تزداد أهمية دور علم البيانات في تنظيم إدارة التغيير، وإن لم يصبح حقيقة واقعة بعد، لكن حان الوقت لتستعد الشركات والمؤسسات للأمر. إذ أنّ الشركات التي ستكون مؤهلة بصورة أفضل للتغيير في العقد المقبل هي تلك التي أعدت نفسها جيداً منذ اليوم من خلال جمع البيانات المناسبة والاستثمار في قدراتها التحليلية. فماذا عن أهمية البيانات من أجل التغيير؟
يكمن مفتاح بناء نماذج تنبؤية في معرفة ما الذي ترغب التكهن به وجمع حزم واسعة ومتنوعة من البيانات التي تمكّنك من فعل ذلك. ومع أنّ الطريق الذي يؤدي إلى بناء نماذج تنبؤية من أجل إدارة التغيير لا يزال طويلاً، إلا أنه يمكن للشركات أن تضع نفسها على المسار الصحيح من خلال اعتماد الأدوات الصحيحة ورصد وجمع البيانات الصحيحة. وفي ما يلي 5 خطوات نرى أنه يمكن للشركات والمؤسسات أن تتخذها من دون أن تشعر بالندم في ما بعد.
أهمية البيانات من أجل التغيير
البدء باستخدام أدوات إشراك رقمية
يتوفر جيل جديد من أدوات مشاركة آراء الموظفين بصورة آنية. وهذه الأدوات بدأت تحل محل مسوحات رأي الموظفين غير المتماشية مع العصر. إنها الأدوات التي تخبرك أكثر بكثير مما يعتقده الموظفون كل عام. ولهذه الأدوات صلة واضحة بإدارة التغيير ويمكنها المساعدة على الإجابة عن أسئلة مثل: هل يجري تقبّل تغيير ما بصورة متساوية عبر المواقع المختلفة؟ هل يُتقن بعض المدراء أفضل من غيرهم إيصال الرسائل إلى الموظفين؟
اقرأ أيضاً: ما هو التنظيم الإداري
نعمل مع شركة سفر وسياحة كبيرة على إدخال نظام يرصد آراء الموظفين في الوقت الحقيقي. يعطينا هذا الفرصة لاختبار مختلف استراتيجيات التغيير لدى عينة مختارة من المبحوثين في الشركة. ويعني استبيان الآراء بصورة آنية أننا سنتعلم بسرعة كبيرة كيف جرى تقبّل تكتيكات التواصل أو الإشراك، فيتسنى لنا بالتالي التحسين والتوصّل إلى الحلول الأمثل خلال أيام بدلاً من أسابيع مثلما كان يحصل مع النهوج التقليدية.
اقرأ أيضاً: بسّط البيانات كي يتمكن فريقك من استخدامها
يمكن بعدها تلقيم هذه البيانات في نموذج تنبؤي وهو ما يساعدنا على المعرفة وبدقة أي الإجراءات ستؤدي إلى تسريع تبني ممارسة جديدة أو إجراء أو سلوك لدى مجموعة معينة من الموظفين. تستبين الأدوات المتوفرة تجارياً مثل استطلاعات معامل الذكاء الثقافي (Culture IQ) مجموعات من الموظفين عبر تطبيق للهاتف الذكي على أساس يومي أو أسبوعي للحصول على آراء متعمقة بصورة آنية. وتذهب منصة واغل دوت كوم (Waggl.com) أبعد من ذلك عبر خلق محادثة مستمرة مع عدد من الموظفين بشأن مسعى للتغيير يتيح لمدراء التغيير ربط هذا الحوار بمدى تقدم المبادرات التي يشرفون على تنفيذها. يمكن لهذه الأدوات أن تترك بالفعل تأثيراً كبيراً على برامج التغيير ولكن تدفق البيانات الذي تخلقه يمكن أن يتسع في معرض تعلمنا كيف نبني نماذج تنبؤية للتغيير. ويكتسي استخدامها اليوم أهمية كبيرة في ضمان نجاح مبادرات التغيير المعتمد على البيانات في المستقبل.
تطبيق علم تحليل وسائل الاتصال الاجتماعي للتعرف على مشاعر الأطراف المؤثرة
يمكن أن يذهب مدراء التغيير أبعد من حدود الشركة بحثاً عن آراء توفر رؤية عميقة بشأن تأثير برامج التغيير. والعملاء وشركاء التوزيع والوكلاء والموردين والمستثمرين، على سبيل المثال لا الحصر، يمثل جميعهم أطرافاً مؤثّرة مهمة من أجل برامج التغيير. وهم سيعقبون على الأرجح أكثر مما يفعل الموظفون عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشأن التغييرات التي تقوم بها الشركة، ويقدّمون بالتالي رؤية قد تكون مهمة تبعاً لكيفية إجابتهم. طورنا في شركة إرنست آند يونغ التي يعمل فيها البعض منا، أداة لتحليل وسائط التواصل الاجتماعي باسم "سمارت" (SMAART) يمكنها فهم المشاعر داخل مجموعتي المستهلكين والمؤثرين. وتمكّنا في إطار مشروع لشركة صيدلانية من عزل مصادر المعلومات المحددة التي كانت وراء المشاعر الإيجابية والسلبية تجاه علامة العميل التجارية. وبدأنا الآن بتطبيق هذه الأساليب لفهم التأثير الخارجي لجهود التغيير ويحتاج الأمر مجرد قفزة بسيطة لتعميم هذه الطرق داخل الشركة.
اقرأ أيضاً: أنظمة مكافحة الاحتكار ومنع الشركات من جمع كم هائل من البيانات
ويعني التقدم المحرز في تحليل الدلالات النصية أنه يمكننا اليوم التقاط إشارات حول السلوك من خلال اختيار الناس للكلمات، فحتى استخدام أدوات التعريف والضمائر يمكن أن يساعد في الكشف عن مشاعر شخص ما. وسيوفر تطبيق هذه الأدوات على بريد الشركة الإلكتروني المغفل الاسم أو الحوار على أدوات مثل واغل دوت كوم، رؤية عميقة جديدة حول مدى الاستعداد للتغيير وردود فعل الموظفين على مختلف المبادرات. وسيكون ما نجمعه من بيانات خلال تحليل التواصل التداخلي أقوى عندما تُدمج مع بيانات قنوات التواصل الخارجية.
رصد وجمع بيانات مرجعية عن مشاريع التغيير الجارية
تبدو الشركات في كثير من الأحيان مستغرقة تماماً في قياس التحولات الجزئية في الأداء التشغيلي، والتقاط بيانات المبيعات، ودوران المخزون، وكفاءة التصنيع. مع ذلك، فعندما يأتي التغيير، قلة هم من يتتبعون الأداء من مشروع لمشروع في ما عدا معرفة أي من هذه المشاريع حقق أهدافه. وعلى الرغم من أنّ المشاريع لديها سمات فريدة، يوجد العديد من أوجه الشبه بين تحسين الإجراءات، وتغيير النظام، والاندماج والاستحواذ، ومشاريع إعادة التنظيم. وهناك فرص لرصد معلومات عن الفريق المعني، والمنخرطين في التغيير، وكم من الوقت استغرق تطبيقه، وما هي التكتيكات التي استخدمت، وغيرها. ربما إنشاء مجموعة بيانات مرجعية بهذه الطريقة لا يثمر على الفور، ولكن مع تنامي مجمل مجموعة البيانات، فإنها ستسهل على الشركات إنشاء نماذج تغيير تنبؤية دقيقة.
اقرأ أيضاً: 5 طرق قد تفشل بها استراتيجية البيانات الخاصة بك
استخدام البيانات لاختيار من يتولى أدوار التغيير
تستخدم الشركات منذ عقود منهجيات قائمة على البيانات من أجل اختيار مرشحين للمناصب الإدارية العليا. وتلجأ بعض الشركات اليوم مثل شركات بيع التجزئة إلى التحليل التنبؤي لاختيار الموظفين الذين يتعاملون مع الزبائن في الخطوط الأولى. يمكن لتوظيف هذه الأدوات لدى تشكيل الفريق أن يحسّن أداء المشروع ويساعد في إنشاء حزمة جديدة أخرى من البيانات على حد سواء. وإذا خضع كل قائد تغيير وعضو فريق لاختبار القياس النفسي وللتقييم قبل المشروع، يمكن أن تصبح هذه البيانات متغيرات تؤخذ في الحسبان خلال البحث عن نموذج سببي (causal model) حول ما يمكن أن يقود إلى مشاريع تغيير ناجحة. يمكن أن يمتد هذا حتى يشمل أدواراً ذات صفة أقل رسمية مثل "عناصر التغيير"، ما يتيح للشركات اختيار الأمثل للدور، بناء على ما تعرفه عن الصفات الشخصية الناجحة لتولي هذه الأدوار. وعلى هذا المنوال، تكتسب شركة التكنولوجيا حديثة النشأة في كاليفورنيا ليدر تكنولوجيز (LEDR Technologies) أساليباً تقنية للتنبؤ بأداء الفريق. إذ تقوم الشركة بدمج مصادر البيانات وتستخدمها لمساعدة الفرق للتعرف مسبقاً على التحديات التي تواجهها مع القوى الداخلية المحركة للفريق أو ديناميات الفريق (team dynamics) فتقوم بإزالتها قبل حدوثها.
إنشاء لوحة عرض
نتخيل لدى كل شركة لوحة عرض مُعدة خصيصاً لتلبية احتياجاتها يتم تطويرها بالاشتراك مع فريق قيادة الشركة لتعكس أولوياتها وموقعها التنافسي وخططها المستقبلية. بهذه الطريقة يمكن من خلال لوحات العرض استشفاف الرؤى بشأن استثمارات محددة توظفها الشركة في مجال التحول. وتتوفر الكثير من البيانات التي تُستقى منها هذه المؤشرات في الأصل اليوم، ولكن لا يتم جمعها. لقد بنى أحد عملاء شركة تشينج لوجيك (Change Logic) لوحة عرض من أجل التعرف على حالات الاستقطاب والتسرب الوظيفي بين أصحاب المواهب التي لا غنى عنها للشركة. إنها ليست متطورة مقارنة مع بعض النماذج التي نتوقعها، لكن مع هذا يتعلم من خلالها الفريق الإداري استخدام البيانات لاتخاذ قرارات تتعلق بالناس.
سيتطلب بناء مثل هذه الأدوات وقتاً. ونحن نؤمن بأنّ على الشركات البدء منذ اليوم بإنشاء لوحات عرض وأن تجعلها تعمل بصورة آلية عندما يتسنى ذلك. فلوحات العرض الخاصة بالتغيير هي اليوم حساسة لمسائل المراقبة والضبط والأخطاء البشرية والسياسات الداخلية. وجعل لوحات العرض تعمل بصورة آلية من شأنه أن يمنحها مزيداً من الشفافية والموضوعية.
وفي حين تجمع الشركات المزيد من البيانات وتبني نماذج أكثر دقة، سيتمكن مدراء التغيير من استخدامها بثقة لوضع استراتيجيات تُمكّن الشركات من تحقيق أهدافها. من هي الأطراف المؤثرة المعنية؟ وما هي النهوج التي تنجح مع مجموعات تتشارك في هذه الخصائص؟ ما هي المخاطر المتصلة ببرامج تتشارك هذه السمات؟ ما هي الأساليب التي تسرّع تحقيق الربح التجاري، وما هي تكلفتها النسبية؟ ما هي الأسباب والنتائج المتصلة بأنواع محددة من الاستثمار، على سبيل المثال، تطوير القيادة، الأنشطة التي يُدعى إليها عدد كبير من الموظفين، وتدفق الاتصالات؟ هذه كلها أسئلة ستجيب عليها البيانات وستشكل أساساً لوضع خطط التحول المُعدة وفق احتياجات الشركة.
ليس من السهل تطوير مثل هذه القياسات علاوة عن أنها تستغرق وقتاً. فهي ليست عبارة عن منشآت تُبنى لمرة واحدة وينتهي الأمر، وإنما تتطلب سنوات من الالتزام والمتابعة في رصد وجمع المعلومات وبناء النماذج وتنقيح لوحات العرض. يتطلب تكوين مجموعات موثوقة من البيانات التي يمكن الاستفادة منها وقتاً. ولا شك في أنّ جودة البيانات مسألة مهمة للجميع، وبالمثل الحاجة إلى لغة بيانات مشتركة تتيح للشركات معرفة أنها تقيس ما تنوي فعلاً قياسه. لقد طرح الأمر مشكلة في تحليل البيانات ضمن مجالات أخرى وما من سبب يجعلنا نعتقد أنّ إدارة التغيير ستكون بمنأى عنها.
وعلى الرغم من أنّ الأمر سيستغرق بعض الوقت، لكننا سنتمكن من إغلاق حلقة السببية والتنبؤ بصورة موثوقة كيف سيغيّر إجراء ما أو مبادرة في برنامج تغيير بعينه قيمة قياسية مُعينة. سيؤدي هذا إلى تحويل الاستثمار في التغيير من كونه عملاً نابعاً مما نؤمن به حيال أمر ما إلى قرار أو حكم يستند إلى البيانات. ستنتقل إدارة التغيير من كونها اختصاصاً معرفياً متصلاً بمشروع محدد يكافح من أجل تبرير الاستثمار الملائم لتصبح اختصاصاً يقدم المشورة بشأن النتائج التجارية وكيف يمكن تحقيقها. وينبغي أن يؤدي هذا أخيراً إلى تراجع أحد قياسات برامج التغيير التي نعرفها جميعاً ألا وهو معدل الفشل. ومن خلال ذلك، نتمكن في النهاية من حل اللغز الكبير المتصل بسبب فشل الكثير من محاولات التحول نحو تعزيز أهمية البيانات من أجل التغيير.
اقرأ أيضاً: اجعل من البيانات ركيزة أساسية لفريقك