كيف يجد الوقت ليجتمع مع 10 عملاء أسبوعياً، وينجز الحصة السنوية المطلوبة منه في الربع الأول؟، يتساءل مندوب مبيعات مشيراً إلى زميله صاحب الإنتاجية الأعلى. "أنا بالكاد لدي الوقت لأعقد خمسة اجتماعات أسبوعياً وأنجز كل المعاملات الورقية المطلوبة مني بالشكل الصائب وفي الوقت المناسب".
كيف تتمكن من تولي قيادة مبادرات استراتيجية، والتعرف على المدراء التنفيذيين، والعمل لمدة 40 ساعة أسبوعياً؟ تتساءل مديرة في إشارة إلى زميلتها المنطلقة بسرعة على مسارها المهني. "بعد يوم كامل من الاجتماعات الخاصة بالمشروع أفضل ما بوسعي فعله هو أن أبادر إلى إرسال رسالة إلكترونية ليلاً كنوع من رد الفعل عوضاً عن السعي بشكل نشط إلى تطوير قسمي".
إليكم السر: زملاؤكم الذين يمضون إلى الإمام بجهد ظاهري أقل تعلموا كيف يدركون الأشياء المهمة ويتفوقون فيها، وكيف ينجزوا كل ما تبقى بجودة أقل من مثالية.
على الأرجح أن مندوب المبيعات ذو الإنتاجية العالية في فريقكم يقضي أقل من نصف الوقت الذي تقضونه في ملء المعاملات الورقية. نعم، قد يكون ذلك ضرباً من الإهمال، لكن لا أحد يهتم حقاً لأنه يحقق أرقاماً صاروخية في الإيرادات. والمديرة التي لفتت انتباه الإدارة العليا قد ترسل رسائل إلكترونية مليئة بالأخطاء النحوية والإملائية، وتمتنع عن حضور الاجتماعات التكتيكية، ولكن عندما يكون هناك اجتماع أو مشروع مهم، فإنها تتألق على حساب الجميع.
إذا كنتم تشعرون أن ذلك غير منصف على الإطلاق، فأنا أعتقد أنكم ربما كنتم تبلون بلاءً حسناً في المدرسة التي يشجع فيها الناس على البحث عن الكمال.
أنا أعي هذه الحالة جيداً. فقد كنت الطالبة التي تحصل على علامات كاملة في موادها منذ الصف السادس وحتى التخرج من الكلية، وكنت أفعل كل ما هو مطلوب مني لإنتاج عمل بالمستوى الذي يرضي أساتذتي في الجامعة. يجب أن أعترف أن هذه الاستراتيجية أتت أكلها عندما كنت طالبة. فقد أشار حصولي على العلامة الكاملة في المواد إلى مستوى استثنائي من الأداء، وكنت محظوظة بأن أكافأ بالمنح الدراسية وعروض العمل.
لكن القواعد تغيرت عندما افتتحت شركتي الخاصة قبل أكثر من سبع سنوات. لقد أدركت أن إنجاز العمل في كل شيء بأرفع سوية ممكنة وبحيث يستحق العلامة الكاملة كما كان الحال في الجامعة حد من نجاحي وأنني بحاجة إلى التركيز أكثر على نقاط قوتي. وكما يفسر توم راث في سلسلة كتبه "البحث عن نقاط القوة" (StrengthsFinder)، بوسعكم تحقيق قدر أكبر من النجاح من خلال الاستفادة الكاملة من نقاط قوتكم عوضاً عن المحاولة الدائمة لتعزيز نقاط ضعفكم. لكن اتخاذي لقرار متعمد بشأن الأشياء التي سأستثمر فيها قدراً أكبر من الوقت والطاقة لأنتج عملاً رائعاً والأشياء التي سأنجزها بجودة أقل من مثالية والتي ستعطيني نتائج مثمرة ترك أثراً عميقاً في مقاربتي للنجاح وقدرتي على تمكين الزبائن الذين يشعرون بالضغط الشديد.
