كيف استجابت شركة “دي إتش إل إكسبرس” لأزمة توقف التجارة العالمية وتعافت منها؟

6 دقائق
شركة "دي آتش إل إكسبرس" وأزمة التجارة العالمية

ملخص: تُشير عمليات التحول المذهلة في التجارة الدولية خلال جائحة "كوفيد-19" والعمليات اللوجستية التي تدعم تلك التحولات إلى 3 دروس رئيسية في القدرة على التحمل تتعارض مع التفكير التقليدي، وجميعها يمكن استقاؤها من تجربة شركة "دي آتش إل إكسبرس" وأزمة التجارة العالمية. أولاً، احذر من التفكير الثنائي، وخاصة حول العولمة. تتكرر عادة التهويل من نكسات العولمة بنفس الطريقة التي تُهوّل فيها التوقعات بشأن التكنولوجيا الجديدة التي تمحو آثار الحدود والمسافات. ثانياً، يمثّل الأشخاص الذين يعملون لديك عامل تمييز مهم عندما تسفر أزمة ما عن جعل خططك متقادمة؛ أي يجب على الشركات أن تعتبر الاستثمارات في مهارات قوة العمل وثقافتها ركائز أساسية لقدرتها على التحمل. وأخيراً، يمكن لحجم الأصول والسيطرة المباشرة عليها أن تجعل الشركة أكثر مرونة، فعلى الرغم من الفكر التقليدي القائل بأن حجم الأصول ومدى انتشارها هما عاملان رئيسيان للقصور الذاتي، شكّل الحجم ومدى الانتشار ميزتين واضحتين لشركة "دي آتش إل" وغيرها من المؤسسات العالمية في أثناء الجائحة.

 

عندما انتشرت الجائحة في جميع أنحاء العالم في أوائل عام 2020، تقلصت التجارة في السلع بوتيرة سريعة، لتعكس مسارها في منتصف العام وتتجاوز مستوى ما قبل الجائحة قبل نهايته. وكان قطاع الخدمات اللوجستية في قلب العاصفة بعد أن أسفرت الجائحة عن عرقلة عمليات سلاسل التوريد؛ لكن يمكن للدروس المستقاة من نجاح ذلك القطاع خلال تلك الفترة أن تساعد المسؤولين التنفيذيين في إعادة التفكير في كيفية جعل شركاتهم أكثر قدرة على التحمل.

قد يتفاجأ بعض القراء من أننا نركز على الدروس المستفادة من نجاح قطاع الخدمات اللوجستية في أثناء فترة التعافي التي تميزت بتكدس البضائع في الموانئ واحتجاز حاويات الشحن، إضافة إلى جنوح سفينة شحن في قناة السويس. لكن حقيقة أن أحجام التجارة العالمية قد سجلت بالفعل أرقاماً قياسية جديدة في الأشهر الأخيرة تسلط الضوء على نمط الصورة الأشمل للقدرة على التحمل. إذ وجدت شركات الخدمات اللوجستية طرقاً لتعزيز التعافي في العالم ودعمه في ظل مواجهة التحديات الصعبة.

3 دروس مستنيرة من تجربة شركة "دي آتش إل إكسبرس"

ونعرض في هذا المقال 3 دروس مستنيرة من وجهات نظرنا التكميلية، فقد واجه أحدنا (بيرسون) التحدي المتمثل في قيادة شركة "دي آتش إل إكسبرس" خلال الجائحة، وهي أكبر شركة خدمات لوجستية سريعة في العالم؛ في حين كان الآخر (ألتمان) يعمل في الأوساط الأكاديمية وكان منهمكاً في تحليل البيانات ووضع التوقعات والتحليلات.

تجنّب التفكير الثنائي، وخاصة حول العولمة

قد يؤدي الميل إلى تفسير الأزمات والاستجابات المحتملة لها بمصطلحات "كل شيء أو لا شيء" إلى المبالغة في رد الفعل، وتشتيت انتباه صانعي القرار وتقويض القدرة على التحمل. يُعتبر هذا النمط بارزاً بشكل خاص في تقييمات العولمة، لكنه إشكالي أيضاً. في الواقع، تتكرر عادة التهويل من نكسات العولمة بنفس الطريقة التي تُهوّل فيها التوقعات بشأن التكنولوجيا الجديدة التي تمحو آثار الحدود والمسافات.

أخبر 83% من المسؤولين التنفيذيين باحثي شركة "إرنست آند يونغ" (EY) في شهر أبريل/نيسان عام 2020 أن شركاتهم كانت تفكر في إعادة توطين أعمالها أو تعهيدها استجابة للجائحة. لكن بعد الانتهاء من إجراء بعض التقييمات المدروسة بحلول شهر أكتوبر/تشرين الأول، لم تفكر إلا نسبة 37% فقط من الشركات في إجراء مثل تلك التغييرات. وعلى الرغم من أن إعادة التوطين والتعهيد هما إجراءان منطقيان بالنسبة لبعض الشركات، لا يزال يوجد بعض الجدل المبالغ فيه بشأن إجراء مثل تلك التحولات. في الواقع، استوردت الاقتصادات الكبرى في أوروبا وأميركا الشمالية في أثناء الجائحة وسطياً معظم سلعها من بلدان بعيدة عنها بالمسافة بدلاً من استيرادها من بلدان أقرب.

من جهة أخرى، ساعدت الذاكرة المؤسسية والتوقعات والتواصل الوثيق مع الزبائن شركة "دي آتش إل" في تجنب المبالغة في رد الفعل عندما بدأت التجارة في الانهيار في شهر مارس/آذار عام 2020، حيث اختبر فريق القيادة في شركة "دي آتش إل" كيفية استعادة سلاسل التوريد عافيتها من الزعزعات السابقة، مثل سحابة الرماد البركاني عام 2010 فوق أوروبا وزلزال عام 2011 وتسونامي اليابان. كما أولى المسؤولون التنفيذيون اهتماماً خاصاً بتوقعات الأعمال المتاحة، وراعوا توقعات الزبائن في بعض القطاعات ومدى حاجتهم إلى زيادة الاعتماد على خدمات الشركة بدلاً من التقليل منها. وتمثّل أحد القرارات الرئيسة في شركة "دي آتش إل" في التركيز على تجنب تسريح العمال، واتضح أن ذلك هو النهج الصحيح؛ وأضافت الشركة بالفعل آلاف الموظفين الجدد إلى قائمة موظفيها بحلول نهاية عام 2020.

وللحفاظ على منظور متوازن وسط التحولات السريعة، يجب على المسؤولين التنفيذيين إدراك ما أطلق عليه بانكاج غيماوات، أحد مؤسسي "مؤشر الترابط العالمي" الصادر عن شركة "دي آتش إل"، "تأثير اليويو الناجم عن العولمة". يؤثر التفكير الثنائي على التقلبات بين الاعتقاد بأن "العالم المسطح" وبين "نهاية العولمة". ولا يعتبر أي منهما وصفة ناجحة للقدرة على التحمل، لأن كليهما قد يؤدي إلى الاعتماد المفرط على مكان واحد، فالأول يركز على الخارج والآخر يركز على الداخل. لكن لطالما وقفت التجارة العالمية بين هذين النقيضين. صحيح أن التجارة قد تعاني من نكسات، لكن أثبت التنويع الاستثماري الذي تتيحه مراراً أنه يجعل الشركات أكثر قدرة على التحمل.

الموظفون هم عامل التمييز الرئيسي عندما تجعل الأزمات الخطط متقادمة

كان يجب على شركة "دي آتش إل إكسبرس" مع انتشار الجائحة إعادة تنظيم عملياتها استجابة للتطورات التي كان يستحيل على أي متخصص في تخطيط الشبكات توقعها، مثل الارتفاع المفاجئ في توريد معدات الحماية الشخصية إلى الصين، ثم شحن كميات أكبر في الاتجاه المعاكس بشكل سريع، متبوعاً بازدهار غير مسبوق للتجارة الإلكترونية عبر الحدود. وخلال أسبوع واحد فقط، وتحديداً في شهر مايو/أيار 2020، تلقّت شركة "دي آتش إل" العالمية طلبات بتغيير تحركات الطائرات أكثر من العام السابق.

في الواقع، جرى التوصل إلى العوامل الرئيسية التي أتاحت إجراء مثل تلك التعديلات السريعة قبل انتشار الجائحة. كما أن التطور طويل الأمد لمهارات الموظفين والاستثمار في ثقافة الشركة المرنة مكّن موظفي "دي آتش إل" من مواجهة التحديات الجديدة بسرعة عند ظهورها. على سبيل المثال، أجرى برنامج "الأخصائي الدولي المعتمد" التابع لشركة "دي آتش إل إكسبرس" في عام 2010 استثماراً قدره 100 مليون يورو، وهو يجمع عمليات التدريب وبناء الثقافة مع مهارات اندماج الموظفين، وتطور البرنامج ليصبح مبادرة على مستوى المجموعة ضمت أكثر من 370,000 موظفاً. ساهمت قوة العمل الماهرة في تلبية الاحتياجات المجتمعية الملحة بشكل ملحوظ، وأسفر تمكينها لحل المشكلات عن زيادة بنسبة 5 نقاط مئوية في مقياس اندماج الموظفين الداخلي لشركة "دي آتش إل" في عام 2020، والذي تتبع الشركة نتائجه عبر إجراء استقصاء سنوي لقوة العمل.

أي يجب على الشركات أن تعتبر الاستثمارات في مهارات قوة العمل وثقافتها ركائز أساسية لقدرتها على التحمل. ويتناسب ذلك مع البحث الذي يسلط الضوء على أهمية قدرة المؤسسة على الابتكار وتطوير استدلالات تشغيلية جديدة تحت الضغط. وتعتمد تلك القدرات بدورها على المعرفة والتدريب، ويمكن تعزيزها من خلال زيادة تنوع قوة العمل ووضع أهداف واضحة للشركة.

يمكن لحجم الأصول والسيطرة المباشرة عليها أن تجعل الشركة أكثر مرونة

تتعارض تلك الفكرة مع الفكر التقليدي القائل بأن حجم الأصول ومدى انتشارها هما عاملان رئيسيان للقصور الذاتي. من جهة أخرى، كان الحجم ومدى الانتشار مزايا واضحة لشركة "دي آتش إل" وغيرها من الشركات العالمية في ظل الجائحة، وهو ما أدى إلى زيادة القدرة على التحمل. وتمكنت شركة "دي آتش إل" بفضل شبكتها العالمية واتساع نطاق القطاعات التي تخدمها من استيعاب التدفقات التجارية المتغيرة بسرعة وتسهيل الطفرة في التجارة الإلكترونية.

وبينما تعمل التكنولوجيا الجديدة على تعزيز نمو استراتيجيات تقليل الأصول، لا يزال للرقابة المباشرة على الأصول دور مهم في تعزيز القدرة على التحمل. تمثّل أحد التحديات الرئيسية لشركات الخدمات اللوجستية في أثناء الجائحة في توقف السفر الجوي الدولي، وأسفر إيقاف طائرات الركاب، التي عادة ما تحمل الشحنات في مخازنها، عن انخفاض كبير في طاقة الشحن الجوي، بعد أن كانت تساهم بما يصل إلى 50% من قدرة الشحن الجوي خارج السوق في بعض الممرات التجارية الرئيسية. من جهة أخرى، أسفر تحكم شركة "دي آتش إل" بأسطول يضم أكثر من 250 طائرة، إلى جانب التغييرات التشغيلية، مثل التحولات السريعة لتجنب فرض الحجر الصحي على الطيارين، عن الحد من تأثير تلك الزعزعة على الشركة وزبائنها. كما مكّن هذا الحجم من الأصول المكونة من الطائرات شركة "دي آتش إل" من مواصلة خدماتها في أكثر من 220 دولة وإقليم، وهو ما حافظ على شريان الحياة الحيوي للبلدان في جميع أنحاء العالم.

بالإضافة إلى ذلك، مثّلت التغطية العالمية لشركة "دي آتش إل" ميزة ومثالاً مهماً في مجال التعلم السريع حول كيفية مواصلة العمليات بأمان في ظل الجائحة. ومع انتشار الجائحة في العالم، يمكن مشاركة التغييرات التشغيلية التي طُورت في بلد ما وتكييفها لتلائم الظروف سريعة التغير في البلدان الأخرى.

وفي نهاية الحديث عن شركة "دي آتش إل إكسبرس" وأزمة التجارة العالمية، يسلط الانتعاش الكبير للتجارة العالمية وتجربة "دي آتش إل" خلال جائحة "كوفيد-19" الضوء على أهمية عدم المبالغة في الاستجابة لتوقعات التجارة المتغيرة، واعتبار الاستثمارات في الأفراد عوامل تمكين رئيسية لتعزيز القدرة على التحمل، وإمكانية الاستفادة من انتشار الشركات ورقابتها على الأصول في مواصلة الأعمال بشكل أسرع. ومع استمرار تدفق التجارة، ستواصل الشركات والبلدان الاعتماد على سلاسل التوريد العالمية والإقليمية. وما يدعو للتفاؤل هو أن تحديات العام الماضي ستعزز عوامل الازدهار الحيوية تلك، وهو ما يساهم في زيادة القدرة على التحمل في ظل الأزمات المستقبلية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي