هذا ما ستخسره إذا بالغت بالاعتقاد حول حجم الخلافات بين الأجيال في مكان العمل

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ألق نظرة في محيط عملك ستجد أناساً من جميع الأعمار، خاصة أن كثيراً من الأميركيين يستمرون في العمل لما بعد الخامسة والخمسين. في الواقع، تعتقد “جمعية إدارة الموارد البشرية” (Society for Human Resource) أن هناك خمسة أجيال كاملة في قوة العمل اليوم، تبدأ من الجيل الصامت (مواليد الحقبة ما بين 1925-1942) حتى الجيل زد (جيل الألفية). فماذا عن اختلافات الأجيال في مواقع العمل وطرق حلها؟

تأثير الاختلافات بين الأجيال

نتيجة لهذا التنوع العمري في بيئة العمل، دارت نقاشات حول مدى تأثير الاختلافات بين الأجيال في آلية عمل مؤسساتنا. إذ لا يرغب جيل الألفية في التواصل مع زملاء العمل إلا من خلال الرسائل النصية، في حين لا يتواصل جيل الطفرة السكانية بالرسائل النصية، أليس كذلك؟ كما أنك بحاجة إلى استقطاب شباب الألفية البارعين في التقنيات التكنولوجية من خلال منحهم وعوداً بقبول مواعيد عمل مرنة، لكن زملاءهم الأكبر سناً يريدون العمل بالدوام التقليدي، أليس كذلك؟ كلا، هذه في الواقع اعتقادات خاطئة.

اقرأ أيضاً: كيف تستطيع فرق العمل المدارة ذاتياً تسوية النزاعات؟

تستنتج معظم الأدلة المتوافرة حول اختلافات الأجيال في التفضيلات والقيم أن الفوارق بين هذه المجموعات محدودة تماماً. في الواقع، ثمة تنوع ملحوظ في التفضيلات والقيم داخل أي من هذه المجموعات. فمثلاً، كشف تحليل شامل لـ20 دراسة مختلفة لحوالي 20 ألف شخص عن وجود اختلافات صغيرة ومتضاربة في توجهات العمل عند المقارنة بين مجموعات من أجيال مختلفة. وعلى الرغم مما قد يتعرض له الفرد خلال مسيرته المهنية من تغيرات في احتياجاته واهتماماته وتفضيلاته ونقاط قوته، فقد وُجد أنه لا يوجد دليل على ثبوت الاختلافات الجماعية الكبرى القائمة فقط على العمر أو الجيل.

ومن ثَم، لا تشكل الاختلافات الفعلية بين الأجيال أهمية حقيقية في مواقع العمل، بل معتقدات الناس حول وجود تلك الاختلافات. فتلك المعتقدات قد تعوق سبل تعاون الموظفين مع زملائهم في العمل، وتحدث آثاراً مزعجة في طريقة تدريب الأفراد وأسلوب إدارتهم.

فما سبب معتقداتنا المغلوطة بشأن العمر؟

هناك مسار بحثي جديد في مجال علم النفس الصناعي المؤسسي يبحث المعتقدات المتعلقة بالسن من زاويتين مختلفتين لكنهما متشابكتان. تعمل الأولى منهما على التصورات النمطية وتبحث محتوى وأثر المعتقدات عن الأفراد من أي فئة عمرية مختلفة؛ مثل الصورة النمطية عن الشباب بأنهم نرجسيون.

وهناك مبحث أحدث نسبياً أيضاً حول اختلافات الأجيال في مواقع العمل يطلق عليه التصور النمطي البعدي، الذي يبحث فيما نؤمن بأنها معتقدات الآخرين بشأننا بناءً على الفئة العمرية.  فالشباب، إذاً، قد يخشون اعتقاد الآخرين بأنهم نرجسيون، حتى لو كان الآخرون لا يعتقدون ذلك فعلاً. فإذا حدث كل من هاتين العمليتين في مقر عمل متنوع الأعمار في الوقت ذاته، فسوف يتبنى الموظفون على الأرجح أفكاراً انفعالية متسرعة حول ما يجب أن يكون عليه الآخرون (الصور النمطية)، وفي الوقت ذاته سيفترضون أن الأشخاص أنفسهم يحتفظون لهم بصور نمطية أخرى (الصور النمطية البعدية).

ويشير بحثنا إلى أن أماكن العمل تزخر بالصور النمطية المتعلقة بالأعمار والصور النمطية البعدية، كما يشير إلى أن هذه المعتقدات ليست دقيقة دائماً وغير متسقة. ففي استطلاع رأي أُجري على 247 موظفاً شاباً (18 – 29 سنة)، ومتوسطي الأعمار (33 – 50 سنة)، وكبار السن (51– 84 سنة)، وصف المشاركون السمات التي قد تكون موجودة في فئة عمرية أخرى (صورهم النمطية). ووصفوا كذلك السمات التي يعتقدون أن الآخرين يؤمنون بتوافرها في فئتهم العمرية (الصور النمطية البعدية).

وقد اختلفت أنماط إجاباتهم باختلاف الفئة العمرية؛ فالصور النمطية عن العاملين كبار السن كانت إيجابية إلى حد كبير وشملت عبارات من قبيل “يتحمل المسؤولية”، و”مجتهد”، و”ناضج”. أما العاملون كبار السن أنفسهم فقد أبدوا قلقهم من أن يراهم الآخرون “مملين”، و”عنيدين” و”غاضبين”. وكانت الصور النمطية لمتوسطي العمر إيجابية أيضاً إلى حد كبير (“أخلاقيون”)، وكانوا يعتقدون أن أفراد الفئات العمرية الأخرى سوف يرونهم بصورة إيجابية أيضاً (“مفعمون بالحيوية”).

اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع الخلافات بين أعضاء فريقك؟

أما الصور النمطية عن شباب العاملين فكانت أقل إيجابية نوعاً ما، ذلك أنها كانت طيفاً من الصور النمطية التي تتراوح بين الإيجابي (“متحمسون”)، وصولاً إلى التصورات السلبية (“عديمو الخبرة”). ومع ذلك، فقد اعتقد شباب العاملين أن الآخرين يرونهم بطريقة أكثر سلبية مقارنة بما رأوهم عليه بالفعل (“يفتقدون إلى الحافز” و”يعوزهم الإحساس بالمسؤولية”). وبشكل عام، تظهر النتائج أن كلاً من العاملين كبار السن والشباب يعتقد أن وجهات نظر الآخرين فيهم سلبية بشكل أكبر مما هم عليه فعلاً. وهذه الحالات تؤكد أن أياً من الصور النمطية العمرية أو الصور النمطية البعدية ليس دقيقاً.

كيف تؤثر المعتقدات غير الدقيقة حول السن في مواقع العمل؟

على الرغم من عدم دقة معتقدات الناس، فإن لها آثار مهمة في شكل التفاعلات في مواقع العمل.  ففي إحدى التجارب المعملية، طلبنا من طلاب جامعيين أن يدربوا شخصاً آخر على مهمة حاسوبية باستعمال خاصية الدردشة في “جوجل”. وطلبنا من طالب جامعي آخر أن يستمع إلى التدريب ثم يؤدي المهمة.  وميزنا ما إن كان كل شخص – المدرب والمتدرب – يبدو كبيراً في السن (53 عاماً تقريباً) أو شاباً (23 عاماً تقريباً) عن طريق برامج الصور وتمييز الأصوات.

فوجدنا أن التصورات النمطية حول قدرة كبار السن على تعلم مهام جديدة تؤثر في جودة التدريب الذي يتلقونه. فحين يعتقد المدربون أنهم يدربون شخصاً أكبر منهم سناً على كيفية أداء عمل حاسوبي، تتقلص توقعاتهم بتحقيق نتيجة إيجابية عما إذا كانوا يعتقدون أنهم يدربون شخصاً أصغر سناً. وتظهر هذه النتائج أن التدريب الأضعف هو نتيجة مباشرة لتصور نمطي عن عمر المتدرب. والعواقب المحتملة لهذه النتائج مخيفة؛ لأن التدريب المتدني يؤدي إلى تعليم منقوص، ما يؤدي في النهاية إلى التأثير في أداء الموظف لمهام وظيفته.

علاوة على ذلك، نجد أن معتقدات الموظفين حول ما يتصوره الآخرون عن فئتهم العمرية – التصورات النمطية العمرية – من الممكن أن تتداخل مع سلوكهم في العمل. فقد فحصت دراسة نُشرت حديثاً طبيعة استجابة الأشخاص للتصورات النمطية العمرية على مدى أسبوع عمل كامل.  وكما هو متوقع، تعامل الموظفون بروح من التحدي (“آهاً، معقول؟ سوف أريهم!”) بل أحياناً يردون بلهجة أكثر تهديداً (“آهاً، لا، ماذا لو تعايشت مع هذه التوقعات السلبية؟”).

والأهم هو أن هذه الاستجابات يمكنها أيضاً التأثير في السلوكيات الشخصية في العمل؛ فالتهديدات والتحديات كلتاهما تؤدي إلى الصراع في العمل (أمور مثل الجدال مع الزملاء أو عدم التوافق معهم)، وسلوكيات التجنب (أمور مثل الانكفاء على الذات وتجنب التعامل مع الآخرين).

وقد أخذنا في الاعتبار أيضاً آثار التصورات النمطية البعدية في علاقات الإرشاد في مجالي القانون والطب، وذلك في دراسة أخرى قدمناها في أحد المؤتمرات مع زملائنا. ففي استطلاعات رأي لثنائيات من المدربين والمتدربين وجدنا أن محاولات المتدرب لتجاوز التصورات النمطية العمرية يكون له أحياناً أثر سلبي في العلاقة بينهما، خاصة حين يحاول المتدرب التقليل من أهمية كونه شاباً بمحاولة الظهور أو التصرف وكأنه أكبر سناً، وعندئذ يصبح مدربوهم أقل دعماً لهم.

ما الذي يجب على المدراء فعله إذاً؟

إن لم تكن هناك فوارق حقيقية ومتسقة بين مختلف الفئات العمرية، بل مجرد تصورات نمطية جماعية أو عمرية تنتهي بخلق تقسيمات عمرية مصطنعة، فما الذي يفترض على المدير فعله؟

أولاً: التحدث بصراحة عن تلك التصورات النمطية العمرية والبعدية خطوة أولى هامة

كما يجب إقران هذه الخطوة بالتدرب على تبني التصورات (من خلال تدريبات تقمُّص الأدوار وتبادلها)، والتعاون فيما بينهم (التأكيد على مميزات العمل في فئات متنوعة عمرياً)، وتبادل القصص بين الموظفين المختلفين عمرياً لمساعدة الأفراد في إدراك تلك التصورات النمطية والانتباه إليها حين تتسلل إلى مقر العمل.

اقرأ أيضاً: إدارة الاختلافات: التحدي الأبرز في الاستراتيجية العالمية

ثمة استراتيجية أخرى فعالة تتمثل في التركيز على الأهداف المشتركة

وبهذا، يمكن للكبار والصغار رؤية أنفسهم جزءاً من الفريق ذاته ويعملون لتحقيق النتيجة ذاتها. وبالتركيز على السمات المشتركة أو التوجهات المشتركة، سيُقلَّل من عقلية “نحن” و”هم”، أو خلق وتعزيز عقلية “الجماعة”.

وفي نهاية الحديث عن طرق حل الخلافات، يمكن للمدراء الاستفادة من تغير الموظفين بمرور الوقت بفعل تبدل الأولويات والمتطلبات والخبرات والقدرات البدنية. وهذه التغيرات تأخذ أشكالاً عديدة. فيشير البحث، مثلاً، إلى أن الأفراد يواجهون ألواناً مختلفة من الصراع بين كل من الحياة العملية والأسرية في مراحل مختلفة من حياتهم، من الشباب إلى أواسط العمر وحتى السن المتقدمة. لكن ليس كل موظف في الفئة العمرية ذاتها ستكون له الخبرات ذاتها التي لدى كل موظف في الفئة ذاتها في الوقت ذاته. ومن ثمّ، فإن الانخراط في حوار مفتوح وممتد مع الموظفين لمناقشة الاحتياجات المتغيرة سيساعد المدراء في تحقيق التكامل بين الموظفين المجتهدين ذوي الخبرة وإسعادهم، والتعاون البنّاء مع الآخرين على المدى الطويل من أجل ضبط تأثير اختلافات الأجيال في مواقع العمل.

اقرأ أيضاً: حضر فريقك للبدء بالعمل وإنهاء النزاعات

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .