي فيها فرد واحد من الأبوين عاطل عن العمل.

في دراسة مماثلة، ذكرنا للناس معدل البطالة في ولايتهم، ثم سألناهم عن وضعهم الوظيفي، ثم عن مقدار الألم الجسدي الذي يعانونه حالياً. ومن جديد، تنبأ الوضع الوظيفي للشخص بمستوى الألم البدني الذي كان يعاني منه. إضافة إلى ذلك، كان العيش ببساطة في ولاية ذات مستوى بطالة مرتفع عاملاً تحفيزياً كافياً لوجود ألم جسدي.

وأكدت هاتان الدراستان وجود علاقة بين انعدام الأمن الاقتصادي والألم البدني. انتقلنا بعد ذلك إلى المختبر لتحديد مستوى التناسب فيما بينهما.

وفي سلسلة من التجارب، طلبنا من المشاركين عشوائياً تذكر أو توقُّع حدوث انعدام أمن اقتصادي لهم، ثم قسنا آلامهم بعد ذلك. وكانت النتائج هي ذاتها: فعندما يشعر الناس بعدم الأمان الاقتصادي، سواءً واقعياً أو عبر التفكير به، تزيد معاناتهم من آلام جسدية.

وإذا كان انعدام الأمن الاقتصادي مؤلماً، فهل يقلل هذا من تسامحنا مع الألم؟ لمعرفة ذلك، طلبنا أولاً من الطلاب الجامعيين غمر أيديهم في ماء بارد جداً لأطول فترة ممكنة. وهو ما قدم لنا فترة قياسية يمكن الاستناد لها لدرجة تحمل الألم. ثم أطلعنا أولئك الطلاب الجامعيين على أهمية شهادتهم الجامعية ضمن سوق العمل الذي سيدخلون إليه مستقبلاً، وقلنا لنصفهم، عشوائياً، إن شهادتهم الجامعية سوف تحميهم من اضطراب اقتصادي وشيك، وللنصف الآخر إن شهادتهم الجامعية ذات قيمة محدودة، وأن نسبة تعرضهم للبطالة أو العمل براتب ضئيل ستكون مرتفعة.

تساوت المجموعتان في البداية – ممن سيتخرجون من الجامعة ذاتها – في مستويات تحمل الألم قبل ما قيل لهم، لكن قلّت نسبة تحمّل الألم للمجموعة التي قيل لها إنها قد تواجه انعدام الأمن الاقتصادي بـ 25%. أما تلك التي قيل لها العكس، فلم يتأثر تحملها للألم.

لماذا يتسبب الأمن الاقتصادي بأذى جسدي؟ من المُحتمل أن يكون السبب متجذراً في النفس البشرية ذاتها؛ فعندما يواجه الناس انعدام الأمن الاقتصادي، عادة ما يشعرون بفقدان السيطرة. والشعور بالسيطرة أحد العناصر الأساسية للرفاه. وعندما يفقده المرء، يميل جسده إلى إظهار تجاوب قليل واستجابة مختلفة للمنبهات، فيُظهر ضعفاً وعتبة ألم أقل.

ولم نكن أول مَن يقارن آثار الأمن الاقتصادي على الاستجابة البشرية، فقد برهنتْ الدراسات أن مُطالبة الفقراء بالتفكير في مواردهم المالية يؤدي إلى إعاقة أدائهم المعرفي، بينما لا تحدث أي تغيير لدى الأثرياء. ومجرد حمل نقود في اليد أو وضعها كشاشة توقف (أو حافظة الشاشة screen saver) في الكمبيوتر، قد يتسبب في قيام الأشخاص بالتبرع بشكل أقل لدور الأيتام والتركيز أكثر على أهدافهم.

ولكن يتجاوز بحثنا الإحساس الموضوعي بانعدام الأمن الاقتصادي، فقد أظهرنا أنه يمكن لانعدام الأمن الاقتصادي أن يُثير استجابة الألم لدى الأفراد في أي وقت على امتداد فئات الدخل والوضع الاقتصادي الاجتماعي، من المدراء التنفيذيين في المرتبة الإدارية الوسطى، إلى العمال في المعامل، مروراً بالطلاب الجامعيين ممن هم على وشك دخول سوق عمل قاس. ولتلك الفئات كلها، يُحدد التفسير الذاتي للناس لعدم أمانهم الاقتصادي مقدار الألم المحتمل أن يتعرضوا له.

أين يتركنا هذا؟ لدينا هنا بعض الاقتراحات

أولاً، يجب الإقرار بوجود قضيتين اجتماعيتين رئيستين:

الأولى هي عدم الأمان الاقتصادي، والثانية هي ارتفاع استهلاك مسكنات الألم، وهما مترابطتان. وينبغي هنا للوكالات الحكومية تنسيق جهودها بدلاً من معالجة كل قضية على حدة. كما يجب أن يكون الهدف الشامل لهذا الجهد المشترك تعزيز الرفاه العام من خلال استعادة شعور الناس بالسيطرة الشخصية، إضافة إلى السيطرة على تعاطي المخدرات وسد الفجوة في الدخل. وقد نتمكن من حل المشكلتين في وقت واحد، من خلال استهداف العملية النفسية الأساسية التي تربطهما.

وينطبق الشيء نفسه على القطاع الخاص:

فيتحمل أرباب العمل أكثر من 50% من التكلفة الاقتصادية عندما يعاني موظفوهم من آلام جسدية. فعلى سبيل المثال، دفع أرباب العمل ما يزيد عن 27 مليار دولار عام 2015 بسبب سوء استخدام المواد الأفيونية وحدها. ولكن إذا فهمتْ المؤسسات الرابط بين انعدام الأمن الاقتصادي والإفراط في استخدام مسكنات الألم، سوف تتاح لها فرصة فريدة لتحقيق توفير في التكاليف؛ فسوف يتمكن أرباب العمل من زيادة انخراط العمال في العمل وتعزيز إنتاجيتهم عبر إنشاء مكان عمل يشعرون نفسياً أنه أكثر أماناً لهم، والسماح لهم بتحكم أكبر في جوانب وظائفهم المختلفة، الأمر الذي سيقلل بدوره من آلامهم الجسدية والتكاليف المترتبة على ذلك.

وتشير هذه النتائج المتعلقة بموضوع العلاقة بين عدم المساواة في الدخل والألم الجسدي أيضاً إلى كيفية تحسين ممارسات الرعاية الصحية. فمن المهم أن ندرك وجود مجموعة متنوعة من العوامل تساهم في مقدار الألم الذي يتعرض له الشخص. فبدلاً من التركيز فقط على الحصول على التاريخ الطبي للشخص، علينا أيضاً قياس إحساسه الشخصي بالرفاه المالي وشعوره بالسيطرة. وينبغي لمقدمي الرعاية الصحية التفكير مرتين قبل تقليل أدوية الألم لأولئك الذين يتعرضون لمشكلة مالية، فربما يعانون من ألم أكبر بكثير مقارنةً بمرضى لا يشعرون بالقلق حول كيفية سداد فاتورتهم الطبية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .