لكن الوضع لا يتحسن، وتجد نفسك عالقاً بين حقيقة أنه لا يمكنك إنجاز كل شيء والشعور أن الموقف ليس هو المشكلة، بل أنت. وتشعر بالذنب لأنه يبدو أن الجميع ينجزون كل مهماتهم، لكنك لا تستطيع ذلك. وتشعر بالقلق من أنك إذا طلبت المساعدة أو رفضت القيام بأي مهمة، فسيكتشف الجميع أنك مخادع لا يضيف قيمة كافية.

على الرغم من أن هذه المخاوف مفهومة، فإنها ليست حقيقية بالضرورة. بصفتي مدربة في مجال إدارة الوقت، وجدت أن أحد أفضل الطرق لتحقيق التوازن هو إجراء تقييم موضوعي للجوانب القائمة على الواقع في جدول مواعيدك، بدلاً من ترك شعور غامض بالخوف يقود قراراتك. بغض النظر عن مدى قيمتك بوصفك عضواً في الفريق، لا يمكن لأي شخص العمل 100 ساعة في 40 ساعة عمل في الأسبوع، أو حتى 60 ساعة. يمكنك بدء إجراء تغييرات بمجرد أن تثق بأن توقعاتك وتوقعات الآخرين غير منطقية، وأنه يمكنك وضع حدود بطريقة لائقة وبنّاءة.

فيما يلي 5 خطوات لاكتساب هذه الثقة، يمكنك تطبيقها على المستوى الفردي أو مستوى المجموعة إذا كنت مسؤولاً عن إدارة توقعات فريقك:

الخطوة الأولى: ضع ميزانية لوقتك

يتّبع الأشخاص الذين يديرون شؤونهم المالية بعض المبادئ الثابتة. أولاً، ينفقون مما لديهم فقط، وبذلك فهم يتجنبون الديون غير الضرورية وما يقترن بها من توتر وتكلفة. كما أنهم يحرصون على تخصيص أموالهم بطريقة صحيحة، بحيث تكون لديهم أموال كافية لكل ما يحتاجون إلى شرائه. وأخيراً، يخفضون النفقات في الجوانب التي يمكنهم فيها القيام بذلك، دون تأثير سلبي كبير، ويحرصون على استثمار أموالهم فيما يُحتمَل أن يحقق لهم عائداً جيداً. تنطبق المبادئ نفسها على الاستثمار الفعال للوقت. لكي تفهم بوضوح ما يمكنك التعامل معه بشكل منطقي، يجب أن تبدأ بحساب عدد الساعات التي يجب أن “تنفقها” كل أسبوع. إذا كنت تميل إلى الإفراط في الوقت الذي تخصصه للعمل، فيمكنك إجراء الحسابات بشكل عكسي. على سبيل المثال:

عدد ساعات العمل اليومية = 24 – (عدد ساعات النوم) – (التنقلات) – (الالتزامات الشخصية) – (التمارين الرياضية) – (العناية بالذات)

أعني “بالالتزامات الشخصية” البنود الموجودة في جدول مواعيدك التي تُعد جزءاً أساسياً لشعورك بالرضا. وهي تختلف من شخص لآخر ولكنها قد تشمل الوقت الذي تقضيه مع العائلة أو مسؤوليات التطوع أو الأنشطة الاجتماعية أو الأنشطة التي تثير شغفك مثل العزف على البيانو. ويندرج تناول الطعام والاستحمام والاستعداد لأي نشاط ضمن “العناية بالذات”. بمجرد التعرف على الميزانية اليومية لوقتك، يمكنك حساب ميزانيتك الأسبوعية عن طريق إضافة الأرقام الإجمالية لكل يوم. بالنسبة لبعض الأشخاص، سيبدو كل يوم مشابهاً للآخر. وبالنسبة لآخرين، تخلق التزاماتهم الشخصية اختلافات كبيرة في الميزانية اليومية لوقتهم.

بمجرد فهم حجم ميزانيتك، يمكنك تقييم تكاليف الوقت المختلفة خلال يوم عملك. على سبيل المثال، لديك أنشطة “المتابعة” مثل الرد على رسائل البريد الإلكتروني أو التخطيط، وأنشطة “التنفيذ” مثل حضور الاجتماعات أو إكمال التقارير، وأنشطة “التطوير” مثل بناء العلاقات أو التسويق. أوصي بإعداد قائمة بجميع البنود المختلفة ليوم عملك ثم كتابة تقدير مبدئي للوقت أو النسبة المئوية لكل بند. على سبيل المثال، أقضي 20% من يوم عملي في الرد على رسائل البريد الإلكتروني، و50% في العمل على المشاريع، و30% في أنشطة التطوير. لا تحسب تكلفة كل بند فحسب، بل احسب أيضاً التكاليف المقترنة به. على سبيل المثال، يمكن أن يقترن الاجتماع الذي يستغرق ساعة واحدة بقضاء 15 دقيقة في السفر ذهاباً وإياباً، وبقضاء 30 دقيقة للاستعداد له، وبقضاء 15 دقيقة في المتابعة. وهذا يعني أن مجموع “النفقات” يصل إلى ساعتين و25 دقيقة. لذلك إذا كنت تعمل لمدة 9 ساعات في اليوم وترغب في قضاء ما لا يزيد على 50% من وقتك في الاجتماعات، فإن ذلك يقيدك باجتماعين يومياً و10 اجتماعات في الأسبوع في المتوسط.

الخطوة الثانية: قلِّص كل ما يمكنك تقليصه

بعد وضع ميزانية لوقتك، ستجد عادة أنك تتوقع تحقيق أكثر مما يمكن أن يتناسب مع ساعات اليوم. لكن هذا لا يعني أن الوقت قد حان لكي تهرع إلى مديرك، بل تحتاج أولاً إلى إلقاء نظرة متأنية للغاية على كيفية قضاء وقتك وتقليصه في الجوانب التي يمكنك فيها القيام بذلك.

طبّقت إحدى قارئات كتابي هذه النصيحة عندما واجهت ضغطاً كبيراً في العمل. وبدلاً من محاولة محاربة واقع ميزانيتها، اتخذت هذا الإجراء:

“اضطررت (مجدداً) إلى العمل على عدد كبير للغاية من المشاريع المتعارضة التي يجب تسليمها في الموعد النهائي نفسه، ثم حاولت التوفيق بين المشاريع الأخرى الجارية والطويلة الأجل أيضاً، ما تسبب في شعوري بتوتر شديد! لذلك، فكرت في سبب شعوري هذا، وحاولت معالجة الأمور التي أتحكم فيها دون اللجوء إلى قضاء الكثير من الوقت الإضافي بالعمل. على سبيل المثال، اتصلتُ بمدير المشروع الأطول أجلاً لمعرفة إذا ما كان من الممكن “إيقاف” جهودي في مشروعه مؤقتاً لمدة أسبوعين، وقد وافق مع بعض المفاوضات. وبذلك وفرت نحو 24 ساعة على مدار الأسبوعين. ثم عالجت بعض الجوانب الأخرى للمشكلة من خلال توظيف مساعدين بدوام جزئي من قسم آخر، وتعديل نطاق أحد المشاريع، وتمديد الموعد النهائي لمشروع آخر، وما إلى ذلك. وبدلاً من الشعور بالإرهاق وأنني ضحية للظروف، شعرت بقوة كبيرة!”.

قد تحتاج إلى اتخاذ مثل هذه الإجراءات الصارمة عند مواجهة أزمات العمل، أو يمكنك اتخاذ إجراءات أكثر دهاءً، مثل عدم حضور الاجتماعات غير الضرورية، أو مطالبة زملائك بمراجعة البنود معك خلال الاجتماعات الفردية بدلاً من إرسال 50 رسالة بريد إلكتروني إليك على مدار الأسبوع، أو الخروج من إحدى اللجان، أو إيقاف تشغيل التنبيهات المنبثقة برسائل البريد الإلكتروني الجديدة، أو قضاء وقت أقل في البنود التي لن يؤدي قضاء المزيد من الوقت فيها لجعلها مثالية إلى إضافة قيمة. تحدَّ افتراضاتك بشأن ما يجب عليك فعله والمدة التي يجب أن تقضيها في ممارسة الأنشطة المختلفة. ولا تدرج في قائمة مهماتك الأسبوعية إلا المهمات التي لديك مساحة لها في جدول مواعيدك، إذا كان ذلك ممكناً.

الخطوة الثالثة: قارِن بين التوقعات والواقع

بمجرد تقبُّل حقيقة أن الوقت محدود والاستفادة من المكاسب السريعة، ستحتاج إلى تحسين تقديراتك للمقارنة بين توقعاتك للوقت المخصص لكل مهمة والوقت الفعلي المطلوب لإنهاء كل مهمة. على سبيل المثال، ربما تعتقد أن تفقُّد رسائل البريد الإلكتروني والرد عليها يجب أن يستغرق ساعة واحدة فقط من يومك، ولكن عندما تنظر فعلياً إلى الوقت الذي تقضيه في ذلك، ستجد أنه دائماً ما يستغرق ساعتين. (أي وسيلة من وسائل تتبع الوقت ستفي بالغرض، ولكن إذا كنت تريد أن تكون دقيقاً، فإن أدوات مثل تطبيق ريسكيو تايم (RescueTime) يمكن أن تساعدك على معرفة كيف تقضي وقتك بالضبط في أثناء استخدام جهاز الكمبيوتر). عندما تواجه حقيقة الموقف، ستحتاج إلى معرفة إذا ما كان بإمكانك اتخاذ تدابير لتقليص الوقت مثل كتابة ردود أكثر إيجازاً، أو استخدام أدوات مثل تطبيق تايب إت فور مي (TypeIt4Me) أو طلب استخدام استراتيجيات مختلفة للتعامل مع رسائل البريد الإلكتروني في العمل. إذا لم تنجح أي وسيلة في تقليص الوقت، فبدلاً من محاربة الواقع، ستحتاج إلى زيادة ميزانيتك في هذا الجانب.

يمكن أن يساعدك استخدام قاعدة 80/20 أيضاً في جعل كل شيء متوافقاً مع ميزانية وقتك. لكن هذا سيتطلب منك أن تتقبل حقيقة أنه ليس بإمكانك فعل كل شيء ولا إرضاء الجميع. على سبيل المثال، عندما تبدأ تحليل القيمة الناتجة من الأنشطة المختلفة، قد تجد أن رفض الاجتماعات التي يريد منك الأشخاص حضورها، ولكنها تمنعك من أداء المهمات التي على قمة أولوياتك، هو الإجابة الصحيحة. أو قد تكتشف أنك بحاجة إلى قضاء وقت أقل مما كنت تعتقد لإحداث القدر المناسب من التأثير. على سبيل المثال، حضور لقاءات التواصل الاجتماعي بشركتك لمدة 30-45 دقيقة قد يكون له التأثير نفسه تقريباً الذي يُحدثه حضورها لمدة ساعتين. ومن خلال المغادرة مبكراً، يمكن أن يتوفر لك بعض الوقت لاستثمار ساعة في ممارسة التمارين الرياضية أو إنهاء مقترح ما، ما سيكون له عائد كبير. على الرغم من أن بعض هذه الخيارات قد تجعل الأشخاص يشعرون بعدم الارتياح، وخاصة أنت، فإن الانزعاج القصير المدى الناجم عن تغيير استجابتك الطبيعية سيكون له آثار إيجابية كبيرة على المدى الطويل.

الخطوة الرابعة: اطلب المساعدة والتوجيه

إذا اتبعت الخطوات الثلاث المذكورة أعلاه ووجدت أنك لا تزال غير قادر على إنجاز كل ما تحتاج إلى إنجازه، فقد حان الوقت للتحلي بالشجاعة وطلب المساعدة. ويمكنك القيام بذلك بطريقة واضحة وموضوعية كما هو موضح أدناه. ولكن قبل أن تفعل ذلك، عزز ثقتك بنفسك من خلال إلقاء نظرة على واقع ميزانيتك مرة أخرى وتذكير نفسك بأنه لا يوجد ما يدعو إلى الشعور بالذنب أو الفشل. لا يمكن لأحد فعل المستحيل، لذا فإن حقيقة أنك تجاوزت ميزانيتك لا تدعو إلى إصدار أحكام حولك، ولكنها علامة على أنك بحاجة إلى تعديل البيئة المحيطة بك.

فيما يلي كيفية التعامل مع المفاوضات المتعلقة بميزانية وقتك مع مديرك و/أو الأشخاص الذين يحاولون وضع المزيد من المهمات في جدول مواعيدك:

• اجمع المعلومات اللازمة: قم بإعداد قائمة مختصرة بالمشاريع، وضع تقديراً تقريبياً للمدة التي يستغرقها إنجاز مختلف المهمات. (إذا اتبعت الخطوات الثلاث المذكورة أعلاه، فيجب أن تكون لديك الآن هذه القائمة بالفعل).
• جهِّز صورة مرئية: قد يكون هذا بسيطاً مثل طباعة جدول مواعيدك الأسبوعية بعد إدراج الاجتماعات والمدة التي تستغرقها كل مهمة، أو معقداً مثل عرض الخطة الشاملة لمشروع ما. الشكل لا يهم؛ فالهدف هو إظهار التناقض بين الوقت المتاح والأنشطة المطلوبة.
• اعرض المعلومات: بدلاً من النظر إلى الأمر على أنه معركة بينك وبين الأشخاص الذين يريدونك أن تنجز عملاً ما، تعامل مع هذه المفاوضات بشأن التوقعات على أنها جلسات استراتيجية تعملون فيها معاً لتعظيم القيمة التي يمكنك الإسهام بها. ربما يمكن تخفيض درجة أولوية إحدى المهمات أو تفويضها أو تبسيطها بحيث يكون لديك المزيد من الوقت للتركيز على المهمات ذات الأولوية القصوى. عند التصرف بهذه الطريقة، لن يُنظر إلى طلب المساعدة والتوجيه في تحديد الأولويات على أنه عدم احترام أو تمرد، بل على أنه جهد مشترك للعمل ضمن حدود وقتك.

الخطوة الخامسة: استمر في تحقيق التوازن

نظراً إلى الطبيعة الدينامية للحياة والعمل، لا يمكنك وضع جدول مواعيدك ثم تركه على حاله طوال السنوات العشر التالية ببساطة. إذ ستحتاج إلى تحقيق التوازن في جدول مواعيدك وإعادة القيام بذلك، عادة يومياً أو أسبوعياً (أو شهرياً على أقل تقدير). هذا يعني أنك إذا لم تخصص ما يكفي من الوقت لنشاط معين في أسبوع ما، مثل الرد على رسائل البريد الإلكتروني، فستحتاج إلى قضاء المزيد من الوقت في هذا النشاط الأسبوع التالي. أو ربما تحتاج في أحد الأسابيع إلى التركيز بالكامل على إعداد عرض تقديمي، وفي الأسبوع التالي تدرك ما فاتك من الاجتماعات. فالهدف الواقعي هو التوزيع الصحيح للوقت في أسبوع العمل، وتحقيق التوازن بين وقت العمل والوقت خارج ساعات العمل.

من باب التشجيع، والتحذير أيضاً: ممارسة ما أشرت إليه وتنفيذ طرق إدارة عبء العمل لن تجعلك أكثر صحة وسعادة فحسب، بل ستجعلك أيضاً أكثر تواضعاً. فعندما تبدأ بوضع حدودك، ستحتاج إلى الإقرار بأنك لست مثالياً ولا يمكنك القيام بكل شيء، خاصة في وقت واحد. إذا كنت دائماً الخبير المهووس بالكمال في الفريق، فإن هذا التعديل في سلوكك قد يجعلك تشعر ببعض الارتباك بشأن هويتك. ستحتاج إلى إعادة تحديد هويتك لتصبح مثلاً “الشخص الذي يظل هادئاً وينجز أعمالاً عالية الجودة في الوقت المحدد” بدلاً من “عضو الفريق المتوتر الذي يفي بمواعيد نهائية قصيرة للغاية ولا يرفض القيام بأي مهمة مطلقاً”. سيستغرق هذا التحول بعض الوقت، ولكنه سيمكّنك في النهاية من الاستمتاع بالرحلة وجعل الحياة أكثر متعة لمن حولك أيضاً.