على الرغم من أن الاعتماد الكلي على استخدامات الذكاء الاصطناعي في الأعمال ما زال منخفضاً (حوالي 20% وفقاً لأحدث دراساتنا)، إلا أن كبار المسؤولين التنفيذيين يدركون أن مجالات الذكاء الاصطناعي ليست مجرد ضجة إعلامية. وتراقب المؤسسات بمختلف قطاعاتها هذه التقنية عن كثب لمعرفة كيفية الاستفادة منها في أعمالها. ونحن نقدر مثل تلك المؤسسات بأن 40% من إجمالي القيمة المحتملة التي يمكن الحصول عليها من خلال التحليلات تأتي اليوم من تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تقع تحت مظلة "التعلم العميق"، (الذي يستفيد من الطبقات المتعددة للشبكات العصبية الاصطناعية، وتُسمى هكذا لأن هيكليتها ووظيفتها مستوحاة من العقل البشري). وإجمالاً، فإن تقديراتنا للإنفاق على التعلم العميق تصل إلى ما بين 3.5 و5.8 تريليون دولار أميركي سنوياً.
تحديد المجالات المناسبة لتطبيق الذكاء الاصطناعي
ومع ذلك، ما يزال العديد من قادة الأعمال غير متأكدين إلى الآن من المجالات المناسبة لتطبيق الذكاء الاصطناعي على نحو صحيح للحصول على أفضل النتائج. ومع ذلك، فإن دمج الذكاء الاصطناعي في الأعمال يتطلب استثمارات كبيرة في المواهب وتحديث عناصر البنية التقنية، كما يتطلب مبادرات تغيير شاملة لضمان فائدة الذكاء الاصطناعي في الحصول على قيمة ذات مغزى، سواء من خلال تفعيل أساليب أفضل لاتخاذ القرار أو تحسين التطبيقات التي يتعامل معها المستهلكون.
لقد اكتشفنا من خلال فحص شامل لأكثر من 400 حالة فعلية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في 19 صناعة مختلفة و9 مجالات للأعمال أن المقولة المأثورة القديمة أثبتت صحتها في الإجابة عن سؤال أين نستفيد من الذكاء الاصطناعي في الأعمال، وكانت الإجابة: "اتبع المال".
إن مجالات الأعمال التي تقدم أفضل قيمة للشركات بشكل تقليدي هي المجالات التي يكون للذكاء الاصطناعي أكبر تأثير فيها. على سبيل المثال، في مؤسسات البيع بالتجزئة يكون للتسويق والمبيعات غالباً قيمة كبيرة. ويوضح بحثنا أن استخدام الذكاء الاصطناعي في بيانات العملاء لتخصيص العروض الترويجية يمكن أن يؤدي إلى زيادة بنسبة 1 إلى 2% في المبيعات الإضافية لبائعي التجزئة التقليديين فقط. وعلى النقيض، في الصناعات المتقدمة غالباً ما تؤدي عمليات التشغيل إلى تحصيل أقصى قيمة. وهنا، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفعل خاصية التنبؤ اعتماداً على عوامل سببية أساسية لزيادة الطلب بدلاً من النتائج السابقة، ويحسن دقة التنبؤ بنسبة 10 إلى 20%. ليترجم ذلك إلى تخفيض محتمل لتكاليف المخزون بنسبة 5%، وزيادة الإيرادات بنسبة 2 إلى 3%.
وفي حين تغطي تطبيقات الذكاء الاصطناعي مجموعة كاملة من المجالات الوظيفية، لكنها في الواقع تتركز في هذين المجالين الشاملين وهما: إدارة سلاسل التوريدات والتصنيع، والتسويق والمبيعات. فنحن نؤمن أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون له أكبر الأثر، على الأقل في الوقت الراهن، على العديد من الصناعات. وفي تقديرنا أن حالات الاستخدام هذه مجتمعة تشكل أكثر من ثلثي الفرص المتاحة للذكاء الاصطناعي. كما يمكن للذكاء الاصطناعي حصد ما قيمته 1.4 إلى 2.6 تريليون دولار أميركي من التسويق والمبيعات للشركات حول العالم، و1.2 إلى 2 تريليون دولار أميركي في إدارة سلاسل التوريدات والتصنيع (بعض هذه القيم تحققها الشركات والبعض الآخر يعود إلى العملاء). في مجال التصنيع تكمن القيمة القصوى للذكاء الاصطناعي في استخدامه في الصيانة الوقائية (تمثل حوالي 0.5 إلى 0.7 تريليون دولار أميركي من استثمارات الشركات في العالم). كما أن قدرة الذكاء الاصطناعي على معالجة كميات هائلة من البيانات، بما في ذلك المقاطع الصوتية والمرئية، يعني أن بإمكان هذا النظام التعرف بسرعة على أوجه الخلل لمنع الأعطال، سواء كان ذلك صوتاً غريباً في محرك طائرة أو عطلاً في خط تجميع تم اكتشافه من خلال جهاز استشعار.
هناك طريقة أخرى يمكن لقادة الأعمال من خلالها تحديد مجالات تطبيق الذكاء الاصطناعي، وهي ببساطة ملاحظة الوظائف التي تستفيد بالفعل من تقنيات التحليلات التقليدية. لقد اكتشفنا أن أكبر إمكانات الذكاء الاصطناعي التي تضيف قيمة هي في حالات استخدام تقنيات الشبكة العصبية من أجل تقديم أداء أعلى من التقنيات التحليلية القائمة أو تكوين رؤى وتطبيقات إضافية. وهذا صحيح بنسبة 69% من حالات استخدام الذكاء الاصطناعي المحددة في دراستنا. كما وجدنا في 16% من حالات الاستخدام أن حلول الذكاء الاصطناعي "المستحدثة" التي يمكن تطبيقها لا تكون هي الطرق التحليلية الفعالة. (من المحتمل أن يزيد عدد حالات استخدام التعلم العميق بسرعة، حيث أصبحت الخوارزميات أكثر تعدداً، وأصبح نوع وحجم البيانات اللازمة لجعلها قابلة للتطبيق متاحاً بشكل أكبر، وربما لا تزيد النسبة المئوية لحالات استخدام التعلم العميق المستحدث بشكل كبير لأن تقنيات التعلم الآلي الأكثر رسوخاً لها أيضاً فرصة للتحسن والانتشار الواسع).
عقبات تطبيق الذكاء الاصطناعي في المجالات المختلفة
لا نريد أن نعبّر عن رأينا بسذاجة حتى لو كنا نرى الإمكانات الاقتصادية تكمن في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، فنحن ندرك العقبات الملموسة والقيود الخاصة بتطبيق الذكاء الاصطناعي. ويتمثل أحد أكبر التحديات في الحصول على مجموعات بيانات كبيرة وشاملة بشكل يكفي لتغذية الشهية النهمة للتعلم العميق فيما يتعلق ببيانات التدريب. كذلك، فإننا نتناول أيضاً المخاوف المتزايدة حول استخدام مثل هذه البيانات، بما في ذلك الأمان والخصوصية واحتمالية تحويل التحيزات البشرية إلى خوارزميات الذكاء الاصطناعي. وفي بعض القطاعات مثل الرعاية الصحية والتأمينات، ينبغي على الشركات إيجاد الطرق التي تجعل النتائج قابلة للتفسير للجهات التنظيمية باستعمال مفردات مفهومة والرد على أسئلة من نوعية: لماذا خرجت الآلة بهذه النتيجة؟ الخبر السار هو أن التقنيات نفسها تتطور وبدأت تعالج بعض تلك القيود.
وبخلاف تلك القيود، هناك تحديات تنظيمية أكثر صعوبة تواجهها الشركات عندما تتبنى تطبيق الذكاء الاصطناعي. إذ يتطلب إتقان تلك التقنية مستويات جديدة من الخبرات، وقد تصبح الإجراءات العملية عقبة رئيسية أمام تبني تطبيقها.
وسيتوجب على الشركات تطوير عمليات محكمة من أجل حوكمة البيانات وحفظها، والتركيز على "الخطوة الأولى"؛ في كيفية الحصول على البيانات وتنظيم الجهود الخاصة بجمعها، "والخطوة الأخيرة" الأكثر صعوبة هي كيفية دمج نتائج نماذج الذكاء الاصطناعي في إجراءات سير العمل، بداً من مدراء التجارب الإكلينيكية ومدراء المبيعات حتى موظفي المشتريات.
وبينما ينبغي على الشركات أن تتوخى الحذر وتظل مسؤولة أثناء استخدامها لتقنية الذكاء الاصطناعي، فإن نطاق التقنية والتأثير المفيد لها على الشركات والمستهلكين والمجتمع يجعل متابعة الفرص المتاحة لمجالات الذكاء الاصطناعي تستحق إجراء تحقيق شامل. والسعي لذلك ليس مجرد أمل يسهل تحقيقه، ولكن يمكن البدء به من خلال استحضار مفهوم بسيط هو: "اتبع المال".
اقرأ أيضاً: