عندما بدأت جائحة كوفيد-19، تولدت لدى الناس في مختلف أنحاء العالم مخاوف جديدة بشأن الصحة والعائلة والدخل والاستقرار. وبسبب هذه الاضطرابات، أصبحت صحة الموظفين النفسية من المسائل المؤثرة في المؤسسات التي لا يمكن للقادة تجاهلها.
ازدادت العوامل الخارجية التي تؤثر في صحة الموظفين النفسية منذئذ؛ إذ أحدث التبني السريع للذكاء الاصطناعي تغييرات جذرية في العديد من المسارات المهنية، في حين سببت الاضطرابات الجيوسياسية قلقاً بشأن الاستقرار، وأدى غموض التوقعات الاقتصادية وتقلبها في بعض الحالات إلى إحداث تدابير تهدف إلى خفض التكاليف، مثل تسريح الموظفين.
باختصار، هناك الآن الكثير من العوامل التي تدعو إلى القلق بالنسبة للموظفين. وفقاً لدراسة استقصائية جديدة أجراها كل من شركة الصحة في مكان العمل الاستشارية، مايند شير بارتنرز، وشركة كوالتريكس، وشملت أكثر من 1,100 موظف أميركي، أفاد 90% من المشاركين بأنهم "يعانون مشكلات الصحة النفسية المنخفضة الشدة على الأقل"، وأن الضغوط الثلاثة الأهم هي السياسة الأميركية والأحداث العالمية والمسائل المالية الشخصية.
بصفتك قائداً، من المرجح أن تعاني هذه الضغوط أيضاً؛ إذ بينت دراسة استقصائية من عام 2024 أجرتها شركة بزنس سولفر وشملت 3,000 مشارك من الرؤساء التنفيذيين ومتخصصي الموارد البشرية والموظفين، أن 55% من الرؤساء التنفيذيين أفادوا بأنهم عانوا مشكلة صحية نفسية (مثل القلق والاكتئاب والوحدة والاحتراق الوظيفي والوسواس القهري) خلال العام السابق.
حان الوقت ليلتزم القادة مجدداً بتحسين الصحة النفسية لموظفيهم ولأنفسهم أيضاً. يحتوي أرشيف هارفارد بزنس ريفيو على الكثير من الاستراتيجيات التي تساعد على تحقيق هذا الهدف على النحو السليم.
غير الأنظمة لا الأفراد
وصلت استثمارات الشركات في برامج صحة الموظفين إلى مستويات غير مسبوقة، ولكن البيانات تشير إلى أن هذه البرامج لا تؤدي في الواقع إلى تعزيز رفاهة الموظفين. وفقاً لما توصل له ثلاثة باحثين بعد تحليل مجموعة كبيرة من الأبحاث المتعلقة بالصحة في مكان العمل، من المرجح أن تكون التدخلات على المستوى الفردي مثل تطبيقات الرفاهة وبرامج مساعدة الموظفين عديمة الفعالية ما لم تقترن بتدخلات منهجية.
لاتباع نهج أكثر شمولية في معالجة مسألة الرفاهة في مكان العمل، يقترح المؤلفون أن يعمل القادة على تصميم السلوك من خلال تضمين استراتيجيات تعزيز الرفاهة ودعمها في مستويات المؤسسة كافة. خذ مثلاً إجراء تغييرات مثل تعزيز المرونة (بما في ذلك اختبار نظام الدوام مدة أربعة أيام أسبوعياً) لزيادة قدرة الموظفين على الموازنة بين العمل والحياة، وإنشاء مجموعات لدعم الرفاهة يديرها متطوعون بهدف توفير الدعم بين الأقران ، وتدريب المدراء على دعم صحة أعضاء فرقهم النفسية.
خذ الهوية في الاعتبار
وفقاً لخبيرة الصحة النفسية في مكان العمل، مورا آرونز-ميلي، "العمل يعتمد على البشر، والبشر متقلبون وأطباعهم صعبة". قد يبدو ذلك بديهياً للوهلة الأولى، لكن الهوية، وهي العناصر المترابطة التي تولد مفهومنا عن أنفسنا، هي عامل بالغ الأهمية في تأثير المشكلات النفسية في البشر والطريقة التي يستخدمونها لوصف هذه المشكلات. على سبيل المثال، قد يبدي الموظفون الأصغر سناً استعداداً أكبر لمناقشة صحتهم النفسية مقارنة بنظرائهم الأكبر سناً، وقد يشعر الرجال بأن معاناة المشكلات النفسية تلحق العار بهم أكثر مقارنة بالنساء. تقدم آرونز-ميلي الاقتراحات التالية حول التعامل مع وجهات النظر المختلفة هذه:
- إنشاء لغة مشتركة على مستوى المؤسسة وترسيخ مستوى أساسي من الفهم للصحة النفسية.
- ضمان إدماج الرجال في المحادثات حول الصحة النفسية.
- خلق فرص للتواصل بين الأشخاص الذين شاركوا تجاربهم الخاصة وجوانب هوياتهم.
قيم سلوكياتك القيادية
بما أنك قائد، قد تسبب سلوكياتك اليومية توتراً وقلقاً غير مبررين لموظفيك من دون قصد. وضع توماس تشامورو-بريموزيك قائمة بخمسة سلوكيات شائعة يجب الانتباه لها. على سبيل المثال، هل أنت تزيد تعقيد العمل بالنسبة للموظفين من خلال دفعهم لتخمين تصرفاتك المستقبلية؟ هل أنت متشائم لدرجة تجعل الموظفين يعتقدون أن بعض الظروف أسوأ مما هي في الواقع؟ تساعدك زيادة وعيك بتأثير أفعالك في موظفيك على "تحسين أداء الموظفين للحد الأقصى حتى في أصعب الفترات"، وفقاً لتشامورو-بريموزيك.
على الرغم من بروز العديد من المشكلات النفسية في النقاشات العامة خلال السنوات القليلة الماضية، لا تزال وصمة العار مرتبطة بها، وكذلك المخاوف من عواقب مشاركتها. وأنت بصفتك قائداً تتمتع بالقدرة على التأثير، كما أن مناقشة صحتك النفسية قد تشعر موظفيك بأن الحديث عن صحتهم النفسية مريح أكثر. وكما تقول المؤسسة والرئيسة التنفيذية السابقة لشركة مايند شير بارتنرز، كيلي غرينوود، فإن سرد قصتك الخاصة يضعف ارتباط المشكلات النفسية بوصمة العار ويضفي على التقلبات التي تصيب الإنسان طابعاً طبيعياً، خاصة إذا كان الشخص الذي يشهدها محترفاً عالي الأداء، كما أنه يجعل الضعف الإنساني أحد مواطن القوة بدلاً من أن يكون أحد مواطن الضعف، ويبين أن النجاح والازدهار ممكنان على الرغم من المشكلات النفسية.
تقدم غرينوود دليلاً لصياغة قصة صادقة ومقنعة للموظفين بطريقة شمولية تحمي خصوصيتك.
عزز الإقبال على البرامج
قد يساعد السرد القصصي أيضاً على زيادة معدل مشاركة الموظفين في برامج الصحة النفسية التي استثمرت فيها. أجرى فريق من علماء السلوك وعلماء السلوك التنظيمي دراسة شملت 2,400 موظف في شركة نوفارتس السويسرية للأدوية بهدف قياس معدل مشاركتهم في برنامج دعم الأقران لإسعافات الصحة النفسية الأولية الذي أطلقته الشركة. على الرغم من تطوع الكثير من الموظفين لأداء وظيفة المسعف الأولي للصحة النفسية (أي لأداء دور داعم لزملائهم)، كان الإقبال العام على البرنامج منخفضاً.
عرض المؤلفون على المشاركين قصصاً بشخصيات مجهولة الهوية عن زملائهم الذين استفادوا من البرنامج، وتفاوتت شدة المشكلات التي استعرضتها هذه القصص، من الإجهاد والقلق المرتبطين بالعمل إلى الاكتئاب ونوبات الهلع الناجمة عن عوامل خارجية. بينت النتائج الأولية أن مجرد الاستماع إلى معاناة الزملاء [قد] يجعل الوصول إلى الدعم الصحي النفسي في العمل طبيعياً ويزيد الإقبال على برنامج دعم الأقران للصحة النفسية بنسبة تصل إلى 8%. قد لا تبدو هذه النسبة مرتفعة، لكن المؤلفين أشاروا إلى أنه في الشركات الكبرى مثل نوفارتس (التي تضم نحو 78 ألف موظف)، قد تؤدي هذه الزيادة في الإقبال إلى استفادة ألفي موظف من هذا المورد.
لا تهمل صحتك النفسية
عليك أن تعتني بنفسك لكي تؤدي دور القائد بفعالية. إذا ولدت حالة عدم اليقين السائدة حالياً القلق لديك (وهذا مفهوم)، فإن آرونز-ميلي تؤكد أهمية حل هذه المشكلة قائلة: "إذا لم تواجه قلقك في مرحلة ما، فسوف يقضي عليك".
تقترح آرونز-ميلي عملية تتألف من أربع مراحل للتعامل مع القلق يمكنك تطبيقها بدلاً من تجاهله أو محاولة تحمله. أولاً، يجب عليك أن تطبق آلية التأمل الذاتي وتفكر في العوامل الداخلية لتتوصل إلى فهم أفضل لمشاعرك وأسبابها. ثانياً، يجب أن تتوصل إلى طرق لإدارة القلق، وهذا يشمل الفصل الذهني بين نواحي حياتك المختلفة على نحو سليم بالإضافة إلى التواصل مع الآخرين. ثالثاً، يجب أن تتعلم كيف تكشف مواطن ضعفك لأقرانك وموظفيك، دون إفراط ودون أن تسمح للمحادثات بأن تتشعب. أخيراً، عليك تصميم نظام دعم خارج المؤسسة يساعدك على التحقق من صحة قراراتك ويقدم لك المشورة في المواقف الأكثر حساسية. تقول آرونز-ميلي إن فعل ذلك "سيجعل أداءك في العمل أفضل سواء في فترات الاستقرار أو فترات التحولات والأزمات".
تعلمنا في السنوات القليلة الماضية بعض الدروس المهمة، ومنها أنه من غير المنطقي أن تتوقع من الموظفين (أو من نفسك) أن يحيدوا مشاعرهم في العمل، وأن مجرد إنفاق المال على المبادرات مثل تطبيقات الصحة ليس كافياً بمفرده لدعم الموظفين. بصفتك قائداً، يمكنك أن تزيد شعور الموظفين بالاندماج وتحسن صحة مؤسستك عموماً من خلال التعامل مع صحة موظفيك النفسية من وجهة نظر شمولية أكثر، والتفكير بالتجارب الشخصية الصعبة ومشاركتها.
اقرأ أيضاً: