ملخص: إن سبق أن بكيت في العمل، فأنت تعلم مدى ما قد يسببه بكاؤك من إحراج لك بالفعل. قد تقلق بشأن ما يعتقده زملاؤك عنك أو بشأن المخاطر التي قد تعترض مكانتك المهنية بعد ثورة غضبك. وتقدم الكاتبة نصائح تساعدك على التعافي بقوة ومهنية بهدف تقليل أثر البكاء في العمل والتأكد من ألا تضر تلك الحادثة بسمعتك: 1) أعد تأطير المشكلة. 2) امنح نفسك وقتاً لتهدئة أعصابك. 3) ركز على مواصلة العمل. 4) ضع خطة في المرة القادمة. 5) التمس مزيداً من المساعدة إن كنت في حاجة إليها.
"هل أنتِ بخير؟" سألتني امرأة غريبة وهي تنقر على كتفي خارج مكاتب شركتي في مانهاتن. نظرت إليها بخدود رطبة ومتوردة ومسحت دموعي من عيني.
كنت قبل دقائق أحضر اجتماعاً للفريق عندما أدلى مديري بتعليق مهين قلل من شأن خلفيتي المهنية وجلسات التدريب التي حضرتها. حطّمت ملاحظته عزيمتي، وكانت كالقشة التي قصمت ظهر البعير، لا سيّما مع عبء العمل الهائل الذي أحمله على عاتقي بالفعل. وعلى الرغم من رغبتي في الدفاع عن نفسي والتأكيد على قدراتي في الاجتماع، تلعثمت في الكلام وأحسست بتورم في حنجرتي. ولتجاوز الموقف، تمتمت بكلمة "عذراً" بينما كنت أهرع خارج الباب بعيداً عن أنظار زملائي في العمل.
شعرت آنذاك بندم عميق وخجل من رد فعلي. لكن ما لم أدركه هو أنني كنت واحدة من 45% من المهنيين الذين بكوا في العمل. وأعتبر نفسي من بين 20% من الأشخاص ذوي الحساسية العالية؛ ما يعني أنني أفكر وأشعر بكل شيء بعمق أكبر من الآخرين. وتثبت البحوث التي أُجريت على مدى عقود أن الحساسية لا تعني ضعفاً في الشخصية، بل ترتبط تلك السمة بالمعالجة العميقة التي تجري في المناطق المتعلقة بالعاطفة والوعي الذاتي وحيوية التجارب في الدماغ.
ربما ذرفت دمعة في المكتب أنت أيضاً، ربما عندما لم تمض جلسة مراجعة الأداء كما خططت لها أو عندما تلقيت أخباراً سيئة عن أحد أفراد أسرتك. وعلى الرغم من أننا نربط البكاء بالفقد والحزن عادة، قد يكون بكاؤنا رد فعل على الغضب أيضاً. إذ يبكي كثير من الناس عندما يشعرون بالإحباط أو القلق أو الشغف العميق بعملهم، أو عندما يعتقدون أنهم مستنزفون بالعمل. وتساءل العديد من عملائي على مدار العام الماضي بالفعل عن كيفية التعافي من البكاء في العمل. ولا يُعتبر سؤالهم ذلك غريباً، إذ يتعرض الموظفون لضغوط كبيرة ويواجهون معدلات قياسية من الاحتراق الوظيفي، وهو ما يجعل مشاعرهم تتأجج وتزداد احتمالية بكائهم في العمل، حتى عندما تكون الفرق موزعة. وبدلاً من أن يبكي الموظفون اليوم في الحمام، أصبحوا يوقفون تشغيل كاميراتهم لاستعادة رباطة جأشهم.
إن سبق أن بكيت في العمل، فأنت تعلم مدى ما قد يسببه بكاؤك من إحراج لك بالفعل. قد تقلق بشأن ما يعتقده زملاؤك عنك أو بشأن المخاطر التي قد تعترض مكانتك المهنية بعد ثورة غضبك (لا سيما بالنسبة للنساء). ما الذي يمكنك فعله إذاً لتقليل أثر بكائك في العمل والتأكد من ألا تضر تلك الحادثة بسمعتك؟ إليك كيفية التعافي بقوة ومهنية.
أعد تأطير المشكلة
لن ينهي بكاؤك في العمل حياتك المهنية. وتظهر البحوث بشكل عام أن الآخرين هم أكثر تعاطفاً مما قد نتخيله. ووجدت دراسة استقصائية شملت أكثر من 2,000 مسؤول من كبار المسؤولين التنفيذيين أن 44% من القادة في المناصب التنفيذية العليا يعتقدون أن البكاء في العمل هو أمر طبيعي من وقت لآخر، في حين يعتقد 30% آخرون أنه ليس للبكاء أي تأثير سلبي على نظرة الآخرين لك في العمل.
ضع تلك الحقائق في اعتبارك ومدّ نفسك بالتعاطف. وامتنع عن النقد الذاتي الصارم والأحكام التي لن تؤدي إلا إلى تفاقم ألمك. وطمئن نفسك بدلاً من ذلك أن لحظة واحدة لن تحدد هويتك وأن الصعوبات هي جزء من الحياة. وذكّر نفسك أن تلك المشاعر طبيعية ومتوقعة في مكان العمل، وأنها قد تمثّل قوة عظمى عند استغلالها بشكل صحيح. وعلى الرغم من أن بكاءك في العمل قد لا يكون من اللحظات التي تفخر بها، فقد يكون لمشاعرك جانب آخر، بمعنى أنها قد تمثّل مصدراً إيجابياً يساعدك على اتخاذ قرارات أفضل والتعاطف مع الآخرين.
امنح نفسك فرصة لتهدئة أعصابك
لن تكون في أفضل حالاتك في حال سيطرت عليك عواطفك. لذلك، اطلب إيقاف المحادثة مؤقتاً عندما تبدأ ذرف الدموع. على سبيل المثال، اقتطع 5 دقائق من وقتك تهدئ فيها أعصابك، واخرج من الغرفة أو أوقف تشغيل الكاميرا، فقد يُفيدك التغيير السريع للوضع وبعض الأنفاس العميقة في التخلص من ردود الفعل العاطفية المتزايدة بسرعة.
ووجدت الدراسات أن القادة الذين يلجؤون إلى تعديل المواقف عبر تغيير البيئة الخارجية لتقليل تأثير العواطف هم الأكثر نجاحاً في تنظيم ردود أفعالهم. كما أن إدراك حاجتك إلى الراحة وطلبها بطريقة دبلوماسية يشير إلى تمتعك بالإدارة الذاتية والذكاء العاطفي، وهما صفتان قياديتان لا غنى عنهما وتشكلان 90% من السمات التي تميز أصحاب الأداء العالي عن غيرهم.
عالج حادثة بكائك بشجاعة
قد تتمثّل غريزتك الأولى في الاعتذار عن أنك شخص "تبالغ في إظهار عواطفك" أو تجعل الآخرين يشعرون بالانزعاج. تجنب ذلك لأنك ستجد نفسك في وضع مجحف بتقديمك تفسيرات قد تكون خاطئة وبالتقليل من شأن نفسك. تجنب أيضاً كبح مشاعرك وتجاهلها. وكما أقول أحياناً، ما تقاومه يستمر؛ أي كلما حاولتَ كبح مشاعرك، ازدادت قوتها.
لذلك، من الأفضل أن تستجيب لها من موضع قوة. ابدأ بالإقرار برد فعلك بدلاً من إخفائه، كأن تقول: "أنا ملتزم جداً بتحقيق النجاح في هذا المشروع كما ترون، وهو ما دفعني إلى إبداء رد الفعل العاطفي ذلك". كما يُنظر إلى الموظفين الذين ينسبون دموعهم إلى العاطفة أنهم أكثر كفاءة وقابلية للترقية، وجاء ذلك بحسب إحدى الدراسات.
ركز على مواصلة العمل
يشير تأثير الحداثة إلى أننا غالباً ما نتذكر السلوك الأخير. لذلك، إذا كنت ترغب في الحفاظ على سمعتك أو تعزيزها بعد بكائك في العمل، فركز على خلق انطباع إيجابي في تفاعلك التالي. اجعل ردك مرتكزاً إلى إيجاد الحلول والتخطيط للمستقبل، كأن تقول مثلاً:
- أقدر حقاً علاقة العمل بيننا وأرغب في جعل هذا المشروع ناجحاً. متى يمكننا الاجتماع مرة أخرى للتوصل إلى اتفاق بشأن كيفية المضي قدماً؟
- شكراً لك على موافاتي بتعليقاتك اليوم؛ أنا ممتن حقاً لكل الملاحظات التي شاركتها معي وأعمل على اتخاذ خطوات عملية لتنفيذ ما ناقشناه.
- أبديت رد فعل قوي اليوم لأنني منهمك في تغيير الأولويات في الشركة. وأود مراجعة عبء عملي معك وتحديد ما يمكن تفويضه أو إلغاؤه في الوقت الحالي.
وبالمثل، ابذل جهداً إضافياً في مشروعك التالي، إذ يُظهر تقديم أداء يفوق المعيار المتوقع أنك شخص مرن وقادر وملتزم.
ضع خطة في المرة القادمة
غالباً ما يحدث البكاء في العمل بشكل مفاجئ نتيجة جهلك بكيفية التعامل مع مشاعرك التي تظهر في لحظة معينة، لا سيّما إذا كنت شخصاً شديد الحساسية. لهذا السبب، من المهم أن تكون مسلحاً باستراتيجيات تمكنّك من توجيه مشاعرك قبل أن تتغلب عليك.
يمكنك تهدئة نفسك دون ذرف الدموع عن طريق التحكم في أنفاسك. ويمكنك تجربة تمرين التنفس قبل خوض مواجهة مثيرة للتوتر أو بعدها أو في أثنائها، وهي طريقة تستخدمها قوات العمليات الخاصة بالفعل. حاول الاحتفاظ بكوب من الماء المثلج بالقرب منك، واشرب منه عندما تشعر أن الدموع ستنهمر من عينيك (استجابة لمخاوفك). يمكنك أيضاً تبديد مخاوفك بالتركيز على شيء صغير في يدك مثل كرة مطاطية أو ميدالية أو قلم.
اطلب مزيداً من المساعدة إذا كنت في حاجة إليها
إن البكاء في العمل من حين لآخر هو أمر طبيعي. لكن إذا وجدت نفسك تبكي بانتظام في المكتب، فقد يكون من الحكمة أن تلتمس دعماً من معالج. قم بإشراك الأطراف المناسبة إذا كانت دموعك ناتجة عن التنمر أو سوء المعاملة. وخذ الوقت الكافي لتقيّم ما إذا كنت تعمل في بيئة تدعم نموك وصحتك العقلية على أفضل وجه.
وتذكر أن إظهار مشاعرك هو من طبيعتك البشرية. وأن ما يجعلك قائداً عظيماً هو كيفية استجابتك وأسلوب تواصلك عندما تُظهر ردود الفعل العاطفية تلك. كما أن قدرتك على السيطرة على مشاعرك وردود أفعالك ستعكس مقدار قوتك وثقتك التي سيحترمها الآخرون.