عندما تحقق البيانات ميزة تنافسية

15 دقيقة
الميزة التنافسية للبيانات
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يفترض الكثير من المسؤولين التنفيذيين والمستثمرين أن بالإمكان استخدام أي تقنيات لبيانات الزبائن من أجل كسب ميزة تنافسية لا تُضاهى. فكلما زاد عدد زبائنك، ازدادت كمية البيانات التي يمكنك جمعها، ما يسمح لك بتقديم منتج أفضل يجذب مجموعة أكبر من الزبائن عند تحليل تلك البيانات باستخدام أدوات تعلم الآلة، عندئذٍ يمكنك جمع المزيد من البيانات وصولاً إلى تهميش منافسيك. فما هي الميزة التنافسية للبيانات؟

لكن امتلاك طريقة القياس التقليدية التي تسمى “تأثير الشبكة” أي القدرة على قياس تأثير مستخدم واحد للمنتج أو الخدمة على استهلاك الآخرين. لكن هذه الطريقة لم تعد كافية في جميع الحالات، غير أن هذا الأمر ينبغي ألا يجعلنا نبالغ في تقدير دور البيانات، إذ أننا سنجد أن البيانات لا تكفي وتحتاج لاندماج مع طرق أخرى.

اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: ما معنى الميزان التجاري؟

قد تبدو النتائج الاقتصادية المربحة التي ينتجها التعلم القائم على البيانات مشابهة لتلك التي تنتجها دراسات “تأثير الشبكة”، حيث تصبح العروض المقدّمة أكثر قيمة كلما استخدمها أشخاص أكثر، كما هو الحال مع منصات التواصل الاجتماعي، وتحشد هذه العروض في نهاية المطاف الحد الأدنى من المستخدمين الذي يكفي لإقصاء المنافسين. من الناحية العملية، يبقى “تأثير الشبكة” التقليدي لفترة أطول، وغالباً ما يتمتع بقوة وتأثير أكبر. ولتأسيس مركز تنافسي قوي، فإنك بحاجة إلى اعتماد الطريقتين، أي نموذج “تأثير الشبكة” إلى جانب التعلم القائم على البيانات. وعلى أي حال، لا يوجد سوى القليل من الشركات القادرة على تطوير الاثنين معاً، لكن في حال توافر الظروف المناسبة بمقدور البيانات التي ينتجها الزبائن أن تساعدك في بناء دفاعات تنافسية، حتى إن لم تتوافر دراسات تأثير الشبكة. وفي هذه المقالة سنسير معك خطوة خطوة للتعرف على هذه الظروف، ونوضح لك كيفية معرفة ما إذا كانت تنطبق على عملك أم لا.

اقرأ أيضاً: علم البيانات وفن الإقناع

ما الذي تغير؟

الشركات القائمة على البيانات موجودة منذ فترة طويلة، ومن أبرز أمثلتها مكاتب الائتمان والشركات القائمة على جمع المعلومات، كشركة “ليكسز نكسز” (Lexis-Nexis) وشركة “طمسون رويترز” (Thomson Reuters) وشركة “بلومبرغ” (Bloomberg). هذه الشركات محميّة بحواجز كبيرة تحول دون دخول المنافسين إلى سوقها، نظراً لوفورات الحجم التي تسهم في الاستحواذ على كميات هائلة من البيانات وبنائها، لكن نماذج عمل هذه الشركات لا تتضمن استخلاص بيانات من الزبائن والتنقيب فيها بغرض فهم كيفية تحسين العروض التي تقدمها.

تعتبر عملية جمع معلومات عن الزبائن واستخدامها في تحسين جودة المنتجات والخدمات المقدمة استراتيجية قديمة، لكنها كانت تتصف بالبطء ومحدودية النطاق وصعوبة التوسع. أما شركات صناعة السيارات وشركات السلع الاستهلاكية المعبأة وغيرها من شركات التصنيع التقليدية، فكان عليها تحليل بيانات المبيعات وإجراء استبانات للزبائن وإنشاء مجموعات تركيز، لكن بيانات المبيعات لم تكن ترتبط بالزبائن كأفراد في معظم الأحيان، ونظراً لارتفاع تكلفة الاستبانات ومجموعات التركيز واستغراقها وقتاً طويلاً، فقد كانت البيانات تُجمع من عدد صغير نسبياً من الزبائن.

إلا أن الوضع تغير بصورة جذرية مع ظهور السحابة الإلكترونية والتقنيات التكنولوجية الحديثة التي تتيح للشركات معالجة كميات هائلة من البيانات وفهمها بسرعة عالية، بعد أن صار بمقدور المنتجات والخدمات المتصلة بالإنترنت جمع البيانات عن الزبائن مباشرة، بما في ذلك بياناتهم الشخصية وسلوكهم في البحث واختياراتهم من المحتوى ومراسلاتهم ومنشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وموقعهم عبر نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وأنماط استخدامهم. وبعد تحليل هذه “العوادم الرقمية” من خلال خوارزميات تعلم الآلة، يمكن تعديل عروض الشركة بشكل تلقائي، بحيث تعكس هذه النتائج، أو حتى تصميمها بما يناسب كل فرد على حدة.

أدت التطورات التكنولوجية إلى زيادة فاعلية التعلم القائم على البيانات، مقارنة برؤى الزبائن التي أنتجتها الشركات قديماً، ولكنها لا تكفل تكوين حواجز دفاعية.

أدت هذه التطورات إلى زيادة فاعلية التعلم القائم على البيانات مقارنة برؤى الزبائن التي أنتجتها الشركات قديماً، ولكنها لا تكفل تكوين حواجز دفاعية.

إنشاء خنادق دفاعية من خلال التعلم القائم على البيانات

لتحديد درجة استدامة الميزة التنافسية التي يقدمها التعلم القائم على البيانات، يتعين على الشركات الإجابة عن سبعة أسئلة:

1- ما مقدار القيمة التي تضيفها بيانات الزبائن مقارنة بقيمة العرض بحد ذاتها؟

كلما زاد حجم القيمة المضافة، ازداد احتمال تحقيقها ميزة دائمة. ولنلق نظرة على شركة تُعلِي من قيمة بيانات الزبائن، كشركة “موبيل آي” (Mobileye) الرائدة في تقديم أنظمة مساعدة السّائق المتقدمة (ADAS) التي تنطوي على تحذيرات لمنع السيارات من الاصطدام والخروج عن المسار. تبيع الشركة أنظمتها بصورة رئيسية إلى شركات صناعة السيارات التي تُجري عليها اختبارات مكثفة قبل دمجها في منتجاتها. ولا بد أن تتوافر في هذه الأنظمة ميزة “أمان الأعطال”، وتعتبر بيانات الاختبارات ضرورية لتحسين دقتها. وقد استطاعت “موبيل آي” رفع مستوى دقة أنظمتها بنسبة 99.99% عبر جمع تلك البيانات من عشرات الزبائن.

اقرأ أيضاً: طريقة مبتكرة تستند إلى البيانات لتوظيف الموهوبين

في المقابل، تعتبر قيمة التعلم من الزبائن متدنية نسبياً بالنسبة لمصنّعي أجهزة التلفاز الذكية، إذ يستعين بعضهم الآن ببرمجيات يمكنها تقديم توصيات شخصية بالبرامج أو الأفلام بناءً على عادات المشاهدة لدى الفرد، إضافة إلى المواد الأكثر مشاهدة لدى المستخدمين الآخرين. وحتى الآن، لا يهتم الزبائن كثيراً بشأن هذه الميزة (التي يقدمها أيضاً مزوِّدو خدمات البث التدفقي الرقمي، مثل “أمازون” و”نتفليكس”). إذ يراعي الزبائن إلى حد كبير حجم التلفاز وجودة الصورة وسهولة الاستخدام والمتانة عند اتخاذ قرارات الشراء. ولو كان التعلم من الزبائن عاملاً أكثر تأثيراً، لربما كانت شركات صناعة أجهزة التلفاز الذكية أقل قدرة على المنافسة.

فكرة المقالة بإيجاز

الافتراض

يمكن للشركات بناء مراكز يستأثر فيها الفائز بكل شيء من خلال جمع بيانات الزبائن وتحليلها. وكلما زاد عدد زبائن الشركة، كان بمقدورها جمع بيانات أكثر والتنقيب فيها، وتسمح لها الرؤى الناتجة بتقديم منتج أفضل يستقطب عدداً أكبر من الزبائن الذين تستطيع أن تجمع منهم المزيد من البيانات.

الواقع

حتى عندما توفر بيانات الزبائن ميزة تنافسية، فإنها نادراً ما تؤدي إلى زيادة تأثير الشبكة، وتلك الميزة قد لا تدوم.

الحل

لفهم الميزة التي يمكن للتعلم القائم على البيانات تقديمها، يتعين على الشركات الإجابة عن سبعة أسئلة تتناول قيمة البيانات، وما إذا كانت قيمتها الحدية تنخفض بسرعة، ومدى سرعة تحولها إلى بيانات عديمة الفائدة، وما إذا كانت ملكية مسجّلة، وما إذا كان من السهل تقليد التحسينات المترتبة عليها، وما إذا كانت تحسِّن المنتج للمستخدمين الحاليين أم المستخدمين الآخرين أم كليهما، ومدى سرعة إمكانية دمج الرؤى في المنتجات.

