سأعترف لكم بسر صغير: يعاني بعض الأشخاص الناجحين جداً من القلق، فهم يقلقون بشأن أسوأ السيناريوهات وأبسط احتمالات الفشل، وينزعجون من ارتكاب الأخطاء ويقارنون أنفسهم بالآخرين بشكل سلبي، ويركّزون على ردود الفعل السلبية ويتجاهلون الثناء.
وقد يكون قلقهم مفيداً من عدة جوانب؛ فهو يعزز الحافز لديهم ويحثّهم على العمل بجد وتحقيق الإنجازات. وعلى الرغم من أنهم موظفون أصحاب قيمة عالية لأنهم يبذلون قصارى جهدهم ولا يرضون بالجهد القليل، إلا أن تجاهل مشاعر القلق يجعل أي شخص ناجح شخصاً بائساً ويقوّض أداءه وتقدمه الوظيفي.
لنتأمل مثال المحامي مارك غولدشتاين الذي اعتاد قبل بضع سنوات التفكير في الكوارث، كاحتمال تعرضه للمقاضاة نتيجة سوء سلوكه المهني، إضافة إلى مقارنة نفسه بأقرانه، ويتذكر قائلاً: "تضم شركتنا حوالي 1,800 محامٍ، وكنت أؤمن أن المحامين الـ 1,799 الآخرين كانوا جميعاً أكثر قدرة مني على التعامل مع ضغوط العمل والحياة"، فكان يراجع رسائل بريده الإلكتروني بحرص شديد، ويعمل خلال الإجازات لتعويض تقصيره.
ويروي نيهار تشايا قصة مماثلة، فعلى الرغم من تعيينه كواحد من أفضل 100 مدرب تنفيذي في العالم من قبل مدرب القيادة مارشال غولدسميث، فقد اعتاد تشايا على تخيّل فكرة أن أعماله تتراجع، وما فتئ يتساءل عما إذا كان العمل لصالح شركة أكبر خياراً أفضل، ويقول: "كانت أعمال الجميع مثالية في نظري، وكنت أظن أنني الشخص الوحيد الذي لن يحقق النجاح والتميّز".
وسأعترف لكم بأنني أواجه المشكلة نفسها، فقد تقدّمت مؤخراً بطلب للانضمام إلى مجموعة مؤلفي كتب الأعمال التي يتطلّب الانضمام إليها دعوة خاصة، وشعرت بالذعر فور انضمامي، فمن أنا ليكون اسمي مُدرجاً ضمن قائمة الكتّاب الأكثر مبيعاً والمتحدثين المشهورين والضبّاط برتبة اللواء حتى؟ كانت متلازمة المحتال التي أصابتني شديدة.
سمعت بالفعل عن العديد من القادة الذين يرفضون الاحتفال بنجاحاتهم من خلال الإصرار على أنها كانت وليدة الحظ أو أن أي شخص كان ليحقق ما أنجزوه بالفعل.
وفي الواقع، يستسلم العديد منا لما يطلق عليه علماء النفس مزالق التفكير، أو ما يدعوه الآخرون التشويه المعرفي أو أخطاء التفكير، بمعنى أنماط التفكير غير الصحيحة والمتحيزة سلباً والمتأصلة فينا بعمق لدرجة أنها تتولّد تلقائياً لتوقعنا في شراكها، فنفتقر إلى الوضوح في الأفكار، أو يقلّ تواصلنا الفعّال، أو نفشل في اتخاذ قرارات جيدة مستندة إلى الواقع، وهو ما يؤثر سلباً علينا وعلى الفرق التي نديرها.
ولسوء الحظ، فإن مزالق التفكير شائعة للغاية بين الناجحين القلقين الذين يتخذون عدة أساليب لتجنبها، فمنهم من يلجأ إلى تولي أعمال إضافية، ومنهم من يركن إلى تجنب التواصل مع الآخرين، في حين يمارس آخرون سلوكيات عدوانية سلبية. لكن توجد حلول أفضل؛ وتتمثل الخطوة الأولى في فهم طبيعة المزالق المختلفة وتحديد المزلق الأكثر تهديداً لنا، ومن ثم اتخاذ خطوات مقصودة ومباشرة ومدعومة بالبحوث لنحرر أنفسنا من قيودها.
مزالق التفكير وسُبل تجنبها
يؤثر 11 مزلقاً من مزالق التفكير علينا في العمل، ويتطلّب منا تجاوزها اتباع عدة أساليب فعالة. وتأتي معظم الأمثلة عليها من كتاب ديفيد بيرنز الذي يحمل عنوان "الشعور الجيد: العلاج الجديد للتقلبات المزاجية" (Feeling Good: The New Mood Therapy)، و"كتيّب الشعور الجيد" (The Feeling Good Handbook) على الرغم من أنني أدرجت بعض الأمثلة الأخرى التي تؤثر في الأشخاص الناجحين القلقين بشكل خاص.
عقلية كل شيء أو لا شيء
يشبّه بيرنز تلك العقلية بالتفكير بمنظور الأبيض أو الأسود، فإذا كان الموقف لا يرقى إلى الكمال في نظرك، فستصفه بالفشل الذريع. ومن أبرز الأمثلة على ذلك هي مقابلات العمل التي ينسى فيها من يتبنون هذه العقلية كل ما نجحوا في عرضه ويركزون على خطأ واحد ارتكبوه أو الإنجاز المهم الذي نسوا ذكره مفترضين أن المقابلة بأكملها كانت فاشلة. لكن الأجدى هو تقييم المقابلة ككل، قد تتمنى لو أنك أجبت بشكل أفضل عن بعض الأسئلة بالفعل، لكن المقابلة كانت ناجحة بشكل عام. وتتمثّل أفضل الطرق لتجاوز عقلية كل شيء أو لا شيء في استبدال "أو" بـ "و"، بمعنى أن المقابلة شهدت لحظات إيجابية وسلبية، وكانت مزيجاً من النجاح والفشل.
وعندما تجد نفسك مقتنعاً بأن حدثاً ما خضته كان مجرد فشل ذريع فقط، تواصل مع استشاري موثوق. عادة ما ألجأ إلى زوجي أو زميلي السابق في العمل، فكلاهما يعرفانني حق المعرفة وقادران على مساعدتي في تبنّي عقلية اللون الرمادي بدلاً من عقلية الكمال أو الفشل.
التصنيف يؤكد بيرنز أن التصنيف هو شكل متطرف من عقلية كل شيء أو لا شيء، بمعنى "أن تضيف تصنيفاً سلبياً لنفسك بقول: أنا شخص فاشل، بدلاً من أن تقول: ارتكبت خطأً"، ولدى الجميع بالفعل تصنيفاتهم السلبية عن أنفسهم، مثل "فاشل"، "غير كفؤ"، "غير مؤهل"، "غير مستحق". لكن عندما تعزو مصدر مشكلة ما إلى الشخصية بدلاً من طريقة التفكير أو السلوك، فأنت تفترض بذلك استحالة تصحيح الموقف. فإذا كنت تعتقد أنك شخص سيئ بطبيعتك (أنا فاشل) بدلاً من شخص عادي يرتكب الأخطاء أو يتخذ قرارات سيئة (أفشل أحياناً)، فأنت تعلن بذلك استسلامك. ويحدث الشيء نفسه عند تصنيف الآخرين بحسب رأي بيرنز: "قد تفترض أنهم أشخاص سيئون تماماً، ما يجعلك تشعر بالعداء تجاههم وتفشل في التواصل معهم بشكل بنّاء".
وتتمثّل أفضل طريقة لمواجهة مزلق التفكير هذا (وغيره) في تبنّي نهج التفكير المتوازن لدراسة صحة افتراضك التلقائي بدلاً من بطلانه. لنفترض أنك اتخذت قراراً سيئاً وافترضت على الفور أنك شخص غير حصيف! أولاً، ما الدليل على أنك شخص غير حصيف؟ الدليل هو اتخاذك قراراً خاطئاً. صِف الخطأ، ثم فكّر في هذا السؤال: هل قرار واحد سيئ دليل كافٍ حقاً على أنك شخص غير حصيف؟ بالطبع لا. ثم وثّق وجهة نظرك المعارِضة أيضاً، هل هناك أي دليل يشير إلى أنك لست شخصاً حصيفاً؟ أعتقد أنك ستجد الكثير من الأدلة التي تشهد على كفاءتك ومهاراتك. وإذا ساعدك التفكير المتوازن في تحديد المجالات التي يمكنك تحسينها، لا سيّما تلك التي تثير قلقك، فتلك إشارة لك على ضرورة الانتباه وبذل مزيد من الجهد.
القفز إلى الاستنتاجات
يأخذ هذا المزلق أحد شكلين، الأول هو قراءة أفكار الغير التي تحدث عندما تستنتج بشكل اعتباطي أن شخصاً ما يتفاعل معك بشكل سلبي، كأن تقول لنفسك: (هو لا يعتقد أنني أستحق الترقية أو أنا متأكد أنها تكرهني)، والثاني هو التكهّن، الذي يعني التنبؤ بأن مآل الأمور سيكون سيئاً حتى في حال عدم وجود دليل، وهو ما قد يؤدي إلى التقاعس عن العمل، (ما الفائدة من المحاولة؟)
اعتقدت ذات مرة أن إحدى زميلاتي كانت غاضبة مني لأنها لم تبتسم عندما مررنا في الردهة، ليتضح بعد ذلك أنها كانت قلقة وغير سعيدة لأن أطفالها كانوا مرضى. كما ألقيت أيضاً عروضاً تقديمية مفترضة من البداية أنني سأفشل فيها، ما عزز احتمالات الفشل تلك. في الواقع، قد يؤدي كلا النوعين من أنواع القفز إلى الاستنتاجات إلى تقليل احترام الذات وفرص بناء العلاقات وتقويض الإنتاجية والفشل في صناعة القرارات.
ويمكنك مواجهة هذا المزلق من خلال التحلّي بالصدق، اسأل نفسك: "هل يمكنني حقاً قراءة أفكار الآخرين؟ هل يمكنني حقاً التنبؤ بما سيحدث في المستقبل؟" يمكنك تذكير نفسك أيضاً بأحداث ماضية قفزت فيها إلى استنتاجات ثبت بطلانها.
توقع الكوارث
يتضمن مزلق التفكير هذا تخيّل أسوأ نتيجة ممكنة على أساس عدد قليل من الأدلة أو دون أي دليل على الإطلاق، كافتراض أن البقع على البشرة سببها وجود ورم خبيث، أو أن الجدال مع صديقك المقرّب سيؤدي إلى قطع العلاقة، أو أن مراجعة الأداء غير المثالية في العمل تعني أنك ستُسرّح منه. يفترض الشخص الذي يتوقع الكوارث السيناريوهات الأسوأ دائماً، بغض النظر عن المشكلة.
وهذا النوع من التفكير يقوّض الأداء؛ افترض أن تحليل التدفقات النقدية لشركتك كان أقل إيجابية من توقعاتك، وينتابك القلق فجأة من احتمال تدهور الأعمال وخسارتك وظيفتك. على الرغم من أن عقلك الواعي يعرف أن هذا الافتراض غير مرجح، سيبدو لك هذا السيناريو الغريب معقولاً عندما تقع في شراك مزلق التفكير هذا. تأمّل نصيحة المؤلفة الحائزة على عدة جوائز آشلي فورد: القلق هو راوي غير موثوق به "يكذب عليك ويخبرك أن كل شيء سيسوء طوال الوقت"، وتؤكد على ضرورة "عدم الخلط بين المشاعر والحقائق".
وإذا كنت تجد صعوبة في التوصل إلى حل للتخلّص من حالة اللاعقلانية تلك، فحاول اتخاذ إجراء صغير وهادف لوقف دوامة التفكير الذهني هذه، أو استشر مراقباً محايداً يمكنه مناقشة الموضوع معك، أو حاول تغيير الموقف لتجنّب التفكير في الكارثة، فجهد قليل قادر على حثّ عقلك على إعادة التركيز ومواصلة العمل المنتج. لذلك، ركّز على ما يمكنك عمله على المدى القريب بدلاً من للتفكير فيما قد يحدث العام المقبل أو حتى بعد ثلاثة أشهر من الآن.
التصفية الذهنية
يشرح بيرنز معنى التصفية الذهنية (Mental Filtering) بقوله: "أن تختار تفصيلة سلبية واحدة وتركز عليها بحيث تصبح رؤيتك للواقع مظلمة، مثل قطرة الحبر التي تغيّر لون كوب من الماء". ويستشهد كمثال على ذلك بمقدمة برامج تحصل على كثير من التعليقات الإيجابية حول برامجها ولكنها تتجاهلها وتركز بدلاً من ذلك على تعليق نقدي من أحد زملائها.
وقد يحدث العكس أيضاً بالطبع، بمعنى أن يركز الناس على ما هو إيجابي ويغضون الطرف عما هو سلبي؛ وبالعودة إلى الأشخاص الناجحين القلقين، سنجد أنهم يركزون على كل ما هو سلبي ويفشلون في الاستفادة من أي نقاط إيجابية، ما يؤدي إلى شعورهم بالإحباط أو حتى اليأس.
وتتمثّل الطريقة العملية للتخلص من هذا المزلق في الاحتفاظ بسجل لإنجازاتك وأشكال الثناء التي تتلقاها بأن تدوّن ملاحظة في كل مرة تصل فيها إلى هدف ما أو تتجاوزه أو تساعد فريقك أو شركتك على النجاح، واحتفظ بأي رسائل بريد إلكتروني أو تغريدات أو رسائل نصية تحتوي على تعليقات إيجابية، فذلك سيوفر لك دليلاً موضوعياً على أنك تُبلي بلاءً حسناً، ويتيح لك مراجعة إنجازاتك عندما تشعر بالضغط أو الشك. (فائدة إضافية: يسهّل سجل الإنجاز عملية كتابة التقييمات الذاتية ومراجعات الأداء).
تجاهل الإيجابيات
إن مزلق التفكير هذا مشابه جداً لعملية التصفية الذهنية، لكنه يظهر بشكل متكرر لدى الأشخاص الناجحين القلقين، وقد سمعت بالفعل عن العديد من القادة الذين يرفضون الاحتفال بنجاحاتهم من خلال الإصرار على أنها كانت وليدة الحظ أو التوقيت الجيد أو أن أي شخص كان ليحقق ما أنجزوه بالفعل.
قد يبدو ذلك تواضعاً وتفكيراً غير ضار، مثل بعض المزالق الأخرى، لكنه قد يتسبب بمشكلات كبيرة إذا منعك من تكرار نجاح ما أو خوض تجربة جديدة. على سبيل المثال، تخشى إحدى زميلاتي السابقات التحدث أمام الجمهور، وعلى الرغم من أنها قدمت عروضاً تقديمية ناجحة، فإنها تعتقد أن نجاحها كان محض صدفة، وهو ما جعلها تفوّت فرص التحدث أمام العامة.
عبارات "ينبغي"
ينبغي أن أكون متقدماً أكثر في مسيرتي الآن. لا ينبغي أن يكون التقدّم في هذه الشركة صعباً. ينبغي أن أتعلّم المزيد. جميع تلك العبارات هي أمثلة على مزالق التفكير الشائعة جداً التي تحدث عندما لا يلبّي الواقع آمالك أو توقعاتك الكبيرة. فالعبارات التي تتضمن كلمة "ينبغي" أو ما يماثلها "يجب" و"لا بدّ" و"من الضروري" قد تؤثر على مزاجك ودوافعك لأنها تجعلك تشعر بالإحباط والتمرد بدلاً من أن تكون مستعداً لإجراء تغييرات وتحقيق أهدافك، بحسب بيرنز.
وعندما تجد نفسك تُدلي بعبارة ما تبدأ بكلمة "ينبغي"، حاول إعادة صياغتها بطريقة ألطف وأقل تطلباً. على سبيل المثال، بدلاً من أن تقول: ينبغي أن أكون متقدماً أكثر في مسيرتي المهنية، حاول أن تقول: أرغب في أن أكون متقدماً أكثر في مسيرتي المهنية. ثم فكّر في أي إجراءات يمكنك اتخاذها لتصحيح المشكلة ونفّذها، وفي حال لم تتوصّل إلى أي إجراء، ستدرك حينها أن عبارة "ينبغي" غير واقعية. على سبيل المثال، تمثّل عبارة "يجب أن أكون قادراً على توقع احتياجات مديري على الدوام" معياراً مستحيلاً.
المقارنة الاجتماعية
تعتبر مقارنة نفسك بالآخرين عملية ضارة، خاصةً عندما ينتج عنها تقييمات ذاتية مسبقة: ستكون مبيعاته أعلى من مبيعاتي دائماً. أعتقد أنها ستكسب مزيداً من الأموال. وتتمثّل عواقبها في العمل في المنافسة غير السليمة والقلق المتزايد، ما يعيق التعاون والأداء الجماعي.
ويتمثّل الحل في تحويل المقارنة إلى حب للاستطلاع. على سبيل المثال، يقول تشايا إنه درّب نفسه على قول: ما فعلوه أمر مثير للاهتمام بالفعل، لمَ لا أجرّب ذلك أنا أيضاً؟ أو، لقد نجحوا بالفعل، لكن هذا ليس ما أريد فعله الآن. باختصار، حاول التركيز على هويتك وعلى ما ترغب في تحقيقه بدلاً من الشعور بالقلق والتشتت بسبب إنجازات الآخرين.
الشخصنة واللوم
هذان تعبيران متناقضان لخطأ التفكير نفسه؛ تحدث الشخصنة عندما تحمّل نفسك المسؤولية عن الظروف والأفعال الخارجة عن إرادتك، على سبيل المثال، إذا كان أحد مرؤوسيك المباشرين يعاني صعوبات، فستعتبر ذلك دليلاً على أنك مدير سيئ. ويعتقد علماء النفس أننا قد نقع في مزلق التفكير هذا لنمنح أنفسنا وهم السيطرة أو لنتجنب الصراع أو لنمارس الخضوع الذي تعلمناه في الطفولة.
وعلى النقيض من ذلك، ينطوي اللوم على نسب المشكلة بالكامل إلى الآخرين، بمعنى أن الخطأ عائد إلى الموظف لعدم قدرته على تحمّل عبء العمل، وإلى افتراضك بأنه لا يلتزم بالمعايير العالية نفسها التي تتبناها.
وتتمثّل الاستجابة الأفضل في الاعتراف بأن الحقيقة تكمن بين خطأي التفكير هذين، أو أنها تتطلب مزيداً من التحقق. وبالعودة إلى مثال الحالة التي ذُكرت للتو، يجب أن تلتقي مرؤوسك المباشر وتسأله عن سبب المشكلة من وجهة نظره، وأن تتوصلا معاً إلى استراتيجيات بشأن الحلول المحتملة.
اجترار الأفكار
ينطوي الاجترار على أفكار هوسية ومتكررة حول أحداث سلبية من الماضي، أو مشكلات نواجهها في الوقت الحاضر، أو أخرى نتوقعها في المستقبل، وهو معزز هائل وشائع جداً للقلق. من منا لم يُعد التفكير في تعليق عشوائي، أو قرار سيئ، أو حادثة مؤلمة، أو لقاء فاشل مراراً وتكراراً في عقله؟ من منا لم يحصر تركيزه في تحدٍ ما في العمل أو في علاقة ما متناسياً كل شيء آخر؟
ما يميز اجترار الأفكار عن المعالجة السليمة للأفكار هو أنه لا يوفر طرقاً جديدة للتفكير أو التصرف أو حل المشكلات، إنما يتناول الحدث نفسه مراراً وتكراراً، ما يجعلنا حبيسي عقلية سلبية. قد يكون اجترار الأفكار الذي يركز على المستقبل مفيداً، فإذا كنت قلقاً بشأن مهمة صعبة، فستعمل بجدٍ أكبر عليها؛ وإذا كنت قلقاً بشأن نتيجة سيئة، فستبذل قصارى جهدك لتجنبها، لكن الأمر لا يسير على هذا النحو، بل سيودي بنا هذا الهوس إلى حالة من التقاعس.
وتتمثّل إحدى الطرق التي أتبعها لتجاوز حالة اجترار الأفكار في تدوين أفكاري ليسهل عليّ تحديد تلك الأفكار اللاعقلانية أو غير المنطقية منها، ما يحفزّني بدوره على مواصلة تقدّمي.
التفكير العاطفي
يرتبط هذا المزلق بالمشاعر الشخصية التي نفترض أنها صحيحة. على سبيل المثال، أشعر بالرعب من ركوب الطائرات، ولا بدّ أن السفر بالطائرة خطير جداً. لكن علماء النفس متفقون على حقيقة أن المشاعر هي في الواقع نتاج أفكارنا ومعتقداتنا، وإذا كانت أفكارنا متحيّزة، فلن تعكس مشاعرنا الواقع.
ومن الأمثلة على التفكير العاطفي في العمل أن تقول: أشعر بالإرهاق من عبء عملي، وأظن أنني غير قادر على أداء عملي على أكمل وجه. لسوء الحظ، قد يدفعك ذلك التفكير إلى استجابة غير سليمة تحقق فيها رغباتك. على سبيل المثال، إذا تمثّلت استجابتك للشعور بالإرهاق في التجنب أو التسويف، فأنت تزيد بذلك الموقف سوءاً.
بدلاً من ذلك، عليك أن تبذل قصارى جهدك للتخلص من تلك الأفكار، كما هو الحال مع مزالق التفكير الأخرى، كأن تتحدث إلى مراقب محايد وتتحقق من صحة الأفكار العاطفية التي تدور في ذهنك، فمن المحتمل جداً أن تكون مشاعرك بانعدام الكفاءة مبالغ فيها أو خاطئة.
سيتيح لك تحديد المصدر الحقيقي لقلقك تجنّب إبداء ردود فعل عكسية والعمل بجد وتركيز.
تفادي المزالق
قدمتُ بالفعل بعض النصائح حول كيفية التعامل مع كل مزلق من مزالق التفكير، لكن قد تساعدك العديد من الممارسات الشاملة على تجنبها أو تجاوزها تماماً. (بالنسبة لمعظم الناجحين القلقين، أوصي أيضاً باستشارة معالج مختص).
اجعل القلق حليفك. قد تصبح مشاعرك المعقدة مصدراً مفيداً للمعلومات وميزة قيادية عند الاستفادة منها، شرط أن تفهم ماهيتها على أكمل وجه. اسأل نفسك أسئلة استقصائية مثل: "ما الذي يثير قلقي بالضبط؟" "هل هو شخص أم موقف أم نتيجة محتملة؟" "لماذا أشعر بالقلق من الأساس؟" سيتيح لك تحديد المصدر الحقيقي لقلقك تجنّب إبداء ردود فعل والعمل بجد وتركيز. يؤكد تشايا أنه تصالح مع نفسه "القلقة" بقوله: "أدركت بالفعل أن تلك هي طبيعتي، وهي تفيدني أحياناً لأنها تجعلني أفكر في الكثير من القضايا مسبقاً".
مارس التعاطف مع الذات. كما أوضحت الأستاذة في علم النفس كريستين نيف، فقد يساعد استبدال "نقد الذات" بـ "التعاطف مع الذات" في التقليل من حدة القلق بشكل كبير، فإذا تعاملت مع نفسك بإيجابية، فستشعر بتحسن، وتفكر بوضوح، وتتفادى مزالق التفكير.
إليك هذا التمرين: فكّر في شيء إيجابي حققته مؤخراً، مثلاً، نتيجة ناجحة توصّلت إليها في العمل، أو تواصل بنّاء أجريته مع صديق لك، أو رياضة مارستها في يوم حافل بالعمل. قل لنفسك الآن: "لقد أبليتُ بلاءً حسناً"، وحاول أن تستشعر إنجازك هذا دون أن تسمح لنفسك بالتفكير بسلبية أو انتقاد جهدك أو الانتقال إلى العنصر التالي في قائمة مهامك، بل تباهى بإنجازك قليلاً.
تحرّ الفكاهة. ستجد أن بعض المزالق الفكرية مضحكة حقاً إذا تقفّيت نتائجها المنطقية: هل سيؤدي الخطأ المطبعي إلى تسريحك من العمل؟ هل عدم تحقيق شركتك أهداف مبيعاتها خطأك وحدك؟ بالطبع لا! إذا آمنت أن هذه الأفكار سخيفة بالفعل واستهزأت بها، فستنجو على الفور من قبضة مزلق التفكير، بمعنى آخر، تخلص من قلقك بالاستهزاء به.
مارس الرياضة. قد تتمثّل أفضل طريقة للتخلص من الأفكار التي تدور في عقلك في تحريك جسدك، اصعد بعض السلالم، قف وتمدد، شغّل بعض الموسيقى وارقص. وقد تساعدك الكتابة بدلاً من مجرد التفكير في خلق انفصال بين عقلك وجسدك.
مارس التأمّل الموجّه. لطالما أوصى الخبراء بممارسة التأمّل كوسيلة لتقليل القلق، لكنني وجدت أنني عندما أكون حبيسة أحد مزالق التفكير، تتحول ممارسة التأمّل الصامت بسرعة إلى اجترار الأفكار، أو توقّع الكوارث، أو التصفية الذهنية، أو التصنيف، أو أي شيء يؤثر عليّ في ذلك اليوم. ويتمثّل الحل الأفضل في ممارسة التأمّل الموجّه بمساعدة شخص مختص يتيح لك التركيز على أفكار أخرى مفيدة، ولن يتجلى لك الأثر الحقيقي إلا عندما تفكر بعمق وتعيد ضبط أفكارك.
لا تتردد في قول "لا". قد يبدو هذا الحل بسيطاً جداً لكنه ناجع، فعندما تقع في مزلق التفكير ارفضه على الفور بقول: "لا" أو "توقف" أو قل "لا، شكراً" أو "ليس اليوم"! وكلما مارست هذه العادة أتقنتها إلى حين يتعلم عقلك هذا التلميح للتخلص من الأفكار التي يغذيها القلق قبل أن يوقعك في شراكه.
حقق كامل إمكاناتك
لتحقق كامل إمكاناتك، لا تسمح لمزالق التفكير أن توقعك في شراكها. على سبيل المثال، تخلص غولدشتاين من قلقه بعد أن حصل على إجازة من العمل ليتعلم ممارسات اليقظة الذهنية والتعاطف مع الذات، لا يزال طموحه عالياً وقلقه حاداً، لكنه تخلّى عن توقع الكوارث.
وبالمثل، استخدم تشايا الأدلة لتهدئة شكوكه ومخاوفه، ويشرح قائلاً: "نجحت في عملي على مدار السنوات السبع الماضية وأنا مشغول اليوم أكثر من أي وقت مضى، ولا بدّ لي أن أعترف أنني قادر على تجاوز أي عائق".
وبالنسبة لي، قررت استغلال شخصيتي الناجحة القلقة من خلال استضافة مدونة صوتية (بودكاست) للحديث عنها وإصدار كتاب عنها، وتدريب الناجحين القلقين أمثالي. ورسالتي بسيطة، وهي أننا إذا سعينا إلى الاستفادة من قلقنا وتقليل آثاره علينا، فيمكننا حينها العمل بمزيد من الطاقة والإبداع، وتأدية أعمالنا على أكمل وجه، وبلوغ السعادة، والتحلّي بصفات القادة الذين يرغب الناس في العمل لصالحهم، وتحمّل المخاطر الوهمية اللازمة لإحداث تغيير إيجابي. باختصار، نحن قادرون على تحقيق نجاح مهني دون أن نرهق أنفسنا قلقاً.