يؤدي القلق إلى أعراض جسدية مثل خفقان القلب والثقل في الصدر، كما يسبب ارتباكاً في التفكير والتصرفات ويصيب صاحبه بالأرق ليلاً أو يسيطر عليه فور الاستيقاظ، ويرى الكثيرون أنه لا مفر من هذا الشعور ومنهم أنا، إذ أميل دائماً إلى تخيل أسوأ السيناريوهات في مختلف المواقف.
لن أفسر لك القلق من وجهة نظر العلم أو أحدد لك الأمور التي يجب أن تقلق أو لا تقلق بشأنها، ولكن ما أريد قوله هو أن هذا شعور شائع، وخاصة الآن وسط الصراعات العالمية العنيفة وانتشار عدم المساواة والمخاوف المالية والذكاء الاصطناعي، والانتخابات الرئاسية الأميركية، إذ أفاد أكثر من 70% من المشاركين في استطلاع أجرته جمعية علم النفس الأميركية أنهم يشعرون بالتوتر بشأن مستقبل أميركا.
قد تصعب عليك قيادة الآخرين أو تحقيق الإنتاجية المطلوبة في العمل عندما يكون ذهنك منشغلاً بهذه القضايا الرئيسية ويسيطر عليك القلق. وفي حين أنه بوسع البعض أخذ إجازات للاهتمام بأنفسهم وتقديم الدعم لمجتمعاتهم في مثل هذه الأوقات، فلا يمكن للجميع فعل ذلك، إليك إذاً بضع نصائح من أرشيف هارفارد بزنس ريفيو، تساعدني على مواصلة العمل عندما أشعر بالقلق الشديد، وعلى الرغم من أن هذه النصائح ليست شاملة فإنني آمل أن تكون نقطة انطلاق مفيدة للتعامل مع القلق.
خذ وقفة وتأمل نفسك
حتى تفهم محفزات القلق والأعراض الجسدية الناجمة عنه، عليك تأمل نفسك قليلاً، فقد تتلقى رسالة إلكترونية أو إشعاراً إخبارياً يجعل أنفاسك تتسارع، أو قد تدرك في منتصف اليوم أنك تعاني ألماً نابضاً في رأسك وتشنجاً في فكك، وفي كلتا الحالتين يسيطر القلق عليك ببطء (أو بسرعة أحياناً)، ويجب عليك أن تميز الأعراض الجسدية التي تظهر عليك وتحدد أسبابها، قبل أن يتفاقم الأمر. يتطلب ذلك أخذ وقفة وتأمل نفسك قبل مواصلة يوم العمل، وقد يكون الأمر صعباً إذا كنت معتاداً على الانتقال السريع من مهمة إلى أخرى.
عندما تمارس هذه الاستراتيجية باستمرار فإنها تتحول إلى عادة، ومن ثم تستشعر القلق بصورة أفضل، وهو ما تسميه خبيرة القلق مورا أرونز ميلي "نظام الإنذار المبكر"، وفي مقالها المنشور في قسم "أفكار كبيرة" (Big Idea) في مجلة هارفارد بزنس ريفيو بعنوان "القيادة عند الشعور بالقلق" (Leading Through Anxiety)، تصف تمرنين مختلفين يمكنهما مساعدتك على فهم مظاهر قلقك: الأول فحص جسدك لتحديد المظاهر الجسدية للقلق، والثاني هو عبارة عن مجموعة أسئلة تطرحها على نفسك يومياً أو أسبوعياً ومنها مثلاً: "كيف أشعر في الساعة 9 صباحاً و12 ظهراً و3 عصراً و6 مساءً؟" أو "هل يتفاعل جزء معين من جسدي عندما أشعر بالتوتر؟".
على سبيل المثال، لاحظت أنني آخذ انفاساً قصيرة حينما يزداد قلقي وإذا لم أهدأ وأتنفس بعمق أو أخرج للمشي وأتنفس بعمق خلال ذلك، ستبدأ يداي بالارتعاش، ما يمثل مشكلة إذا كنت تعمل في مجال الكتابة.
كما أنني أستخدم نصيحة أرونز ميلي بالتمهل وتقسيم المهام إلى مهام أصغر تسهل إدارتها عندما يسيطر عليّ القلق. لا يتعين عليك إنجاز أعمال جبارة عندما تشعر بالقلق، أو حتى تقديم أفضل ما في وسعك، حاول أن تجد سبلاً لإنجاز بعض المهام بغض النظر عن حجمها، واعتن بصحتك النفسية في الوقت ذاته.
لا تعزل نفسك
قد يبدو البقاء في المنزل فكرة رائعة عندما تشعر بالقلق، لكنني في كثير من الأحيان أجد أن التفاعلات الاجتماعية تساعدني على إدارة قلقي، خاصة إن لم أنخرط مع الآخرين في اجترار الأفكار السلبية، لأن ذلك يؤدي إلى دوامة من القلق يصعب الخروج منها، وهذه هي نصيحة مدير "مختبر العاطفة والتحكم بالذات" (Emotion and Self-Control Lab) بجامعة ميشيغان، إيثان كروس، التي أشرت إليها في عام 2021، إذ يوضح أن الإنسان حينما يشعر بالقلق يحتاج إلى رؤية الأمور من وجهة نظر أشخاص لا يمرون بحالته نفسها، ويصغون إليه بفكرهم لا بعواطفهم ويساعدونه على تغيير سلوكه والبحث عن حلول، بدلاً من إبقائه في دوامة القلق.
ولا يتطلب الاتصال الاجتماعي دائماً التواصل المباشر مع أحد الأصدقاء أو أفراد العائلة، فالتواصل العرضي مع الآخرين خلال التسوق من متجر البقالة أو شرب فنجان قهوة في الخارج يسمح لي بالتفاعل مع العالم الخارجي ويشتت انتباهي عن الأفكار السلبية.
التزم بروتين يحسّن حالتيك الجسدية والنفسية
لقد تمكنت من تجاوز واحدة من أحلك الفترات التي مررت بها منذ بضع سنوات من خلال الالتزام بالروتين؛ كنت أذهب للمشي كل يوم (فأشعة الشمس مفيدة) وأكتب يومياتي وأمارس التأمل على الرغم من أنني لم أكن متحمسة لهذه الأنشطة، ولا يعني هذا أنني كنت أجبر نفسي على ممارسة أنشطة أكرهها، فأنا كنت أستمتع بممارستها في السابق وأعرف أنها ستحسن حالتي الجسدية، وهذا ما حدث بالفعل.
تؤيد الكاتبة شارلوت ليبرمان هذا الرأي، حيث تقول إن الالتزام بروتين يحسّن الحالتين النفسية والجسدية هو نوع من أنواع ممارسة اللطف مع النفس، وهي تركز بصورة خاصة على ممارسة التنفس والتأمل، ولكنها تشير إلى أن هناك "عدداً لا حصر له من الطرق لممارسة اللطف مع النفس والانسجام مع اللحظة الحالية. يمكنك تجربة هوايات جديدة مثل الحياكة أو تربية النحل، كما أثبت العلم أن ممارسة التمارين البدنية والاستماع إلى الموسيقى والرسم هي كلها طرق تخفف القلق وتنظم المشاعر؛ لذلك حدد الممارسة التي تناسبك وابدأ بها".
ضع خطة للتعامل مع القلق إذا تفاقم
قد يتفاقم القلق جداً أحياناً، في عام 2020، أجريت مقابلة مع مختصة علم النفس السريري الدكتورة إيلين هندريكسن، وقد أوضحت كيف يمكن أن يتحول القلق إلى ضائقة نفسية (توتر يسيطر على صاحبه إلى درجة أنه يمنعه من التكيف)، ويصبح معوقاً (قلق يمنع صاحبه من أداء مهامه اليومية). قد لا تجدي الأساليب التي استخدمتها سابقاً في مثل هذه الحالة ولذلك يجب أن تضع خطة للتعامل مع قلقك.
تذكر هندريكسن نوبات الهلع مثالاً، وهي تقول أن هذه النوبات تنتهي دائماً؛ فالمشاعر التي تضطرب ستعود إلى طبيعتها، وهي تقترح عليك أن تحرص على إحضار الدواء الذي وصفه لك الطبيب لاستخدامه في مثل هذه المواقف، أو تغمر رأسك بالماء البارد أو تضع كمادات الثلج فوق عينيك لتحفيز ما يسمى بمنعكس الغوص، وهي "استجابة تطورية تعمل على إيقاف وظائف الجسم غير الأساسية خلال السقوط في الماء البارد، ما يؤدي إلى تخفيف المشاعر الشديدة، فهذا المنعكس ينشط الجهاز العصبي اللاودي ويعمل على تهدئتك". مهما كانت الوسائل التي تناسبك أو التي وصفها لك الطبيب، فمن المفيد إبقاؤها في متناول يدك وتدوين خطة للتعامل مع قلقك حينما يتفاقم، في حالة حدوث أي طارئ.
بالطبع، إذا كنت تظن أن قلقك ناجم عن اضطراب نفسي فعليك استشارة طبيب متخصص لا اتباع نصائحي فقط، فأنا مجرد محررة قلقة جداً تعاني اضطراب القلق المعمم الحاد. لكنني أعتقد أن التحدث عن القلق مهم، لأن هنالك الكثير من المسائل المقلقة فعلاً، القلق يعني أنك منشغل بأمر ما، وأنك مدرك لحالة عدم اليقين التي تحيط بالكثير من جوانب الحياة وهذا وضع غير مريح، وعلى الرغم من أن الحل لا يكمن دائماً في التحلي بالقوة والمضي قدماً، فكثير منا في العمل ليسوا مسؤولين عن أنفسهم فقط، بل هم مسؤولون عن الآخرين وخاضعون لمساءلتهم أيضاً، ومن ثم يتعين علينا أن نجد طريقة للاستمرار، لذا تذكر أن بإمكانك الاستعانة بوسائل وأشخاص للتغلب على قلقك.
اقرأ أيضاً:
- مختارات هارفارد بزنس ريفيو للتعامل مع التشتت في العمل
- لماذا يعاني الناجحون من القلق وكيف يتخلصون منه؟
- كيف يؤثر القلق على الأسلوب القيادي لكلّ من المرأة والرجل؟