لماذا ترتبط الإنتاجية بالأنظمة وليس بالموظفين؟

5 دقائق
تحسين الإنتاجية والكفاءة للشركة

ملخص: السعي لتحسين الإنتاجية الفردية أمر صحي وجدير بالاهتمام. ومع ذلك، فإن فوائد معظم النصائح التي تقدم بشأنه تحسين الإنتاجية محدودة، إلا إذا كنت تعمل بصورة مستقلة وليس ضمن شركة. وكي تحقق أثراً حقيقياً في الأداء، يجب أن تعمل على مستوى النظام، لا على مستوى الفرد. يقترح المؤلف 4 طرق لتحسين الإنتاجية والكفاءة للشركة عن طريق إجراء التغييرات على المستوى التنظيمي. أنشئ نظاماً من الاجتماعات المتسلسلة التي تسمح برفع المشكلات إلى مستوى المسؤولية التالي في أوقات محددة؛ واستخدم أنظمة تمثل المرحلة التي وصل إليها العمل بصورة مرئية كي يستطيع الموظفون الذين يعملون على نحو تعاوني رؤية النقطة التي وصل إليها العمل في المشروع؛ ووضح الطريقة التي يجب على الموظفين اتباعها في التواصل بناء على تعقيد المشكلة وخطورتها؛ واحرص على أن يتمتع الموظفون المسؤولون عن إنجاز المهمات بالسلطة اللازمة لاتخاذ القرارات الضرورية.

يسعى القادة دائماً إلى تحسين الإنتاجية في المؤسسة، وهي تشمل إنتاجيتهم هم أيضاً. لكن في كثير من الأحيان لا يتعدى سعيهم هذا قيام قسم الموارد البشرية بتدريب الموظفين على مهارات إدارة الوقت. وتشمل جلسات التدريب هذه التعريف بالإيجابيات والسلبيات في كل من أسلوب إدارة البريد الإلكتروني المسمى "تصفير صندوق البريد" (Inbox Zero)، وتقنية "بومودورو" لإدارة الوقت، ومصفوفة إيزنهاور لترتيب الأولويات في العمل، ونهج إنجاز الأعمال لإدارة الحياة والعمل، وعدد لا يحصى من الأساليب الأخرى التي تعذبنا وتعدنا بالوصول إلى ذروة الإنتاجية. لكن، بما أن الموظفين لا يزالون غارقين بالعمل والرسائل الإلكترونية وغير قادرين على التركيز على الأولويات الأساسية، فلا بأس من القول إن حيل رفع الإنتاجية هذه لا تجدي نفعاً.

لا تكمن المشكلة في المنطق الجوهري لأي من هذه الأساليب، وإنما في عدم قدرتها على أخذ حقيقة بسيطة في حسبانها، وهي أن معظم الموظفين لا يعملون بمعزل عن الآخرين، بل يعملون في مؤسسات معقدة تتميز بالترابط المتبادل بين الموظفين، وهذا الترابط المتبادل غالباً هو ما يوقع الأثر الأكبر على الإنتاجية الفردية. ربما كنت تتمتع بسرعة كبيرة في التعامل مع البريد الإلكتروني، لكن مع الزيادة الهائلة في أعداد الرسائل الإلكترونية، (فضلاً عن المراسلات الفورية وتويتر ولينكد إن وسلاك وغيرها من وسائل التواصل التي لا تعد ولا تحصى)، لن تكون سرعتك كافية للتعامل مع جميع الاتصالات الواردة. وكذلك الأمر، ستتداعى تصنيفاتك للأعمال العاجلة أو الضرورية على طريقة "مصفوفة إيزنهاور" عندما يطلب منك الرئيس التنفيذي التوقف عما تفعله وتولي مسألة أخرى على الفور.

قال خبير الإحصاء والمستشار الإداري الشهير ويليام إدواردز ديمينغ في كتابه "خارج الأزمة" (Out of the Crisis) إن 94% من أهم مشكلات التحسين واحتمالاته ترجع إلى النظام، لا إلى الفرد. وأقول بدوري إن ذلك ينطبق على تحسين الإنتاجية. فمن الممكن أن تكون الحلول الشخصية مفيدة، لكن العلاج الأنجع لتدني الإنتاجية وانعدام الكفاءة يطبق على مستوى النظام، لا على مستوى الفرد.

فيما يلي 4 إجراءات علاجية للمساعدة.

رتب الاجتماعات في الشركة وفق تسلسل محدد

أنشأ كثير من المؤسسات عالية الإنتاجية نظاماً للاجتماعات اليومية المتتالية، مع تسلسل واضح لرفع جميع المشكلات. يبدأ الاجتماع الأول الذي يضم موظفي الخطوط الأمامية عند بداية يوم العمل، ويبدأ الاجتماع التالي الذي يضم المشرفين بعده بثلاثين دقيقة، ثم يجتمع المدراء بعد ذلك بثلاثين دقيقة أيضاً، ويجتمع بعدهم مدراء الإدارة ثم نواب الرؤساء ثم الفريق التنفيذي. تعمل هذه المجموعات على معالجة المشكلات عند أدنى مستوى ممكن، وإذا لم تتوصل إلى قرار، ترفع المشكلة إلى المستوى التالي. يساعد هذا النظام على تحسين الروابط بين المسؤولين في المناصب التنفيذية العليا والموظفين في الخطوط الأمامية، ويسرع عملية صنع القرار، وربما كان الأهم هو أنه يحسن الإنتاجية عن طريق تقليل عدد الرسائل الإلكترونية العشوائية المتعلقة بمشكلات متنوعة.

احرص على أن يكون العمل مرئياً

تكون غالبية الأعمال في المكاتب غير مرئية، إذ تبقى حبيسة أجهزة الكمبيوتر ورؤوس الموظفين. ولذلك يكون من الصعب معرفة ما يعمل عليه الموظفون وما إذا كانوا مثقلين بأعباء أكبر مما يجب، وليسوا قادرين على أخذ مزيد من العمل على عاتقهم. يمكن توزيع العمل على نحو منصف أكثر عن طريق لوحات المهام المادية أو الافتراضية، مثل "تريلو" (Trello) أو "أسانا" (Asana) أو "إيرتيبل" (Airtable)، أو "زينكيت" (Zenkit)، حيث يتم تمثيل كل مهمة ببطاقة تحدد الموظف الذي يؤديها والمرحلة التي وصل إليها من العمل. كما تنهي هذه البطاقات الحاجة لإرسال عدد لا يحصى من الرسائل الإلكترونية للتحقق من حالة العمل، وتلغي الحاجة إلى التحدث عن هذا الموضوع في الاجتماعات. عملت مرة مع باحث رئيسي في مختبر أبحاث طبية، وقد أسس نظاماً مماثلاً تماماً، ولاحظ أن العمل أصبح ينجَز بسرعة أكبر وبجهود أقل بكثير.

وبالمثل، فإن إمكانية معرفة مدة التوقف عن العمل ستكون مفيدة بنفس الدرجة. عملت الأستاذة في كلية هارفارد للأعمال، ليزلي بيرلو مع بوسطن كونسلتينغ جروب، وتوصلت من خلال هذا العمل إلى أن تطبيق نظام "أوقات الانقطاع المعروفة" أدى إلى رضا وظيفي أكبر وتوازن أفضل بين الحياة والعمل من دون المساس بالخدمة المقدمة للعملاء. ويتمثل هذا النظام في أن يحدد الموظف أوقاتاً في فترتي بعد الظهر والمساء مثلاً يكون فيها منفصلاً تماماً عن العمل والأجهزة اللاسلكية، أو أن يحدد أوقاتاً لحجب الرسائل الإلكترونية أو العمل من دون مقاطعة. في هذه الحالة، تؤدي إمكانية معرفة أوقات الانقطاع وظيفة "إمكانية الرؤية"، إذ تتيح للموظفين "رؤية" ما يفعله زملاؤهم والتصرف بما يلائم.

حدد "إشارة الاستدعاء"

يتذكر عشاق فيلم الرجل الوطواط "باتمان" أن الشرطة كانت تستدعي البطل "باتمان" عن طريق ضوء يرسم صورة وطواط في السماء المظلمة. لم تستخدم إشارة الاستدعاء إلا في أوقات الأزمات، مثلاً، عندما أفلت المجرم "الجوكر" وأصبح حراً طليقاً، وليس عند وقوع مشكلات بسيطة كتخلف أحد الخارجين عن القانون عن دفع مخالفة وقوف في مكان ممنوع. أي كما قال الفيلسوف الكندي مارشال ماكلوهان، كانت الوسيلة بحد ذاتها هي الرسالة. للأسف، لا تملك معظم الشركات وسائل مشابهة للإشارة إلى أن المسألة هي حالة طوارئ حقيقية. ومن دون الاتفاق على قناة التواصل التي سيتم استخدامها، يجد الموظفون أنفسهم مجبرين على تفقد جميع منصات المراسلة الرقمية حرصاً على ألا يفوتهم شيء هنا أو هناك. وهذا الأمر مضر بالإنتاجية. يمكن أن تجعل الشركات العمل أسهل على موظفيها إذا حددت قنوات التواصل التي تستخدم لكل من المسائل العاجلة وغير العاجلة.