2- ما مدى سرعة هبوط القيمة الحدية للتعلم القائم على البيانات؟

بعبارة أخرى، متى ستصل الشركة إلى مرحلة تعجز عندها البيانات الإضافية للزبائن عن تعزيز قيمة العروض؟ كلما كان انخفاض القيمة الحدية أكثر بطئاً، ازدادت قوة حاجز دخول منافسين جدد إلى السوق. لاحظ أن الإجابة عن هذا السؤال تستلزم تقدير قيمة التعلم من خلال استعداد الزبائن للدفع وليس من خلال أي مقاييس أخرى خاصة بالتطبيقات، مثل النسبة المئوية لأسئلة روبوت الدردشة التي يمكن الإجابة عنها بشكل صحيح أو عدد مرات النقر على أحد الأفلام الموصى بها.

اقرأ أيضاً: علم البيانات المدفوع بالفضول

لنفترض أنك رسمت مخططاً لدقة أنظمة مساعدة السّائق المتقدمة التي تنتجها شركة “موبيل آي” كدالة لاستخدام الزبائن (إجمالي عدد الأميال التي تقطعها السيارة عند اختبارها لدى شركات صناعة السيارات) ووجدت أنّك لن تحتاج سوى عدد قليل من شركات التصنيع ومستوى متوسط من الاختبار لتحقيق 90% من الدقة مثلاً، لكن لا بد من إجراء عدد أكبر من الاختبارات مع مجموعة أكبر من شركات صناعة السيارات للوصول إلى نسبة 99%، ناهيك عن 99.99%. ومن الخطأ بالطبع تفسير ذلك على أنّ القيمة الحدية لبيانات الزبائن تنخفض بسرعة: لأنّ قيمة تحسين الدقة بمقدار 9 نقاط مئوية إضافية (أو حتى 0.99 نقطة) تبقى مرتفعة للغاية، في ضوء التأثيرات التي قد تمثل مسألة حياة أو موت. وسيكون من الصعب على أيٍّ من شركات صناع السيارات، حتى أكبرها، الانفراد بإنتاج القدر اللازم من البيانات بنفسها، كما يصعب على أي منافسين محتملين لشركة “موبيل آي” نسخ البيانات. ولهذا السبب استطاعت الشركة أن تصنع لنفسها مركزاً مهيمناً في سوق أنظمة مساعدة السّائق المتقدمة، ما جعل عملية الاستحواذ عليها جذابة للغاية بالنسبة لشركة “إنتل” التي اشترتها بقيمة 15 مليار دولار عام 2017.

عندما تبقى القيمة الحدية للتعلم من بيانات الزبائن عالية حتى بعد الاستحواذ على قاعدة عملاء كبيرة جداً، تميل المنتجات والخدمات إلى امتلاك ميزات تنافسية هائلة. ويمكنك أن تلحظ هذه الظاهرة في الأنظمة المصمّمة للتنبؤ بالأمراض النادرة (كتلك التي تقدمها شركة “آر دي إم دي” (RDMD)) ومحركات البحث عبر الإنترنت مثل “بايدو” (Baidu) و”جوجل”. وعلى الرغم من استثمار “مايكروسوفت” مليارات الدولارات لسنوات طوال في محرك البحث “بينغ” (Bing)، فإنها لم تستطع التأثير على هيمنة شركة “جوجل” على مجال البحث. إذ تحتاج جميع محركات البحث وأنظمة التنبؤ بالأمراض إلى كميات هائلة من بيانات المستخدمين لتوفير نتائج جديرة بالثقة في جميع الأحوال.

من ناحية أخرى، تعتبر أجهزة منظِّمات الحرارة الذكية (الثرموستات) مثالاً عملياً على مجال تنخفض فيه القيمة الحدية لبيانات المستخدمين بسرعة. إذ لا تحتاج هذه المنتجات سوى إلى بضعة أيام لتعلم تفضيلات الحرارة لدى المستخدمين على مدار اليوم. وفي هذا السياق، يعجز التعلم القائم على البيانات عن تقديم ميزة تنافسية كبيرة. فعلى الرغم من قيام شركة “نيست” (Nest) (التي استحوذت عليها “جوجل” عام 2014) بتطوير أول أجهزة الثرموستات الذكية التي تتعلم من سلوكيات الزبائن، إلا أنها تواجه الآن منافسة كبيرة من شركات مثل “إيكوبي” (Ecobee) و”هانيويل” (Honeywell).

3- ما مدى سرعة تناقص أهمية بيانات المستخدمين؟

إذا كانت البيانات تتحول إلى بيانات عديمة الفائدة بسرعة، عندها وفي حال تساوي جميع الظروف الأخرى، سيكون دخول منافسين جدد إلى السوق سهلاً، لأنهم لن يحتاجوا إلى سنوات للتعلم من البيانات المتوافرة لدى الشركات القائمة.

كل البيانات التي قامت شركة “موبيل آي” بتجميعها على مدار سنوات من شركات صناعة السيارات تظل مهمة في النسخ الحديثة من منتجاتها، وينطبق الأمر ذاته على البيانات التي جمعتها “جوجل” حول مستخدمي محرك البحث طوال عقود. ورغم ندرة البحث عن بعض المصطلحات مع مرور الوقت، وظهور مصطلحات جديدة يكثر البحث عنها بوتيرة أعلى، فإن امتلاك سجل حافل من بيانات البحث الفعلية له قيمة لا يمكن إنكارها على مستوى خدمة المستخدمين اليوم. يساعد تدني معدل تناقص قيمة البيانات على تفسير المرونة الشديدة التي تتمتع بها “موبيل آي” ومحرك البحث “جوجل”.

اقرأ أيضاً: صناعة المياه وتبني البيانات والاستفادة منها

تميل قيمة التعلم من بيانات المستخدمين إلى الانخفاض بسرعة في حالة الألعاب الاجتماعية العادية التي تعمل على أجهزة الكمبيوتر والهواتف الجوالة، فقد شهد عام 2009 بداية انطلاق هذه السوق مع قيام شركة “زينغا” (Zynga) بطرح لعبة “فارم فيل” (FarmVille) التي حققت نجاحاً مدوياً. وفي حين أن الشركة اكتسبت شهرتها من اعتمادها المكثف على تحليل بيانات المستخدمين في اتخاذ القرارات المتعلقة بالتصميم، اتضح أنّ الرؤى المستخلصة من اللعبة لم تنجح في الانتقال إلى الجيل التالي من اللعبة: حيث تتأثر الألعاب الاجتماعية العادية بالهوس الذي يستحوذ على الناس لفترة قصيرة من الزمن تجاه أشياء معينة، وتتغير تفضيلات المستخدمين بسرعة، ما يجعل بناء ميزات تنافسية مستدامة وقائمة على البيانات أمراً صعباً. توقفت شركة “زينغا” عن إنتاج ألعاب جديدة تلقى رواجاً واسعاً، بعد تحقيق القليل من النجاحات الإضافية التي شملت لعبتي “فارم فيل 2″ (FarmVille 2) و”سيتي فيل” (CityVille)، وخسرت في عام 2013 نحو نصف قاعدتها من المستخدمين، كما تفوقت عليها شركات ألعاب أخرى، مثل شركة “سوبر سيل” (Supercell) مالكة لعبة “كلاش أوف كلانز” (Clash of Clans)، وشركة “إبيك غيمز” (Epic Games) مالكة لعبة “فورتنايت” (Fortnite). وبعد بلوغها الذروة بتحقيقها لإيرادات تساوي 10.4 مليار دولار في عام 2012، تراجعت القيمة السوقية لشركة “زينغا” إلى أقل من 4 مليارات دولار على مدار معظم السنوات الست التالية.

4- هل البيانات مسجّلة الملكية، أي لا يمكن شراؤها من مصادر أخرى أو نسخها بسهولة أو إعادة تصميمها؟

يعتبر امتلاك بيانات فريدة من نوعها مع وجود عدد ضئيل من البدائل أو عدم وجودها في الأساس أمراً بالغ الأهمية من أجل إنشاء حاجز دفاعي. خذ مثلاً شركة “أدافيف” (Adaviv)، وهي شركة ناشئة استثمرنا فيها ومقرها في منطقة بوسطن، تقدِّم نظاماً لإدارة المحاصيل يسمح للمزارعين بمراقبة النباتات باستمرار. يعتمد النظام على الذكاء الاصطناعي وبرامج الرؤية الحاسوبية وتقنية التعليقات التوضيحية للبيانات لمتابعة العمليات الحيوية للنباتات والتي لا تُرى بالعين المجردة، مثل العلامات المبكرة للأمراض أو نقص العناصر المغذية، ثم يترجم البيانات إلى رؤى يمكن للمزارعين استخدامها لمنع انتشار الأمراض ولتحسين الإنتاجية. ومع زيادة عدد المزارعين الذين تخدمهم الشركة، تزداد أنواع النباتات وظروف الزراعة وغيرها من العناصر التي يمكنها التعلم منها، وتزيد دقة تنبؤاتها لكلٍّ من الزبائن الجدد والحاليين. قارن وضع الشركة بوضع مقدِّمي خدمات حظر البريد المزعج الذين يمكنهم الحصول على بيانات المستخدمين بتكلفة أقل نسبياً، وهو ما يسهم في تفسير وجود العشرات من هؤلاء.

اقرأ أيضاً: عقلية العمل المعتمد على البيانات تبدأ من القمة

يجب ألا يغيب عن بالنا أنّ التقدم التكنولوجي يمكن أن يقوِّض المراكز السوقية القائمة على البيانات الفريدة أو مسجّلة الملكية. وتعتبر برامج التعرف على الكلام خير مثال على ذلك، فقديماً كان المستخدمون يضطرون إلى تدريب البرمجيات على فهم أصواتهم وأنماط كلامهم الخاصة، وكانت دقة البرامج تتزايد كلما استخدمها الشخص.

هيمنت حلول “دراغون” (Dragon) التابعة لشركة “نوانس” (Nuance) على هذه السوق لسنوات عديدة، لكن العقد الماضي شهد تطورات متلاحقة في أنظمة التعرف على الكلام المستقلة عن المتحدث، التي يمكن تدريبها على مجموعات متاحة بصفة عامة من بيانات الكلام وقضاء القليل من الوقت لفهم صوت المتحدث الجديد، أو فهمه على الفور. أتاحت هذه التطورات للكثير من الشركات إمكانية طرح تطبيقات جديدة للتعرف على الكلام (كخدمات العملاء المؤتمتة عبر الهاتف، وخدمات النسخ الآلي لمحاضر الاجتماعات، والمساعدين الافتراضيين)، وتشكِّل ضغوطاً متزايدة على شركة “نوانس” في سوقها الرئيسة.

5- ما مدى صعوبة تقليد تحسينات المنتجات القائمة على بيانات الزبائن؟

حتى عندما تكون البيانات فريدة أو مسجّلة الملكية وتنتج رؤى قيِّمة، من الصعب بناء ميزة تنافسية تدوم طويلاً إذا توافرت لدى المنافسين القدرة على نسخ التحسينات الناتجة دون الحاجة إلى بيانات مشابهة.

هناك عاملان يؤثران في قدرة الشركات على التصدي لهذا التحدي. يتمثل أحدهما فيما إذا كانت هذه التحسينات مخفية أم متأصلة في عملية إنتاجية معقدة، ما يجعل من الصعب تقليدها. تستفيد شركة “باندورا” (Pandora)، التي تقدم خدمة بث الموسيقى، من هذا الحاجز. إذ عزّز عرض الخدمة “مشروع جينوم الموسيقى” (Music Genome Project) المملوك للشركة، والذي شهد تصنيف ملايين الأغاني على أساس 450 صفة، ما سمح للشركة بتخصيص محطات الراديو حسب تفضيلات كل مستخدم. كلما استمع مستخدم إلى محطاته وقيَّم الأغاني بمستوى مرتفع أو منخفض، كانت الشركة أقدر على تصميم الاختيارات الموسيقية الأنسب لهذا المستخدم. ولا يمكن لأي منافس محاكاة مثل هذا التخصيص بسهولة، لأنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمشروع جينوم الموسيقي. وفي المقابل، فإنّ تحسينات التصميم المستندة إلى التعلم من استخدام الزبائن للكثير من منتجات برامج الإنتاجية المكتبية، مثل موقع “كالندلي” (Calendly) لتنسيق الجداول الزمنية وموقع “دودل” (Doodle) لاستطلاع آراء الموظفين حول مواعيد الاجتماعات، يمكن ملاحظتها ونسخها بسهولة، وهذا هو سبب تقديم عشرات الشركات لبرمجيات مشابهة.ط

الميزة التنافسية للبيانات

أما العامل الثاني، فيتمثل في مدى سرعة تغير الرؤى المستخلصة من بيانات الزبائن، فكلما كانت تتغير بصورة أسرع، ازدادت صعوبة تقليدها بالنسبة للآخرين، فمثلاً، يمكن نسخ الكثير من ميزات تصميم واجهة “خرائط جوجل” بسهولة، وقد نسختها خدمة “خرائط آبل” (Apple Maps) وغيرها. لكن أحد العوامل الأساسية المساهمة في قيمة “خرائط جوجل” يتمثل في قدرتها على التنبؤ بحركة المرور وتقديم توصيات حول خطوط السير المثلى، وهو ما يصعب نسخه نظراً لاستغلال بيانات المستخدم في الزمن الحقيقي التي تنعدم فائدتها في غضون دقائق، ولا تستطيع سوى الشركات التي تمتلك قواعد بيانات بالحجم نفسه (مثل “آبل” في الولايات المتحدة) أن تأمل تقليد تلك الميزة. وتسد خدمة “خرائط آبل” الفجوة مع “خرائط جوجل” في الولايات المتحدة، لكن ليس في بلاد تمتلك فيها شركة “آبل” قاعدة مستخدمين صغيرة نسبياً.

6- هل البيانات المستخلصة من مستخدم واحد تساعد في تحسين المنتج للمستخدم نفسه أم لآخرين؟

في أفضل الأحوال، ستقوم البيانات بالأمرين، لكن الاختلاف بين هذين الأمرين مهم، فعندما تؤدي البيانات المستخلصة من أحد المستخدمين إلى تحسين المنتج بالنسبة لذلك الشخص، يمكن للشركة تخصيصها حسب احتياجات كل فرد، ما يتسبب في تكبدها تكاليف تحويل. وعندما تؤدي البيانات المستخلصة من أحد المستخدمين إلى تحسين المنتج بالنسبة للمستخدمين الآخرين، فقد يتسبب هذا في إحداث ما يسمى بتأثير الشبكة، لكن لا يُسمح له بذلك. كلا النوعين من التحسينات من شأنهما أن يساعدا في توفير حواجز أمام دخول منافسين جدد إلى السوق، لكن النوع الأول يجعل الزبائن الحاليين أكثر حرصاً على اقتناء منتجات الشركة، بينما يقدم النوع الآخر ميزة أساسية في المنافسة على استقطاب زبائن جدد.

على سبيل المثال: كانت شركة “باندورا” أولى كبرى الشركات الفاعلة في مجال البث الرقمي للموسيقى، لكنها تراجعت أمام خدمة “سبوتيفاي” (Spotify) وخدمة “موسيقى آبل” (Apple Music) اللتين ما زالتا في طور النمو. وكما أشرنا، فإنّ أبرز عوامل الجذب في خدمة “باندورا” يتمثل في قدرتها على توفير محطات تناسب ذوق كل مستخدم. لكن القدرة على التعلم محدودة للغاية في أوساط المستخدمين، حيث إنّ تصويت كل مستخدم لصالح أغنية أو ضدها يسمح للشركة بتحديد صفات الموسيقى التي يحبها المستخدم، فتقدم له أغاني تتوافر فيها هذه الصفات. وفي المقابل، ركزت خدمة “سبوتيفاي” بشكل أكبر على تقديم مزايا المشاركة والاستكشاف للمستخدمين، مثل القدرة على البحث والاستماع إلى محطات المشتركين الآخرين، وبالتالي خلقت أثراً مباشرة للشبكة واستقطبت زبائن إضافيين. كما تبقى خدمة “باندورا” متاحة فقط في الولايات المتحدة (حيث تمتلك قاعدة من المستخدمين الأوفياء)، أما “سبوتيفاي” و”موسيقى آبل” فقد وصلتا إلى العالمية. وعلى الرغم من استحواذ شركة “سيريوس إكس إم” (Sirius XM) على “باندورا” مقابل 3.5 مليار دولار في شهر فبراير/شباط 2019، أصبحت “سبوتيفاي” شركة مساهمة في أبريل/نيسان 2018 وكانت قيمتها في بداية نوفمبر/تشرين الثاني 2019 تساوي 26 مليار دولار. من الواضح أنّ التخصيص القائم على التعلم من بيانات المستخدمين الأفراد يساعد في الحفاظ على الزبائن الحاليين، لكنه لا يؤدي إلى نوع من النمو الهائل الذي ينتجه أثر الشبكة.

7- ما مدى سرعة إمكانية دمج الرؤى المستخلصة من بيانات المستخدمين في المنتجات؟

تؤدي سرعة دورات التعلم إلى صعوبة لحاق المنافسين بالركب، خصوصاً إذا حدثت العديد من دورات تطوير المنتجات خلال مدة سريان عقد الزبون العادي، لكن عندما يستغرق إنجاز تحسينات قائمة على البيانات سنوات أو أجيالاً متعاقبة من المنتج، عندها يمتلك المنافسون فرصة أكبر للابتكار في الفترة الانتقالية والبدء في جمع بيانات مستخدميهم، لذا تكون الميزة التنافسية لبيانات الزبائن أقوى عندما يُترجم التعلم من زبائن اليوم إلى تحسينات متكررة على المنتج بالنسبة للزبائن أنفسهم بدلاً من الاكتفاء بالزبائن المستقبليين للمنتج أو الخدمة. ويمكن تحديث العديد من أمثلة المنتجات التي ناقشناها بالفعل، أي الخرائط ومحركات البحث وأنظمة إدارة المحاصيل القائمة على الذكاء الاصطناعي، بسرعة لدمج التعلم من الزبائن الحاليين.

توفر جهات الإقراض المباشر عبر الإنترنت، مثل شركة “ليند أب” (LendUp) وشركة “ليندينغ بوينت” (LendingPoint)، أحد الأمثلة المضادة، حيث تتعلم كيفية اتخاذ قرارات إقراض أفضل من خلال دراسة تاريخ السداد لدى المستخدمين وكيفية ارتباط ذلك بعناصر مختلفة من ملفات المستخدمين وسلوكياتهم. وهنا يكون السبيل الوحيد للتعلم المرتبط بالمقترضين الحاليين هو المتعلق بالمقترضين السابقين، الذي يعبّر عنه بالفعل في العقود وأسعار الفائدة المعروضة على المقترضين الحاليين. وما من سبب يدعو المقترضين إلى الاهتمام بأي تعلم مستقبلي قد تنتفع جهة الإقراض منه، لأن عقودهم الحالية لن تتأثر. وبناءً عليه، لا يشغل الزبائن بالهم بعدد المقترضين الآخرين الذين سيسجلون عند اتخاذ قرار فيما إذا كانوا سيأخذون قرضاً من جهة اقتراض معينة.

وقد يفضل المقترضون الحاليون البقاء مع جهات إقراضهم الحالية، التي تعرفهم أكثر من غيرها من جهات الإقراض، لكن تبقى السوق لجهات الإقراض الجديدة تنافسية للغاية.

شراء البيانات أسهل من شراء الزبائن. وغالباً ما تستطيع المصادر البديلة للبيانات إيجاد منافسة متكافئة بشكل كبير من خلال إلغاء الحاجة إلى قاعدة عملاء كبيرة. 

هل تمنح البيانات نتائج تأثير الشبكة؟

ستحدد لك الإجابات على السؤالين السادس والسابع ما إذا كان التعلم القائم على البيانات سينتج تأثيراً حقيقياً للشبكة. عندما يُترجم التعلم من أحد الزبائن إلى خبرة أفضل للزبائن الآخرين، وعندما يكون بالإمكان دمج ذلك التعلم في المنتج بسرعة كافية لإفادة المستخدمين الحاليين، سيهتم الزبائن بعدد الأشخاص الآخرين الذين يعتمدون هذا المنتج. وتعتبر الآلية المتبعة في العمل هنا مشابهة جداً لتلك التي يستند إليها أثر الشبكة مع المنصات القائمة على الإنترنت. ويكمن الفرق في أن مستخدمي المنصات يفضلون الانضمام إلى شبكات أكبر، لأنهم يريدون أشخاصاً أكثر للتفاعل معهم، وليس لأن المزيد من المستخدمين ينتجون رؤى أكثر من شأنها تحسين المنتجات.

لنلقِ نظرة على “خرائط جوجل” مرة أخرى. يُعزى استخدام السائقين لها جزئياً، لأنهم يتوقعون أن الكثيرين غيرهم يستخدمونها أيضاً، وكلما جمع البرنامج بيانات أكثر عن حركة المرور منهم، كانت تنبؤات الموقع عن أوضاع الطرق ومواعيد السفر أدق. كما يتمتع “بحث جوجل” ونظام إدارة المحاصيل القائم على الذكاء الاصطناعي والتابع لشركة “أدافيف” بتأثير شبكة تستند إلى البيانات.

وكما هو الحال مع تأثير الشبكة التقليدي، يمكن أن ينشئ أثر الشبكة المستندة إلى البيانات حواجز أمام دخول منافسين جدد إلى السوق. ويقدم كلا النوعين من الآثار تحدي “البداية الباردة” ذلك التحدي الهائل، أو “تحدي الدجاجة والبيضة، وأيهما أسبق”. وتعتبر الأعمال التي تهدف إلى بناء أثر الشبكة العادية بحاجة إلى استقطاب العدد الأدنى من المستخدمين للبدء في إنتاج هذا التأثير، أما الأعمال التي تهدف إلى تحقيق تأثير شبكة تستند إلى البيانات، فهي بحاجة إلى كمية مبدئية من البيانات لبدء دورة تعلم مربحة.

وعلى الرغم من أوجه التشابه هذه، فإن ثمة فروقات أساسية بين تأثير الشبكة التقليدي، وتأثير الشبكة المستندة إلى البيانات، وتميل تلك الفروقات إلى جعل المزايا القائمة على تأثيرات الشبكة التقليدية أقوى. أولاً، عادة ما تكون مشكلة “البداية الباردة” أقل حدة بالنسبة لأثر الشبكة المستندة إلى البيانات نظراً لأن شراء البيانات أسهل من شراء الزبائن. وغالباً ما تستطيع المصادر البديلة للبيانات، حتى إن لم تكن مثالية، إيجاد منافسة متكافئة بشكل كبير من خلال إلغاء الحاجة إلى قاعدة عملاء كبيرة.

ثانياً: يجب على الشركة أن تعمل دائماً للتعلم من بيانات الزبائن من أجل إنتاج تأثير شبكة دائمة ومستندة إلى البيانات. وفي المقابل، وكما ردّد المؤسس المشارك في شركة “إنتويت” (Intuit) سكوت كوك: “تغدو المنتجات التي تستفيد من أثر الشبكة [العادية] أفضل دون أن أحرّك ساكناً”. بالنسبة لتأثيرات الشبكة التقليدية، تُنشئ التفاعلات بين الزبائن (وربما مع جهات خارجية تقدم عروضاً تكميلية) قيمة حتى لو توقفت المنصة عن الابتكار. وحتى إذا قدّمت شبكة اجتماعية جديدة للمستخدمين ميزات أفضل بشكل موضوعي مقارنة بتلك التي يقدمها “فيسبوك” (مثل حماية أفضل للخصوصية)، سيبقى عليها التعامل مع تأثير الشبكة القوية التي يمتلكها موقع “فيسبوك”، حيث يريد المستخدمون البقاء في المنصة الاجتماعية نفسها كمعظم المستخدمين الآخرين.

وثالثاً: في كثير من الحالات يمكن تحقيق معظم فوائد التعلم من بيانات الزبائن من أعداد قليلة نسبياً من الزبائن. وفي بعض التطبيقات (مثل التعرف على الكلام)، ستقلل التحسينات الكبيرة في الذكاء الاصطناعي من الحاجة إلى بيانات الزبائن إلى درجة قد تختفي فيها قيمة التعلم القائم على البيانات تماماً. ومن ناحية أخرى، يتوسع تأثير الشبكة التقليدي بشكل أكبر ويكتسب مرونة أكبر، وعادة ما يحسِّن زبون إضافي القيمة المقدمة للزبائن الحاليين (الذين يستطيعون التفاعل أو التعامل معه)، حتى إذا كان عدد الزبائن الحاليين كبيراً جداً بالفعل.

حتى إن أصبحت المنتجات الاستهلاكية العادية ذكية ومتصلة بالوسائط الإلكترونية، حيث تستطيع أنواع جديدة من الملابس مثلاً الآن التفاعل مع ظروف الطقس وتتبع المسافات والمؤشرات الحيوية، فسيُستخدم التعلم القائم على البيانات في تحسين المزيد من العروض وتخصيصها. بيد أنّ مقدِّمي هذه العروض لن يصنعوا لأنفسهم مراكز تنافسية قوية ما لم تكن القيمة التي تضيفها بيانات الزبائن كبيرة ودائمة، أو البيانات مسجّلة الملكية وتؤدي إلى تحسينات في المنتجات يصعب نسخها، أو يخلق التعلم القائم على البيانات أثر الشبكة.

اقرأ أيضاً: طرق تساعدك لاستخدام البيانات في حل معضلات العمل

في العقود المقبلة عند الحديث عن الميزة التنافسية للبيانات، سيكون تحسين العروض باستخدام بيانات الزبائن من متطلبات البقاء داخل إطار المنافسة، وقد يعطي الشركات القائمة ميزة تتفوق بها على الوافدين الجدد، ولكنه في معظم الأحوال لن يحقق ديناميكيات استئثار الفائز بكل شيء. وبدلاً من ذلك، ستكون أقوى الأعمال وأكثرها قيمة في المستقبل القريب هي تلك التي بُنيت على كل من تأثير الشبكة التقليدي والمُحسّن بالتعلم القائم على البيانات، مثل أسواق “علي بابا” و”أمازون”، و”متجر تطبيقات آبل” (Apple’s App Store)، والشبكات الاجتماعية لموقع “فيسبوك”.

اقرأ أيضاً: القوى الخمسة لبورتر

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .