عندما تخرجت من الجامعة عام 2001، لم يكن أي من أصدقائي يخطط لإنشاء شركته الخاصة.
كان العمل في كليتَي الطب والمحاماة وقطاعَي التمويل والاستشارات مرغوباً، وكانت الطرق إليه مرسومة بوضوح أمامنا.
قبلت وظيفة في قطاع الإعلانات الذي كان يعتبر ثورياً أكثر مما هو عليه حقيقة، وعملت فيه عدة سنوات وتعلمت كثيراً عن طريقة بناء العلامات التجارية وإيصالها إلى الناس.
لكني أصبت بالتعب والملل من المهمات الموكلة إلي، والمتمثلة بابتكار حملات إعلانية جديدة لمنتجات قديمة ومعطلة لا أهمية لها، ووجدت نفسي غير قادرة على التأثير في المنتجات نفسها. وبدأ السؤال الآتي يراودني وهو: "كيف تكون رائد أعمال؟"
في تلك المرحلة، كنت محظوظة للعمل مع مديرة رائعة أوضحت لي مبدأ بسيطاً أدى إلى تغيير جذري في مساري المهني، إذ قالت لي أنه ليس علي التركيز على مقدار ما أملكه بين يدي، بل على مقدار إمكانيتي في التحكم بالنتائج.
فجأة أدركت سبب شعور الذعر الذي يتملكني كل ليلة أحد، لم يكن بسبب الأمور الكثيرة التي تحدث في العمل، وإنما بسبب عدم قدرتي على التأثير في التغيير.
اقرأ أيضاً: السؤال البسيط الذي يمكنه إنجاح الشركة الناشئة أو إفشالها
بعد ثلاثة عشر عاماً، حالفني الحظ بما يكفي للمشاركة في تأسيس شركة مختصة بالترويج للعلامات التجارية، ومشاركة بعض من أفضل رواد الأعمال في العالم ومساعدتهم في إنشاء شركاتهم وتنميتها مع بناء علاماتها التجارية منذ البداية.
كيف تكون رائد أعمال؟
وعلى اعتباري مؤسِسة أعمل مع العديد من المؤسسين الآخرين، فقد شهدت بنفسي ما يؤدي إلى النجاح وما قد يؤدي إلى الفشل.
وفيما يلي بعض المبادئ التي تعلمتها ويجب على رواد الأعمال الطموحين التفكير فيها قبل إرسال الرسالة الإلكترونية التي تحمل الاستقالة التي طال انتظارها.
1. حدد المشكلة التي تشعر بالدافع لحلها
من الصعب إنشاء شركة جديدة، بيد أن توسيعها أصعب.
لكن أقوى دافع لك هو صلتك الشخصية مع ما تفعله، ربما تملك الخبرة في قطاع ما وتفهم أوجه القصور فيه بصورة مباشرة، أو قد تنتمي إلى شريحة مستهلكين لا تصلهم العروض الحالية، أو تواجه مشكلة محددة تثير استياءك كل يوم، ومن المؤكد أن الآخرين يواجهونها أيضاً.
مهما كانت الطريقة التي توصلك إلى الفكرة، يجب أن تشعر ألا خيار لديك سوى إنشاء هذه الشركة في هذه الفترة تحديداً.
فذلك سيجعلك أكثر قدرة على تحمل الأيام التي تستيقظ فيها صباحاً وأنت تشعر أن هذه المشكلة تثقل كاهلك.
2. فكر بدورك كمؤسس
يزداد اهتمام الناس الشديد بمن يقف وراء الشركات التي يشترون منها، فمن الصعب أن تشعر بصلة شخصية مع شركة بلا اسم ولا وجه يحددان هويتها.
ودعم العلامات التجارية التي بناها أشخاص لديهم قصة مقنعة يعود بفائدة أكبر كثيراً.
تجتذب علامات تجارية كثيرة الاهتمام على وسائل التواصل الاجتماعي خصوصاً، من خلال وضع مؤسسيها في صدارة روايتها، ليتحدثوا عن خبراتهم ويثبتوا إنسانيتهم وحساسيتهم ويحددوا الوجه الإنساني للشركة.
هذا لا يعني أن إنشاء شركة جديدة يستدعي الاستعداد لتصبح شخصية عامة وتكشف عن كل جوانب حياتك الخاصة، لكنك ستقطع شوطاً كبيراً في تأسيس علاقة صادقة مع المستهلكين إذا كنت مستعداً للتواصل معهم بصورة مباشرة وبأي شكل كان، فذلك سيمنح الناس سبباً للإعجاب بمنتجك ودعم نجاح شركتك.
3. لا تخض هذه التجربة وحدك
أؤيد الرأي الذي يقول إن على 99.99% من الأشخاص الذين ينشئون شركة جديدة التشارك مع شخص آخر.
مهما كنت تثق بفريقك، لن تتمكن من البوح صراحة بجميع مخاوفك ولا مشاركة المسؤولية التي تحملها على عاتقك عندما تشتد عليك الظروف. ناهيك بالفوائد التي تترافق مع دمج مجموعات المهارات المتكاملة والنتائج الأفضل التي تولدها النقاشات الصحية البناءة.
أضف إلى ذلك أن مؤسس الشركة يشعر بالوحدة.
اقرأ أيضاً: الشركات الناشئة ودورها في صُنع الوظائف
فعلى اعتباره رئيس جميع الموظفين، يصبح تكوين صداقات حقيقية في العمل أمراً صعباً فعلياً، ولن تكون الشكوى من القيادة وسيلة لبناء أي علاقة.
لذا، إذا لم يكن بالإمكان إدخال شريك، فاعمل كل ما بوسعك لإحاطة نفسك بمستشارين موثوقين ومرشدين ورواد أعمال آخرين.
4. حدد الطريقة التي ستضيف بها القيمة إلى حياة الناس
أصبح ميدان الشركات الناشئة شديد التنافسية لدرجة أنك بعد إنشاء شركتك بشهر واحد ستجد شركة أخرى جديدة مطابقة لها تقريباً.
قد تعتقد أنك بنيت شركتك على فكرة جديدة كلياً، لكن على الأرجح ستكون القوى الثقافية التي دفعتك إلى وضع خطة عملك تؤثر أيضاً على شخص آخر في نفس اللحظة.
هذا لا يعني أن عليك الاستسلام، أو أنه يجب عليك المسارعة للدخول إلى السوق قبل أن تصبح جاهزاً.
فالأمر ليس متعلقاً بمن يصل أولاً، بل بمن ينجز العمل على النحو الأفضل. والأفضل في هذا الزمان هو من يحقق أكبر قيمة ممكنة للمستهلكين، فهم يملكون سلطة وخيارات أكبر من أي وقت مضى، وسيختارون الشركات التي تعمل لصالحهم بصورة جلية ويبقون معها.
كيف ستتمكن من جعل حياتهم أسهل وأجمل وذات معنى أكثر؟ كيف ستفعل كل ما بوسعك لأجلهم عند كل منعطف؟ عندما تفكر بميزتك التنافسية، ابدأ باحتياجات الناس الذين أنشأت شركتك لخدمتهم أساساً.
5. عليك بالالتزام التام
عندما أنشأت مع شريكي شركتنا "رد آنتلر" (Red Antler)، لم أكن قد تزوجت ولا أنجبت أطفالي، وعلى الرغم من أني اضطررت للحد من مصروفاتي بدرجة كبيرة، فقد كان يكفيني ما نجنيه من أول عميلين للشركة لسد احتياجاتي.
صحيح أن الظروف المالية تختلف من شخص لآخر، وكذلك حجم شبكات الأمان إن وجدت، لكن ما لا يجدي، على الأقل على المدى الطويل، هو أن تبدأ بخطوة صغيرة من باب التجربة فحسب.
أفهم تماماً رغبتك في الاحتفاظ بوظيفتك الأساسية إلى أن تتمكن شركتك من الوقوف على قدميها.
إلا أن تأسيس شركة هو أشبه بالعمل في خمس وظائف، وليس وظيفة واحدة بدوام جزئي.
وإذا حاولت إنشاء الشركة كعمل جانبي، فسوف تستغرق وقتاً أطول بكثير للوصول إلى أي إنجاز تشعر فيه بالراحة الكافية لترك وظيفتك، وقد لا يتحقق هذا الإنجاز إطلاقاً.
اقرأ أيضاً: استراتيجيات مقترحة للشركات الناشئة
وفي هذه الأثناء تزداد أهمية المنافسة التي تواجهك. لذا، إذا كنت بحاجة إلى استثمار، أو قرض أو أي طريقة مبتكرة للحصول على إيرادات على المدى المنظور (قمت بإدارة العديد من جلسات النقاش مع مجموعات مركّزة في المراحل الأولى من تأسيس شركتي "رد آنتلر")، فمن الواجب أن تدرك أن الرحلة المقبلة الطويلة والمبهجة والمتعبة والمرعبة، والمجزية جداً، لن تبدأ إلا عندما تلتزم تماماً بتحقيق رؤيتك وتتحكم بنتائجك.
خلاصة
الآن هو أفضل من أي وقت مضى لإنشاء شركة جديدة.
فالمستهلكون مستعدون لتقبل علامات تجارية جديدة، بل ويتوقون لها. كلما ارتفع سقف التوقعات في جميع القطاعات، مع تزايد مطالبة الناس بالحصول على مستويات أعلى من الشفافية والقيمة والمساءلة والسرور من العلامات التجارية التي يتفاعلون معها.
كل القطاعات معدة للزعزعة، تنتظر قدوم الشركة الجديدة التالية لتحسن الوضع الراهن. لكنها لم تكن بهذه الدرجة من التنافسية قط، إذ تستمر عوائق دخول السوق بالتدني في وجه إنشاء شركات جديدة، مع ازدياد إمكانية الوصول إلى التقنيات الجديدة وسهولة استخدامها.
هل يحتاج العالم إلى أي شركة ناشئة أخرى؟ لا، لكن هل يحتاج إلى شركتك الناشئة؟ هذا ممكن جداً، وإذا كانت صلتك بفكرتك أصيلة وصادقة، وكنت تقدم حلاً لمشكلة حقيقية بطريقة تضيف قيمة أكبر إلى حياة الناس، فأنت على الطريق الصحيح نحو معرفة جواب السؤال الآتي "كيف تكون رائد أعمال؟".
اقرأ أيضاً: 6 أمور على الخريجين معرفتها قبل الانضمام لشركة ناشئة