سواء أكان زبائني أساتذة جامعة، أو مدراء تنفيذيين، أو محامين، ثمة موضوع مشترك يطرح ألا وهو أنهم لا يستطيعون إيجاد الوقت الكافي لفعل كل شيء. وهم على حق: فلا أحد لديه الوقت لفعل كل شيء. ونظراً لوتيرة العمل ومستوى المدخلات في المجتمع الحديث، فإن إدارة الوقت قد ماتت. لم يعد بوسعكم أن تحشروا كل شيء ضمن أجندتكم– بغض النظر عن مدى كفاءتكم. (هذه المعضلة ألهمتني تأليف كتاب حول الاستثمار في الوقت). فبحسب فلسفتي للاستثمار في الوقت، أنا أشجع الأفراد على النظر إلى الوقت بوصفه مورداً نادراً، وتخصيصه بطريقة متناسقة مع تعريفهم للنجاح. هذا الأمر يقود إلى عدد من التبعات العملية:
قرروا الأشياء التي "لن" تُمضوا وقتاً فيها. بما أن لديكم موازنة محدودة من الوقت، لن تتمكنوا من فعل كل شيء ترغبون بفعله بغض النظر عن مدى كفاءتكم. في اللحظة التي تؤمنون بهذه الحقيقة، ستقللون من شعوركم بالتوتر وعدم الكفاية. على سبيل المثال، يمكنكم من الناحية المهنية أن تقللوا من انخراطكم في اللجان، وعلى المستوى الشخصي بوسعكم الاستعانة بشخص آخر للعناية بحديقة منزلكم أو إنهاء مشروع منزلي.
خصصوا وقتكم بطريقة استراتيجية. إن رسم حدود تخص كيفية استثمار الوقت في العمل وفي حياتكم الشخصية ومتى تستثمرون هذا الوقت تساعد في ضمان وضع الاستثمار المناسب في كل فئة. بوصفي مدربة أساعد الناس في كيفية تنظيم وقتهم، أجد أن واحداً من أكثر الأسباب المغرية لعدم العمل لساعات طويلة جداً هي أنها لا تترك لك ما يكفي من الوقت لممارسة أنشطة من قبيل التمارين الرياضية، والنوم، والاهتمام بالعلاقات.
حددوا آلية تلقائية لاستثمار الوقت. تماماً كما تحددون آلية تلقائية للاستثمارات المالية في الصناديق المشتركة في الحساب الخاص بمعاشكم التقاعدي، يجب لروتينكم اليومي والأسبوعي أن يجعل استثماركم في الوقت شبه تلقائي. على سبيل المثال، في العمل، حددوا موعداً متكرراً مع أنفسكم مرتين أسبوعياً في فترة ما بعد الظهر لإحراز تقدم في إنجاز المشاريع الرئيسية. وخارج سياق العمل، التحقوا بنادٍ للياقة البدنية يجعلكم تشعرون بالأسف إذا لم تذهبوا إليه ثلاث مرات أسبوعياً.
اسعوا إلى موازنة زمنية تكون متوازنة بشكل متسق. نظراً إلى أن الحياة تمر بنوبات من الصعود والهبوط، فإن موازنتكم الزمنية لن تكون متوازنة، ولكن بوسعكم السعي إلى موازنة أوقاتكم بشكل متسق. خلال فترة ممتدة على مدار أسبوعين، يجب لاستثماركم الزمني أن يعكس أولوياتكم.
بعد أن تكونوا قد انتهيتم من تخصيص وقتكم، يجب أن تقاربوا العمل ضمن كل فئة بطريقة مختلفة. وكما شرحت لكم أعلاه، فإن "محاولة تقديم أداء مثالي في كل شيء" تمنعكم من استثمار الكم الأقصى من الوقت في الشيء الذي سيحقق لكم أكبر العوائد على استثماركم. هذا هو السبب الذي دفعني إلى تطوير تقنية اسميها "تقنية (أ. ح. ت)" لتساعدني في التغلب على النزعة إلى الكمال وسوء تخصيصي لوقتي على مدار أيام الساعة وأيام الأسبوع. وإليكم طريقة عمل هذه التقنية:
قرروا ما إذا كان بند معين مدرج على قائمة مهامكم هو نشاط استثماري (أ)، أم نشاط حيادي (ح)، أم نشاط تحسين (ت). "الأنشطة الاستثمارية" هي المجالات التي تؤدي زيادة حجم الوقت المعطى لها وجودة العمل المنجز فيها إلى حصولكم على مكاسب جمة ومتزايدة. على سبيل المثال، التخطيط الاستراتيجي هو نشاط استثماري وكذلك هو حال إمضاء الوقت مع الناس الذين تحبونهم دون استعمال أي أجهزة. ليكن هدفكم هو أن تعملوا على هذه الأنشطة والمجالات بطريقة مثالية (درجة أولى). أما "الأنشطة الحيادية" فهي الأنشطة التي يجب أن تنجز بطريقة مناسبة، والمزيد من الوقت لا يعني بالضرورة مكاسب أكبر بكثير. من الأمثلة على ذلك حضور اجتماعات خاصة بالمشاريع أو الذهاب إلى نادي اللياقة البدنية. هذه أشياء لا بد من إنجازها، لكن بالإمكان إتمامها بطريقة جيدة وغير مثالية (درجة ثانية). "أنشطة التحسين" هي الأنشطة التي لا يقود قضاء وقت إضافي فيها إلى قيمة مضافة وهي تمنعك من أداء أنشطة أخرى ذات قيمة أكبر. ليكن أداؤك لهذه الأعمال بسوية عادية (درجة ثالثة) – كلما أنجزتموها بسرعة أكبر كان ذلك أفضل. وتندرج المعاملات الورقية الإدارية والتسوق ضمن هذه الفئة.
قبولكم بحقيقة أنكم لن تتمكنوا من فعل كل شيء سيقلل فوراً من شعوركم بالتوتر وعدم الكفاية.
يتمثل الهدف الإجمالي في التقليل من الوقت الذي تقضونه على أنشطة التحسين إلى الحد الأدنى بحيث يكون بمقدوركم تعظيم الوقت الذي تقضونه في الأنشطة الاستثمارية. وتسمح لكم هذه التقنية بالتغلب على ميولكم نحو الكمال والمثالية والاستثمار بقدر أكبر في الأشياء المهمة فعلياً لتتمكنوا من زيادة فعاليتكم شخصياً ومهنياً.
على المستوى التكتيكي، يمكن لهذه النصائح أن تساعدكم في وضع تقنية (أ. ح. ت) موضع التطبيق:
- في بداية كل أسبوع، حددوا بوضوح أهم الأنشطة الاستثمارية واحجزوا لها وقتاً خاصاً على أجندتكم لإكمالها في وقت مبكر من الأسبوع ووقت مبكر من اليوم. هذا الأمر سيجبركم بشكل طبيعي على فعل كل شيء آخر في الوقت المتبقي.
- عندما تنظرون إلى قائمة مهامكم اليومية، ضعوا حروف (أ) أو (ح) أو (ت) بالقرب من كل بند ثم خصصوا موازنتكم الزمنية بناءً على ذلك، مثل تخصيص 4 ساعات للأنشطة (أ)، و3 ساعات للأنشطة (ح)، وساعة واحدة للأنشطة (ت).
- إذا بدأتم بالعمل على موضوع معين وأدركتم أنه يأخذ وقتاً أطول من المتوقع، اطرحوا على أنفسكم السؤال التالي: "ما هي القيمة من إمضاء الوقت على هذه المهمة و/ أو تكلفة الفرصة البديلة؟" إذا كان نشاطاً من الفئة (أ) وكانت قيمته مرتفعة، حافظوا عليه وخذوا وقتاً من الأنشطة الأخرى من الفئة (ح) والفئة (ت). إذا كان يندرج ضمن الفئة (ح) ولا ينطوي على الكثير من القيمة المضافة، أو إذا كان من الفئة (ت) وقضاء وقت في إنجازه يمنعكم من العمل على بنود أهم، إما أن تنجزوه بالحد الأدنى أو تفوضوه إلى شخص آخر، أو تتوقفوا عن استكماله، وتنهوه لاحقاً عندما يكون لديكم بعض أوقات الفراغ.
- إذا كنت تسجلون في يومياتكم كيف تقضون وقتكم، أو تحددون على أجندتكم الوقت الذي تمضونه في إنجاز كل نشاط، بوسعكم إجراء مراجعة كل أسبوع، وتحديد إذا ما كنتم قد خصصتم وقتكم بالشكل الصحيح لتحقيق القدر الأقصى من المكاسب من استثماركم الزمني.