ملخص: مع بداية تلمس طريق الخروج من أزمة جائحة "كوفيد-19"، تشير البيانات المتعلقة بالتوظيف في عصر العمل الهجين إلى أن هناك طلباً متزايداً على الأفراد الذين لديهم مهارات استثنائية أو متنوعة، أي من يجمعون بين المهارات الشخصية والمهارات الفنية التي من الصعب أن نجد فرداً يجمع بينها. فإذا كنت "جاك لجمبع المهن" (Jack-of-All-Trades)، توقع أنه سيزداد الطلب عليك طالما أن هناك مكاناً يحتاج إلى مهاراتك واهتماماتك المختلفة والمتنوعة. وحتى إن لم تكن تتقن فن تنمية مهارات متعددة والجمع بين عدة تخصصات، لا تزال هناك خيارات متاحة أمامك. أهم شيء هو أن تتجنب وضع كل ما تملك من البيض في سلة واحدة. وبدلاً من ذلك، احرص على توسيع آفاق حياتك المهنية لتفهم ذاتك بمنظور أوسع، وأعد تصور إمكاناتك بطريقة مختلفة، وتقبَّل الخيارات غير الاعتيادية. فهذا هو أفضل وقت لإبقاء خياراتك مفتوحة.
زادت جائحة "كوفيد-19" من أهمية البيانات والذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية، إلى جانب المهارات ذات الصلة بها، كما أنها أسفرت عن هياكل تنظيمية مرنة وثقافات شاملة. فقد انتقل العالم بشكل مفاجئ من سوق العمالة المحدودة والنمو المستدام وندرة المواهب إلى زيادة معدلات عدم الاستقرار الوظيفي والبطالة والركود المثير للقلق. والمؤسسات والأفراد الذين بدا أنهم أكثر استعداداً للمستقبل وأكثر قدرة على مقاومة الأزمات قبل الجائحة، نظراً إلى المهارات المتنوعة التي يمتلكونها، خرجوا من الأزمة أقوى، أو على الأقل سالمين، ما جعل الفوارق الموجودة بالفعل أكثر وضوحاً.
عصر العمل الهجين
أحد المصطلحات الرئيسية التي برزت من صميم هذه الوتيرة المتسارعة للتغيير هو مصطلح "هجين"، وقد ظهر مع الوضع الجديد الذي يسلط الضوء على قوة الجمع بين أشياء مختلفة بدلاً من امتلاك "إما هذا أو ذاك". فقد أصبحت القدرة على الجمع بين بدائل تبدو متنافرة من القدرات التي ينبغي تعميمها بشكل كبير على مستوى المؤسسات والأفراد.
تأمل الأمثلة التالية:
المواهب الهجينة
تشير بيانات مستمدة من شركة "بيرننغ غلاس تكنولوجيز" (Burning Glass Technologies)، التي استخدمت الذكاء الاصطناعي لفحص حوالي مليار إعلان لوظيفة شاغرة في الماضي والحاضر، إلى أن هناك طلباً متزايداً على الأفراد الذين يمتلكون مهارات شخصية وفنية على حد سواء. فإذا كنت من الأشخاص متعددي المهارات والمواهب، توقع أنه سيزداد الطلب عليك، طالما أن هناك مكاناً يحتاج إلى مهاراتك واهتماماتك المختلفة والمتنوعة. على سبيل المثال، مهارات التصميم الرقمي مطلوبة في أكثر من 50% من الأدوار الوظيفية في مجال تكنولوجيا المعلومات، بينما يمكن للخبرة العامة في علم البيانات أن تؤهلك لوظيفة في مجال الموارد البشرية أو التسويق أو الشؤون المالية أو المبيعات، فجميعها تعتمد بشكل كبير على مهارة التنقيب عن البيانات (على وجه التحديد، تحويل البيانات إلى رؤى). ومهارات الإدارة التي تُعد من المهارات العامة في مختلف الوظائف والقطاعات (فهي تتطلب الذكاء العاطفي والتعاطف وحب الاستطلاع والقدرة على تقديم ملاحظات وإدارة الأداء، وما إلى ذلك) مطلوبة في كل مكان بالطبع.
أماكن العمل الهجينة
على الرغم من أن الجائحة أدت إلى تكثيف النقاش حول إيجابيات وسلبيات العمل من المنزل، فمن المنطقي استنتاج أن أفضل بديل ليس اختيار إما العمل من المنزل أو العمل من المكتب، بل منح الموظفين الخيار. كما أن هذه هي الطريقة الوحيدة لحسم النقاش العقيم حول ما إذا كان الأشخاص أفضل حالاً عند العمل من المنزل أم من المكتب، لأن هناك العديد من العوامل الشخصية والنفسية والفردية التي ينبغي وضعها في الاعتبار. وهذا يعني أنه ينبغي لأصحاب العمل منح الموظفين أكبر قدر ممكن من المرونة؛ فليس هناك حل واحد مناسب للجميع، لذا ينبغي السماح للمدراء والموظفين بتصميم تجربة عملهم على المستوى الفردي. فالتنوع هو ما يعطي نكهة للحياة، خاصة إذا كنت ملتزماً فعلاً ببناء ثقافة التنوع والشمول. ولكن للقيام بذلك بشكل صحيح، ينبغي لك عدم الإصرار على حضور الموظف إلى مكان العمل، والتركيز بقدر أقل على نمط العمل وبقدر أكبر على جوهره. فلا ينبغي مكافأة الموظفين أو ترقيتهم لوجودهم في مكان العمل في أوقات العمل الرسمية، بل لما يضيفونه من قيمة فعلية لفِرقهم ومؤسستهم.
الثقافات الهجينة
ما زلنا نسمع أن المدراء والمؤسسات يفتخرون بأنفسهم لأنهم يراعون "التوافق الثقافي" عند التوظيف، ولكن غالباً ما يتنافى ذلك مع الرغبة في غرس ثقافة الشمول والتنوع وتعزيزها. فالثقافة ببساطة هي "الطريقة التي تسير بها الأمور في الشركة"، وتشمل قواعد التواصل الرسمي وغير الرسمي التي تحكم ديناميات السلوك الاجتماعي في العمل، أو في المجتمع بالطبع. قد يبدو أن تعيين الأشخاص "المتوافقين مع ثقافة الشركة" فكرة رائعة ظاهرياً، ولكنك مع الوقت قد لا تلاحظ الأشخاص الذين قد تكون بحاجة شديدة إليهم أو قد ترفض تعيينهم؛ وهم الأشخاص الذين يمتلكون مجموعة مختلفة من وجهات النظر والقيم والخلفيات وبالتالي سيساعدون في تعزيز التنوع المعرفي وتوسيع نطاق ثقافتك فضلاً عن ترسيخها. إذاً فالتحدي يتمثل في الإدارة من أجل تحقيق التنوع، وهذا بالضبط هو سبب احتياجك إلى ثقافة الشمول التي تحتفي بالأشخاص لأنهم مختلفون. فالثقافات التي تتسم بأنها قوية وموحدة ومحددة بوضوح ومتجانسة وتركز على هدف واحد تسهّل مهمة إدارة الأفراد لأن الجميع يفكرون ويشعرون ويتصرفون بالطريقة نفسها. ولكن هذا هو أيضاً ما يحد من قدرة الشركات على التكيف. فقد كان من الممكن تفادي مجاعة أيرلندا الكبرى التي حدثت في القرن التاسع عشر بزراعة أنواع مختلفة من البطاطا وليس نوعاً واحداً. لذا، فإن السبب الوحيد الذي يدعوك إلى مراعاة التوافق الثقافي عند التوظيف هو أن تكون ثقافتك متنوعة وشاملة من الأساس، ما يعني أنك لا يجب أن تمتلك ثقافة محددة بشكل صارم.
المسارات المهنية الهجينة
حتى إن لم تكن تتقن فن تنمية مهارات متعددة والجمع بين عدة تخصصات، لا تزال هناك خيارات متاحة أمامك. فأهم شيء هو أن تتجنب وضع كل ما تملك من البيض في سلة واحدة. وبدلاً من ذلك، احرص على توسيع آفاق حياتك المهنية لتفهم ذاتك بمنظور أوسع، وأعد تصور إمكاناتك بطريقة مختلفة، وتقبَّل الخيارات غير الاعتيادية. على الرغم من بشاعة هذه الأزمة، فقد أكدت على شيء يتسم به الجنس البشري: أننا قادرون على الصمود وقابلون للتكيف بشكل مذهل. ويتجلى ذلك في ملايين الأشخاص الذين تمكنوا بالفعل من تغيير مهنهم بنجاح، مثل مضيفي الطيران الذين أصبحوا عاملين في مجال الخدمات الاجتماعية، أو المدراء في مجال تجارة التجزئة الذين أصبحوا مدربي لياقة بدنية عبر الإنترنت، وسنستمر في رؤية المزيد من هذه النماذج لأن القدرات البشرية مرنة إلى أبعد الحدود. ولهذا فإننا نتوقع أن قيمة المهارات الفنية ستنخفض مقارنة بالمهارات الشخصية (التي من الأفضل أن توصف بأنها مهارات القوة)، وأن السيرة الذاتية سوف تصبح من بقايا الماضي عاجلاً أو آجلاً، وأن التعليم العالي سيحتاج إلى إعادة تجديد نفسه لتعزيز المسارات المهنية الهجينة.
اقرأ أيضاً: كيفية كتابة السيرة الذاتية للتوظيف
باختصار، هذا هو أفضل وقت لإبقاء خياراتك مفتوحة. المستقبل الغامض ذو طبيعة معقدة، فإذا أردت أن تصمد أنت وفريقك ومؤسستك، فكّر في المهارات والأدوات والتغييرات التي يمكنك إضافتها إلى المزيج الذي تملكه بالفعل بدلاً من التفكير فيما يمكنك تبديله. وقبل كل شيء، فكّر في إمكاناتك بوصفها مجموعة من العضلات المرنة التي يجب تمرينها من خلال ممارسة مجموعة كبيرة من التمارين الرياضية والأنشطة، وليس بوصفها موطن قوة وحيد ستظل تستغله إلى أن ينفد. ففي عالم المواهب وأماكن العمل والثقافات والمسارات المهنية الهجينة، سيصبح امتلاك مهارات متنوعة أمراً أساسياً في عصر العمل الهجين.
اقرأ أيضاً: تطبيقات البلوك تشين