بحث: ما الرابط بين فترات الركود والألم الجسدي؟

4 دقائق
فترات الركود الاقتصادي
بلاكريد/غيتي إميدجيز

ملخص: من المعروف أن تجاربنا العقلية والجسدية غالباً ما يرتبط بعضها ببعض ارتباطاً وثيقاً. تعرض المؤلفة في هذه المقالة بحثاً استكشف هذا الارتباط على نطاق واسع. إذ حللت المؤلفة ومَن شارك معها في إعداد البحث بيانات واردة من 1.3 مليون شخص في 146 دولة على مدى 10 سنوات لدراسة العلاقة بين معدلات البطالة الوطنية ومستويات الألم المبلغ عنها، ووجدا أن الزيادة بنسبة 3% في معدل البطالة لدى السكان كانت مرتبطة في المتوسط بزيادة قدرها 1% في عدد الأشخاص الذين أبلغوا عن شعورهم بآلام جسدية. وأظهر التحليل أيضاً أن هذا التأثير كان أكبر فيما بين النساء؛ فعندما زادت معدلات البطالة، زادت مستويات الألم لدى النساء مقارنة بالرجال. بناءً على هذه النتائج، تقترح المؤلفة أنه في أثناء فترات الركود الاقتصادي خاصة، ينبغي لأصحاب العمل اتخاذ خطوات لتعزيز الأمن المالي للموظفين وشعورهم بالتحكم والسيطرة ومعالجة العوامل الأخرى التي يمكن أن تؤدي إلى آلام نفسية وبالتالي جسدية.

 

أظهرت الدراسات أن نحو 30% من البالغين يعانون آلاماً جسدية حادة أو متقطعة أو مزمنة. وعلى الرغم من أن هذا قد يبدو مشكلة جسدية بحتة، تشير البحوث إلى أن العوامل النفسية مثل الصدمات والقلق والتوتر يمكن أن تخلق شعوراً حقيقياً بالألم كالذي تسببه الإصابات أو الأمراض الجسدية.

استكشفت بحوث سابقة هذه الظاهرة على نطاق واسع على المستوى الفردي، ووثقت كيف يمكن أن تؤثر الصحة النفسية والعاطفية للأفراد في صحتهم البدنية. وفي بحثي الأخير استكشفت أنا وأندرو أوزوالد، الذي شارك معي في إعداد البحث، كيف يمكن للحالة الاقتصادية أن تؤثر على مستويات الألم على صعيد وطني. حللنا بيانات واردة من 1.3 مليون شخص في 146 دولة على مدار 10 سنوات، ووجدنا أنه كلما كان أداء الاقتصاد أسوأ في وقت ومكان معينين (وهو ما يُقاس بمعدلات البطالة)، زاد عدد الأشخاص الذين أفادوا بمعاناتهم من آلام جسدية. ففي عينتنا العالمية، كانت الزيادة بنسبة 3% في معدل البطالة بين السكان مرتبطة في المتوسط بزيادة قدرها 1% في عدد الأشخاص الذين أفادوا بشعورهم بآلام جسدية.

ومن المثير للاهتمام أننا وجدنا أن الوضع الوظيفي للأفراد لم يكن مهماً بقدر معدل البطالة الإجمالي: في أوقات الأزمات الاقتصادية، أبلغ الأشخاص عن زيادة شعورهم بالألم بغض النظر عما إذا كانوا يعملون أو عاطلين عن العمل. حددنا أيضاً تفاوتاً كبيراً بين الجنسين: كانت الزيادة في مستويات الألم في أثناء فترات الركود الاقتصادي أكبر فيما بين النساء مقارنة بالرجال.

إذاً، ما الذي يمكن أن يكون وراء هذه التأثيرات؟ أظهرت الدراسات أن التوتر والقلق ومشكلات الصحة النفسية الأخرى يمكن أن تؤدي إلى أحاسيس جسدية مؤلمة. إذ من المحتمل أن يؤدي تفاقم الأمور التي يمر بها الأشخاص في أثناء فترات الركود الاقتصادي، مثل انعدام الأمن المالي والوظيفي وحالة عدم التيقن وفقدان السيطرة على الحياة، إلى آلام نفسية يمكن بدورها أن تسبب ألماً جسدياً. ويدعم ذلك أيضاً هذا البحث الذي يشير إلى أن الآلام النفسية والجسدية تنشط مسارات عصبية مماثلة في الدماغ، ما يعني أن المشاعر السلبية يمكن أن تثير أحياناً أحاسيس جسدية سلبية.

أما بالنسبة إلى الفوارق بين الجنسين التي حددناها، فهناك بالطبع العديد من العوامل التي لها دور في ذلك. فحقيقة أن المرأة هي التي تكون مسؤولة على الأرجح عن المهمات المنزلية، بما في ذلك القرارات المالية، يمكن أن تفسر سبب شعور النساء بألم أكبر من الرجال خلال الفترات التي يكون فيها التخطيط المالي أكثر إثارة للتوتر والقلق. تشير البحوث أيضاً إلى أنه خلال فترات الركود الاقتصادي عادة ما تعاني النساء من زيادة المطالب وضعف السلطة في العمل، ما قد يسهم على الأرجح في زيادة مستويات التوتر والألم لديهن. وأظهرت الدراسات أيضاً أن البطالة غالباً ما تكون مرتبطة بزيادة العنف المنزلي، ما قد يؤدي إلى شعور النساء بالألم على نحو غير متناسب.

من المؤكد أن هناك أسباباً لا حصر لها تجعل الأشخاص يعانون من آلام جسدية، ويمكن أن يكون من الصعب للغاية تحديد العديد منها، فضلاً عن القضاء عليها. ولكن بحثنا يسلط الضوء على عامل غالباً ما يتم تجاهله وهو يمكن أن يسهم بشكل كبير في الشعور بالألم الجسدي على صعيد المجتمع بأكمله، وربما يمكن معالجته من خلال التدخلات المحددة الأهداف.

على وجه التحديد، استعادة الأشخاص إحساسهم بالسيطرة في الظروف الاقتصادية الصعبة يمكن أن تساعد على تخفيف آلامهم الجسدية. ولتحقيق هذه الغاية، لا سيما في أثناء فترات الركود الاقتصادي، ينبغي لأصحاب العمل اتخاذ خطوات لتعزيز الأمن المالي للموظفين. ويمكن أن يعني هذا تقديم تعهد بعدم تسريحهم من العمل أو التأكيد على أنالموظفين هم مَن يتحكمون في وظائفهم ومساراتهم المهنية أو تقديم برامج قروض في حالات الطوارئ لمساعدتهم على إدارة أي نفقات غير متوقعة. ويمكن لأصحاب العمل أيضاً مساعدة الموظفين على الشعور بالأمان المالي والسيطرة من خلال إبلاغهم بالمخاطر وخطط الطوارئ بوضوح، ما يقلل من فرص حدوث مفاجآت غير سارة.

بالإضافة إلى ذلك، أظهر بحث أنه بالنسبة إلى العاملين بالساعة، يمكن أن يكون القلق إزاء جدول العمل مصدراً رئيسياً للشعور بالتوتر. فنظراً إلى عدم الاستقرار المالي المرتبط بعدم معرفة عدد الساعات التي ستتمكن من العمل فيها وعدم القدرة على التحكم في حياتك اليومية والتخطيط لها، يمكن أن تسهم جداول العمل المتضاربة وغير المتوقعة إلى حد كبير في الشعور بآلام نفسية وجسدية. لمعالجة هذا الأمر، ينبغي لأصحاب العمل إيجاد طرق لمنح العاملين القدرة على التحكم في جداول أعمالهم، أو على الأقل يجب إخطارهم مسبقاً قدر الإمكان عند تحديد الورديات. فهذا يمكن أن يساعد الموظفين على تنسيق جداولهم على نحو أفضل مع أفراد الأسرة الآخرين وزيادة إحساسهم بالسيطرة والتخفيف من توترهم.

لا توجد إجابات سهلة أو حلول موحدة للتحديات المتنوعة التي يمكن أن تسبب ألماً للناس. ولكن زيادة الوعي بكيفية تأثير الاقتصاد على التجارب الفردية هي خطوة أولى حاسمة. ومن المهم أيضاً الإشارة إلى أن الأمر لا يتعلق بمجرد شعور بعدم الراحة؛ إذ يمكن أن يكون للألم الجسدي آثار مالية كبيرة على أصحاب العمل، ما قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات التغيب عن العمل وأخذ المزيد من الإجازات المرضية وزيادة سرعة دوران الموظفين. في الواقع، هناك سبب يدعو إلى الاعتقاد بأن الألم الجسدي قد يكون محركاً لانخفاض حجم قوة العمل الأميركية منذ عام 2007؛ فقد أظهرت إحدى الدراسات أن ما يقرب من نصف الرجال الذين خرجوا من قوة العمل يتناولون أحد أدوية تسكين الألم.

بالطبع يمكن أن يكون الألم ناتجاً عن مشكلة جسدية في كثير من الأحيان، ولكن من المهم الاعتراف بأنه قد يكون للعوامل الاجتماعية والنفسية دور أيضاً، وأنه يجب معالجة هذه العوامل بالسرعة نفسها التي نعالج بها الأمراض الجسدية. يضيف بحثنا سبباً آخر يدعو العلماء وقادة الشركات وصناع السياسات إلى البحث بعمق أكبر في الأسباب الجذرية للألم الجسدي، وإيجاد طرق لتحسين الرفاهية الفردية والمؤسسية والمجتمعية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي