أحد الموظفين الشباب في شركتنا الكائنة في وادي السيليكون، وهو موظف شاب مصاب بالسرطان، تقدم إلينا بطلب للحصول على المزيد من الإجازات المرضية من أجل تلقي جلسات علاج وعمل فحوصات ما بعد السرطان، بينما طلب موظف آخر -وُلد في فيتنام ثم سافر واستقر مع والديه في الولايات المتحدة- يوماً واحداً في الشهر يتمكن فيه من العمل عن بُعد، حيث سيسافر إلى جنوب وسط لوس أنجلوس للعمل في مناوبة عمل مزدوجة في متجر المشروبات لدى والديه، إذ إن قيامه بالعمل على حاسوبه المحمول هناك سيمنح الفرصة لوالديه بالحصول على استراحة قصيرة من أيام العمل التي تصل إلى 16 ساعة من العمل اليوميّ،
تغيير طريقة إدارة الموظفين
تبدو هذه الطلبات كمطالب معقولة قد يُوافق عليها أي مدير يتمتع بقدر من الإنسانية، وبصفتنا مدراء لهؤلاء الموظفين، فقد وافقنا بالفعل على كِلا الطلبين.
على الرغم من ذلك، فإن القواعد غير المُعلنة في وادي السيليكون والتي تتمثل في الوصول إلى أقصى إنجاز ممكن، قد تمنع غالباً مثل هؤلاء الموظفين من ذكر احتياجاتهم تلك لمدرائهم في العمل. أحد المفاهيم الشائعة هنا هو أنه إذا لم تكن تنام تحت مكتبك، فأنت لست ملتزماً بما يكفي - وهو ما نشير إليه أحياناً باسم "الرأسمالية القاتلة"، فنحن لا نسعى فقط إلى أن ينجز موظفونا أعمالهم – وهو أمر مقبول – بل نريد أن نراهم يستميتون في العمل داخل مكان العمل وخارجه أيضاً. وهو ما يعتبر موقفاً متكرراً خاصة مع عدم تحديد عائد استثماري واضح، كما أنه يعيد إلى أذهاننا الجملة الساخرة التي أطلقها غاري فينرتشاك في أثناء نقاشه مع إحدى خبيرات رأس المال الاستثماري التي كانت تسأله عن مدى جدوى نشاطه التجاري الجديد، حيث استمرت في تكرار نفس السؤال "ولكن ما هو العائد على الاستثمار في هذا الإنفاق؟"، وأخيراً قام بالمقاطعة متهكماً "ولكن ما هو العائد على الاستثمار في أسرتك؟!"، بعبارة أخرى، لا يمكن حساب كل قيمة الشركة بالأرقام فقط.
بدلاً من أن تتم معاقبة الموظف بسبب احتياجه للوقت للتعامل مع أحد تحديات الحياة أو أحد الأمراض الجسيمة - أو حتى لحضور مباراة كرة قدم لأحد أطفاله - نؤمن بأنه ينبغي على المدراء تشجيع الموظفين على الاستمتاع بحياة غنية خارج أماكن العمل.
لقد وجدنا أن تشجيع الموظفين على أن يكونوا مبدعين ومستقلين - لا أن يعملوا كجنود مطيعين يتلقون الأوامر ضمن سلسلة القيادة - يجعل الجميع يشعرون بأن لديهم مصلحة في تحقيق نتائج إيجابية للمؤسسة التي يعملون بها، وهو ما أثبتته الدراسات أيضاً.
تشير مقالة نشرت في مجلة هارفارد بزنس ريفيو؛ إلى دراسة بحثية في جامعة ميشيغان، حيث وجدت أن الموظفين يتميزون عند العمل في أجواء "إيجابية ومريحة"، ويشمل ذلك التعامل معهم باحترام وتعاطف، فضلاً عن تقدير قيمة مساهماتهم. كما أن حُسن التعامل يمكن أن يعزز كفاءة الموظفين ويؤدي إلى مزيد من النجاح الذي يحرزونه. إن الأفراد الذين يعاملون بلطف واحترام يعملون حرفياً اعتماداً على وظائف المخ النابعة من (قشرة ما قبل الجبهية)، وهي إحدى مناطق المخ المرتبطة باتخاذ القرارات الدقيقة والإبداع والتفكير التجريديّ، بدلاً من منطقة (لوزة المخيخ)، المرتبطة بالاستجابة العنيفة المعروفة باسم "الكرّ والفر".ّ
قد يحصل المدير صعب المراس على نتائج على المدى القصير، لكنه يزرع بذور الفشل الجوهري على المدى الطويل، كما أظهرت نتائج أبحاث كل من الباحثتين إيما سيبالا من جامعة ستانفورد، وكريستين بوراث من كلية الأعمال بجامعة جورجتاون.
إننا على قناعة بأن فريق العمل الذي يتمتع بالثقة والاحترام والإعجاب، والذي يعمل لمدة 40 ساعة عمل أسبوعياً، سوف يتفوق على فريق يتميز بنفس القدر من الكفاءة ولكنه يتسّم بالخوف وعدم الثقة والشعور المستمر بنقص الموارد، ويعمل بشكل محموم بمعدل 80 ساعة أسبوعياً. إذ تشير المؤشرات الإحصائية بأغلبية مُطلقة إلى أن أكثر من 50 ساعة عمل أسبوعياً ستؤدي بالفعل إلى انخفاض إنتاجية العمل.
لا يتساوى الخوف مع الاحترام، كما أن حسن التعامل لا يتناقض مع الكفاءة، فالأشخاص الذين يعتقدون أن عملهم يُفيد الآخرين حقاً، والذين يُعامَلون باحترام في مكان العمل، يحققون - بكل بساطة - نتائج أفضل.
مقترحات لتغيير نظام إدارة الموظفين
بالنسبة للمدراء الراغبين في التغيير مِن نظام قائم على الضغط والخوف إلى أسلوب إداريّ أكثر إنسانية، يُمكننا أن نقترح عليهم ما يلي:
كُن واضحاً في الإجابة عن سؤال "لماذا"، وليس أسئلة "ماذا" تُقدم أو "كيف" تقدّم مُنتجك أو خدمتك، فالأهم هو الاحتياج الجوهريّ العميق الذي يتم تلبيته بواسطة المنتج أو الخدمة، والدوافع الخاصة بك، والمشاعر التي توفرها لعملائك.
اِحرص على فهم ما يهم أحد الأشخاص، سواء كان ذلك الشخص عضواً في فريق المبتدئين في العمل من الخريجين الجدد، أو رجل أعمال مُخضرم، وحاول أن تدرك تماماً ما الذي يهتم به هذا الشخص. قد تبدو هذه النصيحة واضحة، ولكن غالباً ما يتم نسيانها في صخب الضغوط من أجل تسليم العمل.
حاول مكافأة الأفراد الحريصين على العطاء. احرص تماماً على مكافأة الأشخاص الذين يتصفون بالعطاء، وعليك الحذر من أولئك الذين يأخذون دائماً دون عطاء.
اِمنح الذين يأخذون أيضاً، ولكن باعتدال، وفقط إذا كان ذلك بشكل طارئ وعاجل.
اقرأ أيضاً: ضغوط العمل وكيفية التعامل معها
انضم إلى المجموعات التي تشاركك نفس القيم حول العمل، واِجتمع معهم كثيراً، واحرص على مساعدة الجميع بقدر ما تستطيع وتلقي المساعدة منهم أيضاً. قد لا تكون المنافع فورية أو واضحة في البداية، ولكن تكمن الفائدة التراكمية في ضمان تميز وازدهار الجميع.
اقرأ أيضاً: حلول مقاومة التغيير