عملت مع شركة لتصنيع أجهزة طبية أعدت نظام التواصل التالي من أجل توضيح الأدوات التي يجب استخدامها في كل حالة. عاد هذا النظام بفائدة كبيرة، فقد تحرر الموظفون من الحاجة إلى تفقد جميع الرسائل الإلكترونية الواردة بحثاً عن المسائل العاجلة. فتمكنوا من التركيز على العمل الذي يستدعي تفكيراً عميقاً من دون مقاطعة، وشعروا بالأمان لعدم ضرورة التنبه سوى للرسائل النصية أو المكالمات الهاتفية. لاحظ أن الأهمية لا تكمن في نظام التواصل بحد ذاته، بل في اتباع نظام وحسب. 

أفضل وسيلة لإرسال رسالتك

احرص على مواءمة المسؤولية مع السلطة

في كثير من الأحيان يكون الموظفون مسؤولين عن أداء المهام ولكن لا يتم منحهم السلطة لتحقيق النتائج. تؤدي حالة عدم التواؤم هذه إلى الإحباط والتوتر والإرهاق. مثلاً، في شركة لصنع الأحذية تبلغ قيمتها 500 مليون دولار كنت قد عملت معها، قرر المؤسس والرئيس التنفيذي، الذي لم يعد له دور في تطوير المنتج منذ زمن طويل، أنه لا يحب طرازاً معيناً من الأحذية كان فريق الإنتاج قد صممه. فأوقف نقل شحنة كانت في طريقها إلى الولايات المتحدة تحمل أحذية تبلغ قيمتها 400 ألف دولار وحوّل مسارها إلى إفريقيا، حيث تم تفريغ الشحنة بأكملها بخسارة مالية. لم يشعر نائب رئيس قسم تطوير المنتجات بالإحباط فحسب، بل اضطر لتغيير سير عمله فجأة وفي اللحظة الأخيرة كي ينفذ قرار الرئيس التنفيذي. القاعدة بسيطة، إذا كان الموظف مسؤولاً عن نتيجة ما، فيجب أن يتمتع بالسلطة التي تخوله اتخاذ القرارات اللازمة من دون أن يضطر إلى الانخراط في سلسلة لا نهائية من رسائل البريد الإلكتروني أو الاجتماعات أو العروض التقديمية.

تعتبر الهيكلية الإدارية "المتشابكة" في شركة التصنيع "دبليو إل غور آند أسوشيتس" (W.L. Gore & Associates) مثالاً رائعاً عن تطبيق هذه الفكرة. فالشركة التي تبلغ قيمتها 3 مليارات دولار توزع مسؤوليات القيادة على نطاق واسع في المؤسسة بأكملها، وتتيح للموظفين اتخاذ القرارات منخفضة الخطورة بأنفسهم، ولا تلزمهم بالحصول على موافقة كبار المسؤولين إلا في القرارات عالية الخطورة. قضت شركة "غور" عقوداً من الزمن في تطوير ثقافتها وأنظمتها وعملياتها وصقلها من أجل دعم هيكليتها التنظيمية الفريدة، لذا قد يصعب على الشركات الأخرى تقليد نموذجها. لكن على الرغم من ذلك، فهذا النموذج مثال عن طريقة التفكير التي تؤدي إلى تطوير الإنتاجية الفردية والمؤسسية على حد سواء.

السعي لتحسين الإنتاجية الفردية أمر صحي وجدير بالاهتمام. ومع ذلك، فإن فوائد معظم النصائح التي تقدم بشأنه تحسين الإنتاجية محدودة، إلا إذا كنت تعمل بصورة مستقلة وليس ضمن شركة. وكي تحقق أثراً حقيقياً في الأداء، يجب أن تعمل على مستوى النظام، لا على مستوى الفرد.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي