هل يتحول الواقع الافتراضي إلى الطريقة المعتمدة للتدريب في الشركات؟

4 دقائق
الواقع الافتراضي أفضل وسيلة للتدريب في الشركات

يُستخدم الواقع الافتراضي (VR) منذ عقود من الزمان في تدريب الجنود والجراحين ورواد الفضاء، إذ تتمثل أفضل وسيلة للتعلم في التطبيق العملي وتقديم الملاحظات للمتعلم حال ارتكابه أخطاء، ومن هنا اعتُبرت خطوط العمل عالية المخاطر بمثابة تطبيقات طبيعية للوسيط، إلا أن تكلفة الواقع الافتراضي شهدت تراجعاً ملحوظاً على مدار السنوات القليلة الماضية، وجرى التوسع في استخدام التقنيات التكنولوجية في الشركات الكبرى المدرجة على قوائم "فورتشن 500"، حيث يتدرب الموظفون العاملون في قطاعات مثل البيع بالتجزئة والخدمات اللوجستية وخدمة العملاء في أوساط الواقع الافتراضي لتحسين مستوى أدائهم في عملهم.

وسوف أركز في هذا المقال على ثلاث دراسات حالة حول تدريب الموظفين: تستند إحدى هذه الدراسات إلى تعلم الإجراءات المادية، وتستند الثانية على "المهارات الشخصية" التحادثية، أما الثالثة فتستند إلى الثقافة المؤسسية. وقد تناولت دراسات الحالة الثلاث العائد على الاستثمار، وشمل كل منها آلاف الموظفين حتى إن حجم العينة البحثية بلغ حداً لم يُسمع به في الدراسات الأكاديمية للواقع الافتراضي. وأُجريت الدراسات بواسطة شركة "ستريفر" (Strivr) المتخصصة في توفير المنصات التعليمية المكثفة القائمة على الواقع الافتراضي. [إفصاح: شاركت في تأسيس "ستريفر" والأمثلة المذكورة هنا تخص عملاء للشركة].

طريقة أكثر فاعلية لتعلم الإجراءات

هناك المئات من الدراسات الأكاديمية حول التدريب الإجرائي، والأدبيات متكاملة بما يكفي لتشمل عدداً من التحليلات المتعمقة للنتائج، مثل مقارنة تدريب الجراحين من خلال تقنية الواقع الافتراضي بغيرها من التقنيات. وتشير النتائج بصورة عامة إلى أن التدريب بتقنية الواقع الافتراضي تعادل التدريب المباشر، وتدعم المدخرات الاقتصادية للواقع الافتراضي أو تقليل الوقت اللازم للتدريب باستخدام الواقع الافتراضي مقارنة بالتقنيات التقليدية، كما أن التطبيقات الأوسع نطاقاً لهذا البحث الأكاديمي تعكس هذه الاتجاهات.

تعتبر شركة "وول مارت" واحدة من أحدث الأمثلة في هذا السياق، فقد دربت الشركة أكثر من مليون من منتسبيها بتقنية الواقع الافتراضي. وكان مساق "The Pickup Tower" واحداً من أكثر المساقات استخداماً، وهو في الأساس عبارة عن منفذ كبير يتيح للعملاء تسلّم الطلبات عبر الإنترنت. تلقى المتدربون تعليمات تفصيلية حول كيفية تشغيل هذه الآلة الجديدة، مع ملاحظات فورية عند ارتكابهم لأي أخطاء. كان الموظف قبل الواقع الافتراضي يمضي يوماً كاملاً في التدريب داخل متاجر مخصصة لهذا الغرض على وجه التحديد، مصحوباً ببعض التدريب العملي وبعض التعلم الإلكتروني. قلل الواقع الافتراضي وقت التدريب من 8 ساعات إلى 15 دقيقة دون أن تتأثر فاعليته سلباً بأي حال من الأحوال. وهكذا يمكن القول إن الواقع الافتراضي وفر أكثر من مليون يوم عمل كامل نظراً لاحتياج كافة منتسبي "وول مارت" في مختلف أنحاء البلاد إلى التدريب على مساق "The Pickup Tower"، وهو ما علّق عليه هيذر دورتشي، كبير مدراء تصميم المحتوى وتطويره في "وول مارت"، قائلاً: "يمكنك حساب المدخرات بعملية حسابية بسيطة".

مكان آمن لتعلم المهارات الشخصية

شهد الطلب على التدريب على "المهارات الشخصية" لتحسين مستوى خدمة العملاء والمهارات الإدارية زيادة ملحوظة خلال العام الماضي. وتستند حالات الاستخدام هذه إلى أساس متين في العمل الأكاديمي، فقد لجأت الدراسات العديدة إلى استخدام الواقع الافتراضي لتعليم مخاطبة الجمهور. ويمثل الواقع الافتراضي نقطة تحول جذرية من حيث السهولة والتكلفة نظراً لارتفاع تكلفة تجهيز غرفة مليئة بأشخاص حقيقيين، كما أثبت الواقع الافتراضي قدرته على تحقيق توازن ملموس في مختلف التجارب، فهو مكثف بما يكفي لأخذ التدريب على محمل الجد من قبل المتدربين، ولكنه يوفر أيضاً بيئة آمنة، حيث يكون المتعلمون أقل تحرجاً في التحدث بصراحة مقارنة بالتحدث مع أشخاص حقيقيين.

أنشأت شركة "فيرايزون" (Verizon)، على سبيل المثال، مساقاً لتدريب موظفي مركز الاتصال على كيفية التعامل مع العملاء الغاضبين دون تصعيد شكاواهم، حيث يتدرب المتدربون على التحدث والاستماع النشط خلال محادثة تتزايد فيها حدة التوتر مع عملاء افتراضيين. ووفقاً للبيانات الداخلية التي جمعتها "فيرايزون"، فقد أدى استخدام الواقع الافتراضي إلى ازدياد معدلات اتساق التدريب وفاعليته، وقلل وقت تدريب الموظفين من 10 ساعات لكل شخص إلى 30 دقيقة فقط. يقول كليو سكوت، مدير إدارة التعليم والتطوير الدولي في "فيرايزون لخدمات الأعمال": "عندما عادوا إلى العمل وتتبعنا مستوى تقدمهم من خلال المشرفين، وجدنا أن الموظفين أصبحوا أكثر ثقة في أنفسهم لأنهم صاروا أكثر وعياً بأنفسهم فيما يخص كيفية التعامل مع العميل".

أفضل من التدريب على أرض الواقع في بعض الأحيان

يتمثل أحد التحديات التي تواجه الشركات، خاصة خلال أزمة "كوفيد-19"، في استيعاب الموظفين الجدد للمعايير الثقافية للمؤسسة، وعلى الرغم من أن دراستي الحالة اللذين تمت مناقشتهما أعلاه تمثلان امتدادين لأبحاث منشورة سابقاً، فإن فكرة تدريب الشعور العام للمجموعة وشخصيتها لا تستند إلى سابقة أكاديمية في المجمل العام. وتعتمد سلسلة "سبراوتس فارمرز ماركت" (Sprouts Farmers Market) للمتاجر المركزية على ثقافة الموظف لتمييز علامتها التجارية، مع التركيز على القيم الأساسية مثل "احترام وخدمة بعضنا البعض" و "تبني أسلوب حياة صحية". وتحتاج "سبراوتس" إلى إعداد موظفيها الجدد مع استمرارها في فتح متاجر جديدة وتعيين موظفين جدد في مختلف أنحاء البلاد.

نجحت "سبراوتس" في ابتكار مجموعة من تجارب الواقع الافتراضي المصممة لتجسيد هذه القيم الأساسية، فقد صار بمقدور الموظف الذي يصادف أماً قلقة على ابنها إثر اكتشافها أنه مصاب بالحساسية من الغلوتين، على سبيل المثال، أن يعرّفها على كيفية التسوق للحصول على نظام غذائي جديد، أو يقرر الموظف تقديم البطيخ لعميل مسن لا يستطيع القيادة لإحضار طعامه المفضل، وبذلك طبقوا ما يسميه اختصاصيو علم النفس المعرفي النموذج المثالي، مع تسليط الضوء على عدد من أبرز الأمثلة التي تعمل جنباً إلى جنب لتسليط الضوء على موضوع تجريدي، وتم اختبار مجموعة فرعية مكونة من حوالي 300 موظف للتعرف على مستوى استيعابهم المفاهيمي للقيم الأساسية، بحيث تمت مراعاة تلقي نصفهم التدريب بتقنية الواقع الافتراضي وتلقي نصفهم التدريب باستخدام برنامج الباوربوينت. ووُجِد أن 48% ممن تلقوا التدريب بتقنية الواقع الافتراضي قد تعلموا كافة المفاهيم الستة بصورة مثالية، مقارنة بنسبة 3% فقط ممن استخدموا الأساليب التقليدية. لخصت سيندي شيكاهيسا، نائبة رئيس عمليات المتاجر بشركة "سبراوتس" الأمر على النحو التالي: "أشعر بالسعادة البالغة لأننا طبقنا هذه التجربة قبل اندلاع "أزمة كوفيد-19". لا أستطيع أن أتخيل توظيف الآلاف من الأشخاص -وهو ما قمنا به خلال الأشهر القليلة الماضية- ومحاولة منحهم تجربة تأهيلية رائعة لإعدادهم كوظفين جدد إبان تفشي الجائحة".

ظهر الواقع الافتراضي قبل اندلاع أزمة "كوفيد-19"، لكن الجائحة العالمية واضطرار المؤسسات إلى العمل عن بُعد أديا إلى التعجيل باستخدام مثل هذه الأدوات. وقد نجحت هذه الشركات الثلاث في تحقيق النمو على الرغم من الأزمة، وتتزايد أيضاً حاجتها إلى تدريب الموظفين بصورة آمنة وفاعلة وبكفاءة عالية على نطاق واسع، ويعتبر الواقع الافتراضي الوسيلة المثالية لهذه اللحظة التاريخية.

اقرأ أيضاً: أساليب القيادة وأنماطها

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي