نظراً لانتشار مفهوم الذكاء العاطفي عالمياً، شاهدنا مهنيين يخفقون أثناء محاولة تطوير ذكائهم العاطفي، إما لأنهم لا يعلمون أين يجب عليهم تركيز جهودهم أو لأنهم لم يدركوا كيفية تطوير هذه المهارات على المستوى العملي.
خلال عملنا مع الشركات في مجال تقديم المشورة وتدريب القادة، وجدنا أنه إذا كنت تريد تعزيز مواطن محددة للقوة في ذكائك العاطفي، فمن المفيد أن تأخذ بعين الاعتبار الجوانب التي كشف الآخرون لك عنها، إلى جانب الأهداف التي تتطلع شخصياً لتحقيقها، ومن ثم تطوير عادات جديدة بشكل فعال في هذه الجوانب عوضاً عن الاعتماد فقط على فهمها من الناحية النظرية.
ثلاث أسئلة للذكاء العاطفي
ولتحقيق تلك الغاية، ابدأ بسؤال نفسك الأسئلة الثلاثة التالية:
أولاً: ما هي الاختلافات بين نظرتك لنفسك ونظرة الآخرين إليك؟
الخطوة الأولى، كما هو الحال في حالات التعلم كافة، هي تكوين فكرة صحيحة حول اختلاف إدراكك لذاتك (كيف ترى نفسك) عن إدراك الآخرين لك (كيف يراك الآخرون).
تعتبر هذه الخطوة صحيحة خصوصاً عندما يتعلق الأمر بتنمية الذكاء العاطفي لأننا قد نغفل طريقة تعبيرنا عن العناصر العاطفية في تواصلنا مع الآخرين أو قراءتها، ناهيك عن تحيزاتنا بشأنها. على سبيل المثال، يعتقد كل شخص فينا أنه مستمع جيد، ولكن غالباً ما يكون ذلك خاطئاً، ومن دون تقصي الحقيقة من محيطك، سيكون من الصعب عليك تحديد الطرق التي تؤثر بها تصرفاتك على أدائك. ويمكن أيضاً أن يعطينا حصولنا على ملاحظات من الآخرين دليلاً على ضرورة تغيير سلوكنا وحافزاً للقيام بذلك.
ولا يمكن كذلك اختزال درجة الذكاء العاطفي بدرجة واحدة، كما هو الحال مع معدل الذكاء، أي لا يمكنك قول إنك "جيد" أو "سيء" في الذكاء العاطفي. والجدير بالذكر، أنّ هناك أربعة جوانب منفصلة للذكاء العاطفي، ونحن جميعاً أفضل من غيرنا في بعضها، وهي كالتالي: الوعي الذاتي، وإدارة الذات، والوعي الاجتماعي، وإدارة العلاقات. (تتداخل مجموعة مكونة من 12 مهارة مكتسبة أو يمكن اكتسابها مع هذه الجوانب).
كي تتمكن من الحصول على أفضل فكرة حول الاختلافات التي تكمن بين إدراكك لذاتك وإدراك الآخرين لك، يجب عليك استخدام التقييم بتقديم الملاحظات على نطاق 360 درجة، والذي يأخذ بعين الاعتبار الأوجه المتعددة للذكاء العاطفي. نستخدم على سبيل المثال "مؤشر الكفاءة العاطفية والاجتماعية" (ESCI-360) (وهو منتج تجاري قام بتطويره زميلي دانيال وريتشارد بوياتزيس من جامعة كيس وسترن ريزرف Case Western Reserve University وشركة هاي غروب التابعة لمؤسسة كورن فيري)، ولكن لدى العديد من المؤسسات نظامها الخاص في التقييم. ما يهم هو العثور على نظام يضمن خصوصية أولئك الذين يقدمون لك الملاحظات، ويركز على التطوير وليس على تقييم الأداء (الذي يخل بالأثر الإيجابي للملاحظات)، ويعطيك فكرة مفصلة عن موضع نظر الآخرين إليك بشكل مختلف عن نظرتك لنفسك.
اقرأ أيضاً: للذكاء العاطفي اثنا عشر عنصراً... أيهم تحتاج لتطويره؟
هناك طريقة أخرى يمكنك من خلالها التعرف على وجهة نظر محيطك الخارجي حول كيفية تأثير تصرفاتك على علاقاتك وعلى عملك، وهي الاستعانة بمدرب توجيهي. إذ يمكن للمدرب التوجيهي مساعدتك على التعمق أكثر وعلى فهم كيف يمكن لافتراضاتك الشخصية وما تقوله لنفسك العمل ضدك. يجب أن تبذل جهداً لتتمكن من إيجاد مدرب توجيهي مدرب جيداً، إذ إنّ التدريب ليس مهنة مرخصة، لذا فالأمر يعود إليك في الوصول إلى المدرب التوجيهي المحتمل عبر الإحالات لمعرفة ما إذا كان قد خضع لبرنامج تدريبي صارم. إذا كان العمل مع مدرب غير ممكن، فابحث بدلاً من ذلك عن شريك في التعلم. قد تكون محظوظاً بأن يكون شريكك هو ذاته زميلك الذي تثق برأيه والذي يكون مستعداً لإخبارك بما إذا كنت تبلي بلاء حسناً أم لا بانتظام.
ثانياً: ما الذي يهمك حقاً؟
عندما تتلقى ملاحظات من خلال التقييم أو عن طريق مدربك التوجيهي، فإنّ ذلك سيرشدك إلى ما تريد أن تطويره. ولكن خذ باعتبارك أيضاً أهدافك التي كنت قد وضعتها لنفسك؛ كيف تريد أن تصبح أفضل في الأمور التي تقوم بها الآن، أو إلى أين تريد الوصول في المستقبل. وعندما يتعلق الأمر بتنمية مواطن قوة ذكائك العاطفي، ستكون أمام عائق كبير إذا كنت مهتماً فقط لأن أحد زملائك أو مديرك أو أحد موظفي قسم الموارد البشرية رأى أن تفعل ذلك. إذ إن ذكاءك العاطفي يرتبط إلى حد كبير بمدى إحساسك بذاتك والذي تم تحفيزه فعلياً لجعل الجهد الذي ستبذله لأجل تغيير عادات قديمة أكثر أهمية مقارنة مع إذا كنت تتعلم على سبيل المثال مهارة إعداد ميزانية فقط.
وهذا يعني أنّ الجوانب التي تختار العمل بفاعلية عليها يجب أن تقع على نقطة تقاطع الملاحظات التي حصلت عليها والجوانب الأكثر أهمية بالنسبة لتطلعاتك الخاصة. اسأل نفسك الأسئلة التالية: هل أريد تنمية قدرتي من أجل أن أشغل منصب قيادي؟ أم أريد أن أكون عضواً أفضل في الفريق؟ أم أريد أن يكون لدي المزيد من التأثير الإيجابي؟ هل أريد أن أكون أفضل في إدارة نفسي، أم أريد أن أبقي تركيزي على الأهداف التي تهمني بالفعل؟ أم أنّ أهدافي يجب ألا تكون متعلقة بمهنتي فقط، وأريد أن يكون تواصلي أفضل مع شريك حياتي أو مع ابني أو ابنتي؟ إنّ فهمك لتأثير عادات ذكائك العاطفي الحالية المتعلقة بأهدافك سوف يساعدك على الاستمرار على المدى الطويل أثناء قيامك بتعزيز ذكائك العاطفي.
لنفترض على سبيل المثال أنك حصلت على ملاحظات بأنك لست مستمعاً جيداً، ولكنك في المقابل تعتقد أنك كذلك. فعوضاً عن اعتبار هذا التقييم هجوماً، أو أن تقوم برفضه ببساطة، توقف قليلاً وفكر بأهدافك: ربما تكون قد وعدت نفسك بأنك تريد أن تتواصل وتتفهم الآخرين على نحو أفضل. إذاً، كيف يمكن للاستماع الجيد أن يساعدك على القيام بتلك الأمور؟ إنّ تلقي الملاحظات تحت ضوء أهدافك يمكن أن يساعدك على اعتبار تلك الملاحظات فرصة للتقدم نحو أهدافك عوضاً عن اعتبارها بمثابة تهديد لك.
ثالثاً: ما هي التغييرات التي ستجريها لتحقيق هذه الأهداف؟
مجرد أن تقوم بتحديد أي من مهارات الذكاء العاطفي التي تريد التركيز عليها، حدد الإجراءات الخاصة التي سوف تتخذها. إذا كنت تعمل على أن تصبح مستمعاً أفضل على سبيل المثال، فقد تأخذ قراراً بأنه عندما تتحدث مع أحدهم فإنك ستكون متأنياً وسوف تستمع جيداً لما يقوله ذلك الشخص وسوف تتأكد من أنك فهمت ما قاله قبل أن تجيب. اعمل على إبقاء ذلك محدداً، فإنه سوف يساعدك على الوصول إلى العادة المستهدفة.
ويجب أيضاً أن تنتهز كل فرصة تأتيك بصورة طبيعية لممارسة المهارة التي تعمل على تطويرها مهما كانت بسيطة. حاول تدريب دماغك على التفاعل بصورة مختلفة في المواقف شائعة الحدوث. فمبدأ المرونة العصبية يفيد بأنه كلما استخدمت دارة عصبية معينة في الدماغ، أصبحت الروابط بداخلها أقوى. وأنّ الدماغ لا يميز بين المنزل والعمل عندما يتعلق الأمر بتغيير عاداتك. لذلك، يمكنك العمل على اكتساب عادة جديدة في المنزل أو في العمل، مع شريك حياتك أو مع ابنك أو ابنتك؛ كما هو الحال مع مديرك أو رئيسك المباشر.
إنّ استغلال هذه الفرص للتسريع من عملية اكتسابك لعادات جديدة يتطلب القليل من الوعي الإضافي. في البداية، سيستغرق هذا منك جهداً (والقيام به سوف يبدو أمراً غريباً)، ولكن في كل مرة تقوم بذلك، فإنّ هذه المسارات الجديدة في دماغك ستقوي روابطها، ما يجعل نهجك الجديد أسهل وأكثر انتظاماً. وستجد بعد فترة قصيرة أنه من الطبيعي بالنسبة لك أن تتأنى وتستمع جيداً إلى الشخص الذي تتحدث معه قبل أنه تجيبه، على سبيل المثال، عوضاً عن مقاطعته نتيجة شعورك بالحماس للاستجابة. سوف تصل في النهاية إلى مرحلة تتمكن خلالها من الشعور بالإشارة العصبية التي تُظهر العادة الجديدة تلقائياً، دون أن تبذل أي جهد، وهذا سوف يعني أنّ عادتك الجديدة قد حلت محل القديمة كدارة عصبية افتراضية في دماغك.
يمكن أن يكون المدرب التوجيهي مفيداً لك هنا أيضاً وخلال مسيرتك، خاصة إذا كان ذلك المدرب قد تدرب مباشرة على مساعدة القادة والمسؤولين التنفيذيين لتطوير مواطن قوة ذكائهم العاطفي. فمن لحظة حصولك على النوع الصحيح من التقييم إلى مرحلة مراقبتك أثناء قيامك بما يلزم، يمكن أن يعمل معك مدرب محترف على تحديد الأمور التي اعتدت قولها لنفسك أو لتحديد أنماط التفكير المعتادة التي تقوّض قدرتك على الخروج نحو المسار الصحيح. بالإضافة إلى ذلك، سوف يقف المدرب بجانبك في تلك الأيام التي تجبرك ضغوط الحياة خلالها على العودة إلى عاداتك القديمة السيئة.
من خلال الإجابة عن هذه الأسئلة والبدء في تغيير ردود أفعالك الاعتيادية، ستكون على الطريق الصحيح الذي يقودك نحو اكتشاف العادات القديمة التي لا تخدمك وتحويلها إلى عادات جديدة أفضل، ولهذا بادر بطرح أسئلة الذكاء العاطفي.
اقرأ أيضاً: