ما الدور الحقيقي الذي يؤديه مدراء الإدارة الوسطى؟

6 دقائق
مدراء الإدارة
shutterstock.com/Monster Ztudio

هل سألك أحد مدرائك في العمل عن أحوالك في أثناء جائحة كوفيد-19؟ هل لاحظ أحدهم أن لديك مهارة قد تفيد العمل ولكنها غير موظفة بشكل جيد؟ هل عرض عليك مديرك فرصة تدريب أخبرته عن حاجتك إليها لدعم مسارك المهني؟ إذا كانت إجابتك نعم، فعلى الأرجح لديك قائد مباشر جيد تدرك شركتك أهمية دوره في استمرارية الشركة. وإذا كانت الإجابة لا، فأنت لست وحدك ممن يعملون في شركات لديها قصور في فهم دور الإدارة الوسطى. يمتلك مدراء الإدارة الوسطى دوراً حيوياً يؤثر في بقاء الموظفين أو مغادرتهم، وأداء الشركة، وتحويل رؤيتها وأهدافها الاستراتيجية إلى واقع ملموس، غير أن هذا الدور يتعرض إلى التهميش والحصار مؤخراً، سواء عبر التشكيك في جدواه، أو إغراق من يشغله بمهام روتينية وإدارية تحول بينه ومهامه الرئيسية، أو حتى عدم وضوح مهامه بالنسبة للقيادة العليا. فما هو دور مدراء الإدارة الوسطى، ولماذا وجودهم حيوي بالنسبة للشركة، وما هي العوائق التي تعترض طريق استفادة الشركة منهم، وأخيراً كيف يمكن للشركات تعزيز دورهم؟

مدراء الإدارة الوسطى: ورقة الرهان في معارك السوق التنافسي وأبرزها جذب المواهب 

في شهر يوليو/ تموز، عام 2001، استيقظ الرئيس التنفيذي لشركة جوجل، لاري بيج، وقرر أنه لا حاجة إلى مدراء يتوسطون بينه ومهندسيه في الشركة، وأن المهندسين التقنيين لا يحتاجون إلى الإشراف من قِبل أشخاص أقل منهم في الخبرة التقنية، فما كان إلا أن استدعى مدراء المشاريع لديه، وأبلغهم قرار فصلهم. ما الذي حدث؟ سريعاً ما فشلت خطته هذه، وتدخل أحد المهندسين حينها، أورس هولزل، لإعادة توظيفهم.

يحمل مدراء الإدارة الوسطى الفاعلون شعلة النجاح في الشركات، سواء من ناحية الأداء التنظيمي، أو الأداء المالي، أو استبقاء الموظفين. فتصفهم مجموعة بوسطن الاستشارية، بعد استبيان شمل آلاف الموظفين حول دوافع النجاح في شركاتهم، بـ "مجموعة متجاهلَة لكن حيوية"، وتوصلت دراسة في جامعة وارتون أن سلوك مدراء الإدارة الوسطى يحدد 22.3% من الاختلاف في العائد، وفقاً لمقال منشور في هارفارد بزنس ريفيو عن إرهاق مدراء الإدارة الوسطى. وقررت دراسة ضخمة أخرى في الولايات المتحدة الأميركية لبحث أسباب تسرب الموظفين أن سوء العلاقة مع المسؤول المباشر، وعدم الرضا عن أداء فرق العمل والتي عادة ما يكون مدراء الإدارة الوسطى مسؤولين عن تشكليها وإدارتها، كانت من الأسباب الرئيسية لتسرب الموظفين.

امتلاك مدراء الإدارة الوسطى الأقوياء ليس فقط أمراً جيد، وإنما إحدى ضروريات العمل، وفقاً لماكنزي، إذ تحقق المؤسسات التي تضم مدراء ذوي أداء أعلى عدة أضعاف إجمالي عائدات المساهمين مقارنة بالمؤسسات التي لديها مدراء متوسطين أو أقل من المتوسط، وأن وجود المزيد من هؤلاء المدراء الأفضل أداءً يؤدي إلى نتائج مالية أفضل بكثير.

الدور الأهم الذي يقوم به المدراء في الإدارة الوسطى هو تعزيز المواهب، واستبقائهم، وتطوير مهاراتهم، وتبرز أهمية هذا الدور في عصر تتسابق فيه الشركات لجذب المواهب. إذ أبلغ نصف الذين غادروا شركاتهم، في استطلاع للرأي أجرته شركة غالوب، أن المدراء كانوا سبب قرارهم. إذ يلعب المدراء في الإدارة الوسطى دوراً في تعزيز الانتماء، وتطوير المواهب، وشعور الموظف بالقيمة.

هل تذكر السؤال الأول في بداية المقال؟ لقد أفاد 40% من الموظفين، في استطلاع للرأي، أن أحداً لم يسألهم عن أحوالهم في أثناء جائحة كوفيد-19، ومثلت العلاقات في مكان العمل 39% من الرضا الوظيفي للموظفين، ومثلت العلاقات مع المدراء، على وجه الخصوص، 86% من رضا الموظفين. كل هذه الأمور تقع في صميم دور مدراء الإدارة الوسطى.

دور مدراء الإدارة الوسطى: قوّة مقيّدة بأغلال البيروقراطية

على الرغم من هذا الدور الحيوي، تقف العديد من الشركات عاجزة عن رؤية الاستفادة من هؤلاء المدراء، بل وينظر بعضهم إليها بدعوى أنهم طبقة زائدة عن الحاجة في المؤسسة. والحقيقة أن عدم فاعلية هؤلاء المدراء هي نتاج ثقافة المؤسسة نفسها، وذلك كالتالي:

  • تفتقر بعض المؤسسات إلى الوضوح بشأن ما يجب على مدراء الإدارة الوسطى فعله بوقتهم، ففي الوقت الذي يظن المدير، على سبيل المثال، أن دوره الإشراف على تنفيذ خطط العمل ومدى توافقها مع استراتيجية الشركة ودعم مرؤوسيه، ترى القيادة العليا أن وظيفته القيام بأدوار تنسيقية، أو القيام بنفس الدور الذي كان يقوم به قبل ترقيته ولكن بحجم أكبر، وغيره. هذه الرؤية الملتبسة تثقل كاهل هذا القائد وتثبط إنتاجيته.
  • يتسبب قادة المؤسسات أنفسهم في كثير من الأحيان من الحد من قدرة المدراء على أداء أدوارهم الفعّالة، إذ يطلب منهم قضاء الكثير من وقتهم في التعامل مع الأعمال غير الإدارية والإجراءات التنظيمية بدلاً من السماح لهم بالتركيز على الدور الأكثر أهمية في المؤسسة: تعزيز المواهب. إذ يقضي المدراء في الإدارة الوسطى ما يقرب من نصف وقتهم في الأعمال غير الإدارية، وفقاً لاستطلاع رأي حديث. حيث يوافق 20% فقط من المدراء الذين شملهم الاستطلاع على أن مؤسساتهم تساعدهم على أن يكونوا مدراء ناجحين للأفراد.
  • تغفل المؤسسات حقيقة أن الوقت مورد محدود، ففي حين تنتظر المؤسسة أن يقوم مدراؤها بأدوارهم بشكل فعال، تغرقهم في المقابل في مهام روتينية مثل الاجتماعات المفرطة، ورسائل البريد الإلكتروني.
  •  تقود ضعف الهيكلة أيضاً إلى تقويض قدرة المدراء، فعلى سبيل المثال، إذا لم يكن لدى المدير ما يكفي من أعضاء الفريق لتحقيق أهداف الفريق، فقد يضطر هذا المدير إلى سد الثغرات من خلال إكمال العمل الأقل قيمة.
  • تؤثر طريقة اختيار المدراء أيضاً في قدراتهم على أداء أدوارهم، ففي بعض الأحيان يصل المدير إلى مكانه عبر ترقية روتينية، أو مكافآة له على خبرته الفنية، دون أن يمتلك خبرات إدارية تمكنه من إدارة فريقه بشكل فعّال.

نتيجة لكل ذلك، يجد مدراء الإدارة الوسطى أنفسهم محاصرين بين رؤسائهم ومرؤسيهم، ومشتتين بين ما يريدون فعله وما هو متوقع منهم وما يجدون أنفسهم غارقين به بالفعل. إذ يعانون بالفعل من القلق وأعراض الاكتئاب أكثر من غيرهم، كما أنها واجهوا صعوبات تعادل ضعفي الصعوبات التي واجهها المسؤولون التنفيذيون فيما يتعلق بالحفاظ على حس الانتماء، وعانوا ضغطاً أكبر ويحققون إنتاجية أقلّ من زملائهم الأعلى رتبة.

دور المؤسسة في تعزيز دور مدرائها: نموذج ودور جديد للمدراء 

لحسن الحظ، تستطيع المؤسسات الاستفادة من الدور الحيوي لمدرائها في الإدارة الوسطى، عبر إعادة النظر في دورهم، واتباع عدة استراتيجيات:

1. طريقة اختيار المدراء: يجب أن نفرق بين موظف يتمتع بخبرة عالية في مجاله، وموظف يمتلك مهارات إدارية. تخلط بعض المؤسسات بين الوظيفتين، وتفترض أن الموظف صاحب الخبرة العالية بالضرورة يجب أن يملك مهارات إدارية جيدة، فتمنحه ترقية وظيفية يضطر فيها إلى ممارسة دور إداري. وهنا، يتعيّن على المؤسسات بناء هياكل تنظيمية تضم سلاسل مهنية تتيح لأصحاب الخبرات تحصيل ألقاب وظيفية أعلى وتعويضات أفضل دون مطالبتهم بالعمل كمدراء.

فيوضح القائد التنفيذي لـ "منتدى المستقبل"، واتحاد أنشأته شركة "سلاك" (Slack)، بريان إليوت، خلال مقال له عن تحرير مدراء الإدارة الوسطى، الآلية التي اتبعتها سلاك في هذا الأمر، مشيراً إلى أن الشركة حددت مسارين قياديين متساويين في الأهمية، مسار الخبير ومسار تطوير الفرق. ففي الأول، يمكن ترقية المساهمين الأفراد حتى مستوى نائب الرئيس بناء على خبراتهم الفنية وحدها دون إسناد أية أدوار متعلقة بقيادة الفريق، بينما يخصص المسار الآخر للموظفين الكفء الذين يبدون مهارات إدارية.

2. إعادة تعيين أدوار المدير: يمكن للقادة إجراء مراجعة شاملة لأدوار المدير، وتصنيف مهام الإدارة بناءً على ما إذا كانت تضيف قيمة أم لا، والبحث عن طرق لأتمتة المهام، وحظر الاجتماعات غير الضرورية، لإتاحة الوقت للمدراء للتركيز على موظفيهم، وإلا فإنهم يخاطرون بحدوث ارتباك في خطوط المواهب والخطط الاستراتيجية. وسيكون المفيد هنا، إجراء جلسة بين قادة المؤسسة والمدراء لتحديد المهام المتوقعة من المدراء وكيفية القيام بها في ظل الوقت المتاح، ما يعني إزاحة المهام الروتينية والمهام التي يمكن أتمتتها أو الاستغناء عنها عن كاهلههم.

3. هيكل تنظيمي مناسب: تركز العديد من الشركات على إيجاد العدد السحري للموظفين الذين يمكن للمدير الإشراف عليها لتحقيق الفعالية والكفاءة المثلى، إذ أن الأعداد الكبيرة تخلق ضغطاً هائلاً على وقت المدراء، ما يترك لهم فرصة ضئيلة لتقديم تدريب ذي مغزى أو قضاء وقت كافٍ في الإستراتيجية. وهنا، يتعيّن على المؤسسة إعادة النظر في الهيكل المثالي، وتوزيع الأفراد بشكل يسمح للمدراء بإدارتهم بشكل فعّال.

4. إتاحة فرص التطوير: يمكن لتوفير فرص تدريبية وتطوير المهارات القيادية أن يحدث نقلة في أداء المدراء في المؤسسة، بداية من فهم دورهم المنوط بهم القيام به، إلى تزويدهم بآليات القيادة لدعم أدائهم، كما أنه يدعم استبقائهم وشعورهم بالرضا الوظيفي، إذ أفاد 90% من الموظفين بأن برامج التدريب والتطوير المهني من العوامل المهمة التي ينظرون إليها خلال بحثهم عن وظئاف جديدة، وفقاً لاستطلاع رأي أجرته شركة الأبحاث وورك بليس إنتلجينس (Workplace Intelligence) بالشراكة مع شركة أمازون.

4 خطوات يتبّعها المدراء لتحقيق أفضل أداء

وأخيراً، هناك العديد من الاستراتيجيات التي يمكن لمدراء أنفسهم اتباعها لتعزيز دورهم، والتغلب على التحديات التي تواجههم، وتأطير عملهم بالشكل الذي يعود بالنفع عليهم ومؤسساتهم. يقول أحد الشركاء في شركة ماكنزي، والمشارك في استطلاع رأي موسع عن المدراء في الإدارة الوسطى، بيل شانينجر، أن هؤلاء المدراء يملكون دوراً حيوياً بسبب قربهم من الخطوط الأمامية، ووجّه إليهم بعض الإرشادات لتعزيز دورهم:

1. التأكد من أن مرؤسيهم يقومون بعمل ذي مغزى: ذكرنا أنه لا يمكن للقادة إغراق المدراء في المهام الروتينية. هذه الجملة للمدراء أيضاً، إذ أن القائد الكفء لابد أن مرؤوسيه يعملون على وظائف ذات مغزى. لذلك، سيكون من المفيد البدء بتصفية مهام الفريق، وإسناد المهام ذات القيمة إليهم، وأتمتة بقية المهام أو الاستغناء عنها أو حتى تفويضها لمصادر خارجية.

2. تقبُل انخفاض الأداء في فرقهم: يقع العديد من القادة في فخ التفكير في أنهم بحاجة إلى أن تعمل فرقهم بكامل طاقتها طوال الوقت. ولكن، إذا كان جدول الفريق دائماً مزدحم بالمهام، فإنهم لا يملكون الوقت لتطوير مهاراتهم، وإعادة النظر في قيمة ما يفعلونه، والخروج بأفكار مبدعة.

3. تحسين المشاركة: دور المدراء المباشرين لا ينحصر فقط في العمل، وإنما في تعزيز الولاء وتحسين المشاركة لدى الموظفين، لذلك من الخطأ اختصار العلاقة على السؤال عن أحوال العمل فقط، لذا من المهم أن يبدأ المدير بالسؤال عما يهم فريقه، واطلع على ما يمكنك فعله لتقديم هذا الدعم.

4. توفير سياسة واضحة: عدم الوضوح هو بداية الطريق لخلق بيئة عمل سامة. لذلك، من الأدوار الهامة للمدير المباشر تحديد الأدوار ووصف التوقعات بوضوح، والتحلي بالشفافية بشأن تقييمات موظفيهم، حتى لا ينتهي الأمر بهم لا يعرفون أين يقفون.

حان الوقت لإعادة النظر إلى دور المدراء في الإدارة الوسطى، وتبني عقلية جديدة بشأنه، ومعرفة أنه مفتاح الشركات للفوز في معارك السوق المحتدمة، وعلى رأسها معركة جذب أفضل المواهب والاحتفاظ بها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي